حذّر الرئيس الأميركي، باراك أوباما، الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، خلال لقائهما في البيت الأبيض، الأسبوع الماضي، من الصعوبات التي تواجهها الولايات المتحدة في ما يتعلق بصد خطوات سياسية ضد إسرائيل في المحافل الدولية.
ووفقا لصحيفة "هآرتس"، فإن أوباما قال لريفلين إن وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، سعى إلى لجم خطوات ضد إسرائيل في الأمم المتحدة أو هيئات دولية أخرى، خلال السنوات الثلاث الماضية.
وأضاف أوباما أن كيري كان خلال هذه الفترة يتوجه إلى نظرائه في العالم، وخاصة في أوروبا، ويقول لهم إنه يحاول دفع عملية السلام، ويطالبهم بألا يعرقلوا محاولاته بهذا الخصوص. لكن الرئيس الأميركي أشار إلى فشل كيري في مسعاه خلال زيارته الأخيرة إلى إسرائيل. وأوضح أوباما أن "كيري عاد بدون أجوبة، ولا أعرف ما إذا سنتمكن من الاستمرار في لجم المجتمع الدولي، لأنه لا يمكننا أن نعدهم بشيء... ماذا سنقول لهم؟".
وتدل أقوال أوباما على تراجع كبير في توقعات الإدارة الأميركية حيال احتمالات استئناف العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين، في الوقت الذي ترفض فيه إسرائيل استئنافها. وفي موازاة ذلك، قال الوزير الإسرائيلي أوفير أكونيس إنه قدم، سوية مع وزراء آخرين، اقتراحا يقضي بأن تتخذ الحكومة الإسرائيلية قرارا بعدم إمكانية تطبيق حل الدولتين.
وفي هذه الأثناء، تواصل إسرائيل سياستها ضد الفلسطينيين، مثل توسيع الاستيطان ونصب الحواجز العسكرية وتخصيص شوارع للمستوطنين وأخرى للفلسطينيين، إضافة إلى تزايد عمليات قتل الفلسطينيين، بذريعة تنفيذ عمليات طعن ودهس غير مثبتة في حالات كثيرة أو إمكان منع مثل هذه العمليات من دون قتل من يحاول تنفيذها. وإلى جانب ذلك، تفاقمت مظاهر العنصرية الإسرائيلية ضد المواطنين العرب داخل الخط الأخضر، كما تجلت الأسبوع الماضي برفض سكن فائزين بمناقصات بناء بيوت خاصة في ضاحية في مدينة العفولة، فقط لأن هؤلاء الفائزين هم مواطنون عرب.
وفي ظل استمرار هذه الممارسات وتفاقمها، تزايدت الدعوات إلى فرض عقوبات على إسرائيل، مثل وسم منتجات المستوطنات في أسواق الاتحاد الأوروبي.
ولفت مقال للباحثة ميخال حاطوئيل - ردوشيتسكي، نُشر في العدد الأخير من فصلية "عدكان إستراتيجي (المستجد الإستراتيجي)" التي يصدرها "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، إلى أن "الشكوك في المحافل الدولية حيال صورة إسرائيل كدولة ديمقراطية ليبرالية وحيدة في الشرق الأوسط آخذة بالتزايد في السنوات الأخيرة". وشددت على وجود "تبعات بعيدة المدى لتشبيه إسرائيل بأنها دولة أبرتهايد (تفرقة عنصرية) على أمنها القومي".
وتناولت الباحثة ما وصفتها بأنها "معطيات صلبة لاعتبار إسرائيل في الحلبة الدولية أنها دولة أبرتهايد"، وذلك من خلال تحليل 137 مقالا نشرت في الصحافة العالمية و158 وثيقة للأمم المتحدة.
ورأت الباحثة أنه "في الوقت الذي تتفاخر فيه القيادة الإسرائيلية بالمقارنة بين سياسة إسرائيل الليبرالية وسياسة جاراتها غير الديمقراطية في المنطقة، يبدو أنه يتم تشبيه إسرائيل بشكل متزايد بحكم الأبرتهايد الذي كان قائما في جنوب أفريقيا، وهو حكم كان يستند إلى فصل عنصري ممأسس، قمعت فيه الأقلية البيضاء الأغلبية السوداء بيد من حديد".
وبرغم محاولات الحكومة الإسرائيلية تغييب حقيقة هذا التعامل مع إسرائيل في المحافل الدولية، إلا أن التهديد بعزلة إسرائيل الدولية تغلغل إلى الخطاب العام في العالم. ووفقا للباحثة، فإن غياب التوثيق والمعطيات الصلبة حول ذلك "يسمح لصناع القرار الذين يتخوفون من تحويل جزء من كعكة الميزانية المقلصة من أجل مواجهة التهديدات غير المتبلورة، بالادعاء أن تخصيص أموال للاعتناء بمكانة إسرائيل الدولية ليس مبررا قياسا بالحاجة الماسة لتوفير رد على التهديدات الملموسة والداهمة".
نظام الأبرتهايد في جنوب أفريقيا
استعرضت الباحثة النضال الدولي ضد نظام الأبرتهايد في جنوب أفريقيا، منذ العام 1946، عندما بحثت الأمم المتحدة السياسة العرقية في هذه الدولة. وبعد ذلك بعامين، فاز الحزب الوطني في الانتخابات، وبدأت الحكومة الجديدة بتنفيذ خطوات رسمية ترمي إلى فصل الأقلية البيضاء عن الأغلبية غير البيضاء (السود والملونون). وفي تلك الفترة جرى سن قوانين لتطبيق الأبرتهايد، مثل القانون الذي عزز الفصل بين البيض والسود من خلال تخصيص مناطق سكن وتشغيل منفصلة، وقانون الأراضي الذي نص على أنظمة لشراء السود للأراضي، وقانون السجل السكاني الذي يفرض أن يصنف أي مواطن في السجل السكاني بموجب اعتبارات عنصرية، مثل أبيض أو أسود أو ملون. ورافقت ذلك ممارسات عسكرية وسيطرة بيروقراطية تعسفية واستخدام العنف ضد الأغلبية، الأمر الذي ميّز جنوب أفريقيا عن غيرها من الدول التي انتهكت حقوق الإنسان في حينه.
وأشارت الباحثة إلى العلاقات الحميمة بين نظام الأبرتهايد في جنوب أفريقيا والولايات المتحدة، لكن في سنوات الثمانين، وإلى جانب الحركة العالمية ضد الأبرتهايد ومساواة دعم جنوب أفريقيا بدعم العنصرية، حدث خلاف شديد بين الكونغرس الأميركي وإدارة الرئيس رونالد ريغان، التي اتبعت سياسة "المشاركة البناءة" في العلاقات مع جنوب أفريقيا. واتسع النشاط المناهض للأبرتهايد في الولايات المتحدة، من مظاهرات أمام سفارة جنوب أفريقيا في واشنطن إلى مظاهرات أمام قنصلياتها في أنحاء الولايات المتحدة، بمشاركة أعضاء كونغرس وشخصيات عامة. وفي العام 1985 اتفق الحزبان الديمقراطي والجمهوري على عقوبات جزئية في إطار معارضة سياسة "المشاركة البناءة". وفي العام 1986 تصاعدت الانتقادات الدولية ضد جنوب أفريقيا، وتعاون الحزبان الأميركيان ضد الفيتو الذي استخدمه ريغان ضد القانون الشامل المناهض للأبرتهايد.
ونتيجة لذلك، وخلافا لإرادة ريغان، بدأت الولايات المتحدة تفرض قيودا على أي استثمارات جديدة في جنوب أفريقيا، وفرضت قيودا صارمة على القروض الحكومية واستيراد البضائع والمساعدات التجارية والسياحة لجنوب أفريقيا. كما تم فرض قيود على اتفاقيات الضرائب التي منحت جنوب أفريقيا أفضلية. وسرعت هذه الخطوات التأييد الدولي لفرض عقوبات، الأمر الذي أثّر على سياسة بريطانيا تجاه جنوب أفريقيا، وتبعتهما الدول الأوروبية واليابان بفرض عقوبات شديدة.
وجرى تطبيق العقوبات بواسطة الأمم المتحدة، التي وفرت الأساس التنظيمي من خلال تشكيل "لجنة الأمم المتحدة الخاصة ضد الأبرتهايد". وكانت الأمم المتحدة تنشر قوائم سنوية تشمل المؤسسات التي تمنح الدعم المباشر لنظام الأبرتهايد في جنوب أفريقيا، بهدف زيادة حساسية المجتمع الدولي وتصعيد الضغوط على حكومة جنوب أفريقيا من أجل تغيير سياستها العنصرية. وبعد ذلك بثماني سنوات، في العام 1994، انتهى عهد الأبرتهايد من خلال إجراء أول انتخابات ديمقراطية.
إسرائيل والأبرتهايد في الصحافة العالمية
وجدت الباحثة أنه تم نشر 54 مقالا في الصحافة الدولية اشتملت على مصطلحي "إسرائيل" و"دولة أبرتهايد"، خلال الأعوام 1967 – 2000، أي خلال 33 عاما. بينما خلال الأعوام 2001 – 2015، أي خلال 14 عاما، نُشر 1741 مقالا اشتمل على هذين المصطلحين.
ويعني ذلك أن النقاش الدولي المشكّك بالطبيعة الديمقراطية لإسرائيل أصبح مكثفا ونشطا منذ مطلع القرن الواحد والعشرين.
واعتبرت أنه "على الرغم من أن وفرة المقالات تشير إلى اهتمام دولي متزايد بالربط بين إسرائيل والأبرتهايد، لكن ليس من شأن ذلك أن يشير إلى الشكل الذي تصف فيه الصحافة العالمية إسرائيل في هذا السياق. وبكلمات أخرى، المعطيات الكمية ليست كافية من أجل أن تحدد ما إذا كانت إسرائيل متهمة بأنها دولة أبرتهايد أم أنها محمية من استيعابها كدولة كهذه".
وأجرت الباحثة تحليلا لـ86 مقالا نُشرت باللغة الانجليزية في الصحافة الأوروبية و51 مقالا نُشرت في الصحافة الأميركية، خلال الأعوام 2000 – 2014، واشتملت على مصطلحي "إسرائيل" و"دولة أبرتهايد". وتم تحليل كل واحد من هذه المقالات من خلال السياق الذي جرى فيه الربط بين المصطلحين، بحيث أن المقالات الإيجابية هي تلك التي جرى فيها الدفاع عن إسرائيل ضد تهمة الأبرتهايد؛ المقالات السلبية هي تلك التي قالت إن إسرائيل هي دولة أبرتهايد؛ والمقالات الحيادية، أو الموضوعية، هي تلك التي تحدثت عن احتجاجات ضد إسرائيل كدولة أبرتهايد، وحذرت من إمكانية أن تتحول إسرائيل إلى دولة أبرتهايد في المستقبل في حال لم تغير سياستها.
وتبين من هذا التحليل أن 16% من المقالات الأميركية و10% من المقالات الأوروبية دافعت عن الطبيعة الديمقراطية لإسرائيل واعترضت على مقارنتها بالأبرتهايد، بينما الغالبية العظمى من المقالات الأوروبية (62%) والمقالات الأميركية (71%) لم تتخذ موقفا حيال هذه المقارنة، وإنما تذكر حقيقة وجود نقاش عام أو تحذر من إمكانية نشوء نظام أبرتهايد في حال عدم حدوث تغيير ملموس في السياسة الإسرائيلية.
كذلك أظهر التحليل أنه خلال الأعوام 2010 – 2014، طرأ ارتفاع في عدد المقالات التي تشير إلى تشابه بين إسرائيل والأبرتهايد. فخلال الأعوام 2000 – 2009 تطرق 27 مقالا في الصحافة الأميركية و37 مقالا في الصحافة الأوروبية إلى إسرائيل والأبرتهايد، بينما كان عدد مقالات كهذه 24 في الصحافة الأميركية و49 في الصحافة الأوروبية خلال الأعوام 2010 – 2014.
واستنتجت الباحثة من هذا التحليل أمرين، الأول هو أن عددا قليلا فقط من المقالات في الصحافة الأميركية والأوروبية طرح ادعاءات ضد تشبيه إسرائيل بدولة أبرتهايد، والثاني أن التشكيك في الديمقراطية الإسرائيلية يجذب اهتماما متزايدا في السنوات الأخيرة.
إسرائيل والأبرتهايد في الأمم المتحدة
بيّن البحث عن وثائق تشمل مقارنة بين إسرائيل والأبرتهايد وجود 158 وثيقة في الأمم المتحدة خلال الأعوام 2000 – 2014. ومن بين هذه الوثائق هناك 7 وثائق فقط تؤيد إسرائيل وسياستها. وهناك 151 وثيقة أخرى، ذُكرت فيها كلمتا "إسرائيل" و"أبرتهايد"، والتي تمت صياغتها من جانب جهات ليست إسرائيلية رسمية أو منظمات مجتمع مدني مؤيدة لإسرائيل. وأظهر تحليل هذه الوثائق أن 56% منها تتعامل مع إسرائيل بأنها دولة أبرتهايد، و32% من هذه الوثائق تتعامل مع كلمة "أبرتهايد" في سياق جدار الفصل الذي أقامته إسرائيل في الضفة الغربية، والذي يسمى "سور الأبرتهايد" أيضا.
وأشارت الباحثة إلى أن أحد تقارير الأمم المتحدة أكد أن "المعابر (أي الحواجز العسكرية الإسرائيلية) تستخدم لإذلال الفلسطينيين... وفي هذا السياق فإنها مشابهة لـ’قوانين العبور’ للأبرتهايد في جنوب أفريقيا، التي بموجبها طولب الجنوب أفريقيون السود بإظهار تصريح مرور أو سكن في مكان ما في جنوب أفريقيا".
وأضافت الباحثة أن استمرار التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية وشق شوارع توصل بين المستوطنات وإسرائيل هو سبب آخر لتشبيه إسرائيل بالأبرتهايد. كذلك أشارت تقارير للأمم المتحدة إلى استخدام المستوطنين شوارع لا يسمح للفلسطينيين بالسير فيها، وإنما يسيرون في شوارع بمستوى متدن ومليئة بحواجز ونقاط تفتيش عسكرية إسرائيلية. وهكذا نشأ مصطلح "أبرتهايد الشوارع". وبسبب استيلاء إسرائيل ومستوطناتها على الغالبية العظمى من الموارد الطبيعية في الضفة، نشأ مصطلح "أبرتهايد الماء" أيضا.
وأظهرت المعطيات أيضا، أن منظمات غير حكومية داعمة للفلسطينيين قدمت إلى الأمم المتحدة 21% من الوثائق وعددها 31 وثيقة، التي تطرقت إلى إسرائيل والأبرتهايد، بينما قدمت منظمات غير حكومية داعمة لإسرائيل 1% من وثائق كهذه، وعددها وثيقتان. وتبين أن ارتفاعا حدث في الوثائق التي تطرقت إلى إسرائيل كدولة أبرتهايد، من 52% خلال الأعوام 2000 – 2009 إلى 62% خلال الأعوام 2010 – 2014. كذلك ارتفعت نسبة الوثائق التي قدمتها منظمات المجتمع المدني الداعمة للفلسطينيين، من 18% في الفترة الأولى إلى 26% في الفترة الثانية، الأمر الذي يشير إلى أهمية نشاط منظمات المجتمع المدني.
وشددت الباحثة على أن "تحليل هذه الوثائق يشير بوضوح إلى أن سياسة إسرائيل، التي تشجع البناء وتوسيع المستوطنات، تشكل عاملا مسرعا ومركزيا في اعتبار إسرائيل دولة أبرتهايد". وحذرت من أنه "على الرغم من أن علاقات إسرائيل الإيجابية مع الهيئات الحكومية الرسمية للدول الغربية الديمقراطية تُطرح كإثبات على النجاح المحدود للنشاط المعادي لإسرائيل، إلا أن المعطيات الكمية والنوعية في هذا المقال تضع علامة استفهام كبيرة في كل ما يتعلق بالفترة الزمنية التي ستتمكن فيها القيادة الرسمية للعالم العصري من البقاء محصنة أمام تعاظم قوة الرأي العام المناهض لإسرائيل".
وخلصت الباحثة إلى أن "الحل الأنجع ضد الجهات التي تنمي المشاعر الدولية المعادية لإسرائيل، يكمن في التزام إسرائيلي معلن ونشط بحل الدولتين. ومن شأن خطوات في هذا الاتجاه أن تؤثر إيجابا ليس فقط على مكانة إسرائيل الدولية المتدهورة، وإنما ستمنح إسرائيل حيز عمل سياسيا دوليا من أجل دحض المقارنة التي تربط بينها وبين الأبرتهايد وجعلها عاقرة".