المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1865

انتهز موقع "ميداه" اليميني العاصفة التي أثارتها في إسرائيل "قضية إيفي نافيه" (التحقيق الجنائي الذي جرى مع رئيس نقابة المحامين بشبهة مخالفة "قانون الدخول إلى إسرائيل" ـ طالع تقريرا موسعا على هذه الصفحة) معتبراً إياها فرصة مواتية لعرض "عيّنات جديدة" تثبت ما يسميه "تفشي ظاهرة فساد القضاة والقضائيين" في إسرائيل، مؤكدا أن "جهاز تطبيق القانون، الذي يلاحق سياسيين بشبهات فساد، هو فاسد بنفسه. وهذا (الفساد) يبدأ من أعلى"!

فقد نشر الموقع (يوم 9/10) مقالا تحت عنوان "أيها الفاسدون، قد سئمناكم: فساد القضاة والقضائيين يتكشف"، استعرض فيه كاتبه، موشي إيفرغان، بعضا من ممارسات مسؤولين كبار في الجهاز القضائي وفي جهاز تطبيق القانون في إسرائيل تثبت، كما يرى، أن ثمة "فسادا منهجيا" في هذا الجهاز يمثل، في واقع الأمر، "نتيجة حتمية للإمبريالية القضائية المستحكمة في إسرائيل"!

يستهل الكاتب مقالته بالتذكير بـ"الحدث الدراماتيكي الذي احتل العناوين في جميع وسائل وقنوات الإعلام" في إسرائيل يوم 20 شباط الماضي، والذي بدا وكأنه "زلزال فساد من الدرجة الأعلى". أما "الحدث الدراماتيكي" المقصود فهو البيان الذي أصدرته شرطة إسرائيل في اليوم المذكور عن "العرض الذي قدمه نير حيفتس (لدى إشغاله منصب مستشار لرئيس الحكومة نتنياهو) للقاضية المتقاعدة هيلا غريستل بأن يتم تعيينها مستشارة قانونية للحكومة مقابل إغلاق أحد ملفات التحقيق ضد زوجة رئيس الحكومة". وهو ما نفاه رئيس الحكومة، نتنياهو، في بيان رسمي، مؤكدا أن حيفتس، إن صح أنه قدم مثل هذا العرض، فهو لم يتحدث باسم نتنياهو ولا بتفويض منه، بل ولا بمعرفته أيضا.
وفي الأسبوع قبل الماضي، كشف النقاب عن أن الشرطة قررت إغلاق ملف التحقيق في هذه القضية "نظرا لعدم توفر الأدلة الكافية".

ويتساءل كاتب المقال: كيف من الممكن أن تموت هذه القضية بمثل هذه الصورة، طالما أن ضلوع القاضية المتقاعدة غريستل ورئيسة المحكمة العليا الحالية، القاضية إستر حيوت، فيها "لا يطاله أي شك". ذلك أن غريستل كانت قد أخبرت حيوت، صديقتها الشخصية التي كانت آنذاك قاضية في المحكمة العليا، بالعرض الذي قدمه لها حيفتس. وقد أكدت حيوت نفسها هذا الأمر في معرض إفادتها أمام الشرطة، خلال تحقيقها في القضية، كما في بيانها الشخصي الذي أصدرته حين قالت: "بسبب قلة التفاصيل والقصة المشوشة كما روتها لي غريستل، لم يكن لديّ ما يمكنني من اتخاذ أي إجراء في هذا الشأن".

ثم يضيف: "معنى هذا أن غريستل وحيوت علمتا، على الأقل، بشبهات جنائية موضوعها فساد سلطوي خطير، لكن أيا منهما لم تبلغ أية جهة رسمية بذلك، وهو أمر خطير في حد ذاته". ويدّعي كاتب المقالة أن جهاز تطبيق القانون توصل إلى قراره بأن "لا قضية في القضية"، حين أدرك أن لا علاقة لنتنياهو بها، رغم أن "اثنتين من الشخصيات الرفيعة جدا في الجهاز القضائي قد أخفتا عن السلطات القانونية قضية فساد خطيرة"! يشار هنا إلى أن القانون الجنائي في إسرائيل يُلزم كل من يعلم بوجود شبهات بارتكاب مخالفة جنائية بضرورة الإبلاغ عنها لجهة رسمية مخولة.

إمبريالية قضائية!

يصف كاتب المقال "ظاهرة خطيرة" يطلق عليها اسم "وضع السياسة في قفص الجنائي" ويعتبرها "جزءا لا يتجزأ من الفاعلية القضائية المتفشية في إسرائيل". ويوضح فيقول: إنها مجموعة الموظفين القضائيين ذاتها، غير المنتَخَبة، التي طورت أسلوب التعامل باستهتار وازدراء مع الحياة السياسية، مع العمل السياسي ومع السياسيين، وبدأت تبحث عن الجوانب الجنائية في الحياة السياسية وفي أي تحرك سياسي.

"لكنّ القوة / السلطة مُفسِدة، كما هو معروف"، يضيف، "والموظفون القضائيون أصبحوا يتمتعون بقوة هائلة: ليس فقط أن صلاحياتهم واسعة وكبيرة، بل إنها معفيون أيضا من أية مسؤولية أو من أي رقابة أو مساءلة، لأنهم هم المراقِبون والمطبِّقون... وإن كان الفساد، في مفهومه البسيط، هو استغلال القوة والسلطة لخدمة مصالح أعضاء الفئة الضيقة المسيطرة (الأوليغاركية)، فمن الواضح إذن أن الجهاز القضائي آخذ في التكلس والتعفن، أخذ في الغرق في مستنقع الفساد"!

فبينما يفرض الجهاز القضائي على الآخرين جميعا "معايير وأعرافا مشددة وصارمة جدا، من خلال توسيع مجالات سيطرته الإمبريالية، إلا أنه يتساهل حتى النهاية مع نفسه ومع أعضائه دون أن يجرؤ أحد تقريبا على الاعتراض، أو حتى على الملاحظة".

فساد تسلسلي

ثمة نموذج آخر عن "الفساد القضائي"، كما يورده كاتب المقال: القاضيتان المذكورتان، غريستل وحيوت، كانتا في مركز "كشف صحافي" نشره الصحفي كالمان ليبسكيند، في صحيفة "معاريف" قبل نحو شهرين، وفي مركزه: تحويل القاضية حيوت العديد من ملفات الدعاوى القضائية التي نظرت فيها إلى مسار الوساطة، بدلا من المسار القضائي. وهو إجراء متبع في إسرائيل منذ زمن طويل، لكنه يشهد توسيعا وتعميقا لافتين في المحاكم خلال السنوات الأخيرة. غير أن المشكلة في قرارات حيوت بهذا الشأن (تحويل الملفات وأطرافها إلى الوساطة) هي أنها قررت تحويل جميع تلك الملفات إلى صديقتها غريستل، التي أصبحت تعمل في هذا المجال (وسيطة) في إثر اعتزالها منصبها القضائي الرسمي، علما بأنها تتقاضى أجرة تبلغ نحو 2300 شيكل عن كل ساعة وساطة!

في تعقيبها على هذا الأمر، قالت حيوت إن "هوية الوسيط تتحدد بناء على طلب الأطراف المتقاضية أحيانا، لكن بموافقتهم ورضاهم في كل الأحوال". غير أن تحقيق ليبسكيند بيّن أن جميع الحالات التي حولت فيها حيوت الملفات إلى غريستل للوساطة "كانت بمبادرة المحكمة/ القاضية نفسها"!

في تحقيقه المذكور، كشف ليبسكيند أيضا أن قاضية أخرى من المحكمة العليا، هي عنات بارون، "نظرت في ملفات قضائية تخص أشخاصا يتبرعون لمؤسسة يديرها زوجها"، من جهة، بينما من جهة أخرى رفضت دعاوى قضائية نظرت فيها ضد مؤسسة المراهنات "مفعال هبايس" التي قدمت تبرعات لمؤسسة يديرها زوجها! وهو ما يعني وجود القاضية المذكورة، في الحالتين، في وضع من تناقض المصالح المحظور. وحين قُدمت شكوى ضد القاضية المذكورة على هذه الخلفية، رفضها القاضي المتقاعد (نائب رئيس المحكمة العليا سابقا) إليعازر ريفلين، مفوض الشكاوى ضد القضاة، الذي "يشغل، أيضا، منصب القائم بأعمال رئيس المجلس الاستشاري لمؤسسة مفعال هبايس"!

تنطوي هذه الحالات، كما يوردها كاتب المقالة، على فساد مالي واضح، ناهيك عما فيها من فساد وإفساد معياريين وتنظيميين، "ولكن، بالرغم من ذلك وبالرغم من أن هذه الأمور قد نُشرت وأصبحت معروفة، إلا أن أيا من هؤلاء القضاة، السابقين والحاليين، لن يخضع لأي تحقيق ولن يتعرض لأية محاسبة... سيواصل جميعهم إشغال مناصبهم من دون أي عائق"!

لكن كاتب المقالة لا يحصر عرضه لمناحي الفساد في الجهاز القضائي في هؤلاء الذين أتى على ذكر أسمائهم فقط، بل يشمل فيه أيضا "الجهة التي يُفترض بها أن تحقق مع هؤلاء"، وخاصة المستشار القانوني للحكومة والنائب العام للدولة بوصفهما المسؤولين المباشرين عن تطبيق مبدأ المساواة أمام القانون، "إلا أن هذين الموظفين، اللذين يسوقان نفسيهما أمام الجمهور وكأنهما محاربان للفساد السلطوي والعام، يلاحقان السياسيين من الصباح حتى المساء تحت راية الحرب على الفساد والمساواة أمام القانون، يلوذان بالصمت المطبق حين يصطدمان بحالات من هذا القبيل.... وإن مجرد تطبيق القانون بهذه الصورة الانتقائية وغير المتساوية هو، في حد ذاته، فساد وإفساد"!

 

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات