يشير المشهد الحزبي في إسرائيل، خلال الفترة الأخيرة، إلى أن الانتخابات العامة المقبلة لا تزال مسألة وقت، حيث يشفّ الحراك الطاغي عليه عن استعداد متواتر لجولة انتخابية مرتقبة قد لا يطول موعدها عن عام واحد، في الحدّ الأقصى. وليس مبالغة القول إن جُلّ الأحزاب الإسرائيلية، كي لا نقول كلها، تتصرّف على هذا الأساس.
وبينما لوّحت الأزمة المرتبطة بمسألة إقرار الميزانية الإسرائيلية العامة، حتى وقت قريب، إلى هذا الاستنتاج العينيّ، فإن معظم التحليلات والوقائع تلفت إلى أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ارتأى تأجيل أزمة الميزانية إلى ما بعد توقيع اتفاق التطبيع مع الإمارات العربية المتحدة، ومع دول عربية أخرى كما كان يأمل في حينه، سرعان ما دخلت البحرين في عدادها. فهذا الاتفاق سيكون، بالنسبة إليه، بمثابة نقطة قوة لصالحه أمام اليمين الاستيطاني وقواعده التي خذلها في موضوع ضم مناطق في الضفة الغربية إلى "السيادة الإسرائيلية". وبناء على ذلك لم يفكّك نتنياهو الحكومة من دون أن يحقق هذا "الإنجاز"، وربما كان هذا هو السبب وراء قبوله تأجيل الصدام مع حليفه، حزب "أزرق أبيض". ويصرّ نتنياهو على أنه لم يلغ الضم من أجندته السياسية ولكنه فضل تأجيله من أجل الاتفاق، وهذا الأمر سيكون برأيه مقنعاً لقواعد اليمين في خضم أي انتخابات مقبلة.
بموازاة هذا، لا تنفك أغلبية الأحزاب الإسرائيلية تجاهر بعلمها أن نتنياهو لن يفي بوعده التنازل عن منصب رئيس الحكومة لصالح رئيس "أزرق أبيض"، بيني غانتس، وتؤكد أنه سوف يفكك الحكومة قريباً، ربما بعد توقيع اتفاق التطبيع، أو بعد انتخابات الرئاسة الأميركية، ولذا فإنها تستعد وتتصرّف على هذا النحو. ولوحظ أنه حتى الأحزاب المنضوية في الحكومة باتت متسمّة بهذا التصرّف، كما يمكن الاستدلال على ذلك من آخر مواقف أحزاب اليهود الحريديم المتشددين دينياً.
ولا شك في أن ما يدفع نحو هذا الاعتقاد السائد هو ما أكدناه مراراً وتكراراً، أن أجندة نتنياهو ستظل متمحورة حتى إشعار آخر من حول غاية واحدة، هي البقاء في سدّة الحكم بأي ثمن لدرء محاكمته بشبهات فساد التي ستبدأ العام المقبل. وهو ما عاد وأثبته بشكل لا يقبل التأويل من خلال استخدامه للكشوف الجديدة المتعلقة بما تعرف باسم "أحداث أم الحيران" قبل أكثر من ثلاثة أعوام، والتي توقفنا عند تفصيلاتها وتداعياتها في هذا العدد من هذه الزاوية أيضاً، فضلاً عن مداليلها المرتبطة بجوهر السياسة الإسرائيلية إزاء المواطنين الفلسطينيين في الداخل وقضاياهم القومية والمدنية.
في هذه الأثناء بدأت تعلو في إسرائيل أصوات مغايرة تؤكد أن اتفاق التطبيع مع الإمارات وما قد يتأتى عنه من اتفاقيات تطبيع مع دول عربية أخرى، كانت البحرين البادئ بها، حتى وإن انطوى على تطوّر سياسيّ ذي دلالة مهمّة على المستوى الإقليمي، ليس فيه ما يسفر عن كنس قضية فلسطين تحت السجادة، وأن هذه القضية ستظل تلاحق إسرائيل، سواء في عقر دارها أو على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وربما يجدر التنويه بأحد تلك الأصوات، الذي صدر مؤخراً عن باحث كبير في "معهد أبحاث الأمن القومي" عمل سابقاً رئيساً للقسم الفلسطيني والعربي في وزارة شؤون الاستخبارات والاستراتيجيا ومستشار الشؤون العربية في الإدارة المدنية لقطاع غزة، ورأى أن ثمة صلة بين اتفاق التطبيع هذا وبين الفشل الذي مُنيت به خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتسوية الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي المعروفة باسم "صفقة القرن" وخطة نتنياهو الرامية إلى ضم مناطق من الضفة الغربية التي وعد بتنفيذها عشية الانتخابات العامة في آذار وبعد تأليفه لحكومته الخامسة الحالية، لا بل حدّد موعد الأول من تموز الفائت لوضعها موضع التنفيذ.
برأي هذا الباحث (يوحنان تسوريف) فإن إعلان تطبيع العلاقات هو إلى حد بعيد تعويض لكل من ترامب ونتنياهو عن الطريق المسدود الذي واجهته تلك الخطة، وعن فشل الضم الذي كان جزءاً لا يتجزأ منها. ففي مقابله يحصل ترامب على إنجاز سياسي عشية الانتخابات الرئاسية، يستطيع أن يقدمه إلى ناخبيه الإنجيليين المناصرين لأمن إسرائيل ومصلحتها، ويستطيع نتنياهو تقديم التطبيع كذريعة لتخلّيه عن خطة الضم، أو بحسب قوله تأجيل هذه الخطة التي وعد بالبدء بتنفيذها في مطلع تموز.
قد تكمن أهمية هذا التحليل في نقطتين تحتاجان إلى أن نتابعهما لاحقاً: الأولى، النقطة المتعلقة بفشل خطة "صفقة القرن". والثانية هي تلك المتعلقة بما سبق أن أسميناه بـ"الفرج العربي"، والكامن في إقدام دول عربية على تقديم إنجاز تلو إنجاز لإسرائيل على طبق التطبيع الشائن.