المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1104
  • هشام نفاع

يمكن القول إن خطوات الوزيرين ميري ريغف وأرييه درعي، أي الخطوة الحكومية الجامعة، بخصوص تقييد الحريات المدنية بذريعة قدسية يوم العطلة في إسرائيل، لم تبدأ بهذين القرارين تحديدا. فليس فقط أن هناك سياقاً عاماً واحدا لذلك، بل إن القضيتين العينيتين: ممارسة الرياضة ضمن الاتحادات والمنظمات، وفتح المحلات التجارية كالبقالات يوم السبت، سبق أن احتلتا مركز النقاش في السنوات الثلاث الأخيرة، أي في فترة الحكومة الراهنة.

 

الصحافي أوري مسغاف كان تطرّق حينذاك إلى نيّة ريغف منع مباريات كرة القدم يوم العطلة، أي كما وصفها الصحافي "أن لا يتم لعب كرة القدم في إسرائيل، لسبب ديني". وقد نسب إفشال ذلك في حينه إلى المستشار القانوني للحكومة يهودا فاينشتاين "الذي قرر إنقاذ الرياضة الإسرائيلية من حالة الفوضى. فلولا تدخله في اللحظة الاخيرة لكان حدث (ذلك) لأول مرة في تاريخ الحاضرة اليهودية والدولة".

يرى كاتب المقال أنه قد آن الأوان لما وصفه "تبديد الصمت والغموض حول السبت والتعدي على حُرمته، وكأن الحديث عن عذراء متدينة منذ عهد الأنبياء وليس عن يوم عطلة أسبوعية في دولة متنورة". وفي وصف تدخل المستشار بالقرار المفرح فقد اعتبر أن "الأمر الأقل مدعاة للفرح هو الانكشاف من جديد على عمق تفكير وأفكار ميري ريغف، وزيرة الثقافة والرياضة".

بعد قرار المستشار اقترحت الوزيرة ما اعتبرته "الحل الوسط" وتمثّل بأن "الفرق التي لا تريد أن تلعب في السبت فلن تلعب في السبت، والفرق التي تريد فإنها تستطيع اللعب. إذا أعلن أكثر من سبعة لاعبين أنهم لا يريدون اللعب في السبت، فمن المنطق أن لا يلعب الفريق في السبت". وهنا سخر مسغاف من ذلك وتساءل ليبيّن "انعدام المنطق" فيه: "ما حُكم المباراة بين فريق يريد اللعب وفريق لا يريد؟ ولماذا سبعة بالذات. لأن السبت هو اليوم السابع؟ هل الحديث هو عن سبعة لاعبين من التركيبة التي ستلعب والتي تبلغ 11 لاعبا، أم ضمن الطاقم الأوسع الذي يشمل 18 ـ 22 لاعبا؟... هل سيشارك جميع اللاعبين في العملية؟ وبشكل أكثر دقة: هل مطلوب أغلبية يهودية للتصويت أم أن السبعة المحافظين على السبت سيكون من بينهم غير اليهود؟".

بعض القيود على العمل الحيوي في أيام السبت قد تتسبب بخسائر بشرية

بعد تلك الحادثة بسنة ثارت قضية إجراء الترميمات والأعمال الهندسية في محطة القطار المركزية في تل أبيب، وهنا كان الصدام داخل الحكومة نفسها، بين الأحزاب الدينية الحريدية وبين وزير المواصلات، يسرائيل كاتس. رؤساء الأحزاب الحريدية أعلنوا في بيان مشترك أنّهم "يحتجّون بحزن بسبب تدنيس السبت أثناء القيام بأعمال سكة القطار في تل أبيب، والتي كان يمكن ممارستها في أيام أخرى دون يوم السبت".

منتقدو الأحزاب الحريدية قالوا في حينه ما معناه: مرة أخرى يوضع العمل يوم السبت كبديل أخير، هذا مع أنه في حالة القيام بإصلاحات خاصة بالقطارات، وبسبب منع حركة القطارات يوم السبت، فإن إجراء تلك الأعمال هذا اليوم سيكون الأفضل. وإلا فإن شلّ حركة القطارات سيتسع لأيام أخرى ولن يقتصر على يوم العطلة بدواعي الدين. وقد أشارت شركة القطارات، مؤكدة هذا الموقف، إلى أن أعمال الترميم والهندسة في إحدى محطات القطار الأكثر ازدحاما في تل أبيب، والتي تم تخطيطها منذ شهور سبقت العمل، تطلّبت إغلاق مسار المواصلات الرئيسي المؤدي إلى الجنوب، وبسبب ذلك تم اختيار العمل عليها يوم السبت. والشرطة أيضاً ساندت هذا الموقف من خلال رسالة إلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو جاء فيها أنّه بموجب قرار اتخذته لجنة مهنية، فإنّ هذه الأعمال يجب أن تتم يوم السبت لأنّ إجراءها خلال أيام الأسبوع العادية سيؤدي إلى مصاعب كبرى في حركة سيارات الإسعاف والإطفاء، مما قد يتسبب بخسائر بشرية".

لقد تم سنّ "قانون ساعات العمل والراحة" الذي يحظر تشغيل اليهود يوم السبت، عام 1951. عموما، فإن قضية السبت تعكس التناقضات العميقة بين المتديّنين والعلمانيين (أو غير المتدينين بالأحرى) في المجتمَع الإسرائيلي. فيؤيد معظم الأخيرين، على الأقل، فتح محلات الترفيه وتشغيل المواصلات العامة يوم السبت. بالمقابل، يعتقد معظم المتديّنين بمختلف التيارات، وبتفاوتات معيّنة، أنّ تدنيس السبت في الحيّز العام يمسّ الطابع اليهودي للبلاد. وفقاً لموقع "المصدر" فإن مسألة قدسية يوم السبت وطريقة الحفاظ عليها، قد شغلت المجتمَع اليهودي منذ فترة الانتداب البريطانيّ. في تلك الفترة تطوّرت عدّة ترتيبات استُخدمت أساس مبدأ الستاتيكو ليوم السبت. في إطار تلك الترتيبات اتّفق على تعطيل يوم السبت في جميع المؤسسات الرسمية، وقف المواصلات العامة في جميع البلدات، وتعطيل التجارة يوم السبت، وهذا في اعتماد حرفيّ نصيّ (أي أصولي) إلى الوصية الرابعة في التوراة "اذكر يوم السبت لتقدسه".

بين المشروع السياسي وبين الموروث الديني كمرجعية للحقوق الجماعية

تعمّق النزعات الدينية المختلطة في تشكيل السياسة الإسرائيلية، يكشفه المثال التالي، إذ أجرى معهد البحوث الأميركية "بيو" في تشرين الأول 2014 حتى أيار 2015 استطلاعا معمقا في أوساط 5 آلاف من مواطني إسرائيل. النتائج وفقاً لمقال افتتاحي في صحيفة "هآرتس" كانت مقلقة بحد ذاتها، ولكن خطورتها تتعاظم لأنه بين الاستطلاع ونشره تفاقمت الشروخ في داخل المجتمع الإسرائيلي أكثر فأكثر.

ففي الانقسام الداخلي بين اليهود في إسرائيل عرّف نحو نصف المستطلعين فقط أنفسهم كعلمانيين، وثلاثة من كل عشرة اشخاص اعتبروا أنفسهم محافظين، 13 في المئة كمتدينين و9 في المئة كمتشددين. وعلّق المقال: كلما هبطنا في هذا السلم، يفوق تفضيل اليهودية على الديمقراطية، باتجاه دولة الهلاخا (الشريعة اليهودية)، مما يهدد بتصديع ادعاء قيام دولة يهودية وديمقراطية كدولة واحدة. وإذا لم يتم رأب الصدوع، فإن من شأن نسيج الحياة المشتركة في إسرائيل أن يتضرر بشكل لا عودة عنه.

هذه النقطة تعيد الجدل إلى مسبباته الأساس، والمرتبطة بالعلاقة التي أقامتها الحركة الصهيونية بين مشروعها السياسي، الدولة، وبين الموروث الديني اليهودي كمرجعية للحقوق الجماعية بشكل شبه حرفي أحيانا، هذا على الرغم من أن الغالبية الكبرى من الصهاينة الأوائل عرفوا أنفسهم كعلمانيين! وكما سبق أن كتبتُ في مقال آخر: لقد أنشئت دولة لليهود واستيطان لليهود وهيمنة للعبرية وللرواية الأسطورية الدينية اليهودية، تلك التي بنى عليها علمانيون وملحدون "طلائعيون" من طوائف اليهود في أوروبا مشروعَ دولة غريبة غربية في فلسطين المشرقية. فجرى هنا زعمَ تملّك تاريخ وحاضر ومصير اليهود ودفعِهم نحو ما تقول رواية الدين والأسطورة إنه وطن اليهود الحصري المفقود. أما السؤال كيف تصبح أساطير الدين هي المرجعية لعلمانيّين، فهو ما لم تتم الإجابة عليه بالمرة.

 

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات