المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تعود قضيّة الزجّ بعطلة السبت في قلب السياسة، أو بالعكس، للظهور مجدداً كلّ بضعة أشهر في إسرائيل. وفي جميع الحالات هي عودة لظهورها كعنوان سياسي وبالتالي إعلامي جارٍ، وليس كقضية تشهد تحولاً وتبدّلاً. فهي مسألة لا تغيب بالمرة في العمق، وربما لا تتغيّر، من حيث كونها عنصراً مبلوراً بفعل قوة المكمون الديني في بنية السياسة الإسرائيلية بأكملها. صحيح أن هناك انزياحات قليلة تتعلق بموقع ما أو ترتيب ما، ولكن الصورة العامة هي التالية: هناك إكراه دينيّ باسم عطلة السبت وفقاً للشريعة اليهودية، يُمنع بموجبه عدد من الخدمات الأساسية التي تمس بحقوق أساس، أبرزها على سبيل المثال حظر المواصلات العامة، ما يعني تقييد حرية وحق التحرك لعدد هائل من المواطنين ممن لا يملكون بديلا آخر.

مؤخراً عادت المسألة للظهور حين خرجت وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية ميري ريغف بقرار سيعرقل إجراء مباريات الدوري الإسرائيلي لكرة القدم في أيام السبت، ضمن قرار أوسع يلزم مختلف منظمات الرياضة بوضع نشاطها أيام السبت كبديل أخير فقط، حين يتعذّر القيام به في أيام أخرى. ويضاف إلى ذلك إعلان وزير الداخلية أرييه درعي حظر التصريح بفتح محال تجارية خاصة في خمس مدن كبرى.

في الحالتين هناك استخدام للسلطة لأغراض المصلحة السياسية والشعبوية التي تتناقض مع حريات أساس للناس: حرية العمل وحرية مزاولة ما يرونه مناسباً لهم في يوم يعتبر عطلة رسمية.

ولقد وقعت الوزيرة ريغف مؤخراً مرسوماً يقضي بوضع أنظمة جديدة تهدد بسحب الميزانيات الحكومية من المنظمات والاتحادات الرياضية التي "تميّز ضد الرياضيين المتديّنين ولا تهتم بمن يحفظون قدسية السبت". وتلزم منظمات الرياضة المختلفة التي تجري نشاطات في أيام السبت بإثبات أنها لا تملك بديلا لذلك. ما تفعله هذه السياسية هو وضع أولوية المعتقدات الدينية لبعض الرياضيين فوق الحرية المدنية العامة التي تمكن الراغبين بقضاء يوم السبت في ممارسة كرة القدم أو مشاهدتها، مثلا.

أمامنا لعبة مضللة ومخادعة يتم فيها تحويل من يسعون إلى فرض معتقداتهم بالإكراه على غيرهم، إلى ضحايا. وهو تكتيك شائع جدا في السياسة الإسرائيلية. فالضحية يهودي إسرائيلي دائما والجاني/ مصدر الخطر/ مصدر التهديد هو فلسطيني أو عامل أجنبي مؤخراً. هو آخر. وأما في حالة السبت المُشار اليها فيُصبح كل من لا يتقيّد بشعائر السبت الدينية خارجاً عن النظام والقانون بل يستحق عقاباً رسمياً يتمثل في توجيه ضربة اقتصادية له.

محاولة كسب نقاط دعم وتأييد لدى شرائح محددة تتسم بالمحافظة

غايات هذه السياسية مشتقة من مسرح لعبها: كسب نقاط دعم وتأييد لدى شرائح محددة تتسم بالمحافظة ويسهل التلاعب بها لأغراض لا تخدم حقوقها ومصالحها بالضرورة. هكذا تصبح ممارسة لعبة رياضية تجري منذ عقود طويلة في أيام السبت، أرضية خصبة لرفع شعبية سياسية معروفة بعدوانيّتها الشديدة لحريات الثقافة، وها هي الآن ترفع سيوف الحرب على حريّات الرياضة. وهو أمر أثار استياء ورفض جهات في هذا المجال، أبرزهم اللجنة الأولمبية الإسرائيلية. فقد أرسل مديرها غيلي لوستيغ إلى الوزارة بلاغا يعلن فيه رفض هذه الأنظمة الجديدة الخاصة بيوم السبت.

ومما جاء في البلاغ: "نحن نخشى من أن التعديل الجديد لا يتلاءم مع الستاتيكو (الوضع القائم المتفق عليه) ويتناقض مع القواعد الدولية التي يجب علينا الالتزام بها ضمن المنظمات والاتحادات الدولية. لقد طلبت منّا اللجنة الأولمبية الدولية إبلاغ الهيئة التشريعية في إسرائيل بأن كل قرار في هذه المسائل يجب أن يتم بواسطة الحوار فقط، وذلك من خلال وضعهم أمامنا طلباً (وعملياً مطلباً) بأن لا يتم إنفاذ هذا القانون".

اللجنة الأولمبية الإسرائيلية تحذر من أن المرسوم الذي وضعته الوزيرة ريغف يهدد بإبعاد إسرائيل من المنظمات الدولية. وتقول في تلك الرسالة: "في الواقع الإسرائيلي الراهن، تتم ممارسة ثقافة الرياضة بمعظمها الساحق أيام السبت. وكل محاولة لمنع النشاط الرياضي بموجب الفرائض الدينية، تتناقض مع المعاهدة الأولمبية الدولية. ولذلك فإن كل محاولة لترسيخ قيم في الرياضة الإسرائيلية لا تتلاءم مع قيم الرياضة الدولية، من شأنها استقدام عقوبات مثل الإبعاد، الفصل ونزع الاعتراف بالدولة التي تنتهك تلك القيم".

هناك عدد من منظمات واتحادات فروع الرياضة التي انضمت إلى رفض أنظمة الوزيرة، ومنها رياضات فرق الكرة على اختلافها، والتنس، والرياضات التنافسية القتالية والبحرية ورياضات القوى، إذ اعتبرت في موقف مشترك أن هذه الأنظمة تفتقر للنسبية والضرر المتوقع الناجم عنها لفروع الرياضة ولمنظمات الرياضة يفوق الفائدة. هذه الأنظمة تهدد جميع فروع الرياضة بشلّ سيرها ونشاطها بصورة مهنية واقتصادية سليمة. وفي حال فُرضت هذه الأنظمة لن يكون بمقدور المنظمات الإسرائيلية استضافة نشاطات رياضية في البلاد، كما نوّهت تلك المنظمات.

صلاحية حكومية بفرض نهج حياة على بلدة ما خلافاً لمعتقداتها وخياراتها

على صعيد موازٍ ومتصل، قام الوزير أرييه درعي بحظر عمل محال تجارية مختلفة أيام السبت في خمس مدن إسرائيلية كبيرة. وقد برّر ذلك بشعار "السبت قيمة يهودية واجتماعية". هذا الوزير استغل الصلاحية المعطاة له وفقاً للقانون وبموجبها فإنه مخوّل بإجازة أو رفض أنظمة تضعها البلديات والسلطات المحلية بخصوص عمل المحال التجارية أيام السبت. أي أنه يمكن للحكومة أن تفرض على بلدة ما رغم إرادة غالبية سكانها، ممثلة بمجلسها المنتخب من قبلهم، ممارسة نهج حياة مخالف لمعتقداتها وخياراتها. وقرار هذا الوزير هو ترجمة دقيقة لهذا الإكراه.

الوزير اختار فرض هذا الحظر على بلدات معينة دون غيرها، يمكن القول إنها تتسم بوجود توتر فيها على خلفية سؤال حدود تعميم الالتزام بفرائض دينية في الحيز العام. وقد طال القرار كل من ريشون لتسيون، حولون، غفعتايم، هرتسليا وموديعين. وهي بلدات تزداد فيها قوة الأحزاب الدينية والقوى المحافظة التي تسعى لشل الحياة المدنية والاقتصادية تماما في يومها الذي تعتبره مقدساً. وبالمقابل يقول الخصوم غير الملتزمين بفرائض الدين: حقكم العيش وفقا لمرادكم ولكن ليس فرضه علينا. وقد قالت هيئة البث العام "كان" أن المدن الخمس تعتزم تقديم التماس إلى المحكمة العليا ضد قرار وزارة الداخلية هذا.

الصلاحيات التي أعطت من يحمل حقيبة الداخلية مكانة حاكم مطلق بيده قدرة فرض نهج الحياة الذي يروق له على مدن وبلدات بأكملها، كانت قد أقرتها الحكومة الحالية التي يترأسها بنيامين نتنياهو قبل نحو عام. وتم تكريس ذلك لاحقاً من خلال مشروع تعديل قانون يمنح وزير الداخلية صلاحيات إلغاء ما يُعرف بـ "قوانين مساعدة"، أي أنظمة تحددها البلديات بخصوص فتح المحلات التجارية في نطاقها.

تعديل القانون الذي جاء من قبل الحكومة ينص على أن أي قانون محلي يمنح البقالات الحق في العمل يوم السبت يجب أن يحصل على مصادقة وزير الداخلية. وتُمنح الموافقة فقط في حال رأى الوزير أن المصالح التجارية ضرورية لتلبية احتياجات أساسية. الجديد في التعديل أن صلاحية تطبيق موقف الوزير باتت فورية، بينما في الماضي، كان أمام وزير الداخلية مهلة 60 يوما لاستخدام "فيتو" ضد هذه القوانين البلدية المحلية.

تُستثنى من هذه الصلاحية البلديات التي سبق أن وضعت قوانين كهذه قبل تشريع هذا القانون. فبلدية تل أبيب مثلا كانت وضعت أنظمة كتلك، ودخلت في عملية مقاضاة لكن القانون المساعد الذي سنته البلدية قد حصل على تصديق من المحكمة الإسرائيلية العليا. الوزير نفسه، درعي، عقّب على ذلك بالقول إن "السبت مقدس لنا، ولكن لا يمكننا إغلاق الحوانيت في تل أبيب. نحن نريد فقط الحفاظ على الوضع القائم، بعد حكم المحكمة العليا في مسألة المحلات في تل أبيب، لا نريد أن يتم فتح محلات في جميع أنحاء البلاد يوم السبت، وأن لا تكون هناك تجارة مثل باريس ونيويورك ولندن".

قرار الوزير بخصوص المدن المشار اليها أعلاه يخالف ما كان "تعهد به" في السابق، كما جاء في مقابلة معه أجرتها صحيفة "يديعوت أحرونوت". يومها ادعى أنه "غير معني بالصلاحية الممنوحة له بموجب القانون الذي يسمح له بإغلاق المحلات التجارية في يوم الراحة اليهودي". لكن هذا لم يمنعه طبعا من التهديد بالاستقالة وحزبه من الحكومة ما لم يطرَح التشريع على الكنيست للتصويت عليه. وزيادة في التمويه أضاف أن الإعلام "أعطى أهمية مفرطة للقانون ولا يمكنني ولا أنوي فرض القانون". اليوم يتضح زيف ذلك.

وهكذا فقد أعلنت بلدية القدس العودة إلى فرض غرامات مالية على المتاجر الصغيرة التي تبقى مفتوحة أيام السبت، بعد تجميد ذلك في ظل تقديم التماس للمحكمة العليا ضد هذا الإجراء. ووفقا لموقع "تايمز أوف إسرائيل" تقدمت مجموعة من أصحاب المحلات التجارية يمثلهم يوسي حافيليو، وهو مرشح سابق لرئاسة البلدية، بالتماس ضد الغرامات المالية في العام الماضي. وخلال المداولات التي عُقدت في محكمة الشؤون الإدارية، وافقت البلدية على تجميد الغرامات المالية لمدة 60 يوما ووافق حافيليو على سحب التماسه. لكن البلدية أوقفت التجميد!

ويقول الموقع المذكور إن مسألة تأثير المتدينين الحريديم على الحياة اليومية في القدس تشكل نقطة جدل ساخنة في المدينة منذ سنوات، حيث يخشى البعض من أن يؤدي هذا التأثير إلى زيادة في إغلاق المحلات التجارية وأماكن الترفية أيام السبت أو فرض قيود أخرى.

هذان المثالان لممارسات وزيرين في الحكومة الإسرائيلية الحالية يعكسان، من جهة، محاولات جدية لفرض نهج حياة متقيّد بفرائض ومعتقدات دينية يهودية، ليس في بلدات ذات غالبية محافظة فقط، بل أيضا حيث يشكل الملتزمون بالفرائض أقلية. ومن جهة أخرى، هناك استخدام فظ وفج ومباشر لمسائل دينية وحساسيات دينية كـ"روليتا" مربحة في بورصة السياسة، بواسطة تجييش وتحشيد شرائح يحمل الموروث الديني لديها قيمة عالية، فيتم التلاعب بمشاعرها ووعيها لتحقيق مكاسب تبدو دينية للوهلة الأولى، لكنها في العمق سياسية نفعيّة لتعزيز سلطة المبادرين لها، وبانتهازية لم يعودوا حتى يحاولون إخفاءها.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات