المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
مبنى البلدية في تل أبيب مضاء بألوان علم الإمارات العربية المتحدة في 13 آب/أغسطس 2020 جاك غيز ا ف ب
  • كلمة في البداية
  • 1717
  • انطوان شلحت

لئن كنا نواصل في هذا العدد الأسبوعي من "المشهد الإسرائيلي" الوقوف على مزيد من المعاني الكامنة في اتفاق التطبيع الإسرائيلي- الإماراتي، سواء من خلال زاوية الرؤية الإسرائيلية أو الإماراتية، فلكون معنى ذلك الاتفاق وما يحيل إليه من دلالات سياسية وغيرها ليس مرهوناً فقط بما يحتوي عليه، وبما سبقه ومهّد له، ولا فقط بما هو معوّل

عليه من جانب أطرافه الثلاثة، وهي إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة، وإنما أيضاً بما أعقبه وما قد يعقبه من تطورات على الصعيدين الإقليمي والدولي، إما لجهة تدعيمه أو لجهة دحض ما يتغيّاه من أهداف شتيتة.

وإن أكثر ما قد تقتضي الإشارة إليه إلى الآن هو ما يلي:

بادئ ذي بدء، لم يشكّل الاتفاق بعد إغراءً كبيراً لدول عربية أخرى كي تتماشى، في الأقل علناً وعلى رؤوس الأشهاد، مع عقيدة نتنياهو القديمة المتجددة التي تختزل عبارة "السلام مقابل السلام" مدلولاتها المباشرة والأبعد مدى. وهذا هو بالضبط ما تشف عنه عدة تطورات أعقبت الاتفاق وفيها ما يدحض المزاعم الإسرائيلية، ولا سيما الادعاء المتواتر بأن أثره على دول عربية سيكون أقرب إلى أثر الدومينو، فتحذو حذو الإمارات تباعاً دول عربية أخرى وتسقط في حضيض التطبيع مع دولة الاحتلال، خلافاً لمبادرة السلام العربية، وتحقيقاً لعقيدة رئيس الحكومة الإسرائيلية.

وربما يجدر بنا، أكثر من التفاتنا إلى أثر الاتفاق على دول عربية أخرى عدا الإمارات، والذي تتلطى به إسرائيل بغية تسويقه، أن نلتفت إلى حقيقة أن الاتفاق لم تترتب عليه تداعيات دولية تصب في خدمة السياسة الإسرائيلية حيال القضية الفلسطينية والمشتقة من عقيدة نتنياهو السالفة، كما ذكرنا.

وهذا ما انعكس، مثالًا لا حصرًا، في موقف كل من أوروبا والأمم المتحدة.

وفيما يتعلّق بالأولى، لا بُدّ من ملاحظة أن ثمة غضباً إسرائيلياً تفجّر لا على أوروبا ككل بل على من تعتبر أنهم الأشدّ حرصاً على سياستها الإقليمية داخل هذه القارة، وفي طليعتهم بريطانيا. ففي إثر إعلان اتفاق التطبيع الإسرائيلي- الإماراتي بمبادرة من الإدارة الأميركية التي تنتهج سياسة نتنياهو، زار إسرائيل وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب بالتزامن تقريباً مع زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو. وحرّر هذا الغضب تعليقات إسرائيلية اعتبرت راب بمثابة "أسوأ شخص في القدس هذا الأسبوع"، لأنه برأيها "لا يرى التطورات"، وجاء من أجل "الدفع قدماً بالسلام بين إسرائيل والفلسطينيين". ووفقاً لأحد تلك التعليقات، فإنه بعد مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي في أعقاب البريكسيت، توقع الأميركيون من لندن أن تجدد حلفها مع واشنطن على حساب مشاركتها في السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، المعادية لأميركا وإسرائيل، لكن رئيس الحكومة البريطانية بوريس جونسون خيّب التوقعات، ومع خيبة أمل الأميركيين الكبيرة، تواصل حكومته العمل إزاء إيران والفلسطينيين بصفتها "وفية لسياسة بروكسل (الاتحاد الأوروبي)"، على حد تعبيره.

ومضت كاتبة التعليق قائلة: يعارض البريطانيون سياسة الضغط على إيران، وامتنعوا عن تأييد الولايات المتحدة في مجلس الأمن في الأسبوع الماضي. ووزارة الخارجية البريطانية، شأنها شأن الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، ردّت ببرودة على إعلان تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة من خلال التشديد على الحاجة إلى استئناف المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين.

ومن المُلاحظ طبعاً أن غضب إسرائيل يطاول الأمم المتحدة أيضاً. وتشير دراسة إسرائيلية جديدة حول الوجهات الرئيسة في مسار العلاقات بين إسرائيل وهذه المنظمة الدولية تطالعون قراءة لها في هذا العدد، إلى أن ثمة انتقالاً قد تحقق من سياسة "الأمم المتحدة لا شيء" التقليدية (وهو شعار سكّه رئيس الحكومة الإسرائيلية الأول دافيد بن غوريون في العام 1955 وترسخ في الثقافة السياسية الإسرائيلية معناه، ومراده الاستخفاف بالأمم المتحدة والسخرية منها إلى حدّ الإلغاء التام) إلى توسيع وتعميق محاولات العمل الجدي في صفوف الأمم المتحدة ومن خلالها بغية ممارسة التأثير على قراراتها، على عكس ما تميزت به السياسة الإسرائيلية قبل ذلك من خلال الاتكاء على الادعاء القائل بأن "ثمة موقفاً معادياً لإسرائيل بصورة أوتوماتيكية في الأمم المتحدة".

وتخلص الدراسة إلى أنه إلى أنه بالرغم من حدوث هذا التحوّل في الموقف الإسرائيلي فإنه كلما تعمّق تدخل الأمم المتحدة في الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني ومكوناته، تعزّز الميل إلى تبني الرواية الفلسطينية في جميع مؤسساتها. ومجرّد هذا يعني أو ينبغي أن يعني أن ليس كل ما تقوم به إسرائيل في مسعاها الذي لا يكل لتصفية القضية الفلسطينية سياسياً، على المستويين الإقليمي والدولي، يؤتي أكله حتى وإن استشعرت تحقق ذلك في أوساط بعض الجهات العربية من خلال تبني مواقف هي أدنى بكثير من المواقف التي تتبناها جهات غير عربية وتجاهر بها، وفيها ما يفسد باستمرار فرحة نتنياهو وراعيه في واشنطن. ولكن تبقى المفارقة الأكثر بلاغة أن هذين الأخيرين لا يخفيان أن من بين أهدافهما الاستعانة بمواقف تلك الجهات العربية لتغيير مواقف أطراف ذات وزن في العالم، من دون نجاح يذكر حتى الآن.

المصطلحات المستخدمة:

رئيس الحكومة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات