المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

يبدو أن تحالف الليكود مع أحزاب اليمين الاستيطاني متماسك للغاية، بسبب التقاء مصالح متشعب، إن كان على المستوى السياسي، أو على مستوى علاقة الدين بالدولة. ولا توجد أي مؤشرات لتفكك هذا التحالف، الذي يهدف إلى حصد 61 مقعدا برلمانيا، من دون الحزب "العاق" في هذا المعسكر، "يسرائيل بيتينو"، بزعامة أفيغدور ليبرمان. ولكنه هدف يبدو شبه مستحيل، وفق الظروف القائمة حتى اليوم. وهذا ما تؤكده المعطيات على أرض الواقع، والتي يسعى الليكود لتغييرها لصالحه.

التهديد الأول الذي يواجه هذا المعسكر هو مسألة حرق الأصوات، بمعنى أصوات تذهب إلى قوائم لم تعبر نسبة الحسم، والغالبية الساحقة منها هي لأحزاب اليمين الاستيطاني. ففي انتخابات نيسان الماضي 2019، تم حرق ما يزيد عن 256 ألف صوت، وكانت هذه تعادل 8 مقاعد، ولو نجحت واحدة من القائمتين لتغيرت الصورة في حينه بالكامل، ولكان لليكود وحلفائه من دون ليبرمان أغلبية 61 نائبا ولربما أكثر. وفي انتخابات أيلول 2019، كان حرق أخف وطأة على هذا المعسكر، إذ تم حرق 83 ألف صوت، ذهبت لقائمة "عوتسما يهوديت" المنبثقة عن حركة "كاخ" الإرهابية، ولكن في هذه الانتخابات الأخيرة، كان ما لم يتوقعه هذا المعسكر المتطرف، بأن رفع العرب نسبة تصويتهم من حوالي 50% في انتخابات نيسان إلى حوالي 60% في انتخابات أيلول، بينما تراجعت نسبة التصويت بين اليهود بنسبة نصف بالمئة.

وفي موازاة ذلك، فإن "الحزب العاق" في هذا المعسكر، "يسرائيل بيتينو"، ربح من ورقة مناهضة الإكراه الديني ثلاثة مقاعد، جاءت على حساب حزب الليكود، وحزب "كلنا" المنحل. ولذا رأينا أن تحالف الليكود، من دون ليبرمان، هبط من 60 مقعدا في نيسان، إلى 55 مقعدا في أيلول.

وفي هذا المجال، يعرف هذا المعسكر أنه ليس لديه ما يضيفه في نسبة المشاركة في التصويت، لأن أنصار هذا المعسكر يتجهون إلى صناديق الاقتراع بالنسبة القصوى، التي يمكن الوصول اليها. ونرى أن نسبة التصويت لدى المتدينين المتزمتين تتراوح ما بين 87% إلى 90%. بينما نسبة التصويت لدى جمهور المستوطنين، الذين هم نموذج لنمط التصويت عند أمثالهم خارج المستوطنات، تتراوح ما بين 84% إلى 87%، ولكنها على أرض الواقع تصل إلى 90%، لأن 7% من إجمالي الناخبين يصوتون خارج أماكن سكناهم، بموجب القانون الذي يجيز ذلك، مثل الجيش وعناصر الأمن، وهم الجمهور الأكبر من شريحة الناخبين هذه، ويضاف إليهم المرضى والسجناء الجنائيون، وموظفو جهاز الانتخابات، الذين يعملون خارج أماكن سكناهم. ما يعني أنه ليس لهذا المعسكر المتطرف ما يزيده في نسبة التصويت، باستثناء التكاثر الطبيعي، وفي حالة المتدينين والمتدينين المتزمتين، فإنهم يتكاثرون خلال نصف سنة بأكثر من 5ر1%.

وأمام هذا الوضع، فإن الليكود وقادة معسكر اليمين الاستيطاني، يبحثون في كيفية عدم حرق الأصوات، وتوحيد القوى بين الأحزاب الصغيرة. وفي ذات الوقت، يفحصون عن أي وسيلة لمنع ارتفاع نسبة التصويت في الطرف الآخر، وهو الطرف غير المتجانس إطلاقا، بقصد الأحزاب الصهيونية المعارضة لليكود، من جهة، والعرب من جهة أخرى.

ورأينا في أوج حملة انتخابات أيلول كيف حاول بنيامين نتنياهو والليكود فرض أساليب لترهيب العرب، مثل وضع كاميرات داخل غرف صناديق الاقتراع، بموازاة خطاب تحريضي شرس ضد العرب، ولكن كان هذا ضربة مرتدة على نتنياهو وحلفائه، لأن هذا التحريض حثّ العرب على الخروج إلى صناديق الاقتراع.

التحالفات بين أحزاب المستوطنين

القضية المركزية في معسكر اليمين الاستيطاني هي تجنب حرق عشرات آلاف الأصوات، كما جرى في جولتي الانتخابات الأخيرتين. والحديث يجري بشكل أدق عن القوائم الانتخابية التي ترتكز على جمهور التيار الديني الصهيوني، الذي يسيطر عليه التطرف السياسي.

وكما نذكر، فإن هذا المعسكر خاض انتخابات نيسان بثلاث قوائم، واحدة فقط اجتازت نسبة الحسم، وهي التي شملت ثلاثة أحزاب، "البيت اليهودي" (المفدال سابقا) و"هئيحود هليئومي" (الاتحاد القومي)، و"عوتسما يهوديت" (قوة يهودية) المنبثقة عن حركة "كاخ" الإرهابية المحظورة. بينما لامست القائمة الثانية "اليمين الجديد" نسبة الحسم ولم تجتزها، وحرقت ما يقارب 4 مقاعد، وكانت برئاسة الوزيرين السابقين نفتالي بينيت وأييلت شاكيد. والقائمة الثالثة كانت "زهوت" (هوية) برئاسة المتطرف موشيه فيغلين، الذي حرق ما يعادل 3 مقاعد، ولكنه حصل على حوالي نصف الأصوات من خارج معسكر اليمين الاستيطاني، فقط لأنه نادى بشرعنة استخدام القنب (الحشيش) للاحتياجات الطبية.

في انتخابات أيلول، اتفق الليكود مع موشيه فيغلين على الانسحاب من الانتخابات، مقابل ضمان حقيبة وزارية له، على حساب حصة الليكود. في حين تحالفت ثلاثة أحزاب "البيت اليهودي" و"اليمين الجديد" و"هئيحود هليئومي"، وكان التحالف برئاسة أييلت شاكيد العلمانية، رغم أن كل القائمة تقريبا من التيار الديني الصهيوني. وكان شرط "اليمين الجديد" عدم انضمام "عوتسما يهوديت"، أو أن تحصل على مقاعد متأخرة في القائمة، وهذا ما رفضته الأخيرة، وخاضت الانتخابات بقائمة مستقلة، وحصلت على 83 ألف صوت، وهذا يعادل أكثر من مقعدين، في حين حصلت القائمة التحالفية على 7 مقاعد، ثم انشقت إلى كتلتين، بعد أسبوع من بدء الولاية البرلمانية الـ 22. واليوم يجري الحديث مجددا عن احتمال تحالف الأحزاب الأربعة، في قائمة واحدة، إذ أن موشيه فيغلين أعلن أنه لن يخوض الانتخابات، ولكن العثرة القائمة حتى صدور هذا العدد من "المشهد الإسرائيلي"، هي كيفية تركيب القائمة التحالفية، والعقبة الأساس ستكون مقاعد "عوتسما يهوديت". فالتخوف القائم داخل المعسكر الديني الصهيوني هو من أن تحالف الأحزاب الأربعة، لا يعني بالضرورة أن قوتها سترتفع، لأن جمهورا واسعا من هذا التيار يتحفظ، وحتى يعارض، وجود قائمة "عوتسما يهوديت"، نظرا لأصولها في حركة "كاخ" الإرهابية. ودلالة على ذلك، أن المحكمة العليا شطبت ترشيح المرشح الأول من هذه الحركة في انتخابات نيسان. وفي انتخابات أيلول شطبت المحكمة العليا ترشيح اثنين. وفي حال تم بالفعل التحالف بين الأحزاب الأربعة، فمن الممكن أن يلجأ جزء من جمهور التيار الديني الصهيوني للتصويت لحزب الليكود، الذي 8 من بين نوابه الـ 32 الفائزين في انتخابات أيلول هم من هذا التيار الديني، وحتى أنه في انتخابات نيسان كان في كتلة الليكود 10 نواب من أصل 35 نائبا من هذا التيار.

كذلك في حالة تحالف الأحزاب الأربعة، ستتركز الأنظار على موقف النائبة العلمانية المتطرفة سياسيا أييلت شاكيد، إذا كانت ستوافق على هذا التحالف، الذي قادته في الانتخابات السابقة، ولكن رئاستها للقائمة لم تحقق المتوقع منها، ولذا وبعد انشقاق التحالف بعد الانتخابات، عاد نفتالي بينيت لرئاسة الحزب، وهو يتولى حاليا منصب وزير الدفاع.

في نهاية الأسبوع الماضي، طرأ تقدم في هذا المجال، إذ صدر بيان مشترك للبيت اليهودي وعوتسما يهوديت على خوض الانتخابات بقائمة واحدة، وتوجهتا لحزب "هئيحود هليئومي" (الاتحاد القومي) بزعامة بتسلئيل سموتريتش للانضمام، ولا يوجد أي مبرر لعدم انضمامه لهذا التحالف.

ولكن على الأغلب، فإن حزب "اليمين الجديد" برئاسة شاكيد وبينيت سيخوض الانتخابات خارج هذا التحالف، وعلى الأغلب منفردا. وكما يبدو، فإن في تقديرات "اليمين الجديد"، الذي لامس وحده نسبة الحسم في نيسان، أن يحصل على آلاف الأصوات من تلك التي حصلت عليها قائمة "زهوت" بزعامة موشيه فيغلين في انتخابات نيسان، ما يعزز فرص "اليمين الجديد" لتجاوز نسبة الحسم.

نهاية التحالف بين الليكود و"كلنا"

في انتخابات أيلول سعى الليكود إلى توحيد القوى، من أجل ضمان أكبر كتلة برلمانية، وأيضا ليساهم في عدم حرق الأصوات، وكما أسلفنا هنا، فقد اتفق مع موشيه فيغلين على سحب قائمته "زهوت" من الانتخابات، مقابل حقيبة وزارية، في نهاية المطاف لم يحصل عليها، لأن بنيامين نتنياهو فشل في تشكيل الحكومة.

وقبل هذه الخطوة، كان الليكود قد دمج في صفوفه حزب "كلنا" بزعامة وزير المالية موشيه كحلون، الذي خسر في انتخابات نيسان 6 مقاعد من أصل 10 مقاعد حققها في انتخابات 2015. إذ أنه كان واضحا أن هذا الحزب ما كان سيجتاز نسبة الحسم في انتخابات أيلول لو خاض الانتخابات منفردا. ما يعني نظريا أن الليكود دخل إلى انتخابات أيلول وهو يرتكز على ما يعادل 42 مقعدا برلمانيا: 35 حققها في انتخابات نيسان، ويضاف لها 4 مقاعد لحزب "كلنا"، إضافة إلى 3 مقاعد افتراضية، لقائمة "زهوت" بحسب ما حققته من أصوات في انتخابات نيسان. ولكن على أرض الواقع، فإن الليكود حصل على 32 مقعدا فقط.

وهذه ليست المرّة الأولى التي يتلقى فيها الليكود ضربة كهذه. ففي انتخابات 2013 تحالف الليكود مع حزب "يسرائيل بيتينو"، وكان لهما 42 مقعدا، منها 27 لليكود، و15 مقعدا لحزب "يسرائيل بيتينو" بزعامة ليبرمان، إلا أنهما حققا معا في انتخابات 2013 فقط 31 مقعدا، منها 20 لليكود.

وضمن المقاعد الـ 32 التي حققها الليكود في انتخابات أيلول، كانت 3 مقاعد لحزب "كلنا"، ما يعني أن 6 نواب من الليكود فقدوا مقاعدهم بين نيسان وأيلول.

وفي الأيام الأخيرة جرى الإعلان عن أن الليكود سيعود إلى قائمته التي عرضها في انتخابات نيسان، ما يعني أن كحلون وزميليه سيخرجون من القائمة، وعمليا لن يخوضوا الانتخابات. وهناك أقاويل مفادها أن كحلون قد يواصل حمل حقيبة المالية، في حال شكّل نتنياهو الحكومة بعد انتخابات آذار، ولكن هذا لم يعلن رسميا، وعلى الأغلب لن يكون، خاصة وأن كحلون لم يجلب معه الكثير لقائمة الليكود، فنصف الأصوات التي حصل عليها في نيسان، ذهبت إلى قائمة "شاس"، وهذا ما رأيناه في فحص خاص في معاقل اليهود الشرقيين، وخاصة في بلداتهم في الجنوب.

وفي الأسبوع الماضي، قررت المحكمة الداخلية في حزب الليكود وجوب إجراء انتخابات داخلية لقائمة الحزب، رغم قلة الأيام المتبقية حتى يوم تقديم القوائم.

ومنع هذا القرار سيحتاج الى تعديل الدستور، وليس واضحا على ماذا سيرسو الليكود في هذا المجال.

جمهور الحريديم ثابت

الحلقة الثالثة في هذا المعسكر هي الحريديم، وهم جمهور ثابت. إذ يخوض الانتخابات ضمن قائمتين: "شاس" لليهود الشرقيين، وحققت في انتخابات أيلول 9 مقاعد بإضافة مقعد عن انتخابات نيسان، وقائمة "يهدوت هتوراة"، لليهود الأشكناز، ولها 7 مقاعد بخسارة مقعد واحد عن انتخابات نيسان، بسبب فارق عشرات الأصوات؛ بمعنى أن قوتها الفعلية هي 8 مقاعد.

ومرّة أخرى، تقلل استطلاعات الرأي من قوة هاتين القائمتين، وهي توقعات لا تأخذ بالحسبان أن الحديث يجري عن جمهور ثابت، فبغالبيته الساحقة جدا، ولنقل 95% منه، يصوت للقائمتين، في حين أن "شاس" تضيف لها أصواتاً من جمهور الفقراء والمحافظين من اليهود الشرقيين، الذين ثبت أنهم ما زالوا يصوتون على أساس طائفي، رغم أن نمط التصويت هذا تقلص كثيرا في السنوات الأخيرة. ولكن هذا الأمر تبين في انتخابات أيلول، إذ حصلت "شاس" على ما يعادل مقعدين من الأصوات التي اتجهت لحزب موشيه كحلون في انتخابات نيسان، بموجب فحص أجريناه بعد انتخابات أيلول، لمعرفة أسباب ارتفاع قوة "شاس".

ولا يوجد، حتى الآن، ما يبرر خسارة هاتين القائمتين لأصوات في انتخابات آذار المقبل، إلا إذا ارتفعت نسبة التصويت بشكل كبير، وهذا ليس متوقعا، كما أنه لا توجد أي بوادر انشقاق في هاتين القائمتين. ولذا فعلى الأغلب أن القوة المجتمعة للقائمتين ستبقى عند 16 مقعدا، أو حتى 17 مقعدا. وهذه قوة لا يستطيع الليكود غض الطرف عنها، ما سينعكس على أجندة كل حكومة يشكلها أو يشارك فيها الليكود بعد انتخابات آذار.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات