اعتبر الباحثون في شؤون الأمن القومي في دراستهم أن الأقليات والطوائف في سورية، الأكراد والدروز والمسيحيين والإسماعيليين، هم جزء من "اللاعبين الإيجابيين"، الذين بإمكان إسرائيل التعامل معهم.
وأشاروا إلى أنه على الرغم من ولاء هذه الأقليات والطوائف للنظام على مدار الأربعين عاما الماضية وفي بداية الأزمة السورية، إلا أن هذه العلاقة تراجعت، بسبب ضعف النظام وجيشه وعدم تمكنه من حماية مناطقهم، وتجلى ذلك من خلال فرار عسكريين ينتمون لهذه الأقليات والطوائف من الجيش السوري أو عدم التجند فيه.
ولفت الباحثون إلى أن إسرائيل أقامت علاقات مع الأكراد في شمال العراق، بينما كان الأكراد في سورية خارج هذه العلاقات. واعتبروا أن "الحرب الأهلية في سورية أنشأت مصالح متشابهة بين إسرائيل والأكراد حول مناهضة القوى الجهادية، الرغبة بإعادة استقرار سورية والأمل بإعادة بنائها كدولة ديمقراطية تنشد السلام. وفعلا، بعثت قوى كردية ليبرالية، وخاصة كتلك المقربة من قيادة الإقليم الكردي في العراق المعروف بعلاقاته مع إسرائيل، برسائل إيجابية إلى إسرائيل وحتى أنهم عقدوا لقاءات مع جهات من المجتمع المدني الإسرائيلي بهدف إقامة علاقات وتعاون".
وفيما يتعلق بالدروز في سورية، فإنه على الرغم من ولائهم للنظام في هذه الأثناء، اعتبرت الدراسة أن هناك ثلاثة عوامل يمكن أن تحدث تغييرا لدى الدروز حيال إسرائيل وجعلهم مرشحين طبيعيين، أكثر من الأكراد، للتعاون مع إسرائيل:
العامل الأول هو تضاؤل قوات النظام السوري والتخوف من سقوط الأسد. وأدى ذلك، وفقا للدراسة، إلى تعالي أصوات بين الدروز تدعو إلى إعادة النظر في الحلف مع النظام ودعم "الجيش السوري الحر"، منذ بداية العام 2013، وتزايدت هذه الأصوات في منتصف العام الماضي.
العامل الثاني هو قرب عدد من القرى الدرزية في سورية من هضبة الجولان المحتلة. واعتبر الباحثون أن هذا العامل أنشأ مصالح مشتركة بين الدروز في سورية وإسرائيل "وشجع على فتح قنوات اتصال بين الجانبين من أجل الاستعداد لاحتمال أن يفقد نظام الأسد سيطرته في الجولان (غير المحتل)".
العامل الثالث هو تعبير الدروز في إسرائيل عن تخوفهم على مصير الدروز في سورية، وجمعوا بضائع وأموال لصالح دروز سورية. وخلال الحرب في سورية سعى الدروز في إسرائيل إلى التأثير على سياسة الحكومة الإسرائيلية بحيث تخدم مصلحة دروز سورية، وحتى أن عددا من الدروز في إسرائيل هددوا بأنهم سيحملون السلاح والذهاب للقتال في سورية ضد التنظيمات الجهادية. كذلك طالب الدروز في إسرائيل بعدم تعاون إسرائيل مع تنظيمات جهادية وتظاهروا ضد تقديم علاج طبي لعناصر في هذه التنظيمات، وحتى أن عددا منهم هاجم سيارة إسعاف كانت تنقل جرحى سوريين، في تموز الماضي.
وصرح قائد سلاح الجو الإسرائيلي، أمير إيشل، خلال لقاء مع شخصيات درزية في الجليل، بأن "حلف إسرائيل مع الدروز لا ينتهي عند حدود الدولة". وأوضح وزير الدفاع يعلون خلال لقاء مع صحافيين، في حزيران الماضي، أن إسرائيل تشترط مواصلة تقديم العلاج الطبي والمساعدات الإنسانية لقوى المعارضة السورية، وفي مقدمتها "الجيش السوري الحر"، بأن تمتنع التنظيمات الجهادية عن الاقتراب إلى الشريط الحدودي في الجولان ومهاجمة قرى درزية في سورية.
تغيير سياسة "الوقوف جانبا"
دعا واضعو هذه الدراسة الصادرة عن "معهد أبحاث الأمن القومي" صناع القرار في إسرائيل إلى إعادة النظر في سياسة "الوقوف جانبا"، والتعاون مع من وصفوهم بـ"اللاعبين الإيجابيين" في سورية.
ورأى الباحثون أنه في "الوقت الحالي يتعين على إسرائيل إجراء بحث عميق حول تبعات التغيرات في سورية ومخاطر وصول قوى مؤيدة لإيران أو سلفية – جهادية إلى جنوب سورية، وهي المنطقة الوحيدة التي تخلو من تأثيرهما، ودراسة إمكانية إقامة منطقة تخضع لتأثير إسرائيل في الحيز القريب من حدودها من خلال التعاون مع لاعبين سوريين، إقليميين ودوليين".
كذلك دعت الدراسة إسرائيل، في باب التوصيات، إلى توسيع وترسيخ العلاقات مع "لاعبين براغماتيين" في سورية في جنوب سورية، وفي مقدمتهم "الجيش السوري الحر"، وكذلك مع "مجموعات مصالح محلية" والائتلافات التي تجمعهم، وبشكل خاص الدروز والأكراد، وتطوير التزامات متبادلة مع هذه القوى.
وتطرقت التوصية الثانية إلى تعزيز "شراكات محتملة"، وخصوصا في جنوب سورية، مع جهات لديها مصالح مشتركة مع إسرائيل، بهدف لجم المحور المؤيد لإيران والتنظيمات السلفية – الجهادية ومنع اقترابها من منطقة الشريط الحدودي في الجولان المحتل، وأن يتم تعزيز مثل هذه العلاقات من خلال تقديم إسرائيل مساعدات مختلفة، وبضمنها مساعدات اقتصادية، وممارسة تأثيرها في الحلبة الدولية، من أجل زيادة الدعم العسكري أيضا لهذه القوى. لكن الدراسة حذرت إسرائيل من المبادرة إلى إقامة كيانات ذات حكم ذاتي في سورية وتنصيب حكام، لأن من شأن ذلك الإضرار بصورة إسرائيل واحتمال جرها إلى صراعات هي في غنى عنها سواء مع النظام أو مع معارضين يدعون إلى وحدة الأراضي السورية.
وطالبت التوصية الثالثة إسرائيل بالعمل من أجل ترسيخ شراكات إستراتيجية طويلة الأمد، وتتجاوز المستوى التكتيكي، مع لاعبين سوريين، وذلك في إطار خطة عمل إقليمية ودولية تحظى بدعم واسع.
ودعت التوصية الرابعة إسرائيل إلى تنفيذ خطوات لبناء الثقة وتحسين صورتها لدى "شركاء محتملين" في سورية. ولفت الباحثون إلى أنه "على الرغم من موقف إسرائيل الحيادي والعمليات المنسوبة لها ضد أهداف لنظام الأسد وحلفائه، إلا أنها ما زالت تعتبر لدى الكثير من اللاعبين السوريين حليفة للطاغية".
وخلصت الدراسة في توصياتها إلى أنه يتعين على إسرائيل تشجيع، أو على الأقل السماح، بإقامة علاقات بين جهات إسرائيلية رسمية ومدنية وبين لاعبين سوريين "إيجابيين"، والسماح بعقد لقاءات بين الجانبين في إسرائيل وخارجها. كما دعت الوزارات الإسرائيلية إلى تسهيل الإجراءات البيروقراطية لإصدار تأشيرات لشخصيات سورية ترغب بزيارة إسرائيل.