يتزايد حضور المتدينين اليهود في الجيش الإسرائيلي وقيادته بشكل كبير، الأمر الذي يجعل مزيدا من الحاخامين يتدخلون بشكل فعلي في القرارات التي يتخذها الجيش، وخصوصا تلك المتعلقة بما يحدث في الضفة الغربية وبمجرى حياة الفلسطينيين، مثل تشديد الممارسات ضدهم، وحتى الدعوة إلى تطهير عرقي ضدهم، مثلما حدث خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في صيف العام الماضي.
وأكد الباحث في مجالات الجيش والمجتمع والسياسة والمحاضر في الجامعة المفتوحة الإسرائيلية، البروفسور ياغيل ليفي، في كتاب من تأليفه صدر مؤخرا بعنوان "القائد الإلهي الأعلى - تعزّز الحكم الثيوقراطي للجيش الإسرائيلي"، أن عملية سيطرة رجال الدين اليهود على الجيش تجري على قدم وساق.
وقال في مقابلة أجرتها معه صحيفة "هآرتس"، ونشرت يوم الجمعة الماضي، إن "الجيش يجري، بعيدا عن أنظار الجمهور، مفاوضات مع حاخامين حول مواضيع عديدة، بدءا من دمج النساء في الجيش وحتى شكل مشاركة جنود (متدينين) في إخلاء بؤر استيطانية غير قانونية".
وأشار ليفي إلى أن مفاوضات كهذه جرت لدى تنفيذ خطة الانفصال عن غزة وإخلاء المستوطنات في القطاع، في العام 2005. و"هذا الأمر يظهر بشكل علني في إفادات رئيس هيئة أركان الجيش في حينه، دان حالوتس، ورئيس شعبة القوى البشرية، إليعازر شطيرن. فلقد اجتمعا مع حاخامين وتحدثا معهم حول ترتيبات تأخذ بالحسبان مشاعر الجنود المتدينين. وحدث أمر مشابه عندما تعين على قوة عسكرية إخلاء حوانيت في الخليل".
وأضاف أن "المشكلة تكمن في الصلاحيات، وليس في المشاعر. وعندما قررت الحكومة أن يخدم المثليون في الجيش من دون قيود، فإنها فرضت حقائق على أرض الواقع ولم تجر أية مفاوضات خفية. لكن في المجال الديني توجد منطقة رمادية جدا وواسعة جدا. وهناك حاخامون، وقسم منهم رؤساء كليات تأهيل الشبان المتدينين (من التيار الصهيوني الديني الاستيطاني) للخدمة العسكرية، يجرون مفاوضات مع قادة الجيش، ومع ضباط في المستوى الميداني، ويحاولون فرض إرادتهم وأفكارهم. وقال لي ضابط كبير إنه عندما رفض السماح لجنوده، من حركة ’حباد’ (الدينية المتزمتة)، بأن يستحموا في مغطس يوميا، فإن حاخاميهم اتصلوا به. وهناك سرب طيران منعت نساء طيارات فيه من التحليق برفقة طيارين متدينين".
وشدد ليفي على أن "جنودا متدينين يستشيرون حاخاميهم، وهم لا يعتبرون أنفسهم خاضعين لسلطة قادتهم العسكريين أو حتى للحاخامية العسكرية... والحاخامون يتصلون بالضباط ويحضرون إلى معسكرات الجيش. هذا تدخل من جانب جهة خارجية، لا تستمد شرعيتها من قوانين الدولة، وإنما من نصوص دينية. وهذا ليس تأثيرا دينيا، وإنما تغلغل جهات دينية إلى داخل الجيش. هذا هو تديين الجيش".
دعوة إلى التطهير العرقي
يرى ليفي أن تغلغل هذه الجهات الدينية ليس عفويا، وإنما ينطوي على أجندة، وهي الاستعداد لاحتمال اتخاذ قرار بإخلاء مستوطنات من الضفة الغربية، والصهيونية الدينية تستعد للسيطرة على الجيش من أجل منع ذلك. "هذه خطوة إستراتيجية بكل وضوح. والكثيرون في الصهيونية الدينية نادمون بسبب الضعف الذي أظهره هذا الجمهور خلال خطة الانفصال، ولأنهم فشلوا في لجمها برغم وجود جنود متدينين في الجيش".
وأشار ليفي إلى الدليل على وجود هذه الأجندة لدى الصهيونية الدينية من خلال اقتباس أقوال أدلى بها زعيم الكليات الدينية التحضيرية للخدمة العسكرية، الحاخام ايلي سادان، بأنه "يحظر الانفصال عن الدولة، وإنما ينبغي الدخول إلى جميع الأجهزة، الجيش والشاباك والأجهزة القضائية، من أجل بلورة الدولة المثالية".
رغم ذلك، أضاف ليفي، أن سادان وغيره من حاخامي الصهيونية الدينية يحاولون إخفاء نواياهم في هذا السياق وحتى أن سادان أعلن أنه "يحظر تعيين رئيس أركان متدين". وجرى نقاش داخل الصهيونية الدينية خلال الانفصال عن غزة حول ما إذا كان يتعين على الجنود المتدينين رفض تنفيذ الأوامر العسكرية. لكن أحد الحاخامين، الذي يدير معهدا دينيا، قال إنه "إذا رفضنا سيتم وسمنا، ونتيجة لذلك سيمنعون رجالنا من الترقي والتأثير في المستقبل". ومن أجل تحقيق أجندتهم، فإن حاخامي الصهيونية الدينية لا يُعارضون إزالة بعض القيود الدينية في الجيش، مثل الحفاظ على الطعام والشراب الحلال بموجب الشريعة اليهودية والحفاظ على قدسية يوم السبت.
ويبدأ الحاخامون في نشر أفكارهم لدى طلاب الكليات التحضيرية. وقال ليفي إن "هناك الكثير من النصوص، العلنية والمكشوفة، التي يقدم الحاخامون من خلالها مواعظ سياسية. فالحاخام سادان يهاجم اتفاقيات أوسلو وتنازلات الحكومة. وحاخام التخنيون (معهد الهندسة التطبيقية في حيفا)، إلياهو رحاميم زيني، يقول إن الصعود إلى جبل الهيكل (الحرم القدسي الشريف) هو فريضة. ورئيس الكلية التحضيرية في (مستوطنة) نوكديم، الحاخام إيتمار كوهين، يقول إنه لا يوجد أمر كهذا اسمه شعب فلسطيني ولديه حقوق. هذه تربية تعارض الدولة وصلاحياتها، وهذه تربية سياسية".
وأضاف ليفي أنه "يوجد هنا توجه واضح. وبنظرهم، إسرائيل تخوض حربا على فريضة استيطان البلاد. هذه فريضة دينية، ويوجد دور للمتدينين في قيادة الجيش من أجل تطبيق هذه الفريضة. وهم يؤمنون بأن صلاحية التنازل عن أراضي الدولة ليست ضمن صلاحية الحكومة".
وفي أحد خطاباته، شبّه الحاخام سادان العدوان على غزة في صيف العام الماضي بالمعركة بين شمشون وجوليات وقال إنه بعدها "اندثر الفلسطينيون". ورأى ليفي أن "هذه مقولة واضحة جدا حول الحرب. إنها حرب دينية، ربما يجب أن تنتهي بأن لا يبقى أحد الجانبين في الوجود. إنها دعوة إلى التطهير العرقي. وقد قال ذلك في ذروة عملية الجرف الصامد".
ويشار إلى أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، كان قد حدد في حينه هدف الحرب على غزة بإعادة الهدوء. لكن ليفي أكد أنه بالنسبة لسادان ولخريج كليته الأرفع مستوى في الجيش، العقيد عوفر فينتر، الذي قاد خلال الحرب لواء "غفعاتي"، "لا يريان الحرب أنها حملة عسكرية من أجل إعادة الهدوء. بالنسبة لهما هذه حرب ضد من لعن اسم الله". وكان فينتر أعلن خلال الحرب أنه صلى "وطلب من الله أن يحمي قواته من أجل الشعب وضد عدو لعن اسم الله". وأوضح ليفي أنه "توجد هنا فكرة الحرب الجهادية، الحرب الدينية. وبالنسبة له هذه ليست حربا بالإمكان إنهاؤها بنوع من التسوية البراغماتية. هذه حرب لا يمكن أن تنتهي إلا إذا اختفى الأغيار من الوجود".
وربط ليفي بين سياسة إطلاق النار أثناء الحرب على غزة وبين مفهوم الحرب الجهادية اليهودية. وقال "إنني أصر على هذا الربط. فقوانين الحرب المدنية والدولية وكذلك الكود الأخلاقي للجيش الإسرائيلي، وهو كود إشكالي بحد ذاته، يتناولون معضلة المس بالمدنيين مقابل المس بالجنود. وبالإمكان الدخول إلى قرية وتطهير بيت بعد آخر بثمن تشكيل خطر على الجنود، وبالإمكان العمل مثلما عمل فينتر، الذي تفاخر بأنه يحافظ على حياة جنوده بأن تطلق القوات قذيفة أو صاروخا مضادا للمدرعات على أي بيت قبل دخوله. والأجواء التي بموجبها ليست لدينا معضلات أخلاقية، لأن هذه الحرب دينية وهؤلاء هم مواطنو العدو، تبرر أفعالا لا يمكن أن تحدث في ظروف أخرى".