المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 2144

يرى مسؤولون إسرائيليون، سياسيون وأمنيون، وكذلك خبراء وباحثون في موضوع الشرق الأوسط، أن الأزمة السورية وضلوع دول وتنظيمات مسلحة وسياسية في الحرب الدائرة في سورية، أحدثت تغيرات لناحية تزايد "التهديدات" الأمنية على إسرائيل، من جهة، لكن في الوقت نفسه نشأت "فرص" لحوار واتصالات بين إسرائيل وتنظيمات عسكرية وسياسية داخل سورية، من الجهة الأخرى.

وتناولت كراسة صدرت مؤخرا عن "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، هذه "التهديدات" و"الفرص" من وجهة النظر الإسرائيلية، في إطار دراسة أجراها الباحثون في المعهد، أودي ديكل ونير بومس وأوفير فينتر، تم خلالها إجراء مسح للتنظيمات الفاعلة في سورية، ومواقفها تجاه إسرائيل. ودعا الباحثون صناع القرار في إسرائيل إلى استبدال سياسة "الوقوف جانبا" بإقامة علاقات مع "لاعبين إيجابيين" بين التنظيمات الفاعلة في سورية، معتبرين أن "هؤلاء اللاعبين يؤثرون على الواقع الحالي في سورية ويتوقع أن يلعبوا دورا هاما في بلورة واستقرار سورية، في حال سقوط نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد أو في حال قيام كيانات سياسية جديدة".

واعتبر الباحثون أن "على إسرائيل دراسة إمكانية القيام بتنسيق سياسة فعالة أكثر وتعاون مع هؤلاء اللاعبين بما يتعلق بالحلبة السورية، بحيث تضع نصب أعينها غايات قصيرة وطويلة الأمد. وينبغي أن تكون هذه السياسة جزءا من إستراتيجية شاملة تسمح لإسرائيل ببناء رافعات تأثير أكثر نجاعة على الحلبة السورية، من أجل إنشاء منطقة تأثير في جنوب سورية ودفع مصالح تكتيكية وإستراتيجية مهمة بالنسبة لها، وفي مقدمتها الحفاظ على الهدوء في هضبة الجولان (المحتلة) ومنع لاعبين ’سلبيين’ من الاستقرار في جانبها السوري".

وأشار الباحثون إلى أن ما يجري في سورية "ليس منعزلا عن السياق الإقليمي الأوسع، الذي يتميز بعمليات تفكك مشابهة في العراق وليبيا واليمن، إلى جانب تشكل مركزي قوة جديدين، هما المحور الإيراني – الشيعي والمحور السني الجهادي، اللذان يشكلان تحديا كبيرا لدول سنية في المنطقة ولتنظيمات ليست ضمن حزب الله و’الدولة الإسلامية’ (داعش) وأمثالهما. وتشكل تحالف إقليمي سني ، يعمل من أجل لجم إيران والمنظمات التابعة لها من جهة و’الدولة الإسلامية’ من الجهة الأخرى ويضم السعودية والأردن، هو عنصر هام لفهم الحراك الإقليمي الجديد ومكان إسرائيل فيه. وهذا الحراك ينعكس على الحرب السورية، وخاصة على الحلبة في جنوب سورية والعلاقات المتبادلة بين إسرائيل واللاعبين الفاعلين فيها".

وأضاف الباحثون أنه في أعقاب الحرب الدائرة في سورية وضعف النظام فيها نشأ واقع جديد وحالة فوضى عند المنطقة الحدودية في هضبة الجولان المحتلة. وتمثلت سياسة إسرائيل حيال هذا الواقع الجديد "بمتابعة الوضع و’الوقوف جانبا’ والتطلع إلى عدم التدخل بقدر الإمكان أو بحد أدنى من التدخل المكشوف، وفقا لـ’خطوط حمراء’ أمنية".

وكان وزير الدفاع الإسرائيلي، موشيه يعلون، صرح في أيلول العام 2013 بأن إسرائيل لن تتدخل في الحرب الأهلية الدائرة في سورية، إلا في حال المساس بمصالحها أو في حال "ظهور تهديد حقيقي" في إشارة إلى نقل أسلحة من سورية إلى حزب الله في لبنان أو إطلاق نار ودخول عناصر مسلحة إلى الجولان المحتل.

وتحدث يعلون عن ثلاثة "خطوط حمراء"، خلال مقابلة أجرتها معه صحيفة "واشنطن بوست" في حزيران الماضي، وهي: نقل إيران أو سورية أسلحة متطورة إلى حزب الله؛ نقل مواد أو سلاح كيميائي إلى مجموعات "إرهابية" أيا كانت؛ أي مس بسيادة إسرائيل وخاصة في هضبة الجولان. ووفقا للدراسة فإن إسرائيل نفذت منذ كانون الثاني العام 2013 وحتى تشرين الأول الماضي، عشر غارات ضد أهداف للنظام أو حزب الله في الأراضي السورية. ويضاف إلى ذلك الغارة التي استهدفت سمير القنطار، في 19 كانون الأول الفائت.

وأضاف الباحثون أن "اهتمام إسرائيل بما يجري في سورية تأثر بمصالح إستراتيجية أخرى، بينها لجم تزايد القوة العسكرية لتنظيمات عنيفة، منع انتقال الأزمة الإنسانية واللاجئين من سورية إلى إسرائيل، الحفاظ على استقرار العائلة المالكة الهاشمية في الأردن وإنشاء تعاون تكتيكي مع لاعبين فاعلين في هذا الحيز".

إسرائيل تفرض قيودا على نفسها

لفت واضعو الدراسة إلى أن إسرائيل مضطرة إلى فرض قيود على نفسها في السياق السوري، وتمتنع عن تعاون مكشوف مع أي من الجهات في سورية أو الوقوف إلى جانب جهة ضد أخرى. ومثال على ذلك منع جهاز الأمن الإسرائيلي مجموعة شخصيات من المعارضة السورية من المشاركة في مؤتمر حول الأزمة السورية كان مقررا أن يعقد في القدس في تشرين الأول الماضي، كي لا تبدو إسرائيل أنها انحرفت عن "حيادها".

وتنبع هذه السياسة من الأسباب التالية:

1. رغبة إسرائيل بالامتناع عن تورط خطير مقابل الأطراف الفاعلة في الحرب الأهلية، طالما أن الأضرار اللاحقة بها محدودة، ولا مصلحة لها بالانجرار إلى الدوامة السورية.

2. تخوف إسرائيل من أن الانحياز لصالح جهات في المعارضة السورية سيمس بتفاهمات بينها وبين روسيا.

3. تفضيل خطوات تكتيكية قصيرة الأمد على خطوات إستراتيجية طويلة الأمد، على ضوء انعدام اليقين حيال سيناريوهات محتملة لانتهاء الحرب في سورية.

4. رافعات التأثير المحدودة على الأحداث في سورية.

5. نقص المعلومات الموثوقة حول الصورة الدقيقة للاعبين الفاعلين في سورية.

6. شكوك تجاه قدرات اللاعبين السوريين بأن يشكلوا شركاء موثوقا بهم في اتفاقيات وتفاهمات.

7. التجربة الإسرائيلية الفاشلة من تدخلها في الصراعات داخل لبنان في سنوات الثمانين ومحاولتها تنصيب حكام في المنطقة.

8. ارتداع تنظيمات في المعارضة السورية عن إقامة علاقات مكشوفة وحميمية مع إسرائيل، لأن ذلك يمكن أن يمس بشرعية التنظيمات وصورتها في الرأي العام السوري والعربي.

إسرائيل وتنظيمات المعارضة السورية

تقسم الدراسة التنظيمات الفاعلة في سورية إلى أربعة أقسام: تنظيمات راديكالية تحمل فكرا سلفيا – جهاديا، مثل تنظيم "داعش" و"جبهة النصرة"؛ تنظيمات ومجموعات ذات توجهات ليبرالية ومؤيدة للغرب، مثل "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" و"الجيش السوري الحر"؛ تنظيمات محلية تمثل مصالح جغرافية وقبلية وإثنية ودينية أو مذهبية، مثل الأكراد والدروز ومجموعات فاعلة في جنوب سورية؛ معارضو النظام الذين ينشطون بشكل مستقل، وغالبيتهم يتواجدون خارج سورية ولديهم تأثير متغير في الرأي العام السوري عموما وبين أوساط المعارضة خصوصا.

وركز الباحثون في الدراسة على المجموعات الثلاث الأخيرة بالأساس، ووصفوا التنظيمات التي تشملها بأنهم "لاعبون إيجابيون"، ويتقاسمون مع إسرائيل نطاقا واسعا من المصالح والقيم والأهداف والخصوم المشتركين، بينما لا يوجد أي قاسم مشترك بين إسرائيل والتنظيمات في المجموعة الأولى، المؤلفة من الجهاديين والمؤيدين لإيران، مثل حزب الله وميليشيات عراقية، وتصفهم الدراسة بأنهم "لاعبون سلبيون".

وأشار الباحثون إلى أن "جبهة النصرة" تثير قلقا لدى إسرائيل أكثر من "داعش"، وذلك بسبب تواجد قواتها الواسع بالقرب من الحدود في الجولان المحتل، وخاصة في القنيطرة ودرعا. كذلك فإن "جبهة النصرة" و"داعش" تنظران إلى إسرائيل على أنها دولة كافرة ينبغي شن حرب جهادية ضدها وهزمها. رغم ذلك، فإن إسرائيل تحتل مكانا متدنيا في بنك أهداف الحركات الجهادية، كما أن التهديدات تجاهها قليلة، على عكس المجال الخطابي لقادة هذه الحركات الذين يتحدثون عن تحرير فلسطين والقدس.

من جهة أخرى، لفت الباحثون إلى تقارير، قالوا إن مصدرها النظام السوري، حول تفاهمات بين إسرائيل و"جبهة النصرة" في المنطقة القريبة من خط وقف إطلاق النار في الجولان، وبضمن ذلك تقديم "مساعدات إنسانية" وتنقل قوات "النصرة" التي تقاتل حزب الله وقوات إيرانية. ورأى الباحثون أنه "إذا كانت هذه التقارير حقيقية، فإنه هذا الأمر يعني على المستوى المحلي أن بإمكان إسرائيل التوصل إلى تفاهمات مؤقتة مع الجهات الجهادية المتطرفة حول مصالح عينية".

"لاعبون إيجابيون"!

تصف الدراسة التنظيمات والجماعات غير الجهادية التي تحارب ضد النظام السوري بأنها "لاعبون إيجابيون"، بمعنى أنه بإمكان إسرائيل التنسيق والتعاون والتوصل إلى اتفاقيات وتفاهمات معهم. وأشارت في هذا السياق إلى "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" بأنه الهيئة المركزية في المعارضة السورية. ويعمل "الجيش السوري الحر" في إطار هذا الائتلاف. وتعترف دول كثيرة، بينها معظم الدول العربية والغربية بقيادة الولايات المتحدة، بالائتلاف على أنه الممثل الرسمي للشعب السوري.

ورأى الباحثون أن الخط الرسمي للائتلاف الوطني تجاه إسرائيل نابع من الحاجة لتمثيل القاسم الأيديولوجي المشترك لمركباته. "ولذلك فإنه يمتنع عن تجاوز الإجماع العربي – السوري التقليدي الذي يوجد في أساسه عداء لإسرائيل، وتضامن مع ’القضية الفلسطينية’ وتمسك بانسحاب إسرائيل الكامل من هضبة الجولان". واعتبر الباحثون أن هذه المواقف تعكس مفاهيم متأصلة لدى قسم من التنظيمات والمجموعات الأعضاء في الائتلاف الوطني، كما أنها تساعد على إبراز صورته الوطنية – السورية، مقابل محاولات النظام للتشكيك في وطنيته.

لكن بحسب الدراسة، فإنه على الرغم من تنديد الائتلاف الوطني بالغارات الإسرائيلية ضد أهداف للنظام وإيران وحزب الله في الأراضي السورية، إلا أن الائتلاف سعى إلى مناكفة النظام وعدم قدرته على صد اعتداءات إسرائيلية كهذه، وفي الوقت نفسه تعهد الائتلاف بعدم السماح لإسرائيل بانتهاك السيادة السورية بعد انتهاء "الثورة".

وبحسب الدراسة أيضا، فإنه "إلى جانب الخط الرسمي للائتلاف الوطني المعادي لإسرائيل، وعلى الرغم من هذا الخط، إلا أنه من الناحية الفعلية بالإمكان الإشارة إلى اتصالات أخرى تعبر عن تعامل مؤيد لإسرائيل من وراء الكواليس، وإلى لقاءات واتصالات غير رسمية مع مسؤولين إسرائيليين. وفي أطر غير رسمية، مثل مؤتمرات دولية أو لقاءات على هامشها، تم التعبير عن وجهات نظر معتدلة أكثر وترى بإسرائيل أنها عامل إقليمي يدعو للاعتدال وشريكة محتملة لأجندة مناهضة لنظام البعث وللجهاديين ولترميم سورية في اليوم الذي يلي حكم الأسد".

وفيما يتعلق ب"الجيش السوري الحر"، قالت الدراسة إن "مواجهة الواقع الميداني ولّدت لدى قادة ’الجيش السوري الحر’ توجها براغماتيا ومتصالحا تجاه إسرائيل. وعبر متحدثون من هذا التنظيم في عدة مناسبات عن تأييد مبدئي للتوصل إلى سلام مع إسرائيل بعد إسقاط نظام الأسد ويكون خاضعا لتسوية إقليمية في هضبة الجولان، ودعوا إلى حوار بين الجانبين. وحتى أن عددا من القادة الميدانيين في جنوب سورية تحدثوا عن إمكانية تعاون تكتيكي وإستراتيجي مع إسرائيل في المستويين الأمني والسياسي، ولاحظوا أن كلا الجانبين يتقاسمان مصالح متبادلة وخصوما مشتركين في المحور المؤيد لإيران. وبموجب تقارير مختلفة، وجرت المصادقة عليها في تقرير لأوندوف (قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام في الجولان) في كانون الأول العام 2014، فإنه كانت هناك قنوات تنسيق وارتباط سرية بين إسرائيل و’الجيش السوري الحر’".

وأضافت الدراسة أنه "في النصف الثاني من العام 2014، سعى قادة ’الجيش السوري الحر’ في جنوب سورية إلى إقناع إسرائيل بأن تمارس ثقلها لصالح المعارضة السورية في نضالها ضد النظام وحلفائه. وصرح متحدثون باسم التنظيم بأن المساعدة في إسقاط الأسد هي مصلحة إسرائيلية، لأنه سيمنح إسرائيل فرصة لتغيير صورتها السلبية لدى الشعب السوري وتضمن لنفسها الهدوء والأمن عند حدود هضبة الجولان. ودعا قائد التنظيم إسرائيل، في أيلول العام 2014، إلى التمسك بحقها في منع طائرات الأسد من مهاجمة المنطقة العازلة عند خط اتفاق فصل القوات من العام 1974، وفرض منطقة حظر طيران تسمح للمعارضة المعتدلة بتوسيع معركتها ضد النظام باتجاه دمشق. وتعهد بأنه إذا نفذت إسرائيل ذلك، فإنها ستأسر قلب الشعب السوري وتحظى بصداقته. وفي المقابل، حذر من أنه إذا امتنعت إسرائيل عن تنفيذ ذلك، فإن هذا الأمر سيعتبر تعاونا مع أعمال القتل التي تمارسها ’عصابات الأسد’".

وتابع الباحثون أن قائد "الجيش السوري الحر" طالب إسرائيل باستقبال عدد أكبر من مقاتليه لتلقي العلاج في إسرائيل، "وأشار إلى أن لفتة كهذه سترجح كفة الرأي العام السوري لصالحها".

وتناولت الدراسة ميليشيات ومجموعات ومجتمعات فاعلة في جنوب سورية، ويبلغ عدد السكان فيها أكثر من مليون نسمة. واعتبرت الدراسة أن هذه المجموعات بلا أيديولوجيا متجانسة "ويمكن أن تستبدل انتماءات تنظيمية وولاءات وفقا لاعتبارات براغماتية محلية وتوازن قوى ميداني".

وسعت هذه المجموعات إلى وضع خطة تقضي بإقامة منطقة أمنية تتمتع بحكم ذاتي في جنوب سورية وبدعم إقليمي ودولي، يمنع سيطرة جهات شيعية أو سلفية – جهادية في هذه المنطقة. ووفقا للدراسة، فإن هذه المجموعات تعتقد أن ثمة حاجة للتنسيق مع إسرائيل والحصول على دعمها من أجل تطبيق الخطة. "وحاول قادة ميليشيات، زعماء مدنيون، رجال دين وزعماء قبائل من الحيز الجنوب سوري، الذي يشمل غرب ريف دمشق والقنيطرة وحوران، المبادرة إلى حوار مع جهات مدنية وأمنية وسياسية في إسرائيل من أجل تمرير رسالة مفادها أنه يوجد أعداء مشتركون لهم ولإسرائيل، من المحور المؤيد لإيران والجهاديين، وأنه توجد مصالح مشتركة في هذه المنطقة. وسعوا إلى الحصول على تأييد إسرائيلي مبدئي في المرحلة الأولى، وعلى مساعدة لإخراج الخطة إلى حيز التنفيذ في مراحل لاحقة".

المصطلحات المستخدمة:

دورا, موشيه يعلون

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات