المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

رفضت رئيسة المحكمة الإسرائيلية العليا السابقة، القاضية (المتقاعدة) مريام ناؤور، بحزم، تهمة "اليسارية" التي يُلصقها اليمين الإسرائيلي بالمحكمة العليا بوصفها أنها "فرع لحركة ميرتس"، وأكدت أن "المحكمة العليا لم تكن فرعاً لحركة ميرتس في أي يوم من الأيام"!

وجاء تأكيد ناؤور هذا في سياق مقابلة صحافية أجرتها معها صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية ونشرتها في ملحقها الأسبوعي يوم الخميس الأخير (20/9)، لتكون المرة الأولى التي تتحدث فيها ناؤور إلى وسيلة إعلام منذ إنهاء مهمات منصبها وخروجها إلى التقاعد، في تشرين الثاني 2017، متممة بذلك 37 عاما في سلك القضاء، منها 16 عاما في المحكمة العليا التي تولت رئاستها لمدة سنتين ونصف السنة، من كانون الثاني 2015 حتى تشرين الأول 2017.

وأوضحت رئيسة المحكمة العليا السابقة أن هذه المحكمة "لم تكن يوماً فرعاً لميرتس أو لأي حزب آخر. كذلك اليوم، أيضا، بعد تعيين القضاة الستة الجدد في عهد وزيرة العدل الحالية، أييلت شاكيد، لم تصبح المحكمة العليا ولن تصبح فرعاً لحزب مُحافظ، أياً كان".

وكانت ناؤور تردّ على سؤال الصحيفة حول التصريح الذي أدلت به الوزيرة شاكيد، ضمن مقابلة مع الصحيفة ذاتها قبل نحو ثلاثة أسابيع (6/9)، وقالت فيه إنه "منذ اليوم، وبفضل التعيينات التي أجريتها أنا في تركيبة قضاة المحكمة العليا الشخصية، لم تعد هذه المحكمة فرعاً لحركة ميرتس، بل أصبحت تمثل جميع الشرائح السكانية في إسرائيل"! وأضافت شاكيد: "في الماضي، كانت قطاعات من المواطنين تشعر بأن المحكمة العليا لا تمثلها، بينما أصبحت اليوم تمثل جميع الفئات... أصبحت أكثر تنوعاً وأكثر محافَظة. لكن الشيء الوحيد الذي ما زال ينقصها هو تعيين قاض حريديّ فيها"!

(طالع تقريراً منفصلاً على هذه الصفحة عن تصريحات شاكيد ضد المحكمة العليا وقضاتها وردود الفعل عليها).

من جهتها، قالت ناؤور إن "تعيين القضاة الجدد في المحكمة العليا يتم بتسويات توافقية بين جميع مركّبات لجنة تعيين القضاة ("مركّبات"، بمعنى الكتل التمثيلية التي تتشكل منها اللجنة: الحكومة، الكنيست، المحكمة العليا ونقابة المحامين) ولا أعتقد بأنه من الصحيح اعتبار أن القضاة الجدد الستة هم من تعيين وزيرة العدل شاكيد، لمجرد أن تعيينهم جرى في عهد توليها هذه الوزارة... صحيح أن القضاة الستة جميعهم قد جرى انتخابهم من قبل لجنة تعيين القضاة الحالية التي ترأسها الوزيرة شاكيد، لكن هذا لا يعني أن هؤلاء القضاة هم على صورة أعضاء اللجنة ومثالهم، أو على صورة أي من أعضاء اللجنة ومثاله". وأضافت: "أستطيع القول، بناء على تجربتي في المحكمة العليا لسنوات طويلة، إن أي إنسان، بمن في ذلك القاضي الذي جرى تعيينه، لا يستطيع أن يعرف كيف وماذا ستكون قراراته في المستقبل. فحقيقة أن القاضي متدين ليست دليلاً، مطلقا، على أنه لن يكون ليبراليا ولن يعتمد منهج الفاعلية القضائية، بل سيكون محافظا... وأقترح على الجميع التريث وفحص الأمور بعد عشر سنوات من اليوم للتأكد مما إذا كانت المحكمة العليا قد حادت عن مسارها أم لا".

"الثورة الدستورية غير قابلة للردّ"

رداً على سؤال آخر حول التحريض المتزايد باستمرار (وخاصة في أوساط اليمين، السياسي والديني) ضد المحكمة العليا الإسرائيلية واتهامها بأنها "انتزعت وتنتزع لنفسها صلاحيات وقوة لم يخولها القانون إياها" منذ بدء ما يُطلق عليه في إسرائيل اسم "الثورة الدستورية"، في إثر سنّ "قانون أساس: كرامة الإنسان وحريته" في العام 1992، وحول تصريحات السياسيين من اليمين، بصورة تهديدية، بأنه قد آن الأوان وأصبحت الظروف مواتية الآن لإحداث "ثورة مضادة" تعيد الجهاز القضائي في إسرائيل إلى فترة ما قبل "الثورة الدستورية"، قالت ناؤور إن "الثورة الدستورية هي تطور غير قابل للعكس أو الردّ". وأضافت: "أعتقد، أيضا، بأن بعض الجهات التي عارضت "الثورة الدستورية" في الماضي أصبحت تقرّ بها وبضرورتها اليوم، إقرارا فعليا. وفي كل الأحوال، لا أفهم لماذا يريد البعض جر الدولة إلى الوراء وتمييزها عن الدول الديمقراطية الأخرى".

وحذرت ناؤور من أن "قوى كثيرة تنشط وتعمل من أجل إضعاف الديمقراطية في إسرائيل وزعزعة أركانها"، لكنها رفضت وصف "الديمقراطية" في إسرائيل بأنها "هشة".

يذكر أن ناؤور كانت قد أطلقت في الماضي، إبان إشغالها منصب رئيسة المحكمة العليا، تصريحات حادة اللهجة تصدت فيها للهجوم الذي يشنه اليمين الإسرائيلي وقادته، السياسيون والدينيون، ضد الجهاز القضائي بشكل عام والمحكمة العليا بشكل خاص، معتبرة أن "النقد الذي يوجهه رئيس الحكومة والوزراء للمحكمة العليا وقضاتها غير شرعيّ". وقالت ناؤور آنذاك (في إثر إلغاء المحكمة العليا "مخطط الغاز الطبيعي" الذي وضعته الحكومة الإسرائيلية): "إن بعض التصريحات التي صدرت ضد المحكمة العليا، بما في ذلك من جهات في السلطة التنفيذية (الحكومة) وفي السلطة التشريعية (الكنيست)، لا تناسب دولة يهودية وديمقراطية تحترم سلطة القانون واستقلالية الجهاز القضائي ولذا فهي غير شرعية"! وأضافت: "لكن المحكمة ستواصل السير في طريقها، من دون خوف أو مراءاة"!
وكان صوت وزيرة العدل، أييلت شاكيد، من أبرز الأصوات الوزارية، ارتفاعا وحدة، في مهاجمة المحكمة العليا على خلفية قرارها المذكور، إذ اعتبرت شاكيد أن "إلغاء مخطط الغاز يشكل تدخلا سافرا وفظا وزائدا عن الحاجة في قرارات الحكومة ويعود بضرر جسيم على الاقتصاد الإسرائيلي". وأضافت: "لا يُعقل أن تكون الحكومة هي المسؤولة عن اقتصاد الدولة وازدهارها، بينما تجردها المحكمة من الصلاحية اللازمة لتأدية هذه المهمة وتحمل هذه المسؤولية. لا يمكن العمل بهذه الطريقة في دولة تتمتع بالإدارة السليمة". وختمت: "إن من يتحمل عبء المسؤولية وواجب تقديم التقارير هو الذي ينبغي أن يكون مخول الصلاحيات"!

"قانون القومية" زائد عن الحاجة!

في ردها على سؤال عن "قانون القومية" (قانون أساس: إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي)، الذي سنه الكنيست الإسرائيلي في التاسع عشر من تموز الأخير، رأت رئيسة المحكمة العليا الإسرائيلية السابقة، ناؤور، أن "قانون القومية هو قانون زائد عن الحاجة، إذ لم تكن ثمة أية حاجة لسن مثل هذا القانون، ناهيك عما يثيره من مشاعر اغتراب قاسية لدى مواطني إسرائيل غير المنتمين إلى الشعب اليهودي". وأوضحت: "تولد لدى أبناء الأقليات المختلفة ـ الدروز، العرب، الشركس وغيرهم ـ شعور قاس بأن هذا القانون يحولهم إلى مواطنين من الدرجة الثانية. وحتى لو يكن هذا صحيحا في المستوى العملي ولم يطرأ أي تغيير فعلي على أوضاعهم السابقة، إلا أن مشاعر الاغتراب والإهانة تبقى قوية جدا".

وأكدت ناؤور أن "معدّي هذا القانون ومؤيديه لم يحققوا أي شيء لم يكن بين أيديهم من قبل. فدولة إسرائيل أنشئت بكونها الدولة القومية للشعب اليهودي في أرض إسرائيل، كما أن قانون العَلَم والرموز يضمن ويكرس الرموز اليهودية، لكن الأهمّ هو "قانون العودة"، بكونه القانون المركزي الذي يضمن الدخول إلى إسرائيل والمواطنة فيها بصورة أوتوماتيكية لليهود بصورة حصرية فقط".

وقالت ناؤور إنها "كانت تفضل لو أن هذا القانون لم ير النور أصلاً"، لكنها رفضت الخوض في "السؤال القانوني" بشأن صلاحية المحكمة العليا في إلغاء قانون أساس (خلافا للقانون العادي)، وهو السؤال المطروح الآن على طاولة المحكمة العليا من خلال الالتماسات التي قُدمت إليها للمطالبة بإلغاء "قانون القومية" بدعوى أنه "غير دستوري". ومع ذلك، لم تجد ناؤور حرجا في التعبير عن رأيها بشأن فرص هذه الالتماسات فقالت إنها "تفترض أن احتمال إلغاء هذا القانون إلغاء كليا هو احتمال ضئيل جدا". وأضافت: "القليل الذي يمكن ويجب عمله هو تعديل القانون بروح مبادئ وثيقة الاستقلال، بحيث تُضمن المساواة لكل مواطني الدولة. يجب تهدئة الخواطر والأجواء وضمان المساواة لأبناء جميع الأقليات. هذا هو القليل الذي يجب عمله"!
يذكر أن النائب السابق لرئيسة المحكمة العليا ناؤور، القاضي العربي المتقاعد سليم جبران، كان قد تطرق هو الآخر إلى "قانون القومية" بتوجيه انتقادات حادة للقانون وللمبادرين إلى سنّه ولمؤيديه، جازما بأنه "قانون عنصري". وقال، في مقابلة إذاعية (في تموز الأخير) هي الأولى منذ خروجه إلى التقاعد من المحكمة العليا في آب 2017، إنه لو كان لا يزال قاضيا في المحكمة العليا لأقرّ عدم دستورية القانون وقرر إلغاءه، بالتأكيد، معبرا عن أمله في أن يسير زملاؤه في المحكمة العليا في هذا الاتجاه.

ووصف جبران "قانون القومية" بأنه "قانون سيء، زائد عن الحاجة ولا يضيف احتراما لكتاب القوانين في دولة إسرائيل. فهو يخلو من أية إشارة إلى مبدأ المساواة، باعتبار الحق في المساواة أحد الحقوق الأساسية والأكثر أهمية في أية دولة من دول العالم الديمقراطي، وهو ما كان ينبغي أن يكون في دولتنا أيضا، لكن هذا لم يحدث للأسف، وسط تجاهل تام لنص وثيقة الاستقلال ولمصادر الشعب اليهودي ولأقوال قادته الكبار"!

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات