المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
وقفة تضامنية أمام مقر مؤسسة الحق برام الله يوم 27 تشرين الأول الماضي. (أ.ف.ب)
وقفة تضامنية أمام مقر مؤسسة الحق برام الله يوم 27 تشرين الأول الماضي. (أ.ف.ب)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1294
  • عصمت منصور

أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، في الثاني والعشرين من تشرين الأول 2021، عن ست منظمات مجتمع مدني فلسطينية هي: مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، ومؤسسة الحق؛ وفرع الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال- فلسطين؛ واتحاد لجان العمل الزراعي؛ ومركز بيسان للبحوث والانماء؛ واتحاد لجان المرأة الفلسطينية، والتي تعمل جميعها في مجال حقوق الإنسان والدفاع عن حقوق الأسرى والتنمية، بأنها منظمات "إرهابية"، في خطوة وصفها غانتس بأنها تأتي بهدف "محاربة الإرهاب"، الذي سيواصل هو، أي غانتس، ومنظومة الأمن ملاحقته "وتوجيه ضربات له في كل مكان وبشكل متواصل"، وفق بيان صادر عن وزارة الدفاع التي يقودها، والذي ناشد فيه دول العالم "أن تساهم وتتعاون معه" في الحرب التي يخوضها ضد "الإرهاب"، مشددا على أن هذه المنظمات تشكل "غطاء للجبهة الشعبية"، وتعمل على تمويل أنشطة تابعة لها، وأن جزءا من هذه الأموال "الذي تتبرع به دول أوروبية" يذهب لتمويل عائلات أسرى وشهداء ونشاطات "إرهابية" تابعة للجبهة الشعبية.

أثار إعلان غانتس المفاجئ وغير المسبوق هذا، ردود أفعال رافضة للقرار، أو مطالبة بتقديم مسوغ حقيقي لتبريره، من داخل الحكومة الإسرائيلية، ومن الحليف الأكبر والأهم لإسرائيل في العالم (الولايات المتحدة)، فضلا عن دول في الاتحاد الأوروبي وممثليه في مؤسسات الاتحاد، إلى جانب منظمات إسرائيلية ودولية وإقليمية.

من داخل الحكومة الإسرائيلية، اعتبرت وزيرة المواصلات ورئيسة حزب العمل ميراف ميخائيلي في خطاب لها أمام كتلتها البرلمانية "أن القرار والطريقة التي أعلن عنه فيها سينجم عنه ضرر كبير" وأن خطوات من هذا النوع "يجب أن يتم التحضير لها جيدا".

تحدثت ميخائيلي على وقع الانتقاد الأميركي لإعلان غانتس، والذي عبر عنه الناطق باسم الخارجية الأميركية ند برايس، نافيا أن تكون بلاده قد اطلعت على الإعلان قبل صدوره، أو تلقت أية مواد تسوغه بشكل مسبق، مطالبا بتزويد بلاده بالمعلومات التي استند إليها هذا الاعلان، وفق التصريحات التي نشرها موقع "واينت" في 22 تشرين الأول.

أما وزيرة شؤون البيئة عن حزب ميرتس، تمار زاندبرغ، فاعتبرت هي الأخرى في مقابلة مع القناة 11 في 23 تشرين الأول أن القرار "خطير ويحتاج إلى تقديم إيضاحات" معتبرة أن ثلاثاً من بين المنظمات التي أعلن غانتس عنها بأنها إرهابية "هي منظمات حقوق إنسان عريقة وذات سمعة عالمية"، وهي انتقادات أكد عليها وزير الصحة وزعيم حزب ميرتس نيسان هوروفيتس في مقابلة مع القناة 13 بتاريخ 23 تشرين الأول اعتبر فيها أن هذا القرار "إشكالي وستكون له تداعيات على وضع حقوق الإنسان والديمقراطية"، كون هذه المنظمات تعتبر منظمات مجتمع مدني، وهو ما عاد وشدد عليه في تغريده أطلقها على موقعه على "تويتر" وطالب فيها "بتوخي الحذر الشديد قبل الاقتراب من منظمات مدنية وربطها بالحرب على الإرهاب" مطالبا وزير الدفاع أن يعرض المعطيات التي استند إليها هذا القرار، وهو ما تماهى معه السفير الإسرائيلي السابق إيلان باروخ في مدونة نشرها في 27 تشرين الأول وختمها بأن "الإعلان عن هذه المنظمات المدنية يأتي في وقت لا تملك فيه المنظومة الأمنية الأدلة الكافية لمحاكمتهم، ويعد مخاطرة خطيرة" تحديدا حيال امتحان صدقية إسرائيل (ومنظومتها الأمنية) أمام حلفائها في العالم.

علاقة ظرفية بدون أدلة

القاسم المشترك بين كل التصريحات والبيانات التي صدرت عن جهات سواء كانت رسمية أو منظمات حقوقية ومدنية إسرائيلية، وما تزامن معها من تصريحات للناطق باسم الخارجية الأميركية والاتحاد الاوروبي والأمم المتحدة وغيرها من المنظمات والدول، هو عدم وجود مسوغ قانوني حقيقي ومعلومات مثبتة تدين هذه المنظمات بالتورط في أعمال عنيفة مناهضة للاحتلال، أو أن جزءا من الأموال التي تلقتها من الجهات الممولة لنشاطاتها ذهب بشكل مباشر أو غير مباشر لتمويل نشاطات خارجة عن الإطار الذي خصصت له وضمن إشراف ورقابة الدول الممولة لها.

إلى جانب الرفض المبدئي للقرار، واعتباره "هجوما على المدافعين عن حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير وتكوين الجمعيات"، وفق ما نشرته صحيفة "هآرتس" في 26 تشرين الأول، اعتبرت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت أن القرار" غير مثبت" وأنها لم تتلق أية "أدلة أو معلومات تؤكده"، وهو ما ذهبت إليه السويد عبر وزارة خارجيتها التي نفت أن تكون "قد تلقت معلومات مسبقة حول الإعلان"، وأكدت أنه لم "يثبت أن تبرعاتها تم إساءة استخدامها من قبل هذه المنظمات" بالإضافة إلى أن الادعاءات الإسرائيلية "قديمة وتم فحصها في السابق ولم يتم إثباتها".

وأطلقت بعثة الأمم المتحدة في فلسطين تغريدة على صفحتها الرسمية طالبت فيها بمسوغ يوضح خلفيات الإعلان عن هذه المنظمات بأنها إرهابية، وهو ما طالب به ممثل الاتحاد الأوروبي إيمون غيلمور الذي تم إيفاده من بروكسل للاجتماع مع ممثلين عن المنظمات المدنية الفلسطينية، حيث أعلن وفق ما نشره موقع "واينت" في 26 تشرين الأول، أن الاتحاد الاوروبي سيواصل العمل مع هذه المنظمات، مشددا على أن التهم الموجهة لها "قديمة ولم يتم إثباتها".

إن تقاطع هذه التصريحات والبيانات بدءا من أطراف داخل الحكومة وانتهاء بحليفة إسرائيل الكبرى الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، والمنظمات الدولية ذات الصدقية العالية، وتحديدا في الجزئية المتعلقة بانتفاء المسوغ القانوني، أو بوجود إثباتات قاطعة تربط هذه المنظمات بالجبهة الشعبية والنضال الفلسطيني تحت الاحتلال، والذي ترى فيه إسرائيل عملا "غير مشروع ونوعا من الإرهاب"، يثير الكثير من علامات السؤال حول الآلية والمنهجية التي اعتمدتها إسرائيل في جمع المعلومات عن هذه المنظمات.

تقف خلف هذا القرار "الإشكالي" جملة من الاعتبارات السياسية والداخلية الإسرائيلية، كما أنه يسلط الضوء على الدور المتعاظم لمؤسسات المجتمع المدني اليمينية، والمنهجية التي تتبعها، والتي تستند فيها إلى علاقات ظرفية وعوامل هامشية وشخصية ومعلومات جزئية وانتقائية، بهدف إعداد ملفات ضد منظمات المجتمع المدني الفلسطيني، وتحجيم دورها خاصة على الساحة الدولية وفضح الانتهاكات التي يمارسها جيش الاحتلال ضد الفلسطينيين.

دور متعاظم لليمين بغطاء منظمات مدنية!

يربط الناشط أمير مخول، والذي شغل في السابق موقع مدير منظمة اتحاد الجمعيات الأهلية العربية في حيفا، في مقالة نشرها في عدة مواقع بعنوان "الإرهاب في إدراج المنظمات الحقوقية الفلسطينية ضمن قوائم الإرهاب"، بين استحداث وزارة الشؤون الاستراتيجية في العام 2001 وشبكة المنظمات اليمينية التي انبثقت عنها أو تدور في فلكها، وما بين قرار الوزير غانتس اعتبار المنظمات الفلسطينية الست منظمات "إرهابية". ويرى أن "الوزارة تقوم بتنسيق كل الحملات الصهيونية الرسمية وغير الرسمية، على أساس تكامُل الأدوار وخدمة أهداف الوزارة. وكان مرصد المنظمات غير الحكومية (NGO Monitor)، ولا يزال من أبرز هذه الحملات المعتمدة رسمياً، والذي يراقب كل ما يصدر عن المنظمات الفلسطينية غير الحكومية، والمنظمات العالمية، وكذلك المنظمات الإسرائيلية لحقوق الإنسان. كما يراقب تصريحات مسؤوليها ومصادر تمويلها ويبني الحملات للقضاء على التمويل".

كما أن إسرائيل استحدثت منظومة أطلقت عليها اسم "كيلَع شلومو" (مقلاع سليمان)، والمعروفة أيضاً باسم "مشروع كونسيرت"، وسبق أن نشر تقرير مفصل عنها في "المشهد الإسرائيلي"، وقد أقرتها الحكومة العام 2017، وخصصت لها ميزانية تصل إلى أكثر من ربع مليار شيكل (80 مليون دولار)، وهي ذراع متقدمة لوزارة الشؤون الاستراتيجية، و"شركة للصالح العام"، وبملكية خاصة أقيمت من أجل تنفيذ جزء من الأنشطة المتصلة بظاهرة نزع الشرعية عن إسرائيل والمقاطعة، وذلك بالتنسيق مع الوزارات ذات الشأن في العام 2018، وهو ما يرى مخول أنه قدم المسوّغ لدى غانتس لإعلاناته الستة المتزامنة.

ومنظمة (NGO Monitor) التي تعتبر الذراع الأبرز لدى وزارة الشؤون الاستراتيجية، وذات التركيب اليميني، هي المنظمة الأكثر حضوراً في هذا السياق، حيث يظهر اسمها تلميحا أو بشكل موارب في كل ما له علاقة بالحرب على منظمات المجتمع المدني الفلسطيني، وقد ورد اسمها ودورها في هذا القرار لدى المراسل العسكري السابق في القناة الأولى، والمحلل السياسي والعسكري وأحد كتاب الأعمدة البارزين في صحيفة "معاريف"، ران إدليست، في مقال نشره على موقع الصحيفة في 27 تشرين الأول، وتحدث فيه عن الأضرار الوخيمة لهذا الإعلان على "الحرب على الإرهاب" وأن من الدوافع التي قادت إلى اتخاذه ضغط "جماعات مدنية خريجة وحدات قتالية تابعة للصهيونية الدينية مثل (NGO Monitor)".

موقع "سيحاه مكوميت" (محادثة محلية) اليساري، وفي سياق تغطيته للإعلان وطبيعة المنظمات التي تم الإعلان عنها بأنها "إرهابية"، تطرق إلى الملاحقة التي كانت تتعرض لها هذه المنظمات ومحاولات قطع التمويل عنها من قبل (NGO Monitor). وذكر الموقع في تقريره الذي نشره يوم 25 تشرين الأول بعنوان "ملاحقة سياسية وكم أفواه"، أن الاتهامات ضد منظمة "الحق" مصدرها "طرف آخر هو وزارة الشؤون الاستراتيجية" التي وضعت لنفسها هدفا استراتيجيا هو "اعتبار المنظمات المدنية الفلسطينية إرهابية" وسبق أن "ذكرت المنظمات الست بالاسم في تقاريرها"، وتحدثت فيها عن "إرهابيين ببدلات أنيقة" وهي أوصاف "تكرر ادعاءات (NGO Monitor) وكأن هناك علاقة شخصية، سابقة أو حالية، بين العاملين في هذه المنظمات وما بين الجبهة الشعبية".

وليس من باب الصدفة أن يتكرر اسم منظمة NGO Monitor في كل ما له علاقة بالمنظمات الأهلية الفلسطينية، والحرب التي تشن عليها، إذ تكفي إطلالة سريعة على موقعها الرسمي لتكشف عن حجم النشاط الهائل والمكثف الذي تمارسه في هذا المضمار، ومئات التقارير التي تعدها وتنشرها في العالم وتوزعها على البرلمانات والبعثات الدبلوماسية، حول مصادر تمويل المنظمات الأهلية الفلسطينية وعلاقتها ظاهريا بـ"الإرهاب".

تعرف المنظمة التي تأسست في العام 2007 نفسها على صفحتها الرسمية بأنها "مركز أبحاث يقدم التقارير والدراسات حول المنظمات غير الحكومية لصناع القرار في العالم" بهدف "وضع حد للمنظمات التي تصنف نفسها على أنها غير حكومية (الفلسطينية والإسرائيلية) وتستغل القيم العالمية وشعارات حقوق الإنسان من أجل خدمة أهداف سياسية وأيديولوجية".

إن هذا التعريف بحد ذاته ينطوي على نية معلنة للملاحقة السياسية والحكم ضمنا أن النشاط "السياسي والأيديولوجي" يندرج ضمن العمل "الإرهابي" خاصة عندما يتعلق الأمر بملاحقة إسرائيل دوليا وفضح جرائمها، والدعوة لمقاطعتها، وهي مهمة تتقاطع مع أهداف وزارة الشؤون الاستراتيجية وتكملها.

ما يعزز هذه العلاقة التكاملية بين NGO Monitor والأذرع الحكومية الأمنية والسياسية وأحزاب اليمين، هو التمويل والشخصيات التي تتولى إدارتها.

حول التمويل فإن هناك الكثير من الغموض حول مصادر تمويل المنظمة، والذي يتدفق عليها بسخاء من قبل منظمات وجهات سياسية يمينية في مختلف أنحاء العالم، حيث كشف تحقيق نشرته صحيفة "هآرتس" في العام 2010 أن 23%من تمويل المنظمة مجهول المصدر وسري تماما بينما 72.5%من تمويلها غير مكشوف بشكل واضح وهو ما يجعل 95.5% من مجمل التمويل الذي تتلقاه غير مصرح به ولا هو مكشوف بشكل كاف.

أما فيما يخص الشخصيات التي أسست المنظمة وتديرها، فإن أبرزها البروفسور جيرالد شتاينبرغ Gerald M. Steinberg الذي يعمل محاضراً في جامعة بار إيلان ويترأس مركز أبحاث المنظمات غير الحكومية الذي يدير موقع NGO Monitor والأهم من ذلك أنه مستشار للحكومة الإسرائيلية، وعضو في لجنة التوجيه الخاصة بمحاربة اللاسامية.

إن كل ما تقدّم يتيح لنا إمكان الافتراض بأن بصمات منظمات اليمين غير الحكومية واللوبي الذي يتحالف معها واضحة في قرار إعلان المنظمات الحقوقية الفلسطينية منظمات "إرهابية"، وهو قرار ربما يهدد بتفجير تناقضات ليس بين الحكومة الإسرائيلية وحلفائها في العالم فقط، بل أيضاً داخل الائتلاف الحكومي نفسه، والذي تعتبره المعارضة اليمينية "خطرا وولد بالخطيئة وعبر الخداع"!

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات