المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تواصل استطلاعات الرأي نشر نتائج متقاربة للانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، التي ستجري يوم 17 أيلول الجاري. وكلها تُظهر أن بنيامين نتنياهو لن يحصل على الأغلبية المطلقة مع شركائه الفوريين، من دون كتلة "يسرائيل بيتينو (إسرائيل بيتنا)" بزعامة أفيغدور ليبرمان، الذي كان موقفه سببا في عدم تشكيل الحكومة، والتوجه لانتخابات برلمانية، بعد 50 يوما من انتخابات نيسان. إلا أن استطلاعات الرأي فشلت على مدى السنوات الأخيرة في عرض صورة أقرب للنتيجة النهائية، ولذا فإن كل الاحتمالات ما تزال واردة.

وحسب ما تنشره استطلاعات الرأي، فإن حزب الليكود سيحصل على ما بين 30 إلى 32 مقعدا، ومع شركائه الفوريين، بمعنى كتلتي الحريديم شاس ويهدوت هتوراة، والقائمة التحالفية الاستيطانية "يامينا" برئاسة أييلت شاكيد، سيحصلون سوية على ما بين 54 إلى 55 مقعدا.

وهذه الحصيلة متوقعة أيضا لباقي أحزاب المعارضة، بمعنى تحالف "أزرق أبيض" الذي سيحصل على نتيجة قريبة من الليكود، بينما سيحصل تحالف "المعسكر الديمقراطي" الذي في صلبه حزب ميرتس وحزب إيهود باراك، على 7- 8 مقاعد، وأقل من هذا لتحالف حزبي العمل و"غيشر". بينما "القائمة المشتركة" التي تمثل الأحزاب الناشطة بين فلسطينيي الداخل، تتوقع لها استطلاعات الرأي ما بين 10 إلى 11 مقعدا.

في المقابل، فإن استطلاعات الرأي تُجمع تقريبا على منح حزب "يسرائيل بيتينو" بزعامة أفيغدور ليبرمان 10 مقاعد، ليقرر شكل الحكومة المقبلة.

انتخابات نيسان

ولكن قبل الدخول في سيناريوهات الحكومة المقبلة، ومدى ثبات ليبرمان، صاحب القرار الوحيد في حزبه، في اليوم التالي للانتخابات، نذكر أنه في انتخابات نيسان منحت استطلاعات الرأي تقريبا كلها ما بين 5 إلى 6 مقاعد لقائمة "زهوت" برئاسة المتطرف موشيه فيغلين، الذي حصل على نصف هذه النتيجة، ولم يعبر نسبة الحسم. كما منحت الاستطلاعات ما بين 4 إلى 6 مقاعد لحزب "اليمين الجديد"، وهو أيضا لم يعبر نسبة الحسم. في حين لم تتوقع أي من استطلاعات الرأي أن يصل كل من الليكود وتحالف "أزرق أبيض" إلى 35 مقعدا لكل منهما.

وهذه النتائج التي كانت في نيسان، أدت إلى "حرق" 5ر8% من الأصوات الصحيحة، وهذا يعادل 10 مقاعد برلمانية. 93% من هذه الأصوات "المحروقة" كانت في ثلاث قوائم، غالبية أصواتها الساحقة جدا هي من اليمين الاستيطاني. وهذه النتيجة ساهمت في إعادة توزيع المقاعد، لتستفيد غالبية الكتل الفائزة من مقاعد إضافية، وبالإمكان القول إن كلا من الليكود و"أزرق أبيض" حصل على قرابة 3 مقاعد نتيجة هذا المشهد.

ولكن في انتخابات أيلول من المتوقع ألا نرى "حرق" أصوات بهذه النسبة الهائلة وغير العادية، بسبب التحالفات التي تشكلت من جديد، أو إقامة تحالفات جديدة لمنع حرق الأصوات، مثل تحالف أحزاب المستوطنين "يامينا" الذي يضم حزب "اليمين الجديد"، وتحالف حزب العمل مع حزب "غيشر"، برئاسة أورلي ليفي، الذي حصل على قرابة مقعدين ولم يعبر نسبة الحسم. في حين أن تحالف "القائمة المشتركة"، الذي يضم كتلتين قائمتين في الكنيست الحالي، قد يضيف له مقعدا أو اثنين.

ورأينا في الأيام الأخيرة أن حزب "زهوت" برئاسة فيغلين، الذي حصل على 7ر2% من الأصوات في انتخابات نيسان الماضي وقرابة 3 مقاعد ولم يعبر نسبة الحسم، قد قبِل بعرض الليكود للانسحاب من المنافسة الحالية، مقابل حصول فيغلين على منصب وزير في حكومة نتنياهو المقبلة، على حساب وزراء الليكود.

ومن أصل 31 قائمة متبقية ستخوض الانتخابات يوم الثلاثاء المقبل، هناك قائمة واحدة مرشحة للحصول على عشرات آلاف الأصوات، أو ما يقارب 2%، وهي حركة "عوتسما يهوديت" المنبثقة عن حركة "كاخ" الإرهابية، إذ أن هذه القائمة لم تستجب، حتى الآن، لتوجهات الليكود للانسحاب من الانتخابات، ولذا إذا استمرت في المنافسة فإن نسبة الأصوات المحروقة قد تكون في حدود 5ر2%، وهي نسبة شبه عادية في الانتخابات الإسرائيلية.

انتخابات أيلول

ما يراد قوله من هذه الاحصائيات الدقيقة أولا أنها لعبت دورا جديا في النتائج النهائية في انتخابات نيسان. أما في انتخابات أيلول، فإنه من شبه المؤكد أن عدم احتراق نسبة أصوات عالية سينعكس فورا على مقياس المقعد الواحد، ولذا فإن القائمتين الأكبرين، الليكود و"أزرق أبيض"، ستدفعان الثمن الأكبر، على الرغم من أن الليكود ضم إليه حزب "كلنا" برئاسة موشيه كحلون، الذي حصل في انتخابات نيسان على 4 مقاعد، وكاد يصارع نسبة الحسم.

والعامل الآخر الذي سيلعب دورا في الانتخابات القريبة هو نسبة التصويت. ففي انتخابات نيسان أجمعت كل استطلاعات الرأي التجارية في وسائل الإعلام، وتلك الخاصة بمعاهد الأبحاث، على أن نسبة التصويت سترتفع، مقارنة بانتخابات 2015، التي بلغت فيها نسبة التصويت 34ر72%. إلا أن نسبة التصويت فاجأت الجميع بهبوطها بـ4% تقريبا، إلى 46ر68%. والتراجع الأكبر كان بين العرب، الذين هبطت نسبة التصويت بينهم من 63% في العام 2015، إلى أكثر من 52% في انتخابات نيسان. ولكن لهذا التراجع كان تأثير بنسبة 5ر1% من التراجع العام، إذ تبين أن تراجع التصويت كان أيضا في الشارع اليهودي، ولكن كما هو متوقع فإن التراجع في معاقل ما يسمى "وسط يسار"، أعلى بكثير من التراجع في أوساط المتدينين واليمين الاستيطاني.

أما الآن، فإن استطلاعات الرأي تتوقع تراجع نسبة التصويت إلى نحو 65%، ولا يمكن الاعتماد على هذه النتيجة، فقد تكون محاولة من معاهد الاستطلاعات لتجاوز ما حصل في نيسان الماضي. ولكن إذا حقا تراجعت نسبة التصويت، فإن التراجع سيكون بالذات في معاقل "وسط يسار"، في حين تشير استطلاعات الرأي إلى ارتفاع محدود، حتى الآن، في نسبة تصويت العرب.

سيناريوهات محتملة

السيناريو الأول الأقرب للواقع أن نسبة التصويت قد تشهد تغيرا طفيفا في كلا الاتجاهين، آخذين بعين الاعتبار حملات مكثفة لرفع نسبة التصويت، لدى كافة المعسكرات؛ وبين العرب نشهد حملة أقوى من ذي قبل، ولكن ليس واضحا مدى تأثير هذه الحملات في يوم الانتخابات، بما فيها بين العرب.

وثانيا، يمكن الافتراض أن استطلاعات الرأي قد تكون تمنح أفيغدور ليبرمان قوة زائدة، كما جرى في حالة قائمة "زهوت" في انتخابات نيسان. فالقوة الزائدة التي يحصل عليها ليبرمان، من 5 مقاعد حاليا، إلى 10 مقاعد في الاستطلاعات، تأتي بالتأكيد من معاقل اليمين المتشدد، واليمين الاستيطاني، بسبب موقفه من المتدينين المتزمتين، الحريديم، ومطالبته بفرض قانون الخدمة الإلزامية على شبانهم.

ولكن كما ذكرنا في تقارير سابقة، فإن ليبرمان يجاهر أنه ليس في جيب نتنياهو، وأنه سيفرض على الليكود وتحالف "أزرق أبيض" حكومة وحدة واسعة علمانية، من دون الحريديم، وهذا ما يجاهر نتنياهو برفضه. وفي يوم الانتخابات، فإن هوية رئيس الحكومة المقبلة ستكون مسألة حاسمة لدى الغالبية الساحقة من اليمين الاستيطاني واليمين المتشدد. وفي هذه الحالة، فإن غالبية أصوات اليمين المناهضة للحريديم قد تغير أولوياتها، بمعنى أن تضع على رأس أولوياتها هوية رئيس الحكومة، وهذا ما قد ينعكس سلبا على القوة التي سيحصل عليها ليبرمان. ولكن حسب التوجهات فإنه سيضيف لقوته قوة ما، ولكن أقل من الاستطلاعات، وسيبقى حسبما هو ظاهر بيضة القبان.

والافتراض الثالث، هو أن كمية الأصوات الضخمة لليمين الاستيطاني، في حدود 300 ألف صوت، من إجمالي الأصوات المحترقة في انتخابات نيسان، ستدخل بغالبيتها الساحقة، هذه المرّة، في احتساب المقاعد، وهذه المعادلة وحدها من شأنها أن تقلب النتائج، وتجعل نتنياهو وحلفاءه أقرب إلى الأغلبية المطلقة، بمعنى 61 مقعدا، رغم صعوبة هذه النتيجة، بموجب ما تشير له استطلاعات الرأي.

واحتمالات تشكيلة الحكومة المقبلة واردة في كل الاتجاهات، ولكن كما يبدو فإن رئيسها سيكون بنيامين نتنياهو، الذي لن يسمح بفشل آخر في تشكيل الحكومة المقبلة. والاحتمال الأكبر، أن ينقلب ليبرمان على كل مواقفه، كما فعل هذا مرارا من قبل، وينضم لحكومة نتنياهو، بثمن مغر من حقائب دسمة.

أما في حزب الليكود، فإنهم لا يستبعدون خيارات أخرى، مثل حدوث انشقاق في تحالف "أزرق أبيض" الذي يضم ثلاثة أحزاب، أصغرها الحزب الذي يرأسه رئيس الأركان الأسبق موشيه يعلون "تلم"، وله 4 مقاعد في الأماكن المضمونة، فهذه مقاعد جاءت من قلب اليمين الاستيطاني، إلا أنه بموجب أنظمة الكنيست، فإن الانشقاق في الكتلة البرلمانية له مواصفات، وأيضا جدول زمني من يوم الانتخابات. وفي ذات الوقت ليس من المستبعد أن يتجه نتنياهو لحزب العمل برئاسة عمير بيرتس، الذي يراوح في قاع استطلاعات الرأي، وقد يواجه نسبة الحسم، وقد ينضم لحكومته، وهذا أيضا احتمال وارد، إذ أن بيرتس معروف عنه تقلباته الحزبية المتسارعة في العقود الثلاثة الأخيرة.

التطرف السياسي والديني بين الشباب

على هامش الانتخابات الإسرائيلية صدرت في مطلع الأسبوع الجاري معطيات بحث جديد جرى في كلية تل أبيب الأكاديمية، حول توجهات الشباب اليهود الإسرائيليين في الشريحة العمرية 18 إلى 29 عاما. وتبين من الاستطلاع أن 5ر64% من الشبان اليهود وصفوا أنفسهم بأنهم يمينيون، في حين اعتبر أكثر من 54% أنفسهم أنهم متدينون.

وهذه النتائج تعكس ازدياد التطرف في الشارع الإسرائيلي، ولكن من أهم العوامل التي تساهم في هذا المشهد هو استمرار ارتفاع نسبة تكاثر المتدينين، إن كانوا من المتزمتين الحريديم بنسبة 8ر3%، أو التيار الديني الصهيوني 8ر2%، مقابل قرابة 4ر1% بين العلمانيين اليهود و6ر2% بين العرب.

ويبين الاستطلاع أنه على الرغم من هذه التوجهات اليمينية، إلا أن الاقبال على صناديق الاقتراع بين الأجيال الشابة أقل منه بين المتقدمين في العمر. ففي انتخابات العام 2015، حسب الاستطلاع، فإن 6ر92% من الذين أعمارهم 56 عاما وما فوق مارسوا حقهم في الاقتراع. وتهبط النسبة إلى 89% لدى من أعمارهم بين 30 إلى 55 عاما. أما الشبان من 18 إلى 29 عاما، فإن نسبة التصويت بينهم لم تصل الى 68%.

ويمكن الافتراض أن نسبة التصويت بين الشبان المتدينين، والذين يعتبرون أنفسهم في اليمين السياسي، أعلى منها لدى الشبان الذين يصفون أنفسهم ما بين "يسار" الى "وسط". وهذا الافتراض يرتكز إلى نتائج التصويت في معاقل المعسكرات المختلفة.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات