المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

قبل يوم من تقديم القوائم للجنة الانتخابات المركزية، للانتخابات البرلمانية الإسرائيلية التي ستجري يوم 17 أيلول المقبل، وقف رئيس حزب العمل عمير بيرتس، أمام مؤتمر حزبه خاطبا ومتسائلا: "أيضا تسيبي ليفني جاءت من اليمين وتحالفنا معها، ولكن لماذا تنفرون من أورلي ليفي- أبكسيس".

وهذا السؤال وحده، يؤكد على الخلفيات الطائفية اليهودية، التي ترافق بيرتس في كل حياته السياسية، فحقا أنه من اليهود الشرقيين الذين عانوا في العقود الأولى لإسرائيل، إلا أنه يستثمر انتماءه الطائفي دائما، وكما يبدو في حملة الانتخابات الجارية. ولكن بيرتس يلعب الآن بورقة ضعيفة، قد تكلفه ثمنا أشد يدفعه حزبه يوم الانتخابات.

فبعد انتخابات نيسان، التي تكبّد فيها حزب العمل الخسارة الأكبر في تاريخه، وبات كتلة صغيرة، حلت سادسة في المراتب بين الكتل، مع 6 مقاعد، كان واضحا له أنه لن يخوض أي انتخابات مقبلة من دون تحالف، يضمن بقاءه على الساحة. فجاءت الانتخابات المعادة. وكانت الصورة شبه المؤكدة أن وجهة حزب العمل هي التحالف مع ميرتس، وهو التحالف الذي رفضه الرئيس السابق لحزب العمل، آفي غباي.

وحينما تقررت الانتخابات الداخلية لاختيار رئيس جديد للحزب، أعلن المرشحون الثلاثة: عمير بيرتس، وستاف شافير وإيتسيك شمولي، أن وجهتهم الأولى هي التحالف مع ميرتس. وقد فاز في تلك الانتخابات بيرتس، إذ حصل على حوالي 47% من الأصوات، ليرأس الحزب للمرة الثانية في حياته السياسية. وكانت المرّة الأولى في العام 2005، وقاد الحزب في انتخابات 2006، ومُني بخسارة، ليخسر لاحقا رئاسة الحزب في العام 2007 لصالح إيهود باراك.

وفي اليوم التالي، باشر بيرتس باتصالات مع حزب ميرتس، الذي انتخب هو أيضا رئيسا جديدا له، نيتسان هوروفيتس. وأيضا مع إيهود باراك. ومع الوزيرة السابقة تسيبي ليفني. مع النائبة السابقة أورلي ليفي- أبكسيس، التي خاضت انتخابات نيسان بقائمة مستقلة، بعد انشقاقها عن حزب "يسرائيل بيتينو"، وحصلت على 75 ألف صوت، وهذا يعادل مقعدين، بينما نسبة الحسم احتاجت إلى قرابة 140 ألف صوت.

ولكن فجأة، أعلن بيرتس في منتصف شهر تموز، عن تحالف مع أورلي ليفي، مانحا إياها ثلاثة مقاعد في المقاعد العشرة الأولى: الثاني والسابع والعاشر. وفي ذات الوقت أعلن عن اغلاق باب المفاوضات مع ميرتس. وقيل لاحقا إن بيرتس رفض الالتزام بعدم الانضمام لحكومة بنيامين نتنياهو. وتبين لاحقا أن الباب تم اغلاقه في وجه إيهود باراك، الذي أسس حزب "إسرائيل ديمقراطية". ولم تثر ضجة صاخبة جراء ما فعل بيرتس، ولكن في الحال، أعلنت النائبة البارزة ستاف شافير عن انسحابها من حزب العمل، لتنضم بين ليلة وضحاها، لتحالف ميرتس مع حزب إيهود باراك؛ ويرأس القائمة هذه رئيس ميرتس نيتسان هوروفيتس، بينما المقعد الثاني لستاف شافير، فيما يحل في المقعد الثالث نائب رئيس أركان الجيش السابق يائير غولان، الذي خلع البزّة العسكرية في العام الماضي، وهو يمثل حزب باراك، الذي اختار لنفسه المقعد العاشر.

اصطفاف طائفي

قبل أيام قليلة من تحالف بيرتس مع أورلي ليفي، أعلنت النائبة البارزة في حزب العمل شيلي يحيموفتش، عن اعتزالها الحياة السياسية "لوقت ما". وقيل في حينه إنها تبحث عن استراحة، شجعها عليها ابنها. ولكن بالإمكان التقدير أن يحيموفيتش قد عرفت مسبقا اتجاه الريح، فاختارت الخروج من اللعبة.

وكان قد سبقها في اعتزال السياسة رئيس الحزب السابق آفي غباي، والمرشح الثاني في قائمة حزب العمل العميد احتياط طال روسو، الذي استحضره غباي للحزب ليعززه. ما يعني أن أربعة من المقاعد الستة لحزب العمل باتوا خارج الكنيست، بإضافة ستاف شافير التي انشقت عن حزبها.

ولكن في كل هذا، فإن العامل الطائفي كان واضحا، رغم أنه مرّ مرور الكرام في الإعلام الإسرائيلي. فبيرتس المولود في المغرب، تحالف مع أورلي، ابنة دافيد ليفي المولود في المغرب. وإن لم يكف هذا، فإن الثالث في القائمة، إيتسيك شمولي، هو من أصول عراقية، بينما الاشكنازية ستاف شافير غادرت الحزب ولجأت لتحالف يقوده أشكناز ميرتس وباراك. في حين أن تسيبي ليفني واصلت بقاءها خارج الحلبة السياسية.

في مؤتمر حزب العمل لإقرار القائمة الانتخابية قبل تقديمها للجنة الانتخابات قال بيرتس ما يلي: "نحن هنا لكسر الانقسام الذي خلقتموه، ولكسر مقولة أن أي شخص لا يعتقد مثلك هو قطيع". وأضاف، "أقول بأسف شديد أنكم القطيع. أنتم من كان يجب أن تتبنوا هذا التحالف. نعم، صحيح، لقد جاءت ليفي- أبكسيس من اليمين. ولكن قبلها أيضا تسيبي ليفني جاءت من اليمين، وقد استقبلناها جميعا بأذرع مفتوحة".

والرسالة كما ذكر سابقا، أن تسيبي ليفني الاشكنازية، جاءت إلى الحزب الذي سيطر عليه على مدى عقود أشكناز. وهذا الحزب الذي أسس إسرائيل، هو من وضع سياسات التمييز، وأولها وأخطرها التمييز ضد العرب، وهو التمييز الأيديولوجي الصهيوني. ولكن أيضا التمييز ضد الشرقيين، بنظرة الرجل الأبيض. ولكن منذ العام 2002، فإن بيرتس هو الرئيس الشرقي الرابع لحزب العمل، أولهم بنيامين بن إليعازر في العام 2002، ثم عمير بيرتس في العام 2005، ثم آفي غباي في العام 2018، وفي 2019 عاد بيرتس ليرأس مجددا. ورغم هذا فإن العمل ما يزال متهما بالهيمنة الأشكنازية.

ولكن بيرتس لا يتعامل كضحية، وهو اليوم بات واحدا من أقدم اثنين في الكنيست، هو وبنيامين نتنياهو. وتولى مناصب عديدة، منها رئيس اتحاد النقابات (الهستدروت) وعدة مناصب وزارية، أبرزها وزارة الدفاع في حكومة إيهود أولمرت عام 2006، وقاد في صيف ذلك العام حربين على قطاع غزة ولبنان، وهو اليوم في حملته الدعائية العبرية، يبرز "بطولاته" الدموية في تلك الحربين.

وكما يبدو فإن بيرتس قرر اللجوء إلى الورقة الطائفية، بعد حل حزب موشيه كحلون "كولانو" والانخراط في حزب الليكود. وبطبيعة الحال فإنه لن يجاهر بهذا الاتجاه، وسينفيه بحدة في ما لو سئل، ولكن كل تحركاته تدل على ذلك. والظاهر أن بيرتس بحث عن إضافة جمهور مصوتين، إلى جانب من تبقى من جمهور مصوتين تقليديين لحزب العمل، وعلى الأغلب، حسب النتيجة الأخيرة التي حصل عليها الحزب، فهم من الأجيال الأولى، ونسبة هامشية من الأجيال الشابة.

وقد يعتقد بيرتس أن التحالف مع أورلي ليفي ذات الأصول المغربية، وتحل ثانية في القائمة، مع ما حصدته من أصوات في الانتخابات الأخيرة، ستجلب جمهور المصوتين الشرقيين، وخاصة من جمهور مصوتي حزب "كولانو" المنحل حديثا، الذي كان يرأسه موشيه كحلون، وانضم مجددا إلى حزبه الأم، الليكود.

ولكن هذه حسابات ليست مضمونة لعدة أسباب، أولها أن ظاهرة التصويت الطائفي اليهودي آخذة بالانحسار في العقدين الأخيرين، وهي تتركز بقدر كبير جدا لدى اليهود المتدينين المتزمتين الحريديم. وما بقي من نهج التصويت الطائفي، بمعنى لدى اليهود الشرقيين، هو جيوب محدودة، محسوبة أكثر على اليمين، واليمين المتشدد. كما يظهر هذا من نتائج التصويت في بلدات الجنوب، ذات الغالبية اليهودية الشرقية.

والتصويت لأورلي ليفي كان ليس فقط بسبب برنامجها الاجتماعي، وإنما كان أيضا بسبب انتمائها الطائفي، ولكن سيكون من الصعب عليها إقناع مصوتيها الـ 75 ألفا بالانتقال معها إلى قائمة حزب العمل التحالفية، كون هؤلاء يميلون أكثر لليمين، أو في صلب اليمين، تماما كما هي حال حزب "كولانو" المنحل برئاسة كحلون.

ولانحسار ظاهرة التصويت الطائفي اليهودي أسباب اقتصادية اجتماعية، رغم أن ترسبات هذه الظاهرة ما تزال قائمة، وتتأجج بشكل خاص في فترة الانتخابات، من باب الاستثمار لهذه الظاهرة. فاليهود الشرقيون شهدوا ابتداء من نهاية سنوات التسعين قفزات كثيرة على المستوى الاقتصادي الاجتماعي، ما قلص الفجوات كثيرا بينهم وبين الأشكناز. فعلى سبيل المثال، تظهر تقارير معدلات الرواتب، أنه في حين أن معدل رواتب اليهود الأشكناز، يعادل حوالي 130% من معدل الرواتب العام، فإنه في آخر تقرير بلغ معدل رواتب اليهود الشرقيين 114%. ولكن، نسبة الأشكناز تقريبا مستقرة في كل سنوات الألفين، بينما معدل رواتب اليهود الشرقيين، في سنوات الألفين الأولى، كان بنسبة 100% من معدل الأجور.

والأمر الثاني هو ظاهرة ما يسمونه "الزواج المختلط"، وهو قائم على مدى السنين، حتى نشأت أجيال هي خليط بين الشرقيين والأشكناز، وهذا يقلل من ظاهرة الاصطفاف الطائفي.

غير أنه لدى بيرتس، كما ظهر، حسابات سياسية، تبيّنت من موقفه في الاتصالات مع حزب ميرتس، وكما ذكر فإن بيرتس رفض التعهد بعدم الانضمام الى حكومة بنيامين نتنياهو. ولاحقا قال بيرتس إنه لن ينضم الى حكومة نتنياهو إذا تم تقديم لائحة اتهام ضده. ما يعني أن بيرتس قد يقرر الانضمام الى حكومة نتنياهو، لأنه حتى الآن لم يصدر قرار نهائي بتقديمه للمحاكمة، والقرار قد يحتاج الى حوالي عام، بعد انتخابات أيلول، إذا لم يكن أكثر. ولن يجد بيرتس من يعترض على هذه الخطوة، من بين من تبقى في حزبه، خاصة إذا صدقت استطلاعات الرأي، بأن يكون حزب العمل الكتلة الأصغر في الولاية البرلمانية المقبلة.

الكتلة الأصغر

رغم أن الانتخابات ستجري بعد 4 أسابيع من الآن، وأن التقلبات في استطلاعات الرأي تبقى واردة، إلا أن الاستطلاعات الأخيرة تظهر بشكل واضح أن حزب العمل سيكون في قاع قائمة الكتل البرلمانية، وهو يحظى بما بين 5 إلى 6 مقاعد. ما يعني أن التحالف الذي أقامه عمير بيرتس لم يأت بزيادة للحزب، لا بل وضعه في دائرة الخطر.

أمام هذا النهج، قد يكون حزب العمل قد وصل إلى محطته الأخيرة، قبل الزوال عن الخارطة السياسية، بمفهومه القائم. فلربما تقوم مبادرة لإعادة بناء الحزب على أسس أخرى. إلا أن حزب العمل هو الذي أقام إسرائيل وانفرد في حكمها في العقود الثلاثة الأولى وسيطر على اتحاد النقابات الهستدروت حتى العام 1994، وهو الجسم الذي كان يحتكر 30% من الاقتصاد الإسرائيلي، ويعزز قوة حزب العمل في الحكم. والأمر الآخر، هو أنه في حال تحققت استطلاعات الرأي، فإن هذه ستكون أيضا المحطة السياسية الأخيرة لرئيس الحزب عمير بيرتس، الذي دخل إلى الكنيست لأول مرة في العام 1988، كشاب من اليهود الشرقيين، الذين كانوا في ذلك الوقت يعانون من تمييز مؤسساتي واجتماعي شديد.

 

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات