يصر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على رفع ميزانية الجيش بنحو 4 مليارات شيكل سنويا (13ر1 مليار دولار) كميزانية ثابتة، بادعاء أن جاهزية الجيش تتطلب هذه الزيادة، في الوقت الذي تشهد فيه الموازنة العامة عجزا متفاقما، أعلى من السقف المحدد بنحو 15 مليار شيكل (26ر4 مليار دولار)، وعلى أي حكومة مقبلة أن تفرض تقليصات وإجراءات اقتصادية لتوفير المبلغ. ويتوقع المحللون أن تتم زيادة ميزانية الجيش، ولكن ليس واضحا مصدر المال. في المقابل تطالب وزارة المالية بتقليص ميزانية الجيش بنحو 5ر1 مليار شيكل، تأتي على حساب امتيازات الرواتب وتقاعد العسكريين.
وتبلغ الميزانية المباشرة للجيش الإسرائيلي في العام الجاري قرابة 72 مليار دولار (5ر20 مليار دولار) من بينها 8ر3 مليار دولار هي الدعم العسكري الأميركي السنوي لإسرائيل. ويطالب نتنياهو برفع الميزانية سنويا إلى 76 مليار شيكل في السنوات المقبلة، عدا الزيادات الثابتة سنويا.
وقد عقدت في الأيام الأخيرة جلسة بين رئيس هيئة الأركان أفيف كوخافي، ووزير المالية موشيه كحلون، لبحث مطالب الجيش المالية، في السنة التي شارفت على الانتهاء. وبحسب التقديرات، فإن مسألة الزيادة كانت مطروحة في هذا الاجتماع، ضمن خطة متعددة السنوات، لزيادة التسلح في كافة الاتجاهات.
ويطرح بنيامين نتنياهو، مسنودا من الجيش والأجهزة الأمنية، مشهدا وكأن إسرائيل هي في حالة طوارئ أمنية، على ضوء التطورات المتلاحقة في الشرق الأوسط، وخاصة أمام إيران، وأمام ما تصفه إسرائيل بأنه تراجع النفوذ الأميركي في المنطقة، كما حصل في سورية في الأسابيع القليلة الأخيرة، ما يعني بالنسبة لإسرائيل أن عليها الاعتماد على حالها. في الوقت الذي كان يجري فيه الحديث عن محاولة نتنياهو في الأشهر الأخيرة إبرام اتفاق "دفاع مشترك" مع الولايات المتحدة، في صلبه أن يشارك الجيش الأميركي الجيش الإسرائيلي في أي حرب تنشب في المنطقة.
وحسب التقارير التي نشرت في الصحافة الاقتصادية، فإن وزارة المالية تطالب الجيش بتنجيع إدارة ميزانيته، وبتقليص 5ر1 مليار شيكل (426 مليون دولار) من ميزانيته السنوية، على حساب الامتيازات العديدة التي يتلقاها العسكريون، مثل نسبة التقاعد المرتفعة للعسكريين في الجيش النظامي، وإخضاع كل الإضافات التي تظهر في قسيمة الراتب لضريبة الدخل، وخاصة مسألة السيارة التي تمنح لكبار الضباط، من رتبة عقيد وصاعدا، وتكون مصاريفها معفية من ضريبة الدخل، خلافا لما هو قائم في باقي القطاعات، إن كان في القطاع العام أو الخاص.
ولكن حسب المحلل سامي بيرتس في صحيفة "ذي ماركر"، فإن معضلة المسؤولين في وزارة المالية هي أنهم عاجزون عن مناقشة الجيش في احتياجاته العسكرية، وخاصة التسلح على كافة أنواعه. فكل الزيادة التي يطلبها الجيش هي للصرف على شراء المعدات العسكرية وزيادة الجاهزية وتحديث ما هو قائم. وهذه نقطة ضعف في وزارة المالية لدى المداولات حول ميزانية الجيش، ولذا فإن المالية تتركز في جوانب الصرف الأخرى مثل الرواتب العالية، ولكن هذا نظام قائم تقريبا في كل جيوش العالم، بسبب طبيعة عمل الجيش.
وفي هذا الإطار قالت وسائل إعلام إسرائيلية، في مطلع الأسبوع الجاري، إن الجيش أعرب عن استعداده للاستغناء عن شراء غواصة حربية ألمانية سادسة، ضمن صفقة تدور حولها شبهات بالفساد، وصلت إلى حد اتهام بعض المتورطين بتلقي الرشاوى. ورغم أن كل الأسماء تقريبا على علاقة وثيقة وحتى صلة قرابة لنتنياهو، إلا أن الأخير لم توجه له أية شبهة، في حين يصر وزير الدفاع الأسبق موشيه يعلون على أن نتنياهو متورط في هذه القضية.
وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، في عددها الصادر يوم الأحد الأخير، إنه في إطار الخطة متعددة السنوات التي بلورها رئيس الأركان كوخافي، والتي ستطرح قريبا لإقرار القيادة السياسية، ستكون هناك توصية بأنه بدلا من شراء غواصة سادسة، أن يتم تعزيز الجيش بدفاع جوي، وبسلاح دقيق، وتعزيز الجيش البري.
وكانت دارت في العقد الأخير مداولات في جهاز الأمن حول حجم أسطول الغواصات اللازم. واعتقد رؤساء الأركان السابقون، من غابي أشكنازي حتى بيني غانتس وغادي أيزنكوت، أنه يمكن الاكتفاء بخمس غواصات. ولكن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو اعتقد خلاف ذلك، واتخذ وحده القرار بشراء غواصة إضافية.
وقالت الصحيفة إنه في جهاز الأمن يعتقدون بأن غواصة سادسة هي قرار مهني شرعي من القيادة السياسية، ولكن المشكلة كانت في عدم إشراك القيادة العسكرية ووزير الدفاع الأسبق يعلون. وثمة ادعاء آخر طرح ضد نتنياهو كان أنه سعى لأن يحقق شراء ثلاث غواصات إضافية بحيث يصبح الأسطول الإسرائيلي تسع غواصات. أما نتنياهو فادعى أن نيته كانت استبدال الغواصات الثلاث الأولى التي ستخرج عن نطاق الخدمة.
وحسب الصحيفة، فإن الجيش "يحتاج" إلى علاوة ميزانية كبيرة أخرى في ضوء التهديدات التي نشأت في الشرق الأوسط. ويبحث كوخافي عن مصادر مالية داخلية، أحدها هو التخلي عن الغواصات. فاليوم لدى سلاح البحرية خمس غواصات، ويفترض بالسادسة أن تصل بعد سنتين. وبموجب خطة المشتريات، فانه حتى نهاية العقد المقبل، بمعنى حتى عام 2030، ستصل ثلاث غواصات أخرى لتحل محل ثلاث غواصات قديمة ستخرج عن نطاق الاستخدام، والآن يقترح الجيش التخلي عن واحدة منها. وتكلف الغواصة نحو نصف مليار يورو، ثلثها بتمويل المانيا، وثلثان بتمويل إسرائيلي. أما كلفة صيانة الغواصة في السنة فهي أكثر من 200 مليون شيكل.
وكانت الشرطة الإسرائيلية قد أعلنت قبل أقل من عام أن في نيتها التوصية بتقديم لوائح اتهام ضد ستة من كبار المسؤولين ومستشاري رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، بعد أن تجمعت أدلة تدينهم بتلقي رشاوى في صفقة لشراء غواصات ألمانية اعتبر الجيش أصلا أنه لا حاجة له فيها. وتطرح هذه الاتهامات علامات سؤال حول دور نتنياهو في هذه القضية، خاصة وأن الحديث يجري عمن هم في الحلقة الأضيق من حوله.
تقليصات في ميزانيات الوزارات الاجتماعية
ويقول المحلل الاقتصادي في صحيفة "ذي ماركر" حجاي عميت إن مطلب نتنياهو بزيادة 4 مليارات شيكل سيعني إجراء تقليصات في ميزانيات الوزارات الاجتماعية، بقيمة 13 مليار شيكل في السنوات الثلاث المقبلة، في الوقت الذي ليس لدى وزارة المالية القدرة على أي إضافات في الميزانية القائمة بسبب العجز الحاصل.
ولم يستبعد عميت أن يكون وراء طلب نتنياهو لهذه الزيادة عامل شخصي، بمعنى أنه يريد أن تسجل على اسمه خطة كبرى متعلقة بميزانية الجيش، أسوة بخطط سابقة أطلقت عليها كنية تحمل أسماء وزراء ورؤساء حكومات سابقين. ولكن رسميا، حسب عميت، فإن نتنياهو بدأ يضغط من أجل إقرار الزيادة، التي طالب بها منذ شهر آب 2018، بعد الهجمات التي تعرضت لها منشآت نفطية سعودية، نسبها الغرب وإسرائيل لإيران، رغم نفي الأخيرة، في منتصف أيلول الماضي.
ويقول عميت إن الهجوم الإيراني "لم يكشف عن أي أسلحة ابتكارية لم تكن إسرائيل تعرف بوجودها"، فإسرائيل تعرف أن إيران تمتلك صواريخ كروز وطائرات من دون طيار. ورغم ذلك فقد فوجئوا في أجهزة الأمن "بالقدرة على إطلاق صواريخ كروز وطائرات من دون طيار في وقت واحد من قبل الإيرانيين مع 30 هدفا متزامنا في المملكة السعودية، وقبل كل شيء، الجرأة والرغبة في تنفيذ مثل هذا الهجوم، وهما اللتان تسببتا في إعلان رئيس الوزراء عن أن إضافة 4 مليارات شيكل فقط هو الحد الأدنى المطلوب".
والتقدير في التحليلات أن الزيادة في ميزانية الجيش ستكون في أي حكومة تتشكل، وهذا التقدير يتعزز في حال كانت الحكومة برئاسة أو بمشاركة تحالف "أزرق أبيض"، الذي يقف في مقدمته ثلاثة رؤساء أركان سابقون للجيش، وهم أول من سيدافعون عن احتياجات الجيش، ويطالبون بضمانها في كل ميزانية مقبلة.
ويطرح نتنياهو مطلب زيادة 4 مليارات شيكل سنويا للجيش، في الوقت الذي يعي فيه أن الحكومة المقبلة ستكون مطالبة بالعمل على توفير حتى 15 مليار شيكل (26ر4 مليار دولار)، في ميزانية العام الجاري، بهدف سد العجز القائم والمتفاقم في الموازنة العامة. فهذا العجز بدأ يتكشف منذ مطلع العام الجاري، ووصل حتى الثلث الأول إلى 10 مليارات شيكل، واستمر العجز بوتيرة أبطأ نسبيا، حتى بلغ في هذه المرحلة قرابة 15 مليار شيكل، وهو ما يعادل 9ر3% من حجم الناتج العام، على الرغم من أن سقف العجز المحدد للسنة الجارية هو 9ر2%.
ومن بين الحلول التي تطرحها الوزارة رفع ضريبة القيمة المضافة على المشتريات بنسبة 1%، أي إعادتها إلى نسبة 18%، وهذه زيادة من شأنها ضمان 5 مليارات شيكل للموازنة العامة، إضافة إلى فرض ضرائب أخرى، وإلغاء إعفاءات ضريبية وجمركية متعددة.
ويحذر الخبراء والمحللون حاليا من مغبة فشل تشكيل حكومة، والاتجاه نحو انتخابات ثالثة، ما سينعكس على الاقتصاد سلبا، ويجمّد الكثير من الاستثمارات، أو أن تكون وتيرتها بطيئة، ما يعني نسبة نمو أضعف. كما يحذر المحللون من أنه في حال تشكلت حكومة جديدة، فإن الشركاء فيها سيحملون مطالب تكلف الخزينة العامة، ما سيجعل العجز يتفاقم أكثر. ورغم هذا، هناك من يتوقع أن الحكومة الجديدة ستستغل كونها تتشكل للتو، وأن الانتخابات التالية ستكون بعيدة، لتتجرأ على القيام بتقليصات كبيرة في الموازنة العامة للجم العجز. وليس من المستبعد أن يكون الثمن رفع ضرائب وخفض مخصصات اجتماعية.
ويقول مسؤولون في وزارة المالية إنه بما أن السنة الحالية قد شارفت على الانتهاء، ولا يمكن إجراء تقليصات في ميزانيتها، فإن عبء التقليصات سينتقل كليا إلى ميزانية العام المقبل 2020، التي سيتم إقرارها في وقت متأخر من العام المقبل، لربما حتى الربيع في حال تشكلت الحكومة، أو حتى الصيف في حال جرت انتخابات ثالثة.