يشتد الجدل في الحكومة الإسرائيلية، وفي الطواقم المختصة العديدة التي تنشغل في انتشار فيروس كورونا، حول السبل الأفضل لمواجهة انتشار الفيروس، على ضوء النتائج اليومية الخطيرة، التي تضع الجهاز الإسرائيلي مرّة أخرى أمام موجة كبيرة من الإصابات الخطرة، وارتفاع أعداد الموتى، على الرغم من أن إسرائيل تُعد من بين أكثر الدول من حيث التطعيم، ولربما تكون الدولة الأولى نسبة لعدد السكان، وقد شرعت بسرعة بتطعيم الجولة الثالثة.
وفي ساعة متأخرة من مساء يوم السبت الأخير، 14 آب الجاري، نشر رئيس الحكومة نفتالي بينيت، بيانا على صفحته في فيسبوك، يشرح فيه رؤيته الحالية. وفي المضمون لسعات ليست قليلة، إن صح التعبير، للحكومة السابقة ورئيسها بنيامين نتنياهو. وقال بينيت إن الهدف هو وقف الوباء، مع أقل ما يمكن من خسائر، والحفاظ على الاقتصاد، وأرزاق المواطنين. وأضاف أن استراتيجية الحكومة حاليا ترتكز على تسريع عملية تطعيم الوجبة الثالثة، وفعل كل شيء من أجل الامتناع عن فرض إغلاقات على مختلف أنواعها، كون الإغلاقات هدامة للمواطنين والاقتصاد.
وقال بينيت في لوم واضح للحكومة السابقة، إن الإغلاقات السابقة كلفت الخزينة العامة، والاقتصاد، 200 مليار شيكل (61.5 مليار دولار). وقال إن القرار الأسهل، هو أن نقرر فرض إغلاقات، ولكننا سنمتنع عن هذا قدر الإمكان. ففي كل يوم تسجل الإصابات أعدادا كبيرة، ومن يوم إلى آخر، حتى مطلع هذا الأسبوع، ثمة في كل يوم ذروة جديدة. وحتى مطلع الأسبوع الجاري، قارب عدد الحالات النشطة 50 ألف شخص، كما تجاوز عدد الذين يتلقون العلاج في المستشفيات 800 مريض، هذا في الوقت الذي شارفت فيه إسرائيل بالضبط قبل شهرين، في 15 حزيران الماضي، للإعلان عن شبه اختفاء الفيروس، بعد أن بلغ عدد الحالات النشطة يومها حوالي 200 مصاب.
ومن المفترض أن تدخل يوم الأربعاء من هذا الأسبوع، 18 آب الجاري، سلسلة إجراءات جديدة، ومن أبرزها السماح فقط لمن بحوزتهم بطاقة خضراء الدخول إلى كافة مراكز وقطاعات الاقتصاد، باستثناء مراكز وحوانيت التسوق. كما سيتم تحديد عدد الأشخاص في المحلات التجارية التي تقل مساحتها عن 100 متر مربع، بحيث يكون مسموحا دخول شخص واحد لكل 7 أمتار مربعة.
كذلك ستكون هناك شبه عقوبات على من يرفضون التطعيم، فعدا عن أنه ليس بحوزتهم بطاقة خضراء ما يمنع دخولهم إلى العديد من الأماكن، فإن كل من سيخضع لفحص وهو ابن 12 عاما وفوق، سيكون عليه دفع مبلغ مقابل الفحص.
وفي حين لم يتم حسم شكل افتتاح السنة الدراسية في الأول من أيلول المقبل، فإنه بدأ الحديث في الأيام الأخيرة عن احتمال فرض إغلاق كامل في الأعياد العبرية التي ستحل في شهر أيلول المقبل.
احتمالات فرض إغلاق عام جديد
حتى مطلع الأسبوع الجاري، كانت احتمالات الإعلان عن فرض إغلاق عام جديد في إسرائيل ضعيفة للغاية، وهذا ما ظهر أيضا في تصريح نفتالي بينيت، السابق ذكره؛ وبالكاد يتم إسماع مقترح الإغلاق في أروقة مؤسسات الحكم. ورغم هذا، فإن الصوت عال في الصحافة الاقتصادية على وجه الخصوص، ضد احتمال العودة لفرض إغلاق الكامل، على مختلف المرافق العامة والاقتصاد. ودافع الصرخة واضح، وهو الخسائر التي تكبدها الاقتصاد الإسرائيلي على مختلف المستويات، إن كان الموازنة العامة وتضخم الدين العام، أو على صعيد الشركات، ليس كلها، والضحية الأكبر هي الجمهور العام، وخاصة الشرائح الوسطى المتدنية والفقيرة.
الأهم من ناحية إسرائيل أن موجة كورونا الجديدة تحل في الوقت الذي يبدي فيه الاقتصاد مؤشرات نمو متسارعة، وبوتيرة أكبر من المتوقع، ولكن ما تم إنجازه حتى الآن، وفي غضون أشهر قليلة، قد يتبخر من جديد في حال عادت إسرائيل، من باب اللا مفر، إلى خيار الإغلاق. وبحسب كل التقارير، فإن أبرز مصادر انتشار الفيروس، هو السفر إلى الخارج، الذي شهد في الشهر الجاري انهيارا حادا، وفق الصور الواردة من المطار الدولي، خلافا لما كان عليه الوضع في نهاية شهري حزيران وتموز الماضيين، ثم المناسبات الاجتماعية الجماهيرية، مثل الأعراس الكبيرة في المجتمع العربي، فيما سيكون المصدر الأكبر لانتشار المرض، المدارس، إذا ما واصلت إسرائيل تصميمها على فتح المدارس كالمعتاد، في الأول من أيلول المقبل، فكل يومين أو ثلاثة تصدر تعليمات جديدة أو سيناريوهات متضاربة بشأن افتتاح السنة الدراسية.
وقال بحث افتراضي، صدر في الأسبوع الماضي، إنه في حال فتحت المدارس أبوابها كالمعتاد، فمن المتوقع أن يصاب كل يوم 5 آلاف طالب، وهذا سيتلوه حجر على أبناء صف كل طالب، وعمليا خلال أيام قليلة، وفق هذا البحث الافتراضي، سيكون مئات آلاف الطلاب في حجر صحي.
ومن أبرز نتائج التراجع الحاد في السفر إلى الخارج، إعلان شركة الطيران شبه الحكومية الإسرائيلية، إلعال، الأسبوع الماضي، أنها بصدد فرض إجازات ليست مدفوعة الأجر، على ما بين 800 إلى ألف عامل في الشركة، بسبب القيود الجديدة على الرحلات الجوية، وتقليص عدد الرحلات، جراء الموجة الجديدة لجائحة كورونا. وحسب ما ذكرته مصادر في الشركة، للصحافة الاقتصادية الإسرائيلية، فإن الحديث يجري عن 100 طيّار و300 مضيفة ومضيف، ومئات من العاملين في القطاعات المختلفة في الشركة. وقد يجد العاملون أنفسهم في مهب الريح من دون مدخول شهري ثابت، بعد أن أعلنت وزارة المالية، في الأيام الأخيرة، أنها لن تكرر تجربة مخصصات البطالة الاستثنائية، لمن يتم إخراجهم من مكان العمل إلى إجازات ليست مدفوعة الأجر. وقد حصلت شركة إلعال، في العامين الماضي والحالي، من الحكومة على دعم مالي بقيمة 210 ملايين دولار، وفصلت حوالي ألفي عامل، بموجب شروط وزارة المالية. وطلبت الشركة في الأيام الأخيرة كفالة الحكومة لها، لتحصل على قرض جديد بنحو 200 مليون دولار، وبشروط ميسّرة.
أما مؤشرات الانتعاش الاقتصادي، التي يحرص قادة الحكومة على استمرارها، وعدم وقفها بفعل الإغلاق، فقد برزت في تقرير سلطة الضريبة الصادر في الأسبوع الماضي، إذ قالت السلطة إن شهر تموز الماضي سجل جباية ضرائب غير مسبوقة في مثل هذا الشهر من كل عام، ولامس حجم الضرائب التي تمت جبايتها 36 مليار شيكل (أكثر من 11 مليار دولار)، وهذا أكثر بنسبة 26% مما كان في تموز العام 2020، وأعلى بنسبة 18.7% مما كان في تموز 2019. وفي المقابل، فإن الصرف الحكومي الجاري في شهر تموز، سجل تقريبا موازنة من دون عجز يذكر بالمقاييس الاقتصادية، إذ بلغ العجز 800 مليون شيكل، مقابل عجز بقيمة 10 مليارات شيكل في شهر حزيران الماضي. وحسب التقرير، فإن العجز في الموازنة العامة هبط من نسبة 12% في شهر آذار الماضي، إلى 10.1% في شهر حزيران الماضي، إلى 9.3% في شهر تموز الماضي، علما أن هدف الحكومة الحالية هو خفض العجز مع نهاية العام الجاري إلى 6.8% من حجم الناتج العام، ليواصل هبوطه في العام المقبل 2022 إلى نسبة 3.9% من حجم الناتج العام. ويقدّر حجم الناتج العام حاليا بحوالي 1400 مليار شيكل (430 مليار دولار)، ما يعني أن كل 1% يعادل حاليا 14 مليار شيكل. وهذا يعني أيضا، أن العجز في الميزانية حتى نهاية شهر تموز بلغ 130 مليار شيكل، والهدف أن يهبط إلى قرابة 95 مليار شيكل، حتى نهاية العام.
محللون يحذّرون من فرض الإغلاق
تقول وزيرة الداخلية أييلت شاكيد، في تصريحات إعلامية، إن "الحكومة تريد أن تتعايش مع الفيروس وألا تصطدم به وجها لوجه. فعلى الرغم من الارتفاع الحاد في معدلات الإصابة بالأمراض، وعدد الموتى والمصابين بأمراض خطيرة، الذين بدأوا في التراكم مرة أخرى، لم يتم اتخاذ قرار نهائي بعد بفرض إغلاق شامل في أيام الإجازات والعُطل".
ويقول المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، إن رئيس الحكومة نفتالي بينيت منقسم على نفسه بشأن القرار، فهو "يعلم أن مفعول الإغلاق آخذ في التضاؤل. كما أنه أكثر وعيا وحساسية من سلفه بنيامين نتنياهو، لعشرات المليارات من الشواكل، التي اختفت دون أثر، بسبب شلل الاقتصاد وفرض عمليات إغلاق متكررة في العام ونصف العام الماضيين. ومن ناحية أخرى، يخشى بينيت من لحظة وصول المستشفيات إلى درجة عدم القدرة على الاستيعاب أكثر. نظرا لأن أكثر من ثلث السكان غير محصنين، ومن بينهم أكثر من مليون مواطن تبلغ أعمارهم 12 عاما وأكثر، مؤهلون للحصول على اللقاح، ولهذا ستكون للفيروس مساحة أكبر للانتشار".
ووفقا لتوقعات الخبراء الإسرائيليين، فمن المحتمل أن تصل إسرائيل إلى ألف حالة حرجة بحلول نهاية الشهر الجاري. وفي ذروة الموجات السابقة تم تسجيل نحو 1200 مريض في حالة حرجة، وكان هناك انخفاض حقيقي في جودة الرعاية لمرضى كورونا وغيرهم من المرضى. في ظل هذه الظروف، وتحت ضغط مستمر من بعض وسائل الإعلام، قد يتصرف بينيت بما يتعارض مع قراره الأول، ويعلن الإغلاق.
ويقول هرئيل إن البديل الذي قدمه بينيت يسعى إلى إبطاء الاندفاع نحو الإغلاق، وهو يرتكز على ركيزتين: تعزيز نظام الرعاية الصحية وقدرته على رعاية المرضى ذوي الحالات الحرجة، إلى جانب تعزيز جهود التحصين بين غير الملقحين ومنح جرعة ثالثة من اللقاح لمن هم في سن الستين فأكثر. في المقابل، يقول هرئيل، فإنه "بعد عام ونصف العام من الوباء، لم تفعل إسرائيل سوى القليل لتعزيز المستشفيات بأعداد الأطباء والممرضات وتحسين أوضاع أقسام العناية المركزة. ويأمل بينيت الآن في أن يعزز الطواقم الطبية، والطواقم المساعدة لها، بهدف تغيير الوضع ليكون الجهاز الصحي قادرا على استيعاب 2400 مريض بحالة خطرة".
ويرى هرئيل أن الحكومة منقسمة مثل زعيمها بشأن كورونا. فوزيرة التربية والتعليم، يفعات شاشا- بيتون، تخوض معركة ضد مجموعة تعارض التطعيمات في المدارس، بينما يطالب زميلها في حزبها، الوزير زئيف إلكين، بإجراءات إنفاذ أكثر صرامة.
وتسبب الارتباك في الحكومة، الذي تفاقم بسبب صدمة الضربة الكبيرة التي تسببها سلالة "دلتا"، في تأخير الموافقة على الإجراءات المطلوبة قبل أسبوعين من افتتاح السنة الدراسية: إعادة العلامة الخضراء وإنفاذها بشكل أوسع مما تقرر، وتقليل التجمعات في الأماكن المغلقة، وفرض العزلة الصارمة على القادمين من الخارج. والإصرار على استئناف الدراسة في أيلول، بغض النظر عن ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض، بدلا من الانتظار إلى ما بعد عطلة الأعياد العبرية، في الشهر المقبل.
وتشير المحللة الاقتصادية في صحيفة "ذي ماركر"، ميراف أرلوزوروف، إلى أن وزارة الصحة تحذر من زيادة معدلات الإصابة بالأمراض، وبأنه لن يكون هناك سبيل لوقفها إلا بالإغلاق، وتحذر وزارة المالية من الأضرار الاقتصادية الجسيمة التي يلحقها الإغلاق بالاقتصاد، لكن الوزارتين لا تناقشان السؤال الجوهري: هل هناك أي أمل في نجاح الإغلاق الآن؟
وتضيف: "إن نسبة الإصابة بنوع دلتا في إسرائيل مقيّدة بسبب ارتفاع معدل التطعيم بين السكان. ولكن ستكون هناك حاجة إلى إغلاق طويل لتقليل حجم العدوى، وسيكون من الصعب أيضا منع العدوى من الارتفاع بعد إزالة الإغلاق. يمكن للمرء أن يتعلم من العالم حول هذا الأمر: باستثناء نيوزيلندا، التي تم إغلاقها بإحكام، لم تتمكن أي دولة بهذه الطريقة من منع انتشار دلتا، ولا حتى أستراليا، التي تم إغلاق حدودها والتي دخلت مؤخرا إغلاقاً لأسابيع طويلة". وحسب الكاتبة فإنه "إذا لم تتمكن أستراليا، بسياستها الصارمة، من كبح جماح دلتا، فمن المشكوك فيه أن يحدث هذا في إسرائيل. الجمهور متعب ولا يثق ولا يشعر بالتهديد. حتى الإغلاق المنتظم أمر مشكوك فيه إذا كان الجمهور سوف يطيع، وبالتأكيد ليس إغلاقا طويلا بشكل خاص. سيشير أي تحليل سلوكي إلى أن إمكانية الإغلاق منخفضة للغاية، لذا فإن مناقشتها مضيعة للوقت".
وتقول أرلوزوروف: "في حين أن الإغلاق المحتمل للغاية محكوم عليه بالفشل، فإن الحركة الوحيدة التي يتفق عليها الجميع والتي قد تبطئ انتشار الفيروس هي اللقاح". ففي إسرائيل 700 ألف شخص يرفضون التطعيم، وتقول أرلوزوروف "إنهم يفضلون راحتهم الشخصية وصحتهم (بناء على اعتبارات صحية لا أساس لها)، على حساب صحة كل من حولهم، وعلى حساب مرونة الاقتصاد. من خلال سلوكهم غير المسؤول والأناني يفرضون تكلفة باهظة على الاقتصاد. هناك مجال للمطالبة منهم بثمن في مقابل هذا". ودعت الكاتبة إلى "فرض عقوبات صارمة عليهم، من بينها منع حضور فعاليات، ومنع السفر إلى الخارج، ومنع دخول دور الصلاة، ويجب أن يكون الحظر شاملاً بغض النظر عن إجراء فحوصات تظهر نتائج سلبية".
المصطلحات المستخدمة:
هآرتس, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو, زئيف إلكين, نفتالي بينيت