المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1233

شهدت تل أبيب، مساء السبت الماضي، مظاهرة بمشاركة الألوف للأسبوع الثالث على التوالي ضد مظاهر الفساد الذي يتكشف بحجم كبير في الحكومة وائتلافها البرلماني، وبشكل خاص المتعلق بشخص رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ورئيس الائتلاف الحاكم النائب دافيد بيطان، وثلاثة وزراء آخرين. إلا أن هذا الحراك الشعبي ما زال محدودا، وليس بالمستوى الضاغط بشكل فاعل، ليهز الحكومة. وفي المقابل، فإن ما خلفه تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترامب من انعكاسات سياسية لصالح اليمين الاستيطاني، قد تساعد نتنياهو على تغيير الاتجاه والذهاب إلى انتخابات مبكرة، مزودّا بذلك التصريح كإنجاز، ومتذرّعا بالقلاقل داخل الحكومة كذريعة، والهدف هو دحر عملية التحقيقات الجارية معه، وإبعاد احتمال تقديم لائحة اتهام ضده.

 

ففي الأسبوع الأول، جرى الحديث عن مشاركة قرابة 70 ألفا في المظاهرة الضخمة التي شهدتها تل أبيب، وفي الاسبوع الثاني كان الحديث عن أرقام متضاربة تراوحت ما بين 30 ألفا و 50 الف متظاهر، أما في المظاهرة الثالثة فيجري عن مشاركة آلاف، أو 10 آلاف، ولربما أكثر، بحسب الصور التي نشرت في وسائل الإعلام.

وقد "أثمرت" المظاهرة الاولى تصريحا فوريا من بنيامين نتنياهو، أوصى بموجبه الائتلاف وكتلة الليكود، بأن ما سُمي بـ "قانون التوصيات" الذي يستهدف صلاحيات وحدة التحقيق في الشرطة، لا يسري عليه في حال اقراره في هذه المرحلة. ويجري الحديث عن مبادرة لقانون بادر له نواب الليكود، يمنع الشرطة من تقديم توصيات للنيابة بتقديم لائحة اتهام بعد انتهاء التحقيقات مع منتخب جمهور. والهدف هو عدم إفساح المجال أمام الشرطة بالتوصية بتقديم لائحة اتهام ضد نتنياهو، لأن في هذا ما يقود إلى ضغوط شعبية لاستقالة نتنياهو، قبل صدور القرار النهائي من أعلى مستوى في النيابة العامة، المدعي العام، سوية مع المستشار القضائي للحكومة.

وجاء هذا القانون، الذي أقره الكنيست بالقراءة الأولى، ولم ينتقل للقراءة النهائية، بعد أن فشل الليكود في تمرير ما سُمي بالقانون الفرنسي، الذي يمنع إجراء تحقيق جنائي مع رئيس الحكومة خلال ولايته؛ إذ اعترضت على هذا القانون عدة كتل في الائتلاف الحاكم، وقاد إلى أزمة محدودة، تم تجاوزها من خلال الاتفاق على قانون التوصيات، الذي إن تم اقراره نهائيا، فإنه سيسري على ثلاثة وزراء في الحكومة، وهم: وزير الداخلية آرييه درعي، وزير الرفاه يوسي كاتس ووزير الطاقة والبنى التحتية يوفال شتاينتس.

كما سيسري القانون على من هو رأس الحربة في تمرير هذا القانون، رئيس الائتلاف الحاكم، النائب دافيد بيطان، الذي يواجه تحقيقات حول تلقيه رشاوى بمئات آلاف الشواقل، من عالم الاجرام، حينما كان نائبا لرئيس بلدية ريشون لتسيون. وهي قضية، كما يبدو، في مراحلها شبه النهائية لدى قسم التحقيقات في الشرطة، قبل ان تنتقل إلى النيابة. واستنادا لسلسلة التقارير التي تنشر في وسائل الإعلام، فإن بيطان لن يفلت من لائحة الاتهام والمحاكمة.

وعودة إلى الحراك الشعبي، فما يجري في الأسابيع الأخيرة ما زال محدودا ويقتصر على مدينة تل أبيب، إلى جانب مظاهرة صغيرة بمشاركة المئات جرت في حيفا، وأخرى شبيهة في القدس. بمعنى أن هذا الحراك لم يصل حتى إلى مستوى الحراك الشعبي ضد كلفة المعيشة الغالية، الذي اندلع في صيف العام 2011، واستمر لخمسة أسابيع، قبل أن يتلاشى.

بمعنى لو أن نتنياهو "تمالك نفسه" قليلا بعد السبت الأول للمظاهرات، لما طلب استثناء نفسه شخصيا من قانون التوصيات. ففي حينه أجمع المراقبون والمحللون والسياسيون على أن نتنياهو خاف من حجم المظاهرة، فسارع إلى ذلك البيان. ومن دون أن تتسع المظاهرات وتمتد للمدن الكبرى، وتكون باستمرارية وبشكل تصعيدي، فإن هذا لن يشكل ضغطا على الحكومة، لتحل نفسها وتتجه إلى انتخابات مبكرة، خاصة وأن المعارضة البرلمانية تظهر في أضعف حالاتها.

حسابات الانتخابات المبكرة قد تتبدل

في عدد "المشهد الإسرائيلي"، يوم 7 تشرين الثاني الماضي، الذي تم فيه استعراض الدورة الشتوية البرلمانية، مع بداية أعمالها؛ كنا قد استعرضنا الحسابات الحزبية والسياسية، التي قد تدفع نحو انتخابات مبكرة والحسابات التي تمنع مثل هذه الانتخابات، وتسمح ببقاء الحكومة إلى ما بعد العام 2018. ولكن الميل كان في حينه إلى أن حسابات بقاء الحكومة أقوى، إلا إذا نشأت ظروف جديدة.

وبالإمكان القول إن ظروفا جديدة كهذه بالفعل قد نشأت، خلال الشهرين الأولين من الدورة الشتوية، كانت كافية لإعادة النظر في حسابات ذات السؤال: مدى احتمالية اجراء انتخابات برلمانية مبكرة؟. وقيل في حينه، إن ما يدعم عدم الذهاب إلى انتخابات مبكرة أن الائتلاف يظهر تماسكا، رغم الخلافات الداخلية فيه، وأنه يحقق انجازات على صعيد أجندته اليمينية المتشددة، سياسيا واقتصاديا، فيما الأحزاب المشاركة في الحكومة، وخاصة الحريديم، يحققون أيضا انجازات على مستوى متطلباتهم لجمهورهم. وقد تعلم اليمين الاستيطاني من تجربتين، في العامين 1992 و1999، حينما أسقط حكومة الليكود وخسر الشراكة في الحكومة، وهو ليس معنيا بتكرار التجربة، طالما أنه يحقق مكاسب على الارض.

كذلك فإن كل استطلاعات الرأي تشير إلى أن كل الأحزاب والكتل المشاركة في الحكومة الحالية، ما عدا تحالف "البيت اليهودي"، ستفقد شيئا من قوتها البرلمانية، أو قد تحافظ عليها. وقد يكون "الليكود" الخاسر الأكبر، إذ تشير كل استطلاعات الرأي إلى أنه سيخسر ما بين 5 إلى 8 مقاعد، من المقاعد الـ 30 التي يسيطر عليها اليوم. كما أن الخسارة ستلحق بحزبي "كولانو"، بزعامة وزير المالية موشيه كحلون، و"يسرائيل بيتينو" بزعامة أفيغدور ليبرمان.

كذلك كان من الأسباب التي تصب في حسابات عدم التوجه إلى انتخابات مبكرة أن نتنياهو يريد إحياء الذكرى الـ 70 لقيام إسرائيل، وهو رئيس وزراء، وليس في ظل حملة انتخابية. كما ستجرى، في نهاية تشرين الاول 2018، انتخابات المجالس البلدية والقروية، ما يجعل الأحزاب منشغلة بتلك الانتخابات ويمنعها من التوجه إلى انتخابات مبكرة.

أما بالنسبة للعوامل التي يمكن أن تدفع نحو انتخابات مبكرة، فقد كان أبرزها تكشف المزيد من قضايا الفساد، خاصة بما يتعلق بشخص نتنياهو. ولكن ما حدث في الأسابيع الأخيرة هو تعمق التحقيقات ضد الوزيرين درعي وشتاينتس والنائب بيطان. وازدادت احتمالات أن تقرر الشرطة تقديم لائحة اتهام، واحدة على الأقل، ضد نتنياهو، ما سيدفعه إلى الاستقالة تحت الضغوط الشعبية، في حال حصلت.

بعد مرور حوالي شهرين على بدء عمل الدورة الشتوية، التي ستستمر حتى منتصف آذار المقبل، 2018، ظهرت عوامل جديدة قد تقلب التوقعات، ليصبح الميل نحو الذهاب إلى انتخابات مبكرة أكبر من ذي قبل، وقد يفاجئ نتنياهو الحلبة السياسية بالإعلان عنها، كما فعل في العامين 2012 و2014.

ويبقى المحفّز الأساس لنتنياهو للتوجه إلى انتخابات مبكرة العمل على إبعاد احتمال صدور توصية من الشرطة لتقديم لائحة اتهام ضده، لأنه في وضعية كهذه سيكون رئيس حكومة تحت التهديد، وهذا يُضعف مكانته الشعبية، لذا فإنه يريد البحث عن مخرج تغطية، بمعنى ذريعة أخرى، ولكن أن تكون في يده مكاسب يستطيع من خلالها خوض المعركة الانتخابية.

والتغطية الماثلة حاليا هي الخلافات داخل الحكومة حول عدد من القوانين، على الرغم من أنه في كل واحدة من الأزمات التي ظهرت في الأسابيع الأخيرة، تجاوزها الائتلاف، وظهر متماسكا في الكنيست. فهذا ما جرى في قانون "التوصيات" السابق ذكره، وهذا أيضا ما جرى في مسألة القانون لتشديد مسألة اغلاق الحوانيت في أيام السبت، الذي تم تحت ضغط كتلتي "الحريديم"، "يهدوت هتوراة" بالذات، وأيضا "شاس".

وينتقص القانون من صلاحية المجالس البلدية والقروية بأن تسن قوانين بلدية تجيز فتح بعض الحوانيت والمرافق التجارية أيام السبت، إذ أن القانون الجديد، الذي تم اقراره بالقراءة الاولى، يمنح وزير الداخلية حق الاعتراض عليه، باستثناء القوانين البلدية التي باتت قائمة، وأكبرها في تل أبيب. فهذا القانون يفرض مزيدا من الاكراه الديني، وقد تحفظت عليه كتلة "كولانو" بزعامة وزير المالية موشيه كحلون، واعترضت عليه كليا كتلة "يسرائيل بيتينو" بزعامة أفيغدور ليبرمان، إلا أنه أقر بالقراءة الاولى في الكنيست في نهاية المطاف بتأييد الكتلتين، وهو قيد الاعداد للقراءة النهائية.

وعلى الرغم من ذلك، طالت قائمة القوانين ومشاريع القوانين التي يدور حولها خلاف. فمثلا، قانون "القومية" ما زال عالقا، على الرغم من أحاديث في أروقة الكنيست عن أن كتلتي "الحريديم" على استعداد لتجاوز اعتراضها على بنود في القانون، مقابل ضمان عدد من قوانين الإكراه الديني.
وهذه القلاقل قد تجعل نتنياهو يدعي بأن الائتلاف لا يعمل بشكل منسجم، ما يعيق حركة الحكومة، رغم أن وزراء من أحزاب مشاركة يقولون، في مقابلات صحفية، إن الحكومة قادرة على الاستمرار. ومن بينهم، وزير الزراعة، المستوطن أوري أريئيل، ووزير المالية موشيه كحلون وغيرهما.

أما الورقة الأكبر التي بيد نتنياهو، وعلى أساسها يستطيع خوض المعركة الانتخابية، فهو تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يعترف بالقدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي. فهذا تصريح يُحسب كإنجاز سياسي يحتكره بنيامين نتنياهو دون سواه. وهو يعزز قوته في معسكر اليمين الاستيطاني المتطرف، الصوت الأعلى في الساحة السياسية، ويؤثر على أجواء اليمين ككل. ولدى هؤلاء، فإن انجازا سياسيا كهذا يغطي على قضايا الفساد التي تلاحق نتنياهو طيلة الوقت.

التوقيت الأخير لخوض الانتخابات

جرت العادة أن تجري الانتخابات في موعد لا يقل عن 5 أشهر من يوم الإعلان عنها. وكل الانتخابات الإسرائيلية جرت إما في النصف الأول من العام، أو في الخريف، بعد انتهاء الأعياد العبرية. وتتجنب الحلبة السياسية إجراء انتخابات في شهري الصيف، اللذين تكثر فيهما العطل والسفر إلى الخارج. وعلى هذا الاساس، فإإذا أراد نتنياهو اجراء انتخابات مبكرة، فإنه قد يُقدم عليها لتكون حتى نهاية شهر حزيران المقبل، ما يعني أن يعلن عن حل حكومته حتى نهاية الشهر الاول من العام المقبل. وفي هذه الحالة تسقط حسابات نتنياهو بأن يحيي الذكرى السبعين لقيام إسرائيل وهو رئيس حكومة بكامل ولايته، وليس في ظل معركة انتخابات.

أما الاحتمال الآخر، فهو أن تقرر الحكومة إجراء الانتخابات البرلمانية في خريف العام المقبل، على أن يتم تأجيل الانتخابات للمجالس البلدية، كما جرى في العام 1988، حينما تم تأجيل الانتخابات البلدية إلى بدايات العام 1989. ولكن إبعاد الانتخابات إلى خريف 2018، سيعني إعادة الحسابات من جديد، على أساس الربح والخسارة الحزبية.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات