المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

من المتوقع أن تنشر بلدية تل أبيب خلال الأسابيع القليلة المقبلة عطاء لتسيير حافلات للمواصلات العامة في أيام السبت والأعياد اليهودية، وذلك في تحد واضح لقوانين وأنظمة الإكراه الديني، التي تمنع المواصلات العامة في المدن والبلدات اليهودية في أيام السبت والأعياد اليهودية. ومن أجل تجاوز عقبة القوانين، فإن الحافلات ستعمل مجانا، كي لا تكون منصاعة لتعليمات وزارة المواصلات.

 

وبموازاة ذلك، أعلنت البلدية أنها شرعت باتصالات مع بلديات المدن الواقعة بجوار مدينة تل أبيب، من أجل توسيع حركة المواصلات العامة، كي تجمع الركاب من هذه المدن، التي تشكل "متروبولين" تل أبيب، وإيصالهم الى أماكن الترفيه على أنواعها، وبشكل خاص إلى شواطئ البحر وغيرها.

ومسألة المواصلات العامة في أيام السبت والأعياد اليهودية، هي أحد الملفات الأكثر سخونة في مسألة قوانين وأنظمة السبت، ومعها في ذات مستوى السخونة قضية فتح المحال التجارية في مثل هذه الأيام. وعلى مر السنين، تدور معركة بين البلدات ذات الطابع العلماني، وكل الحكومات، من أجل تسيير مواصلات عامة، خاصة بين الأحياء الفقيرة وذات المستوى المعيشي المتدني، وبين مناطق الترفيه، إلا أن كل المحاولات لتغيير الأنظمة القائمة باءت بالفشل، ولا يبدو أنها ستجد حلا لها، في ظل ارتفاع نسبة المتدينين في الكنيست، وفي الحكومات.

وحظر المواصلات العامة أيام السبت، الذي يبدأ من مغيب شمس يوم الجمعة، وحتى اكتمال الظلام مساء يوم السبت، مفروض كقرارات للشركات شبه الرسمية، التي تشغّل خطوط المواصلات العامة، إذ لا يوجد قانون رسمي يحظر المواصلات العامة أيام السبت، ولكن هناك اتفاق غير مكتوب بين الحكومة والتيارات الدينية، وخاصة المتزمتة منها، منذ العام 1948، يقضي بعدم تسيير المواصلات العامة.

وعادة تبقى الشوارع والطرقات مفتوحة في جميع المدن والبلدات اليهودية، باستثناء شوارع قليلة جدا في المدن الكبرى، إما أنها تمر في حي كله من المتدينين المتزمتين، أو أنه يقع في الحي الكنيس الأكبر في تلك البلدة. ويمكن مشاهدة حظر كلي لحركة السير من حافلات وسيارات خاصة، في مستوطنات يسكنها المتزمتون فقط، مثل موديعين عيليت وبيتار عيليت وإلعاد وبعض أحياء القدس.

وقبل عامين شرعت جمعيتان تناهضان حظر المواصلات أيام السبت، في تسيير خطوط في المدن الكبرى، من أجل مساعدة من ليس لديهم سيارات خاصة، وحتى الآن يوجد 10 خطوط. وسارع وزير المواصلات في حينه، يسرائيل كاتس، للإعلان عن عزمه سن قانون أو أنظمة من شأنها أن تمنع جمعيات خاصة من تسيير حافلات في أيام السبت. إلا أن هذا لم يتم حتى الآن.

واستنادا للوضع القانوني القائم، ومن أجل أن لا تحتاج بلدية تل أبيب للحصول على تراخيص من وزارة المواصلات، فقد أعلنت أن استخدام الحافلات سيكون مجانيا، وأن كلفة تشغيل هذه الحافلات في أيام السبت، سيكون 12 مليون شيكل سنويا، ما يعادل 4ر3 مليون دولار. ومن شأن هذه الميزانية أن تصل الى حوالي 14 مليون شيكل، ما يعادل 4 ملايين دولار، بتشغيل الحافلات أيضا أيام الأعياد اليهودية، التي تسري عليها أنظمة السبت اليهودي.

وحسب ما نشر، فإن الحافلات ستعمل في خمس خطوط تجمع الركاب مجانا من العديد من الأحياء، ومعظمها في وسط وجنوب تل أبيب، وتقود المسافرين نحو مراكز الترفيه، ومراكز حيوية أخرى. وكما ذكر، فإن السفر سيكون مجانا، وستبدأ حركة المواصلات من مساء يوم الجمعة حتى الساعة الثانية من فجر السبت، ومن الساعة التاسعة صباح السبت، حتى ساعات بعد ظهر اليوم ذاته.

وقال تقرير لصحيفة "ذي ماركر" إن بلدية تل أبيب شرعت باتصالات مع بلديات مدن متصلة ومتشابكة مع مدينة تل أبيب، وبشكل خاص المدن ذات الطابع العلماني، وحيث لا يشارك متدينون في ائتلاف المجلس البلدي. وأعلنت غالبية هذه المدن عن موافقتها على المشاركة في هذا المشروع، خاصة وأن بعض هذه البلديات تقوم منذ فترة بتسيير حافلات من أحياء محددة إلى نقاط ترفيه. ما يعني أنه حينما يدخل هذا الترتيب حيز التنفيذ خلال العام المقبل، فقد يكون أشبه بحالة تمرّد على الوضع القائم، في منطقة تل أبيب، التي تشهد أكبر حالة اكتظاظ سكاني في إسرائيل، بسبب الهجرة الدائمة الى مدنها، وأولها تل أبيب، من الجمهور العلماني، وبشكل خاص الأجيال الشابة، التي من ناحية تلجأ الى تل أبيب ومنطقتها بسبب مجال الحياة الأوسع، ولكن أيضا لأنها منطقة فرص العمل الأكبر للأعمال العصرية، وأولها قطاع التقنية العالية "الهايتك".

ويشار الى أنه في المدن الإسرائيلية الكبرى تعمل في أيام السبت سيارات تاكسي كبيرة، ولكنها تجبي سعرا مضاعفا من الجمهور، ما يزيد العبء عليه. وإلى جانب هذا، فإنه في كل البلاد هناك تراخيص لتشغيل أكثر من 380 خط باص في أيام السبت، ولكن قسما كبيرا من هذه الخطوط يعمل في المدن والمناطق العربية. وقال تقرير سابق إن 70% من هذه الخطوط لا يعمل بشكل منتظم لأسباب متعددة.

ولم يصدر أي رد فعل من وزير المواصلات في الحكومة الانتقالية الحالية، بتسلئيل سموتريتش، رئيس حزب "الوحدة الوطنية"، وهو من أحزاب التيار الديني الصهيوني. وأبدى سموتريتش في الأشهر الأخيرة حالة تشدد دينية غير مسبوقة في التيار الديني الصهيوني، الذي كان يعتبر أقل تشددا دينيا من التيار الديني المتزمت "الحريديم". وقد أعلن سموتريتش، في مطلع حزيران الماضي، أنه يريد تولي حقيبة العدل، من أجل فرض الشريعة اليهودية على إسرائيل، كي تكون "كما في أيام داود الملك، وسليمان الملك"، وهو التصريح الذي تلاه تصريح مشابه، وأثارا ضجة كبيرة في الأوساط الإسرائيلية. إلا أن بنيامين نتنياهو الذي كان يومها قد بادر لحل الكنيست بعد 50 يوما على انتخابات نيسان، ومن أجل رص صفوف اليمين الاستيطاني أسند لسموتريتش حقيبة المواصلات في حكومته الانتقالية، وأسند حقيبة التربية والتعليم التعليم لرئيس حزب "البيت اليهودي- "المفدال" رافي بيرتس. وسكوت سموتريتش نابع كما يبدو من أنه يعرف أن بقاءه في منصبه ليس مضمونا، وحتى أن الاحتمالات ضعيفة، وهذا على ضوء الوضع الحزبي والبرلماني القائم. فسموتريتش الذي انتخب مجددا في أيلول، في تحالف ضم 3 أحزاب وحصل على 7 مقاعد، انشق على حاله في الأسبوع الماضي، وبات في كتلة من 4 نواب، ومن الصعب إسناد حقيبتين وزاريتين لها.

مرحليا الحركة التجارية باقية على حالها

في مقابل قرارات التمرد الجزئي على حركة المواصلات العامة، تبقى قضية الحركة التجارية الحارقة بذات المستوى عالقة، وواحد من أكبر العوامل التي تقف أمام الحركة التجارية هي محلات بيع الأغذية، بمعنى شبكات التسوق والبقالات، التي تعتمد على بيع البضائع وفق أنظمة "الحلال" في الشريعة اليهودية، ففتح المحال في أيام السبت اليهودي يسقط الحلال عن المحل وكل محتوياته.

وهناك عدد محدود جدا من المحال التجارية للأغذية التي تفتح أبوابها أيام السبت، ولكن في مناطق محددة في بعض المدن، ووفق تراخيص خاصة، ولكن هذه المحال لا تحسب بضائعها حلالا. وكذا بالنسبة للمطاعم ومحلات الطعام السريع التي تفتح أبوابها أيام السبت. ولكن عدا هذه المحلات، هناك محلات تجارية لبضائع لا علاقة لها بالحلال، وتسري عليها أنظمة الإغلاق في أيام السبت. وقبل سنوات قليلة، سنت بلدية تل أبيب قوانين خاصة بها تفسح المجال أمام عدد أكبر لمن المحلات التي تفتح أبوابها أيام السبت، ولكن بعد كر وفر مع الحكومة، وصل الأمر إلى المحكمة العليا، التي جاء قرارها ضبابيا.

وعلى ضوء هذا الوضع، أقر الكنيست في مطلع العام 2018، وبضغط من كتلتي "الحريديم"، ومعهما أيضا الليكود وكتلة "البيت اليهودي" في حينه عن التيار الديني الصهيوني، قانونا يقضي بتشديد التعليمات لإغلاق الحوانيت، خاصة البقالات، أيام السبت. إذ يمنح القانون وزير الداخلية صلاحية المواقفة والرفض على قوانين بلدية مساعدة، بشأن فتح المحال التجارية أيام السبت. وهو ما من شأنه أن ينتقص من صلاحيات البلديات. ورغم أن الحكومة ادعت أن القانون لن يغير من الوضع القائم شيئا، إلا أن مجرد الحفاظ على الوضع القائم يعني عدم تحسينه في اتجاه العلمانيين.

وينص القانون على أن كل القوانين البلدية المساعدة، بمعنى التي تقرها المجالس البلدية لمدنها، وفق القانون القائم، وتقضي بالسماح بفتح المحال التجارية التي تبيع الأغذية أو تقدم خدمات الطعام على أنواعها، وكذا أيضا مرافق الترفيه مثل دور السينما والفنون على أنواعها، والسيرك، والرياضة، أيام السبت والأعياد اليهودية، لا يتم نشرها في الجريدة الرسمية، بمعنى أنها لا تدخل حيز التنفيذ، إلا بمصادقة وزير الداخلية عليها.

وقد أثار هذا القانون خلافا واسع النطاق في الحلبة السياسية، وأيضا من قبل البلديات الكبرى، كون القانون سيمنع سن قوانين بلدية لاحقا، تجيز فتح عدد من المحال التجارية. وقد عبّر رؤساء البلديات الـ 15 الأكبر، باستثناء بلدية القدس، عن اعتراضهم على القانون في رسالة وجهوها إلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ومنهم من أعلن تمرده على القانون. وقال رؤساء البلديات في رسالتهم "إن الحكم المحلي يعارض كليا القانون، إذ يجري الحديث عن مس خطير بصلاحيات منتخبي الحكم المحلي، وأيضا عن تغيير جذري للوضع القائم في ما يتعلق بفتح المصالح التجارية أيام السبت، في مختلف المدن والبلدات".

مستقبل أصعب للعلمانيين

يُشار إلى أن نتائج انتخابات أيلول الماضي أسفرت عن دخول 37 نائبا متدينا، 17 من المتزمتين "الحريديم"، و20 من التيار الديني الصهيوني، وهذه إحصائية شبيهة بانتخابات نيسان العام الجاري، التي دخل فيها 39 نائبا متدينا، من بينهم 22 من التيار الديني الصهيوني، والباقي من الحريديم. ولكن ليس هؤلاء وحدهم، بل سيظهر لاحقا عدد من النواب المحافظين، المؤيدين لقوانين الإكراه الديني، في حين أن عدد المتدينين في انتخابات 2015 بلغ 23 نائبا.

كذلك بيّنت النتائج أن 30 نائبا من أصل 55 نائبا لليكود وشركائه الفوريين هم من المتدينين. وهذا يقول الكثير بشأن طابع الحكومة المقبلة، إذ لا يمكن لأي حكومة أن تكون مستقرة من دون ولو جزء من المتدينين. كذلك، حتى لو تم حل الكنيست مجددا وجرى التوجه لانتخابات ثالثة، فإن هذا المشهد لن يتغير كثيرا، ما يعني أنه سيكون من الصعب على العلمانيين تحقيق تغيير قانوني في كل ما يتعلق بعلاقة الدين بالدولة.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات