المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
دون مخالفة سياسة بلاده في دعم "إسرائيل" مرشح للرئاسة الأمريكية يصف نتنياهو بالعنصري
  • كلمة في البداية
  • 1220
  • انطوان شلحت

استمرت، الأسبوع الفائت أيضاً، الاحتجاجات التي تشهدها إسرائيل منذ عدة أسابيع والتي يبذل الواقفون وراءها جهوداً قصوى من أجل توسيع المشاركة الجماهيرية فيها عبر التركيز على ضرورة منحها زخماً أكبر للوصول إلى غاية رفع مزيد من أصوات الاحتجاج في الوقت عينه ضد الأزمتين الصحية والاقتصادية الناجمتين عن تفشي فيروس كورونا، وضد أداء حكومة بنيامين نتنياهو الخامسة، والذي يتسم بأنه محتكم بالأساس إلى كون رئيسها يخصص جلّ وقته لهدف واحد فقط: بقاؤه في سدّة السلطة بأي ثمن.

ولدى متابعة آخر مستجدات هذه الاحتجاجات لا بُدّ من أن نلاحظ أنه إلى جانب شبه الإجماع على أنه حتى في حال نجاح التظاهرات في وضع حدّ لعهد نتنياهو المتواصل منذ أكثر من عقد فليس من شأن ذلك أن يعني نهاية حكم اليمين في إسرائيل، بدأ يتكرّس شيئاً فشيئاً شبه إجماع آخر، موازٍ للسابق ومكمّلٍ له، على أن خلخلة أسس ذلك العهد ما عادت مرهونة بتلك التظاهرات بعد أن فشل منظموها في استقطاب أعداد كبيرة من القاعدة الشعبية الداعمة لرئيس الحكومة، وذلك بالرغم من أن تلك القاعدة لا تخرج عن طورها للدفاع عنه وعن حكمه، كما تدلّ على ذلك التظاهرات المؤيدة له التي لم تنجح هي أيضاً في أن تجتذب مشاركة جماهيرية ملفتة.

إزاء ذلك، بدأت الأنظار تتجه إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية تحت وطأة أزمة فيروس كورونا وما يمكن أن تنطوي عليه من تداعيات مرتبطة بالاصطفاف السياسي- الحزبي، وأكثر فأكثر تركّز الأنظار على انتخابات الرئاسة الأميركية التي ستجري في تشرين الثاني المقبل، باعتبارها هي أيضاً حدثاً مفصلياً ويمكن أن تترتب على نتائجها إسقاطات تتعلّق بمستقبل نتنياهو وسياسته العامة.

ووفقاً لتحليلات إسرائيلية كثيرة، إذا ما أسفرت هذه الانتخابات عن إطاحة الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب وما يمثله على صعيد سياسة الولايات المتحدة الخارجية ولا سيما فيما يتعلق بإسرائيل، فستطرأ تغييرات على تلك السياسة ستؤثر بالتأكيد في السياسة الإسرائيلية التي ينتهجها رئيس الحكومة الحالية. وذهب أحد المحللين إلى القول إن نتنياهو يبني الكثير من حساباته وممارساته على خلفية محاكمته بشبهات فساد التي ستبدأ في كانون الثاني 2021 لكنه يعرف في قرارة نفسه أن ما ستسفر عنه الانتخابات الأميركية من نتائج قبل موعد المحاكمة يمكن أن تكون مؤثرة لا أقل في مستقبله، إن لم تكن حتى أكثر.

في ضوء ذلك لم يكن من قبيل الصدفة أن نتنياهو أمسى منذ الآن مُجنّداً بكليته لهذه الانتخابات الأميركية ولتقديم ما يلزم من دعم لترامب كي يفوز فيها، وهو ما أبانت عنه بجلاء، على سبيل المثال، الحيثيات المرتبطة بـ"اتفاق أبراهام" لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، وخصوصاً الحيثية المرتبطة بالموافقة على بيع الولايات المتحدة مقاتلات متطورة إلى الإمارات بالرغم من معارضة المؤسسة الأمنية الإسرائيلية صفقات بيع كهذه بحجة أنها تمسّ التفوق العسكري الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط.

هذه الموضوعات وغيرها نتناولها في هذا العدد من "المشهد الإسرائيلي"، إلى جانب العرض والتحليل لما تُسمى بـ"عقدة غزة" في الخطاب الإسرائيلي بين الماضي والحاضر، وذلك في إثر عودتها إلى صدارة الأحداث في الفترة الأخيرة وتأديتها إلى جدل قديم- متجدّد بشأن ماهية الموقف المطلوب حيالها على الصعيدين الأمني والسياسي ارتباطاً بآخر التطورات في القطاع، وباستمرار الانقسام.

في سياق متصل، إذا كانت اعتبارات الانتخابات الأميركية واحتمالات إطاحة إدارة ترامب أدّت، من بين أمور أخرى، إلى إرجاء خطة ضم مناطق من الضفة الغربية إلى إسرائيل بموجب ما نصّت عليه خطة الرئيس الأميركي لتسوية الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني المعروفة باسم "صفقة القرن"، فإن سياسة دولة الاحتلال ظلّت سادرة في غيّها، عبر استخدام الكثير من الأدوات في سبيل شرعنة ممارساتها المُفرطة في التوحّش تحت مختلف الغطاءات التمويهية، كما يحدث من خلال ظاهرة تتفشى في جميع أرجاء الضفة الغربية المحتلة، استعرضها تقرير جديد لمنظمة "محسوم ووتش" نقدّم قراءة موسعة له في هذا العدد، وتتمثل كما ورد فيه بـ"سيطرة إسرائيل على سلاسل الجبال وقممها في جميع أنحاء الضفة الغربية والتي لم تتجاوز أماكن العبادة المقدسة للفلسطينيين، حيث تم ضمها إلى المستوطنات بأوامر عسكرية وجرى إدخالها في نطاق مناطق التدريبات العسكرية، المحميات الطبيعية والمواقع الأثرية".

ويشير التقرير إلى أن الهدف الأهم الذي تسعى إليه إسرائيل من وراء ذلك هو محو التراث الفلسطيني ومواقع العبادة، وفيما بعد، وبدلاً من ذلك، تنمو وتزدهر مواقع التراث اليهودي وتتم رعايتها.

وسبق أن توقفنا في مناسبة ماضية عند استخدام الأركيولوجيا كأداة لتعميق السيطرة الإسرائيلية على أراضي الضفة الغربية المحتلة ولتوسيع المشروع الاستيطاني فيها، عبر نهب موارد الفلسطينيين وثرواتهم، وعبر خرق أحكام القانون الدولي في هذا المجال. وكان هذا الاستخدام هو المحور الذي وقف في صلب تقرير جديد بهذا الشأن صدر قبل نحو عامين عن منظمتين حقوقيتين إسرائيليتين بعنوان "الاستئثار بالماضي ـ الاستغلال الإسرائيلي لمواقع ومُكتشَفات أثرية في الضفة الغربية"، يعرض ويحلل سياسة الأثريات الإسرائيلية في الضفة الغربية من زاوية انعكاساتها الخطرة على حقوق الإنسان الفلسطيني في الأراضي المحتلة. لكنه في الوقت ذاته يتناول الطرق التي تعتمدها إسرائيل في استغلال الأركيولوجيا لتكريس روايتها التاريخية بشأن الرابطة بين الشعب اليهودي والضفة، من خلال توكيد وإبراز التراث اليهودي في مواقع أثرية مختلفة وادعاء أسبقيته على موجودات أثرية من عصور وثقافات أخرى. كما يبيّن التقرير الأساليب الإسرائيلية في الاستئثار بالثروات الأركيولوجية في الضفة، عبر المساس بمكانتها كثروات أركيولوجية ـ حضارية تعود إلى أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، وعبر انتهاك حقوق الفلسطينيين السياسية والثقافية.

 

المصطلحات المستخدمة:

رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات