المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

خلال العامين ونصف العام الأولين من ولايته، أظهر الرئيس دونالد ترامب نظرة عالمية مخالفة لنظرة سلفه، الرئيس باراك أوباما، الذي استوحى إلهامه من سلوك الرئيس جيمي كارتر، الذي طعن الشاه الفارسي ("الشرطي الأميركي في الخليج الفارسي") في ظهره، ووفر الدعم لاستيلاء آية الله الخميني على إيران في العام 1979.

يمكن الاستدلال على سياسة ترامب في مجالي الأمن والسياسة الخارجية من هوية مستشاريه الكبيرين: وزير الخارجية مايك بومبيو، الذي كان أحد أبرز قادة جناح المحافظين الصقريين الأعضاء في مجلس النواب من الحزب الجمهوري ("حفلة الشاي")؛ ومستشار الأمن القومي جون بولتون، الذي يدعو منذ سنوات عديدة إلى إعادة ترميم صورة الردع الأميركية، بواسطة استخدام قوة هائلة، سياسية واقتصادية وعسكرية، ضد أنظمة وتنظيمات خارجة عن القانون. كما قاد بولتون، أيضاً، المبادرة التي شطبت قرار الأمم المتحدة الذي ساوى بين الصهيونية والعنصرية ("صهيونية = عنصرية") في العام 1991، إبان إشغاله منصب مساعد وزير الخارجية للشؤون الدولية. ويعتبر بومبيو وبولتون من أبرز وأشدّ المنتقدين، المتصلبين والمثابرين، للسياسات الأمنية الخارجية التي اعتمدها الرئيس أوباما.

تميزت نظرة أوباما بالمبادئ العشرة التالية:
1. انتهاء عصر التفرد والاستثنائية (Exceptionalism) الأخلاقية، العسكرية والردعية، الأميركي.
2. الإحجام عن إطلاق عملية سياسية أو عسكرية أميركية من جانب واحد وتفضيل الانخراط في أطر دولية.
3. اعتبار الأمم المتحدة جسماً رائداً في بلورة وتصميم الساحة الدولية.
4. الاعتراف بأوروبا المتصالحة والمبتعدة عن المواجهات وعن استخدام الخيار العسكري كنموذج يحتذى.
5. تبني منظور مؤسسة وزارة الخارجية المنفصل، عادة، عن الواقع المركّب في الشرق الأوسط (ومن هنا وهم "الربيع العربي") وعن المزاج الوطني السائد في الشارع والكونغرس الأميركيين والأقرب إلى المزاج الكوني السائد في وزارة الخارجية البريطانية.
6. التفاوض، الصلح والاحتواء وليس الصدام والإخضاع، كوسائل أساسية رائدة في العلاقات مع أنظمة خارجة عن القانون (انظر الاتفاق النووي مع إيران).
7. اعتبار الإسلام والمنظمات الإسلامية حلفاء محتملين وليس خصوماً وأعداء قتلة.
8. حظر استخدام تعبير "إرهاب إسلامي". ومن هنا اعتبار أوباما قتل الضابط نضال حسن لـ 13 جنديا في القاعدة العسكرية "بورت هود" في تكساس في العام 2009 "عنفاً في مكان العمل" وليس عملية إرهابية.
9. النظر إلى القضية الفلسطينية بوصفها جذر الصراع العربي ـ الإسرائيلي، بؤرة الهزات في الشرق الأوسط والبؤبؤ العربي.
10. الفرضية القائلة بأن الحل ـ وليس إدارة الصراعات ـ هو المسار الواقعي والمفصل لتقليص الهزات في الشرق الأوسط.

خلافاً لمنظور أوباما، يهتدي ترامب بجملة مختلفة تماماً من المبادئ:
1. التطلع إلى "إعادة الولايات المتحدة إلى سابق عظمتها ومجدها" (Make America Great Again) عن طريق تحسين وضع الاقتصاد، الدفع نحو الاستقلال النفطي وزيادة ميزانية الأمن.
2. استقلال السياسة الخارجية، الأمنية والتجارية الأميركية، وعدم الارتباط بقرارات وإجراءات متعددة القوميات.
3. الاعتراف بعدائية الأمم المتحدة تجاه الولايات المتحدة وبالتأثير المحدود لهذه المنظمة على الحلبة الدولية.
4. التحفظ العميق والغاضب على الأداء السياسي، الأمني والتجاري الأوروبي (ومن جانب حلف "ناتو" أيضاً)، مقابل توثيق التعاون مع الدول الحليفة للولايات المتحدة، مثل إسرائيل والسعودية.
5. انزياح حاد عن وجهة نظر مؤسسة وزارة الخارجية (ومن هنا الاعتراف بـ"التسونامي العربي") وتبني المزاج الوطني السائد لدى غالبية الجمهور الأميركي، وخاصة لدى سكان المدن الصغيرة.
6. الصدام والردع ـ وعدم القبول ـ مقابل أنظمة خارجة عن القانون، كما يتجسد هذا في الانسحاب والتنصل من الاتفاق النووي مع إيران وفرض عقوبات غير مسبوقة في حدتها على نظام الملالي.
7. الوعي بمكانة الولايات المتحدة وصورتها بوصفها "الشيطان الأكبر" في نظر الملالي في إيران وجهات إسلاموية أخرى.
8. الاعتراف بأن الإرهاب الإسلامي يشكل خطرا جليا وفوريا على الولايات المتحدة وحلفائها.
9. القول إن القضية الفلسطينية لا تشكل أساس الصراع العربي ـ الإسرائيلي، ليست عاملا مركزيا في تصميم الشرق الأوسط ولا هي بؤبؤ العين العربية.
10. الهدف القابل للتحقيق في الواقع الشرق أوسطي الراهن ليس حل الصراعات وإنما إدارتها، من خلال الإقرار بطابع الشرق الأوسط المتقلب، غير المتسامح والعنيف، وهو المنطقة الحيوية جدا لدفع مصالح الولايات المتحدة.

من هنا، فإن ما يوجه سياسة ترامب حيال إسرائيل ـ بصورة أساسية ـ هو ليس التعاطف مع إسرائيل، وإنما دفع وخدمة مصالح الأميركية، أولا وقبل أي شيء آخر. والمبدأ الذي يوجهه، منذ انتخابات العام 2016، هو: "أميركا أولاً" و"استعادة عظَمة الولايات المتحدة ومجدها".

على سبيل المثال، اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها هما خطوتان تعبران، حقا، عن تعاطف جذري مع الدولة اليهودية، لكن الأهمّ من هذا ـ أنهما تمثلان رسالة تفيد بحصول تحول جوهري في رؤية الرئيس إلى مسألة الأمن القومي الأميركي. أي أن ترامب ـ خلافا لسابقيه أوباما، بوش وكلينتون ـ يدرك أن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل تخدم مصالح الولايات المتحدة. ترامب لا يرتدع حيال الضغوط والتهديدات العربية التي مورست على البيت الأبيض منذ العام 1995، حين صادق مجلسا الشيوخ والنواب في الكونغرس الأميركي على "قانون السفارة في القدس". وخلافا لسابقيه، يعي ترامب أن الخضوع للضغوط والتهديدات (بالامتناع عن الإقرار بواقع ممتد منذ 3000 سنة يثبت أن إسرائيل هي عاصمة الدولة اليهودية) من شأنه تشجيع عناصر خارجة عن القانون والمس بقدرة الردع الأميركية في نظر الخصوم، الأعداء والحلفاء.

اعتراف ترامب بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان تدل على تقديره بأن السيطرة الإسرائيلية على هذه المنطقة تخدم مصلحة أميركية، نظرا لأنها تقصقص أجنحة الملالي الإيرانيين في سورية ولبنان، تردع سورية ـ كما حدث في العام 1970، حين أدى تعزيز قوات الجيش الإسرائيلي في هضبة الجولان إلى منع غزو سورية، المؤيدة لروسيا، إلى الأردن، المؤيدة للولايات المتحدة ـ تعزز استقرار النظام الهاشمي والأنظمة العربية الأخرى الموالية للولايات المتحدة وتحدّ من القدرة الروسية على المناورة.

كذلك، لم يكن الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران ـ وهو قرار رئاسي اتخذه أوباما ولم يصادق عليه مجلس الشيوخ، ولذا فهو ليس ملزما للرئيس ترامب ـ نابعاً من تعاطف مع إسرائيل، وإنما من فهم ترامب للأمن القومي والأمن الداخلي الأميركيين، اللذين يتعرضان لتهديدات مباشرة من جانب الملالي في إيران ومن جانب الاتفاق النووي الذي يؤجل ـ ولا يمنع ـ التسلح الإيراني النووي.

وخلافا للاتفاق النووي، يتطلع ترامب (بواسطة عقوبات عير مسبوقة) إلى:
1. منع امتلاك إيران قدرة نووية، لما يشكله نظام الملالي فيها من تهديد واضح وفوري على الولايات المتحدة وحلفائها.
2. كبح القدرات الصاروخية البالستية لدى إيران، والتي تشكل تهديدا وجوديا على أي نظام عربي موال للولايات المتحدة.
3. تحييد جهاز الإرهاب والتآمر التابع لنظام الملالي، والذي ينشط في الخليج الفارسي، في أنحاء الشرق الأوسط، في آسيا، في أفريقيا، في أوروبا وفي أميركا الجنوبية.
4. وقف تدفق المليارات التي تموّل تطلعات جنون العظمة لدى الملالي.
5. مساعدة الأنظمة العربية الموالية للولايات المتحدة والتي تتعرض لتهديدات السيف الإيراني المسلط فوق رقابها.
6. تحسين صورة الردع الأميركية.
7. خفض منسوب عدم الاستقرار والعنف في الشرق الأوسط.

صحيح أن ترامب، بولتون وبومبيو متعاطفون مع إسرائيل، إلا أنهم يعتبرون إسرائيل ـ أولا وقبل أي شيء آخر ـ حليفاً متميزاً في مساهمته للأمن والصناعات الأمنية والمدنية في الولايات المتحدة. وعلى عكس أوباما، يرى هؤلاء الثلاثة في إسرائيل ثروة ـ وليس عبئاً ـ تطيل الذراع الاستراتيجية الأميركية وتساهم في استقرار الدول العربية الحليفة لها. وخلافا للفكرة السائدة، يدرك هؤلاء أن علاقات الولايات المتحدة ـ إسرائيل لا تشبه شارعاً أحاديّ الاتجاه، ينقل الموارد إلى دولة محتاجة، وإنما هي بمثابة شارع ثنائي الاتجاه لفائدة متبادلة، يعود على الولايات المتحدة بمردود سنوي يعادل مئات الأضعاف مما تستثمره في إسرائيل سنويا (وهو ما يعرف خطأ، بـ"معونات خارجية").

______________________________

(*) سفير إسرائيلي متقاعد. المقال نُشر في مجلة "هأوماه" ("الأمّة") الصادرة عن "معهد جابوتنسكي"، العدد 215، آب 2019. ترجمة خاصة.

 

 

المصطلحات المستخدمة:

باراك, الصهيونية

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات