قبل أيام، وافقت الحكومة الإسرائيلية على بناء 2200 وحدة استيطانية جديدة، بالإضافة إلى 1000 وحدة بناء للفلسطينيين في مناطق "ج" من أراضي الضفة الغربية. بالنسبة للوحدات الاستيطانية، هذه المرة الأولى منذ ثمانية شهور، تقوم الحكومة الإسرائيلية بالمصادقة على توسيع الاستيطان. أما فيما يخص البناء الفلسطينيين في المناطق "ج"، فهذه المصادقة تأتي للمرة الأولى منذ سنوات عديدة.
في الأيام القادمة ستقوم الإدارة المدنية الإسرائيلية بالبدء في تنفيذ القرار من خلال سياق إداري وتنفيذي معقد وطويل، يبدأ بإقرار مخططات هيكلية، وصولا إلى وضع حجر الأساس.
بعد اتخاذ الائتلاف الحكومي لهذا القرار، وقبيل بدء عمل الإدارة المدنية لتنفيذه، تجدّد الخلاف القديم الجديد بين مجلس المستوطنات وبين الإدارة المدنية على الرغم من أن الإدارة المدنية تقوم بكل ما بوسعها لتسهيل التوسع الاستيطاني. بيد أن هذا الدور الذي تلعبه الإدارة المدنية غير كاف على ما يبدو للمستوطنين. فقد قال أحد ممثلي مجلس المستوطنات بأن ثمة "خلافا عميقا بيننا وبين الإدارة المدنية"، ومن المتوقع أن يجتمع وفد من المستوطنين مع رئاسة الإدارة المدنية قريبا لينقل لها امتعاض المستوطنين الشديد. بحسب المستوطنين، هناك 1000 وحدة سكنية قديمة كانت مقرة ولم تتعامل الإدارة المدنية معها بجدية وما تزال تراوح مكانها داخل بيروقراطيا هذه الإدارة. شلومي هيلر، على خلفية مخططات البناء في الضفة الغربية: مجلس المستوطنات يلتقي مع الادارة المدنية، 2021, https://news.walla.co.il/item/3453928.
هذه المقالة تلقى الضوء على الخلاف ما بين الإدارة المدنية والمستوطنين حول آليات التعامل مع أراضي الضفة الغربية. هذا الخلاف القديم الجديد يتمثل في عدم وجود تسوية كاملة لأراضي الضفة الغربية، وبالتالي هو خلاف على أسلوب ووتيرة التوسع الاستيطاني وليس على الاستيطان من حيث المبدأ. وفي السياق، تعرض المقالة بعض التفاصيل والإحصائيات المتعلقة بأراضي الضفة الغربية من وجهة نظر القانون الإسرائيلي.
في البدء كانت الإدارة المدنية، ثم جاء المستوطنون... لكن الإدارة المدنية بقيت!
تبلغ مساحة الضفة الغربية حوالي 5.5 مليون دونم، باستثناء القدس التي ضمت عنوة إلى إسرائيل في العام 1967. بعد الاحتلال، انتقلت الأراضي التي كانت مصنفة كأراضي دولة في أثناء الحكم الأردني لتصبح أراضي دولة يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي وتقدر بحوالي 130 ألف دونم. إضافة إلى ذلك، صادر الجيش الإسرائيلي 160 ألف دونم أخرى بحجج أمنية في السنوات الأولى للاحتلال، لتتحول 13% من مساحة الضفة الغربية إلى أراضي دولة تحت تصرف الجيش الإسرائيلي في السنوات الأولى للاحتلال. منعت إسرائيل البناء على هذه الأراضي بحجة أنها يجب أن تستخدم لدواع أمنية وحسب، وسمحت بوجود عدد معين من المستوطنات. حتى العام 1977، لم تسمح إسرائيل للمستوطنين بتملك أراض داخل الضفة، وبالتأكيد لم تشرع بشكل ممنهج وواضح في الاستيطان المدني كما نعرفه اليوم. في العام 1980، أثارت قضية مستوطنة ألون موريه رأيا عاما في إسرائيل، وخصوصا بين تيار الصهيونية الدينية الصاعد في حينه عندما قررت المحكمة العليا الإسرائيلية إخلاء المستوطنة لأنها مقامة على أراض فلسطينية خاصة على الرغم من أن الجيش الإسرائيلي يضع يده على هذه الأراضي. في إثر هذا القرار، وبناء على نية حكومة بيغن في حينه بالشروع بتوسيع الاستيطان، بدأ الاحتلال يبحث عن مخرج قانوني مؤقت للسماح بالبناء الاستيطاني. وعليه، أصبح الاحتلال يتطلع إلى مشروع تسوية كامل لأراضي الضفة الغربية لفرز الأراضي التي لا يملكها الفلسطينيون عن الأراضي التي يمكن قانونيا التنازع عليها، وتحديد كامل المساحات التي كانت متروكة أو ميري لكنها غير مفلوحة.
على العكس من أراضي إسرائيل التي تم تطويبها بالكامل (باستثناء بعض المساحات المتفرقة في النقب)، فإن أراضي الضفة الغربية ما تزال غير مفروزة. في الواقع، كانت الأراضي في الفترة الأردنية مصنفة على النحو التالي: أراضي ملكية خاصة، أراضي ميري (تابعة للدولة ويمكن تأجيرها للناس)، أراضي وقف، أراضي متروكة (مخصصة للمصلحة العامة) وأراضي موات (بعيدة وغير مفلوحة). كانت بريطانيا (في فترة الانتداب) والأردن (ما بين 1948-1967) قد بدأتا بمشروع تسوية أراضي الضفة. حتى العام 1967، استطاع الأردن تسوية حوالي ثلث مساحة الضفة الغربية قبل أن توقف إسرائيل هذا المشروع وتتركه معلقا في الهواء بحجة أن هناك 200 ألف نازح فلسطيني من الضفة قد يكونون متضررين في حال حدث فرز في غيابهم.إفرات بورشر، الإدارة المدنية توصي بتسوية أراضي الضفة الغربية، يسرائيل هيوم، 2 تشرين الثاني 2020. https://www.israelhayom.co.il/article/815803
في أعقاب قضية ألون موريه، والتوجه الإسرائيلي إلى الشروع بالاستيطان لغايات مدنية وزراعية وصناعية، برزت الحاجة من جديد لإعداد مشروع تسوية شامل للأراضي. في الأثناء، لعبت بليا ألبيك، وهي قانونية إسرائيلية ورئيسة القسم المدني في النيابة العامة الإسرائيلية في الثمانينيات، دورا أساسيا جعلها بأعين الكثير الأم الحنونة التي أعطت مظلة قانونية للمستوطنين لشراء أراض وبناء مستوطنات "بشكل قانوني". حسب ألبيك، الاستيطان المدني وشراء الأراضي من قبل اليهود في الضفة يجب أن يتم على أراض مصنفة باعتبارها أراضي الدولة، وليس على مجرد أراض تحت سيطرة الجيش لأن الضفة الغربية لم تمر بعد في مشروع تسوية شاملة للأراضي. الطريقة المعقدة التي أقرتها ألبيك، والتي لا تزال قائمة حتى اليوم، تقوم على ما يلي: الإدارة المدنية تصادر أراضي وتعلن نيتها على تصنيفها أراضي دولة وتفتح المجال أمام الاعتراضات والمنازعات التي قد يقدمها الفلسطينيون. في معظم الحالات، تكسب الإدارة المدنية أي منازعات على هذه الأراضي المصادرة، وتصبح حرية التصرف بها ملكا للدولة (ممثلة بالإدارة المدنية). من ثم تقوم الدولة بمنحها للاستيطان.انظر الرابط التالي https://bit.ly/3m7TicX
وبما أن الأراضي التي كانت مصنفة أراضي دولة والتي وضع الاحتلال يده عليها، كانت قد وصلت إلى 13% فقط بعد الاحتلال سنوات قليلة، فإنه وفي أعقاب قضية ألون موريه، وبالتحديد في النصف الأول من الثمانينيات، قامت الإدارة المدنية بمصادرة أراض أخرى وصنفتها كأراضي دولة ووصلت نسبتها إلى حوالي 14.5% لتصبح أراضي الدولة التي بحوزة الجيش حوالي 26% من أراضي الضفة في منتصف الثمانينيات، أي ما يشكل حوالي 1.4 مليون دونم. لكن ألبيك كانت قد ألقت محاضرة في العام 1985 بعد أن جلست عشرات المرات في مروحية عسكرية وتجولت في كل أرجاء الضفة وراقبت ودونت ملاحظاتها، بأن مستقبل حجم الأراضي التي قد ينزعها الجيش الإسرائيلي ويصنفها كأراضي دولة ستصل في النهاية إلى حوالي 2 مليون دونم، أو حوالي ثلث أراضي الضفة. وبالفعل، تصل أراضي الدولة اليوم إلى حوالي 34%، تصديقا لرؤية ألبيك. وقالت ألبيك قبل أن تتوفى في العام 2005: "أنا أريد أن أضمن أن كل المستوطنات تقام على أراضي دولة. في الواقع، ليس هناك حق ملكية لليهود على منازلهم في المستوطنات، وبناء على القانون الدولي، فإن المستوطنات هي أمر مؤقت وغير مستقر".انظر الرابط التالي https://bit.ly/2Un9j3q
بعد أن سيطر الجيش على هذه المساحات، فإن الإدارة المدنية بدأت تمنح أراضي الدولة إلى المستوطنين لبناء المستوطنات. على مدى 13 عاما من عمر الاحتلال وحتى العام 1980، وصل عدد المستوطنين في الضفة الغربية إلى حوالي 12 ألفاً فقط، معظمهم في مستوطنات أقامها الجيش الإسرائيلي، على أراضي دولة، بحجج مختلفة أهمها الحفاظ على أمن إسرائيل. لكن بفضل مشورة ألبيك، انفلت المشروع الاستيطاني من عقاله كما هو واضح في الجدول.
الأعوام | أحداث غيرت المشهد | العدد التراكمي للمستوطنين في الضفة الغربية (باستثناء القدس) |
1967-1977 | بدء الاحتلال الإسرائيلي العام 1967 | 4،400 |
1978-1980 | الانقلاب السياسي ووصول اليمين إلى الحكم العام 1977 | 12،500 |
1981-1993 | بدء الاستيطان المدني وتسويغات ألبيك القانونية | 116،300 |
1994-2000 | فترة أوسلو قبيل انهيار المفاوضات عام 2000 | 198،300 |
2001-2019 | استغلال انهيار المفاوضات للتوسع على أراضي "ج" | 441،600 |
جدول (1): الارتفاع في عدد المستوطنين 1067-2019 PeaceNow, “Population,” 2020, https://peacenow.org.il/en/settlements-watch/settlements-data/population.
لاحقا، صنف اتفاق أوسلو ما نسبته 60% من أراضي الضفة الغربية كمناطق "ج"، بحيث أن أراضي الدولة الإسرائيلية والتي يسيطر عليها الجيش والتي قلنا إن نسبتها وصلت في حينه إلى حوالي 26%، أصبحت نظريا قابلة للتوسع على معظم المناطق "ج" باستثناء تلك المقامة عليها بلدات وقرى عربية. بيد أن هذه التوسع كان ينتظر تحقق شرطين: أولا، انهيار المفاوضات، أو تعثرها لكيلا يتم نقل المزيد منها إلى مناطق الحكم الذاتي بموجب اتفاقيات دولية. ثانيا، البدء بمشروع تسوية لأراضي الضفة الغربية بهدف الاستحواذ بشكل "قانوني" ونهائي على معظم الأراضي ومنع تنازع الفلسطينيين عليها. وبالفعل، تطلق إسرائيل على حقبة ما بعد الانتفاضة الثانية اسم "فترة ما بعد أوسلو" في إشارة ضمنية إلى أن أراضي "ج" ستبقى تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة وإلى أن أنظار المؤسسة الإسرائيلية تتجه إلى استخدامها وضمها.
في فترة "ما بعد أوسلو" حصل أمران متلازمان: أولا، ارتفع عدد المستوطنين (باستثناء القدس) من حوالي 198 ألفا في العام 2000 إلى حوالي 441.6 ألف في العام 2019 موزعين على حوالي 132 مستوطنة و140 بؤرة استيطانية. حوالي 100 مستوطنة منها أقيمت بناء على تسويغات ألبيك القانونية،انظر الرابط التالي https://bit.ly/2Un9j3q لكنها مع ذلك تظل غير قانونية من وجهة نظر القانون الدولي.
فيما يخص أنواع المستوطنات بناء على الوضعية القانونية حسب التصنيفات الإسرائيلية فهي كالتالي:
1. مستوطنات مقامة على ملكية خاصة لليهود في الضفة، مثل مستوطنة شعاري تيكفا.
2. مستوطنات مقامة على أراضي الدولة، مثل معاليه لابونه.
3. مستوطنات مقامة على أراضي تحت سيطرة الجيش، لكنها غير مصنفة بعد على أنها أراضي دولة، مثل معاليه إفرايم.
4. مستوطنات مقامة على أراض منوعة تجمع ما بين أراضي الدولة وأراض ليست أراضي دولة لكنها تحت سيطرة الجيش، مثل كارني شومرون وكريات أربع.
وتجدر الإشارة إلى أن إقامة مستوطنة أو بؤرة استيطانية على أراضي الدولة لا يعتبر حلا مقبولا على كل الأطراف الإسرائيلية، بما فيها الإدارة المدنية. فالبناء يبدأ بقرار من الحكومة الإسرائيلية، ثم يمر عبر عدة هيئات داخل الإدارة المدنية لوضع مخطط هيكلي، والتنسيق مع الوزارات المختلفة والهيئات الأمنية لضمان أمن المستوطنة، ومن ثم يتم الشروع بالبناء.وزارة الداخلية الاسرائيلية، قوانين التخطيط والبناء في يهودا والسامرة (القدس: وزارة الداخلية الإسرائيلية، 2018). انظر الرابط التالي: https://din-online.info/pdf/mp3.pdf. وعلى أي حال، فإن الزيادة الكمية في عدد المستوطنين بعد أوسلو، صحبتها تحولات نوعية في دورهم حيث تغلغلوا بشكل فعال داخل الإدارة المدنية والوزارات الإسرائيلية التي تؤثر على مصير الأراضي في الضفة مثل وزارة التخطيط. لكن هذا لم يكن ليعني بأي شكل من الأشكال بداية "شهر عسل" ما بين الجيش الإسرائيلي ومجلس المستوطنات.
إن انهيار المفاوضات، وتحول خطاب الضم إلى خطاب طبيعي ومشروع لدى أغلبية الإسرائيليين، أظهر إلى السطح رؤيتين اثنتين متضاربتين فيما يخص التعامل مع أراضي المناطق "ج". من جهة، الإدارة المدنية هي أعلى هيئة حاكمة في الضفة الغربية، ومن المفترض أن تهتم بشؤون سكان الضفة (خصوصا في أراضي "ج") وتسوية أراضيهم، تنظيم عمليات التخطيط الهيكلي، شق الشوارع، ومد البنية التحتية. بيد أن السكان المقصودين يشملون الفلسطينيين في أراضي "ج" بالإضافة إلى المستوطنين، وليس المستوطنين وحدهم. أضف إلى ذلك، أن انصياع الإدارة المدنية إلى أجندات المستوطنين الذي يتقلدون مناصب حساسة داخل الإدارة المدنية من شأنه أيضا أن يرفع وتيرة الصدامات مع الفلسطينيين والسلطة الفلسطينية.Yael Berda, Living Emergency: Israel’s Permit Regime in the Occupied West Bank (Stanford, California: Stanford University Press, 2017). هذه الأمور، جعلت الإدارة المدنية أكثر تريثا وحذرا من المستوطنين أنفسهم فيما يتعلق بتوسيع المشروع الاستيطاني.
من جهة ثانية، مجلس المستوطنات في الضفة، بالإضافة إلى العديد من الجمعيات الاستيطانية، والمتبرعين السخيين، وحاليا الوكالة اليهودية أيضا، لا يعيرون كثير اهتمام لقضية السياق القانوني والإجرائي للتوسع الاستيطاني، ولا إلى الحساسية السياسية المترتبة على الاستيلاء على المزيد من الأراضي. بل ان مجلس المستوطنات يقوم باستمرار بالاستيلاء على الجبال بحجة الرعي، ويبني عنوة مباني في مناطق غير مصنفة أراضي دولة. لقد كانت قضية جبل صبيح آخر مثال على الخلاف ما بين الجيش (الذي أمر منذ البداية بإخلاء جبل صبيح) وما بين المستوطنين الذين جندوا العديد من مرافق الدولة، بما فيها بنيامين نتنياهو لمنع الإخلاء. والسبب هو أن مستوطنة جبل صبيح لم تقم على أراضي دولة يملكها الجيش الإسرائيلي وبناء على قرار حكومي، وإنما قامت في منطقة معينة داخل أراضي "ج" والتي لا تخضع بعد إلى مشروع تسوية الأراضي لمعرفة ملكيتها بشكل قاطع، وبالتالي هي ليست أراضي دولة. لا بد من الإشارة إلى أن هذا خلاف على أسلوب التوسع الاستيطاني، وليس على التوسع من حيث المبدأ.
المستوطنون مقابل الإدارة المدنية: ثلاث نقاط خلافية
أولا: حتى الآن، أراضي الضفة الغربية مقسمة من حيث الملكيات كالتالي: 34% أراضي دولة بحوزة الإدارة المدنية، حوالي 2% ملكية خاصة للمستوطنين وتمت تسويتها بشكل نهائي، 29% محميات طبيعية أو أراضي بور. ويبقى حوالي 35% وهي أراض إما غير منظمة، أو لم يتم فرزها أو أنها متنازع عليها أو أراض تابعة لملكية فلسطينية (أنظر الشكل).
الشكل (1): تصنيفات أراضي الضفة الغربية وتخصيصها حتى العام 2018PeaceNow, “State Land Allocation in the West Bank — For Israelis Only,” 2018, https://peacenow.org.il/en/state-land-allocation-west-bank-israelis.
بالنسبة للمستوطنين، فإن توسعهم الاستيطاني سيكون إما عن طريق شراء أراض من الفلسطينيين (وهذه تترك لهم مساحة ضيقة جدا للعمل ولا يعول عليها) وإما من خلال أراضي الدولة والتي تصل في حدها الأقصى إلى 34% فقط. في الحقيقة، قامت الإدارة المدنية عبر السنوات السابقة بتخصيص ثلث أراضي الدولة للبناء والتوسع العمراني ضمن مخططات بناء. استفاد المستوطنون من 99.7% منها بينما استفاد الفلسطينيون من الباقي. ومع ذلك، فإن الخلاف بين المستوطنين والجيش يتمثل في كون المستوطنين يصرون على أن يتم منحهم حق البناء في الأراضي المتنازع عليها والتي لم يتم فرزها حتى الآن كما هو الأمر في مستوطنة جبل صبيح.
ثانيا: البناء الاستيطاني في الضفة هو قضية خلافية داخل إسرائيل، والقضاء نأى بنفسه عن مسألة تشريعه أو حظره كونه قضية سياسية. وعليه، فإن قرار البناء الإسرائيلي في الضفة يتم اتخاذه من قبل المستوى السياسي وعبر قرار مباشر من مجلس الوزراء. هذا سمح للمستوطنين، وكل تيار الصهيونية الدينية، بتشكيل لوبي مهم في أثناء الجولات الانتخابية الإسرائيلية لأن من يريد أن يكسب أصوات الصهيونية الدينية، أو اليمين الجديد المتطرف، أو المستوطنين أنفسهم، عليه أن يقدم وعوداً بإصدار قرارات بناء في الضفة. لكن الحكومة الائتلافية الجديدة، وعلى الرغم من يمينيتها، تضم حزبي ميرتس والعمل، فضلا عن القائمة العربية الموحدة. مثلا، بالإضافة إلى ضغوطات إدارة بايدن على حكومة بينيت لعدم التهور في التوسع الاستيطاني في الوقت الحالي، فإن ميرتس مثلا قدمت اعتراضاً إلى بيني غانتس، وزير الجيش والمسؤول الأعلى عن الإدارة المدنية، بعدم إقرار مشاريع بناء جديدة للمستوطنين خوفا من إشعال المنطقة. ومن خلال قراءة لمجريات الأمور، وبدون الاستناد إلى أدلة دامغة، يمكن الادعاء بشيء من الحذر بأن تقديم 1000 وحدة سكنية للفلسطينيين جاء كمساومة أمام الإدارة الأميركية من جهة والأحزاب المعارضة في الائتلاف الحكومي من جهة ثانية.
لكن كل ذلك يظل على مستوى اتخاذ القرار بالبناء، وهذا قد لا يبدو على ذلك القدر من الأهمية بدون الدور الذي تلعبه الإدارة المدنية بعد اتخاذ القرار. بداخل الإدارة المدنية هناك ثلاثة مستويات لا بد وأن يمر بها قرار الحكومة الإسرائيلية قبل أن يتم وضع حجر الأساس للبناء. وهذه المستويات هي مجلس التخطيط العالي (راجع القرار العسكري 418)، ولجنة التخطيط الإقليمية ثم لجنة التخطيط المحلية. هذه اللجان والتي تعمل كبيروقراطيا هرمية قادرة على رمي قرار رئيس الحكومة لسنوات داخل الجارور وقادرة على الالتئام الفوري لتجسيده على الأرض. أثناء حقبة نتنياهو- ترامب، اتفق الاثنان على أن يلتئم مجلس التخطيط العالي مرة كل ثلاث أشهر، وهي وتيرة عالية نسبيا تسمح للمستوطنين بالتمتع بـ"خدمة سريعة". آخر مرة اجتمع المجلس كان في كانون الثاني 2021، ومن ثم توقف مع بدء الانتخابات في آذار 2021. ووعد غانتس، وزير الجيش، بعودة المجلس للالتئام في حزيران الماضي لكن الأمر لم يحصل. هذا أثار سخط المستوطنين لأن هناك العديد من القرارات الحكومية السابقة التي ما تزال تنتظر انعقاد المجلس واللجان الأدنى منه. والآن مع قرارات بينيت الجديدة ببناء 2200 وحدة للمستوطنين و1000 وحدة للفلسطينيين، سيتوجه وفد من مجلس المستوطنات للجلوس مع الإدارة المدنية لمعرفة كيف ستسير الأمور فيما يخص وحدات المستوطنين والفلسطينيين.
ثالثا: وربما هذه هي الأهم، هي عقيدة الإدارة المدنية باعتبارها مسؤولة عن السكان الفلسطينيين. في صلب عقيدة الإدارة المدنية هناك اتفاق كامل على تقديم مصلحة المشروع الاستيطاني. بيد أن ذات العقيدة تقوم أيضا على تقديم تسهيلات للفلسطينيين، تنشيط اقتصادهم، الحيلولة قدر الإمكان دون القيام بأي فعل قد يؤول إلى صدامات والعمل على التقرب من الفلسطينيين اجتماعيا وخدماتيا خصوصا عبر وسائل التواصل الاجتماعي. هذه العقيدة التي يفهمها المستوطنون جيدا، هي من بين الأمور التي تمنع المستوطنين من الاستيطان بحرية في مناطق "ج". وإن إصرار التيارات الأكثر تطرفا داخل اليمين الديني الصهيوني على حلّ الإدارة المدنية يجب أن يفهم في هذا السياق. فحلّ الإدارة المدنية يعني الانتهاء من تسوية الأراضي، السماح للمستوطنين بالتملك وإصدار شهادات طابو لأراضيهم، وتحديد المساحة القصوى التي يمكن أن تكون ملكية فلسطينية. هذا يعني أن مشروع تسوية الأراضي الذي اقترحته الإدارة المدنية، يعتبر في حال تم تنفيذه، المسمار الأخير في نعش الإدارة المدنية التي لم يعد لها أي فائدة سوى "كف بلاء الفلسطينيين عن المستوطنين"؛ وهذه المهمة الأخيرة، بإمكان الجيش الإسرائيلي القيام بها.
المصطلحات المستخدمة:
ألون موريه, الصهيونية, ألف, يسرائيل هيوم, الإدارة المدنية, الوكالة اليهودية, دورا, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو