المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

نظراً إلى أننا نوشك أن نطوي عاماً ميلادياً آخر، ارتأينا أن تكون مواد هذا العدد من "المشهد الإسرائيلي" متمحورة أكثر شيء من حول آخر ممارسات اليمين الإسرائيلي الحاكم والمتحكّم والتي طبعت بميسمها وقائع الأشهر الاثني عشر من العام المنقضي. وهي ممارسات تصب بالأساس في تحقيق غاية تكريس "إسرائيل الثالثة"، وفقاً لتسمية الزميلة هنيدة غانم والتي أمست تتسم، وفقما تشير، بأمرين: الأول، على صعيد بنى الأحزاب، يتمثل بانتهاء عهد الأحزاب الكبيرة وصعود أحزاب الوسط والأحزاب الصغيرة والتحول من نظام الحزبين إلى نظام التيارات/ الكتل التي يغلب عليها الآن التيار اليميني - الاستيطاني - الديني - الحريدي. والثاني، على صعيد الخطاب، يتجسّد بهيمنة الخطاب اليميني الاستيطاني النيوليبرالي الشعبوي القومجي المُشبع بالمفردات الدينية، ويأتي ذلك بسبب صعود تدريجي لقوة جديدة هي فئة المستوطنين الكولون في الأراضي المحتلة منذ 1967 والذين يشكلون اليوم 10 بالمئة من سكان إسرائيل ويتمتعون بقوة كبيرة في مواقع اتخاذ القرارات بسبب انهيار منظومة الحزبين وصعود منظومة الكتلة/ التيار.


ولئن كانت غانم تركّز على المساعي المحمومة المبذولة من طرف هذا اليمين في سبيل التحكم والهيمنة في ما يتعلق بوجهة إسرائيل المستقبلية من خلال حسم موضوعين أساسين: أولاً، حسم الصراع مع الفلسطينيين ومستقبل الأراضي المحتلة عام 1967، وثانياً، حسم هوية الدولة وطابعها كدولة "قومية يهودية"، فإن أحد الآثار الضمنية المترتبة على ذلك أيضاً هو ما يسميه آخر تقرير صادر عن "جمعية حقوق المواطن" في إسرائيل "تقليص الحيّز الديمقراطي" داخل تخوم "الخط الأخضر".

ويشير هذا التقرير، الذي يرصد "واقع حال حقوق الإنسان في إسرائيل 2017" ، إلى أن المنحى أو الاتّجاه المقلق، الذي حذّرت الجمعية من مغبته مراراً وتكراراً في الأعوام الأخيرة، وتقصد تآكل الحيّز الديمقراطي في إسرائيل، هبط في هذا العام إلى درَك جديد. وتجلّى هذا المنحى في الأبعاد التالية: إسكات الآراء والنقد العموميّ؛ المساس بالتعدّدية وبشرعيّة وجود تشكيلة من المواقف والأفكار والآراء المختلفة؛ نزع الشرعية عن الخصوم السياسيّين لليمين، والصحافيّين، والأقلّيات (المقصود الأقلية الفلسطينية) ومنظمات حقوق الإنسان، ووصمهم كـ"خوَنة"؛ المساس بحرّية التنظيم والتضييق على أصحاب المواقف والنشاطات غير المقبولة على الأغلبية السياسية. كما أنّه أضيف بُعد جديد، إذ اتسم العام المنقضي بمساعٍ مقلقة لإنهاك قوى وصلاحيّات ونشاط المؤسّسات التي تعدّ "حرَس الديمقراطية" وتشكّل منظومة التوازنات والكوابح الضرورية للديمقراطية، وتضمن سلطة القانون، الإدارة السليمة، حماية حقوق الإنسان وانعدام الفساد. ومن المؤسّسات المستهدفة التي يشير إليها التقرير على نحو خاص، جهاز القضاء والمحاكم، المستشار القانوني للحكومة، مراقب الدولة، الشرطة وغيرها.

ويشتط كل هذا في الوقت الحالي مع وجود توقعات باحتمال تبكير موعد الانتخابات الإسرائيلية العامة ، بالأساس على خلفية التحقيقات الجنائية مع رئيس الحكومة وزعيم اليمين بنيامين نتنياهو حول شبهات فساد. فقد اختار وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان، رئيس "إسرائيل بيتنا"، أن "يفتتح" حملته الانتخابية بالهجوم العنصري الشرس على الفلسطينيين في الداخل وبتجديد برنامجه الداعي إلى ترحيل أهلنا في المثلث الشمالي تحت شعار "تبادل الأراضي والسكان". كما شنّ هجوماً حادّاً على أعضاء الكنيست العرب من القائمة المشتركة ووصفهم بأنهم مجرمو حرب، وقال إنهم يجلسون في الكنيست الإسرائيلي من طريق الخطأ وسوف يعودون إلى غزة أو رام الله قريباً. واتهمهم باستغلال حريات إسرائيل المدنية من أجل تدميرها من الداخل. وسرعان ما أتبع ذلك بإعادة طرح موضوع سن مشروع القانون الذي يفرض عقوبة الإعدام على الفلسطينيين منفذي عمليات المقاومة واعتماده بشكل حصري داخل الخط الأخضر ليشمل الفلسطينيين في مناطق 1948.

وبهذا الشأن رأى أحد الأساتذة الجامعيين الإسرائيليين أن ليبرمان لا يريد تدمير دولة إسرائيل، نظراً إلى كونه وزير الدفاع الذي يتولى المسؤولية عن أمنها، لكنه من ناحية أخرى يريد تدمير الديمقراطية الإسرائيلية المُجوّفـة أصلاً. وهو يتباهى بذلك. كما أنه ومعه كثر غيره لا يرون أي مشكلة في إطلاق تصريحات منفلتة ضد الأقلية العربية وممثليها المنتخبين بصورة شرعية، وضد الديمقراطية التي تقدّس حقوق الأقلية وتحاول أن تمنع الأكثرية من التعامل معها بأساليب استبدادية. ورأى أن أغلبية الجمهور العريض في إسرائيل لا تثيرها مثل هذه التصرفات المُعيبة، فهي إما موافقة عليها أو أنها غير مكترثة بها مثلما أنها لا تكترث بصرخات "الموت للعرب" التي كثيراً ما تتكرّر في الشوارع والساحات العامة وملاعب كرة القدم.

وكتب هذا الأستاذ نفسه أيضاً: من الواضح أن قيام ليبرمان بوصف جميع أعضاء الكنيست من القائمة المشتركة بأنهم مجرمو حرب ينم عن عدم تمييزه بينهم، وعن أن العربي في عرفه هو عربي واحد ووحيد. وأشار الكاتب إلى أن "جريمة" هؤلاء الوحيدة هي أنهم يمثلون أقلية ويعملون في الكنيست في إطار القانون ويؤيدون سياسة أقصى ما يجوز أن يُقال فيها أنها لا تتماشى مع سياسة وزير الدفاع وربما الحكومة برمتها، لكنها لا تعدّ بأي حال من الأحوال مخالفة للقانون.

وربما ينبغي التنويه بإحدى خلاصات تقرير "جمعية حقوق المواطن" والتي ورد فيها أن التآكل الزاحف في الحيّز الديمقراطي ينجم عنه الرّدع والشلل، وتفعيل "الرقابة الذاتيّة" في المجتمع الإسرائيلي. وهذا ما لمسناه مثلاً في جانب من التداعيات التي ثارت عقب قيام صحيفة يمينية بنشر نبأ إسقاط حزب ميرتس اليساري كلمة صهيوني من برنامجه، وتطالعون بتوسع عنها في إطار التغطية الخاصة لما يحدث في هذا الحزب في الآونة الأخيرة المنشورة على الصفحة الخامسة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات