المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

في الأسابيع الأخيرة نشرت شهادات وحالات صعبة جداً من الإقصاء، والإذلال، وعمليات الانتقاء بأشكالها المختلفة وغيرها المزيد، وكل هذا باسم الحق المشبوه لبعض المجموعات للعيش مع من يشبهها، أي إبعاد المختلف عن حيزها. وربما علينا أن نذكر أن هذه المجموعات تجلس على أراض عامة، وهي مورد للجميع، وتجري عمليات الانتقاء بدعم قانوني. فقد صادق الكنيست قبل عدة سنوات على قانون لجان القبول في حين رفضت محكمة العدل العليا الالتماسات التي قدمت ضده، أما "قانون القومية" فجاء ليمنح لجان القبول شرعية إضافية.

ويجب التوقف عند الحالات والشهادات التي نشرت واستيضاح المعاني الاجتماعية الصعبة التي ينطوي عليها هذا الواقع.

في كيبوتس دجانيا أ- "أم المجموعات والكيبوتسات التي وضعت الأسس للمستوطنات العاملة"، كما كتب في تعريفه على موقع الكيبوتس- قرروا أن يقبلوا في طقوس احتفالية كافة خريجي الصف الثاني عشر ليكونوا أعضاءً في الكيبوتس باستثناء فتاة واحدة لديها احتياجات خاصة. والغالبية صوتت ضد قبولها.

ورداً على هذا الخبر، كتبت فتاة أخرى هي شيرلي شاني: "لم يقبلوني لكيبوتس رفاديم لأنني، بحسب ادعائهم، أثير الحزازة، ولدي توجه عدائي لا يتفهم حياة المجموعة (أو باختصار لأنني تونسية من بئر السبع، وخضرية، ولا تصوت لميرتس)".

كما أن فتاة ثالثة هي هدار فيورنتينو كسرت صمتها وكشفت كيف أبلغوها بأن عليها أن تترك الشقة التي استأجرتها في كيبوتس لهفوت هبشان، حيث أقامت مصلحتها التجارية، بشكل فوري. كما شهدت بأنه تم التحرش بها جنسياً في الكيبوتس ولكنها طولبت بعدم تقديم شكوى في الشرطة "لأنها جديدة في المكان".

وفي مقطع فيديو بث على شبكة التلفزة "كان" أوضح يائير كوخاف، الذي رفضته لجنة القبول في بلدة متدينة سكن فيها: "هذا يعني بأن تأخذ شخصاً وتبعده بسبب من يكون أو بسبب آرائه أو بسبب هويته".

ونُشر كذلك أن مجموعة طلاب من جنوب السودان تم إسكانها في بلدة أفشالوم من قبل وزارة الزراعة في إطار برنامج حكومي، نُقلت من المكان في أعقاب احتجاج السكان.
إن كل هذه الشهادات هي من الأسابيع الأخيرة فقط.

وواضح أن من يجلسون خلف جدران لجان القبول، ومن ينفذون عمليات الانتقاء والاستبعاد، يأتون من طرفي المعسكرات السياسية في إسرائيل، اليمين واليسار، على حد سواء. فأكثر من 85% من سكان دجانيا أ صوتوا في الانتخابات الأخيرة لأحزاب "المركز- الوسط" (70% للمعسكر الصهيوني، حوالي 16% لميرتس و"هناك مستقبل"). ونسب تصويت شبيهه سجلت في كيبوتس رفاديم (أكثر من 40% للمعسكر الصهيوني ونسبة شبيهه لميرتس)، وكذلك في لهافوت هبشان صوت أكثر من 40% للمعسكر الصهيوني وأكثر من 30% لميرتس. أما في أفشالوم، في المقابل، فقد انتصر اليمين: أكثر من 30% دعموا "إسرائيل بيتنا" وأكثر من 20% دعموا الليكود. فأهلاً وسهلاً في المجتمع الإسرائيلي، حيث يتربص الانسان لأخيه الانسان كالذئب.

وردود الفعل على عمليات الانتقاء التي تقوم بها الكيبوتسات وغيرها من البلدات تدل على أية درجة خلقت هذه الممارسات شرخاً اجتماعياً حاداً. وأحد المعقبين الشرقيين كتب: "متى ستفهمون؛ الكيبوتسات هي سرطان في جسد الدولة"، وهو الوصف الذي ألصقه اليسار بالمستوطنات في الضفة الغربية. ومعقبة شرقية أخرى كتبت: "سكان الكيبوتسات هم الأكثر عنصرية في الدولة.. هم الأسياد". من الجانب الآخر كان هناك من كتب "كفى لمشاعر التمييز"، ومن استعمل ألقاباً تحقيرية تطلق على الشرقيين. ومن هناك تدهورت ردود الفعل كما هو متوقع.

إن هذه الحالات تعني، على المستوى السياسي، استمرار ترسخ حكم اليمين.

أولاً، ما دام من يعتبرون أنفسهم "ملح الأرض" يطالبون بـ"الحق" في العيش في مجموعات مغلقة، ستطالب مجموعات من طبقات أدنى بنفس الحق لنفسها تماماً. ومعارضة السكان في العفولة السكن بالقرب من جيران عرب هي استمرار مباشر لمنطق لجان القبول والحفاظ على "النسيج الاجتماعي" وبقية الكلمات المغسولة للعنصرية.

ثانياً، نسب التصويت العالية لميرتس وللمعسكر الصهيوني في الكيبوتسات التي تقوم بمثل هذه الممارسات تدل على ضعف البديل اليساري لحكم اليمين. الجمهور ليس مغفلاً وهو يرى بوضوح النفاق الذي يتسم به المعسكر الذي يتظاهر بأنه اشتراكي ومتنور.

ثالثاً، المجموعات التي تعارض الاحتلال، من جهة، وتصمت، من جهة أخرى، أمام الامتيازات التي يحظى بها الأشكنازيون في داخل إسرائيل إن كان في مجال السكن بواسطة لجان القبول وان كان في مجال التربية بواسطة توجيه المجموعات الضعيفة للمساقات المتدنية، ستضعف مع الوقت أكثر فأكثر. لا يعقل بأن تكون هناك خطوة جدية لإنهاء الاحتلال ما دامت العنصرية تشكل قوت دولة إسرائيل الديمقراطية.

إن المجتمع الإسرائيلي مستمر في غرقه في مستنقع العنصرية والعنف الممأسس، وليس هناك الآن أي معسكر أصيل وأمين يخرج ضد هذه الميول الخطيرة.
__________________________
(*) حقوقي وناشط اجتماعي. المصدر: موقع "اللسعة" الإلكتروني.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات