أعلن الائتلاف الحكومي الإسرائيلي أن قانون فرض الإعدام على المقاومين الفلسطينيين دون سواهم، الذي بادر له أفيغدور ليبرمان قبل عامين ونصف العام، من المفترض أن يُطرح للتصويت عليه في الهيئة العامة للكنيست، إما الأسبوع المقبل أو الذي يليه، بعد أن بات يحظى بتأييد واسع في الائتلاف الحكومي. وهذا عمليا هو قلب في المواقف داخل الحكومة من هذا القانون الذي اعترض عليه المستشار القانوني للحكومة، والطاقم المهني في وزارة العدل، لدى طرحه للتصويت لأول مرّة قبل عامين ونصف العام، حينما كان ليبرمان وحزبه "يسرائيل بيتينو" في صفوف المعارضة البرلمانية.
ويجري الحديث عن مشروع قانون قدمه حزب "يسرائيل بيتينو" بزعامة ليبرمان، مع بدايات الولاية البرلمانية الـ 20 الحالية، وطُرح للتصويت في الهيئة العامة للكنيست، يوم 15 تموز العام 2015، إلا أن الحكومة في حينه رفضته، بادعاء أنها ستقيم لجنة وزارية خاصة لفحص الموضوع، إلا أن لجنة كهذه لم تقم.
وحينما انضم ليبرمان وحزبه إلى الحكومة في مطلع شهر حزيران 2016، كان هذا القانون أحد شروط ليبرمان، ولكن مع تحفظ يأخذ بعين الاعتبار مواقف الكتل البرلمانية من القانون الذي لدى تقديمه كان من بين المشاركين في المبادرة له نواب من كتل الائتلاف الحاكم.
ويقضي القانون بتغيير قانون المحاكم العسكرية القائم، وبأن يكون الحكم بإعدام الفلسطيني في الضفة المحتلة وقطاع غزة صادرا عن أغلبية هيئة القضاة العسكرية وليس بإجماعهم، كما هو القانون العسكري القائم. كما أن القانون يمنع صدور أي قرار رئاسي أو عن رئيس هيئة الأركان يخفف الإعدام إلى حكم المؤبد، في حال صدر كقرار نهائي عن المحكمة وبعد الاستئناف عليه.
كذلك يطالب القانون أن يسري أيضا على المحاكم المدنية، كي يطال فلسطينيي الداخل والفلسطينيين في القدس المحتلة، وأيضا السوريين في الجولان المحتل. وإذا كان مفهوما ضمنا أن المحاكم العسكرية تسري على الفلسطينيين في الضفة والقطاع، فإنه في حال تم سريان هذا القانون على المحاكم المدنية فسيكون ساريا على الجميع، ولذا جاء التأكيد في مشروع القانون ليكون ساريا فقط على الفلسطينيين دون سواهم، بمعنى أنه لن يسري على يهودي في حال ارتكب جريمة قتل عرب على خلفية ارهابية.
ويطلب مشروع القانون إضافة على نهاية البند 300 في قانون العقوبات، الذي يتخصص بجرائم القتل في كل المجالات، إلا أن البند الأخير (ب) في هذا القانون، يفرض حكم الإعدام على النازيين وجاء فيه: من أدين بجريمة القتل من النازيين ومساعديهم، فالحكم عليه بالإعدام. وتم تنفيذ هذا القانون مرة واحدة، ضد الضابط الألماني أدولف أيخمان في العام 1962. والاضافة هي: (ج) كل من أدين بالقتل، بموجب البند الفرعي (أ)، في ظروف نشاط ارهابي، فالحكم عليه بالإعدام، وبشأن هذا البند، فإن "نشاط ارهابي" يعني "محاولة عن سبق قصد لقتل مواطنين، بهدف تحقيق أهداف سياسية، قومية، دينية، أو إيديولوجية".
2- (أ)- في هذا البند "منطقة"- هي كما وردت في قانون تمديد أنظمة الطوارئ (يهودا والسامرة- احكام القضاء في المخالفات) من العام 1967.
(ب)- يأمر وزير الدفاع قائد قوات الجيش الإسرائيلي في المنطقة، بأن يصدر تعليمات بأمر عسكري:
1- صلاحيات المحكمة العسكرية في المنطقة ان تفرض على المتهم حكم الإعدام، وهذا ليس مشروطا بإجماع هيئة القضاة، وبالإمكان فرضه بأغلبية الأصوات.
بما أنه لا يمكن تخفيف الحكم الصادر على المتهم، فإن الحكم الصادر يكون نهائيا في المحكمة العسكرية في المنطقة.
وجاء في تفسير مشروع القانون، الذي يعد جزءا لا يتجزأ من القانون ككل، "إن مكافحة الارهاب هو تحد كبير للعالم، وبشكل خاص إسرائيل في القرن الـ 21. وعلى الرغم من وجود فجوة كبيرة جدا، بين شكل تعامل إسرائيل في مجال العقوبات، والواقع الذي تواجهه، مثل تحرير مخربين بعد فترة سجن لم تكتمل، وبين مخربين نفذوا العملية الرهيبة جدا، فهو يوجه رسالة عكسية، ولا يساهم في مكافحة الارهاب، ورفع قوة الردع الإسرائيلية". واضاف "في الواقع الذي تعيشه إسرائيل فإن حكم الإعدام على المخربين، هو بالتأكيد رادع. واقتراح القانون يهدف إلى خلق قوة ردع ذات شأن لمنفذي العمليات الارهابية، إذ سيعلمون أن إسرائيل ستشدد سياستها، ولن تتهاون في ارتكاب جرائم من هذا النوع" حسب تفسير مشروع القانون.
مواقف الأحزاب قبل عامين
حينما كان حزب "يسرائيل بيتينو" بزعامة ليبرمان في صفوف المعارضة، بادر إلى قوانين يتحدى فيها الائتلاف الحاكم، بهدف اختراقه من خلال قوانين أشد تطرفا، تتماشى مع توجهات غالبية نواب الائتلاف الحاكم. وكان هذا القانون الأبرز الذي لوّح به ليبرمان. ولكن صيغة القانون تُعد اشكالية جدا لإسرائيل على الساحة الدولية، "كونه يميز بين دم ودم"، كما جاء في حينه على لسان مصادر في أروقة وزارة العدل الإسرائيلية. وكما يبدو أن هذه الخلفية، دفعت بالمستشار القانوني للحكومة للاعتراض على القانون، ومثله أيضا، في المستوى المهني في وزارة العدل.
كما لاقى القانون معارضة في صفوف الائتلاف، ففي حينه كانت المعارضة والتأييد للقانون في كتلة حزب "الليكود" الحاكم، مناصفة، 15 نائبا مع ومثلهم ضد. كما عارضت القانون كتلة "كولانو" بنوابها الـ 10، ومثلها كتلة "شاس" بنوابها الـ 7، في حين أن كتلة "يهدوت هتوراة"، انقسم نوابها الـ 6 بالتساوي بين معارضة وتأييد. أما كتلة "البيت اليهودي" فقد ايدت بإجماع نوابها الـ 8. وكان موقف كتل المعارضة، عدا حزب "يسرائيل بيتينو" معارضة بالكامل.
وفي جلسة التصويت يوم 15 تموز 2015، أبدت وزيرة العدل أييليت شاكيد موقفها الشخصي الداعم للقانون، رغم رفض الحكومة له. وقالت في تلك الجلسة "إن اقتراح حكم الإعدام هذا، ليس اقتراحا جديدا، فكم هائل من الكلام دار حوله، خلال الأجيال السابقة، وحتى دافيد بن غوريون لحق المشاركة في هذا الجدل الكبير- حكم الإعدام، فقد أيد بن غوريون حكم الإعدام. وبعد عامين من حرب الأيام الستة، حينما بدأ ينمو الارهاب العرفاتي، عرض بن غوريون رأيه، بأن هناك حاجة لفرض قانون خاص لشنق المخربين، وبالامكان شنقهم بموجب قانون منع ابادة شعب (القانون الإسرائيلي القائم ضد قادة النازية). ففي مقال شامل في صحيفة "هآرتس" كتب بن غوريون: ما تفعله عناصر الارهاب العرب، ليس موجها ضد شخص بعينه، من باب تصفية حسابات مع كثيرين أو أشخاص بعينهم، وإنما الهدف هو ابادة الشعب اليهودي في أرضه- هذا ما قاله بن غوريون يوم 23 كانون الأول 1968".
وأضافت شكيد، أن "وزير العدل في حينه، يعقوف شمشون شابيرا، والمستشار القانوني للحكومة موشيه بن زئيف احتجا بشدة. وادعيا أن فرض حكم الإعدام سيسبب ضررا سياسيا ضخما لإسرائيل. إلا أن بن غوريون لم يقتنع، وكتب لشابيرا: لست حقوقيا ولكني أفهم بشكل أكثر أو أقل، ما هو مكتوب باللغة العبرية الواضحة في كتاب القوانين. فلماذا لا نطبق هذا القانون على مجرمي منظمة "فتح" وأمثالها. هذه منظمات هدفها الوحيد هو ابادة يهود أرض إسرائيل، كلهم أو بعضهم، فهل علينا بدلا من قانون الإعدام الذي ينص عليه قانون العقوبات، أن نحولهم إلى التقاعد في السجن الإسرائيلي؟ هل ألغى الكنيست هذا القانون؟ (يقصد بن غوريون هنا، سريان قانون الإعدام المفروض على مجرمي النازية، أيضا على الفصائل الفلسطينية، بزعم أن هدفهم ابادة اليهود كما النازية). والقانون لم يلغ. وفي العام 1954 ألغى الكنيست امكانية شنق قتلة جنائيين، ولكنه أبقى امكانية حكم الإعدام على المخربين في المحاكم العسكرية". واشارت إلى أن غولدا مئير وموشيه دايان طلبا أيضا في سنوات السبعين، تطبيق حكم الإعدام على المقاومين الفلسطينيين.
الواقع الجديد
حسب تقرير صحيفة "هآرتس" يوم أمس الاثنين، فإن كتلة "كولانو" بزعامة موشيه كحلون، غيّرت موقفها كليا، وباتت تؤيد القانون بنوابها الـ 10، إلا أن الموقف من مسألة سريان القانون على المحاكم المدنية، ليس واضحا بعد.
وبالإمكان القول إنه إذا طرأ تحول كهذا على حزب "كولانو"، الذي كان يُعد حزب "وسط"، فإن هذا التحول قد يكون طرأ أيضا على كتلة الليكود، وباقي الكتل الائتلافية، التي كان فيها معارضون. والمؤشر الأكبر لهذا التحول كان في شهر تشرين الثاني الماضي، حينما صرّح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قائلا إنه بات يؤيد قانون حكم الإعدام.
وهذا يعكس استفحال التطرف في الائتلاف الحكم، الذي دخلت جميع الكتل فيه على مسار المنافسة على القوانين والسياسات العنصرية والاحتلالية المتطرفة، وبات لحزب "كولانو" باع طويل في القوانين العنصرية والداعمة للاحتلال والاستيطان، بموجب ما يتأكد في تقارير مشروع "رصد القوانين العنصرية والداعمة للاحتلال والاستيطان" في مركز الابحاث الفلسطيني "مدار" في رام الله.
وحتى أمس، لم يصدر موقف جديد عن المستشار القانوني للحكومة، أفيحاي مندلبليت، الذي عارض مشروع القانون قبل عامين ونصف العام. وفي المقابل، قال عضو الكنيست نحمان شاي من حزب "العمل" الشريك الأساس في كتلة "المعسكر الصهيوني" المعارضة: "إن قانون حكم الإعدام سيستدعي ضغطا دوليا على إسرائيل، ولن يكون بقدرتها الصمود أمامه في هذه المرحلة بالذات، فهذا القانون هدفه فقط ثبات واستمرارية الائتلاف الحاكم". واضاف "إن عقوبة الإعدام لا تردع، بل تنتج أبطالا للإرهاب. ولهذا في دول العالم الحضاري الذي ننتمي اليه، يفرضون عقوبة المؤبد، ويمتنعون عن عقوبة الإعدام".
وبالإمكان التقدير أنه في حال تم طرح القانون فعلا على الهيئة العامة للكنيست، فإنه سيمر حاليا بالقراءة التمهيدية، وليس واضحا إذا ما سينتقل بسرعة للقراءة الاولى، التي تثبت القانون على مسار التشريع، خاصة إذا استمر اعتراض المستوى المهني في وزارة العدل على القانون. الأمر الآخر، هو أن إسرائيل تكون بذلك قد أقدمت على فرض قانون حكم الإعدام، في الوقت الذي تلغي فيه العديد من دول العالم، أو تجمد قوانين الإعدام أو تنفيذ الأحكام، وهذا عدا عن أن صيغة القانون تستهدف العرب دون سواهم.
المصطلحات المستخدمة:
المستشار القانوني للحكومة, هآرتس, شاي, الليكود, الكنيست, بنيامين نتنياهو, أفيغدور ليبرمان