المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • كلمة في البداية
  • 2510
  • انطوان شلحت

يمكن القول منذ الآن إن أي قرار ستتخذه المحكمة الإسرائيلية العليا بشأن ما يعرف باسم "قانون التسوية"، الرامي إلى شرعنة البؤر الاستيطانية الإسرائيلية غير القانونية التي أقيمت على أراض فلسطينية خاصة في الضفة الغربية، والذي أقرّه الكنيست في شباط 2017، لن يُغيّر من الوجه الجديد الذي أصبح لهذه المحكمة، والتي سبق أن وصفناها بأنها أكثر يمينية ومحافظة.

 

وقد تأدّى عن هذا الوجه الجديد، في الآونة الأخيرة وحسب، إقدام هذه المحكمة، خلال جلسة عقدتها يوم 28 أيار الفائت بتركيبة موسعة من 9 قضاة، على أن ترفض بالإجماع، طلب التماس تقدّم به مركز عدالة وجمعية حقوق المواطن ضد قانون يسمح بتجريد عضو كنيست من عضويته وفصله. ووفقاً للقانون، سيُسمح للكنيست بفصل عضو كنيست مُتهم بالتحريض على العنصرية، ودعم الكفاح المسلح ضد دولة إسرائيل، شرط أن يتم ذلك بتأييد 90 عضو كنيست. وتبدأ عملية الفصل في حال قيام 70 عضو كنيست، بينهم 10 أعضاء كنيست من خارج الائتلاف الحكومي، بتوقيع مثل هذا الطلب. وكتبت القرار رئيسة المحكمة العليا، القاضية إستير حيوت، وأيّدها 8 قضاة. وأشارت حيوت إلى أن قانون الفصل يمس الحقوق الأساسية المهمة في نظام الحكم لكنه ينطوي على منظومة ضوابط وتوازنات ولا يمكن القول إنه ينفي جوهر الهوية الديمقراطية للدولة ويهز أسس بنيتها الدستورية. ورفضت المحكمة ادعاء مقدمي طلب الالتماس بأن القانون يشكل تغييراً في النظام الانتخابي في إسرائيل، وأكدت أنه لا يؤثر في المساواة في فرص القوائم المتنافسة في الانتخابات.
وتعقيباً على ذلك قال بيان صادر عن مركز عدالة وجمعية حقوق المواطن إن المحكمة العليا فشلت في مهماتها كمُدافع عن الأقليات، وأخضعت حقوق الإنسان لأغلبية مفترسة تعمل علانية على إخراج أعضاء الكنيست العرب من الكنيست. وأكد البيان أن الغرض من القانون هو اضطهاد أعضاء الكنيست العرب، الذين يمثلون الجمهور العربي المظلوم، واستمرار حملة نزع الشرعية عنهم.

في المقابل أعرب رئيس الكنيست يولي إدلشتاين (الليكود) عن سعادته لكون قضاة المحكمة العليا أدركوا أيضاً أنه لا يوجد مكان لأعضاء كنيست يحرضون على العنصرية ويدعمون الكفاح المسلح ضد إسرائيل، وأكد أن ما يسعده أكثر أن القضاة قرروا عدم التدخل في تشريعات الكنيست، وهذه خطوة مهمة للتوازن بين السلطات.

ورأى المحلل القانوني اليميني نداف هعتسني ("معاريف") أن قرار المحكمة العليا هذا يستند إلى قرار سابق اتخذته في أواسط ستينيات القرن الفائت، وبموجبه "يُحظر على الدولة تقديم المساعدة لمن يرغب بالقضاء عليها من خلال استخدام أدواتها الديمقراطية!"، بحسب تعبيره. وكان يشير إلى القرار الذي نصّ على إخراج حركة "الأرض" الفلسطينية خارج القانون على خلفية المسوّغات عينها.

وكتب هعتسني: "هذا الأسبوع قرر تسعة قضاة المحكمة العليا أن الدستور والديمقراطية لا ينبغي أن يكونا وصفة للانتحار والاندثار القومي. وهذا أمر بسيط للغاية، وبدهيّ جداً. وربما أصبحنا فعلاً في بداية عهد جديد، في محكمة العدل العليا أيضاً".

وبطبيعة الحال لا يجوز، في هذا الصدد، إلا التوقف عند ما قالته منظمة "بتسيلم" (مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلّة)، في سياق بيان صادر عنها الأسبوع الفائت، تعقيباً على القرار الذي اتخذه ثلاثة قضاة من المحكمة العليا يوم 24/5/2018، ونصّ على أنه يحق للدولة هدم منازل سكان بلدة خان الأحمر الفلسطينية وترحيلهم منها وإسكانهم في بلدة أخرى، حيث ذكرت أن هؤلاء القضاة صادقوا مؤخراً لإسرائيل على أن تقترف جريمة حرب، وأشارت إلى أن الإجراءات التي أقروها مرتبطة بتقويض حياة السكان، وتشكل جريمة حرب يتحمل جميع الضالعين فيها المسؤولية الشخصية عنها .

ولا بُدّ من أن نعيد إلى الأذهان أنه بعد المصادقة على تعيين آخر قاضيين جديدين في هذه المحكمة في شباط الفائت، كتبت وزيرة العدل الإسرائيلية أييلت شاكيد ("البيت اليهودي")، في مدونتها الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" (23/2/2018) ما يلي: "بالضبط في مثل اليوم قبل عام بدأت بتنفيذ إجراء يهدف إلى تغيير وجه المحكمة العليا بواسطة تعيين أربعة قضاة جدد فيها. وهذا الإجراء ينتهي الآن مع تعيين قاضيين جديدين. إن هذه التعيينات تُعدّ الطابق الإضافي للمحكمة العليا الجديدة". وأضافت أن هذه "المحكمة العليا الجديدة هي بُشرى سارة للديمقراطية الإسرائيلية. وهي تُعيد إلى السلطة القضائية وظيفتها المهمة للغاية: تفسير المعايير التي أقرها المُشرّع لا تغييرها!"، وهي وظيفة تحيل إلى دور الختم المطاطيّ.

وبالعودة إلى قانون شرعنة البؤر الاستيطانية، لوحظ أن ثمة تركيزاً كبيراً على موقف المستشار القانوني للحكومة أفيحاي مندلبليت المُعارض للقانون. وهي معارضة ينبغي تحجيمها وعدم التعويل عليها، كونها ناجمة عن قناعة المستشار أن ثمة صندوق أدوات قانونية أخرى لشرعنة بؤر استيطانية بدلاً من تدخل الكنيست، الأمر الذي من شأنه أن يُحرج مكانة إسرائيل من ناحية القانون الدولي.

عندما سنّ الكنيست قانون شرعنة البؤر الاستيطانية أشارت تحليلات عدّة إلى أن هذا ليس أول فعل لا يُحتمل للحكومة يتغيّا إكساب نظام الأبارتهايد الإسرائيلي صبغة قانونية، ونوّهت أن المشكلة ليست كامنة فقط في الأداتية القانونية إنما أيضاً، إن لم يكن أساساً، في السياسة الرسمية للدولة. وأذكر أن أحد المحللين كتب ما معناه أنه سيجري بالطبع تقديم طلبات التماس إلى محكمة العدل العليا، لكن يظل من المشكوك فيه أن تكون هذه المحكمة قادرة على وقف تلك السياسة لوقت طويل، فإن المستوطنات هي التي تسيطر على الدولة، وعلى الجيش، ولا يوجد سبيل حقيقي لكبحها. وكان هذا قبل أن "ترفع" المحكمة العليا، بموجب تعبير وزيرة العدل السالف ذكره، "طابقاً إضافياً" مهمته تفسير ما تقوم به الحكومة والكنيست لا تغييره.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات