المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • كلمة في البداية
  • 2821
  • انطوان شاحت

يمكن أن نضيف إلى الوقائع التي نتعقبها ضمن الكثير من مواد هذا العدد من "المشهد الإسرائيلي" بشأن ما أسميناه تفاقم مظاهر تديين الحيّز العام في إسرائيل، واقعة أخرى هي الفشل الذي منيت به مبادرة إحدى عضوات الكنيست من ميرتس لتشكيل لوبي برلماني يعمل على الدفع قدماً بالثقافة والهوية العلمانيتين في إسرائيل في مقابل حملة التديين الجارية على قدم وساق في جهاز التربية والتعليم الإسرائيلي.

 

وقد انفردت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، في أول أيام العام الجديد، بنشر نبأ عن هذا الفشل أشارت في سياقه إلى أن عضوي كنيست اثنين فقط، كلاهما من تحالف "المعسكر الصهيوني"، تجاوبا مع المبادرة التي من المُفترض أن تخرج إلى حيّز التنفيذ قريباً. ومع أن التقرير يكشف أن صاحبة المبادرة لم تتوجه بعد إلى أعضاء الكنيست من حزبها- ميرتس- وأنها ستحظى بتأييدهم فور توجهها إليهم، فإنه يعزو سبب الفشل بالأساس إلى تلكؤ أحزاب تعتبر نفسها رافعة لواء العلمانية، على غرار "المعسكر الصهيوني" و"يوجد مستقبل" و"إسرائيل بيتنا"، عن اللحاق بركب هذه المبادرة.

وإذا ما تركزنا في "المعسكر الصهيوني"، فإن أول ما يجب ملاحظته هو أن تلكؤه يتناغم مع اللهاث المحموم لرئيسه، رئيس حزب العمل آفي غباي، نحو نفي التهمة التي طوّح بها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في وجه هذا الحزب قبل عدة أعوام، وفحواها أنه نسي هويته اليهودية. ويذكر القراء أنه في نطاق لهاثه هذا، قال غباي خلال مشاركته في ندوة عقدت في جامعة بئر السبع في تشرين الثاني الفائت، إن "الجمهور العريض بدأ يشعر أنني أقترب أكثر فأكثر من القيم اليهودية. وهذا صحيح، فنحن يهود نعيش في دولة يهودية، وأعتقد أن إحدى مشكلات أعضاء حزب العمل تكمن في أنهم ابتعدوا عن هذه القيم. وهذا ما يُقال عنّا في الشارع، بأننا الآن ليبراليون فقط. وهو أمر غير صحيح، فنحن يهود ويتعين علينا أن نتكلم عن قيمنا اليهودية. كل شيء بدأ في توراتنا، وهي كانت وستظل الأساس لأي أجيال ظهرت بعد ذلك". وبذا أقرّ غباي أنه كي يكون المرء يهوديّاً في إسرائيل ينبغي قبل أي شيء ألا يكون ليبرالياً.

فضلاً عن ذلك يحظى اليهودي بامتيازات محظورة لـ"غير اليهود" ولا سيّما للعرب. وتطالعون في هذا العدد أيضاً تقريرين حول بحث جديد في مجال حقوق السكن نشره "مركز أدفا" (معلومات حول المساواة والعدالة الاجتماعية في إسرائيل) أخيراً، يؤكد أن البناء المكثف للسكن الشعبي بمبادرة وتمويل الحكومة في أول أعوام قيام الدولة، لم يأت من رؤية اشتراكية- ديمقراطية كما جرى الادعاء وإنما انطلاقا من "الحاجة القومية" لتوطين مئات آلاف المهاجرين اليهود، بمعنى أنه كان مخصصاً حصرياً للسكان اليهود.

غير أن افتقاد الحماسة لدى الساسة المُنتخبين لتشكيل لوبي برلماني يعمل على الدفع قدماً بالثقافة والهوية العلمانيتين في إسرائيل يطرحّ سؤالاً حول حجم اليهود الذين يعرفون أنفسهم بأنهم علمانيون. وهنا يتعين علينا أن نستعيد أنه استناداً لمعطيات كثير من استطلاعات الرأي العام التي أجراها "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" و"معهد غوتمان" بين الأعوام 1994 و2014 توصل الباحثون إلى استنتاج فحواه أنه لا أساس مكين للخطاب الذي يقسّم المجتمع الإسرائيلي إلى متدينين وعلمانيين، وأكدوا أن هناك امتداداً داخل هذا المجتمع من المتمسكين بالمحافظة على الفروض الدينية وحتى أولئك الذين لا يحافظون نهائياً على هذه الفروض، من دون وجود فصل ثنائي حادّ.

وفي أحد هذه الاستطلاعات حول درجة التدين في المجتمع اليهودي في إسرائيل، أشار 11 بالمئة إلى أنهم متدينون حريديم (متشددون)، وعرّف 6 بالمئة أنفسهم بأنهم حريديم- قوميون، وعرّف 31 بالمئة أنفسهم بأنهم متدينون قوميون، و24 بالمئة بأنهم متدينون محافظون، و12 بالمئة بأنهم متدينون ليبراليون، والباقون عرّفوا أنفسهم بأنهم علمانيون وغير متدينين. ويدل هذا الاستطلاع المبني على تعريف الفرد الذاتي لمستوى تدينه، على أن 48 بالمئة من اليهود عرّفوا أنفسهم بأنهم متدينون (حريديم، حريديم قوميون ومتدينون قوميون)، بينما يعتبر نحو ربع اليهود أنفسهم بأنهم متدينون محافظون، وبذا يبقى ربع اليهود في إسرائيل في خانة المتدينين الليبراليين وغير المتدينين والعلمانيين.

وتبين معطيات آخر استطلاع من العام 2014، أن 87 بالمئة من الإسرائيليين يعتقدون أن من المُهم أو المُهم جداً بالنسبة لهم إجراء عملية الختان في مراسم دينية، وأن 80 بالمئة يلتزمون بجزء على الأقل من السلوك والتعاليم الدينية في "يوم الغفران"، فيما يؤمن 56 بالمئة إيماناً تاماً بنزول التوراة في سيناء. وحول سؤال: أيهما أهم في ما يرتبط بتعريف دولة إسرائيل المُكوّن اليهودي أو الديمقراطي؟ أشارت إجابات المشتركين في الاستطلاع إلى أن الأكثرية تعطي الأولوية للمُكوّن اليهودي.

لا شك في أن المشكلة التي تنشأ من هذه المعطيات ليست من جراء مجرّد التديّن، إنما من توظيف آلية التديين لناحية حسم الصراع ضد الفلسطينيين ومحاولة تحويله إلى صراع دينيّ كما دلّت حالات كثيرة في الأعوام القليلة الأخيرة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات