المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 2022

"شهد العام 2015 تصاعدا حادا في التوتر بين اليهود والعرب في داخل إسرائيل قياسا بالعام الذي سبقه، 2014 ـ 67% من الجمهور يعتقدون بأن هذا التوتر هو الأقوى والأكثر حدة الذي يصدّع المجتمع الإسرائيلي... ومن المهم جدا الانتباه إلى أن هذا المعطى يتعلق بفترة ما قبل موجة "الإرهاب" الحالية، ما يعني أنه في كل ما يتعلق بتعمق واحتداد التوتر بين اليهود والعرب كان الأمر شبه حتمي"!

هذا ما قاله رئيس "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" في مستهل عرضه أبرز نتائج استطلاع "مؤشر الديمقراطية الإسرائيلية- 2015" خلال تقديم التقرير عنه إلى رئيس دولة إسرائيل، رؤوفين ريفلين، في ديوانه يوم الثلاثاء الماضي.

وقد أجري الاستطلاع هذا العام بين شهري نيسان وأيار وشمل 1019 مواطنا، من بينهم 856 يهوديا و"آخر" (هو تعريف اعتمده مكتب الإحصاء المركزي الرسمي لأشخاص ليسوا يهودا، حسب الشريعة اليهودية، ولا عربا، وغالبا ما يدور الحديث عن مهاجرين من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق) و163 عربيا.
ويسعى الاستطلاع ـ الذي يُجرى للسنة الثالثة عشرة على التوالي- إلى رصد التوجهات في المجتمع الإسرائيلي إزاء القضايا المركزية المتعلقة بتحقيق القيم والأهداف الديمقراطية، وأداء مؤسسات السلطة المختلفة والقادة السياسيين منتَخَبي الجمهور.

وقد عالج الاستطلاع هذا العام جملة من المواضيع المختلفة، من بينها: أداء مؤسسات الدولة والحكم ودورها، قدرة المواطنين على التأثير على قرارات الحكومة، مدى ثقة الجمهور بمؤسسات الدولة المختلفة، طابع الدولة، مدى التسامح وقبول الآخر، التضامن والتوترات في المجتمع الإسرائيلي، حرية التعبير والمساواة المدنية والعلاقات بين اليهود والعرب.

كما تم تخصيص جزء من الاستطلاع لفحص الموقف من اغتيال رئيس الحكومة الأسبق، إسحق رابين، ومكانة هذا الحدث في الذاكرة الإسرائيلية الجماعية بعد مرور 20 سنة على الاغتيال.
وفي ما يلي عرض لأبرز النتائج التي تمخض عنها الاستطلاع هذا العام، كما وردت في التقرير الصادر عن "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية":

التوتر بين اليهود والعرب في داخل إسرائيل- يرى 67% من المستطلعة آراؤهم أن أشدّ التوترات في المجتمع الإسرائيلي هو التوتر بين اليهود والعرب، بارتفاع ملحوظ يقابله انخفاض ملحوظ في حدة التوتر بين اليهود الشرقيين واليهود الغربيين.

وقد تم تدريج هذا التوتر، بين الجمهورين اليهودي والعربي على حد سواء، بوصفه التوتر الأقوى والأكثر حدة في داخل إسرائيل. وفي التصنيف المنفصل لشدة التوترات المختلفة في المجتمع الإسرائيلي، تبين من الاستطلاع أن النسبة الأعلى من مجمل الجمهور في إسرائيل تصف التوتر بين اليهود والعرب بأنه الأشدّ، يليه التوتر بين اليمين واليسار (60%). وبالمقارنة مع نتائج الاستطلاع في العام الماضي، يظهر هنا ارتفاع حاد في تقييم مدى "شدة" هذين التوترين. ويليهما، في استطلاع العام الحالي، التوتر بين الأغنياء والفقراء (51%)، ثم بين المتدينين والعلمانيين (47%)، ثم بين اليهود الغربيين/ أشكناز والشرقيين/ سفاراديم (24%)، الذي سجل انخفاضا ملحوظا عما كان عليه في العام الماضي.

التسامح وتقبل الآخر ـ تؤكد نتائج الاستطلاع أن المجتمع الإسرائيلي يبدي مستوى متدنيا جدا، نسبيا، من التسامح تجاه "الآخر" ومدى الاستعداد لتقبله وقبوله. و"الآخر" هنا ينتمي إلى قطاعات وفئات مختلفة، كما سنرى. فنحو 5ر43% غير مستعدين لقبول عمال أجانب كجيران لهم، ونحو 30% غير مستعدين لقبول مرضى نفسيين كجيران، ونحو 24% غير مستعدين للسكن بجوار متدينين حريديم، و22% لا يقبلون بأن يكون أزواج مثليو الجنس جيرانا لهم.

أما بالنسبة للسكن بجوار مواطنين عرب، فقد أبدى 36% من اليهود معارضتهم لذلك، بينما رفض 11% من العرب جيرة اليهود.

وإلى جانب حقيقة أن ثمة اتفاقا واسعاً على أن المواطنين العرب مضطهدون بالمقارنة مع المواطنين اليهود، وهو اعتقاد يسود لدى اليهود اليساريين، الأشكناز العلمانيين، أكثر منه لدى اليمينيين، الشرقيين والمتدينين، ثمة اتفاق آخر، وإن بدرجة أقل، على وجود اضطهاد ضد اليهود الشرقيين (السفارديم) مقارنة باليهود الغربيين (الأشكناز).

ويقول التقرير إن نتائج استطلاع هذا العام تشبه، إلى حد كبير، النتائج التي ظهرت في سنوات سابقة، "ما يدل على أن هذه النتائج تعكس، على ما يبدو، مواقف متأصلة"!


المساواة المدنية ـ يقول التقرير إن مواقف الجمهور اليهودي تجاه الأقلية العربية في إسرائيل "تتميز بأنها مركبة ومعقدة"، إذ هناك ـ من جهة ـ استعداد كبير لدى اليهود للاعتراف بواقع التمييز ضد العرب (54% يعترفون بالتمييز) ولدعم تخصيص ميزانيات للبلدات العربية (71% من اليهود يعارضون التمييز لصالح البلدات اليهودية وتفضيلها)، بينما تؤيد أغلبية كبيرة من اليهود (61%) اشتراط حق الانتخاب والترشح للكنيست بإعلان الولاء للدولة ورموزها (تعارض أغلبية 84% من العرب هذا الاشتراط).
وأيد 5ر37% من اليهود الرأي بأن على الحكومة "تشجيع هجرة العرب من إسرائيل"!

وإلى جانب هذا، يؤيد 5ر41% من اليهود الرأي القائل بعدم جواز تمكين أي شخص "غير صهيوني" من إشغال منصب حكومي أو رسمي "وهو ما يفسّر ـ حسبما يقول التقريرـ حقيقة أن 67% من المواطنين العرب لا يشعرون بأنهم جزء من دولة إسرائيل ومشاكلها (مقابل 10% فقط من اليهود)".

المشاركة في السلطة: عارض 57% من اليهود إشراك الأحزاب العربية وممثليها في مؤسسات الحكم وفي الائتلاف الحكومي في إسرائيل، بما في ذلك تعيين وزراء عرب، بينما أيد ذلك 35% من اليهود و 85% من العرب.

وكما أظهرت استطلاعات سابقة، كذلك في هذا الاستطلاع قالت غالبية كبيرة من اليهود (74%) إن القرارات المصيرية في قضايا الأمن والسلام يجب أن تتخذ بالاعتماد على أغلبية يهودية فقط، فيما قالت أغلبية أخرى (54%) إن القرارات الهامة في قضايا والاقتصاد والمجتمع ونظام الحكم يجب أن تتخذ بالاعتماد على أغلبية يهودية فقط.

ويعزو معدو الاستطلاع ومحللو نتائجه هذه المواقف إلى "التقدير السائد لدى الجمهور اليهودي، على ما يبدو، بأنه لا يُعقل أن يكون هناك انتماء وولاء للهوية الفلسطينية وللجنسية الإسرائيلية في الوقت عينه، وكذلك بسبب الرأي السائد لدى الجمهور اليهودي بأن المواطنين العرب في إسرائيل يشكلون تهديدا أمنياً (39% من اليهود يعتبرون العرب مواطني إسرائيل تهديدا أمنيا)"!

ويرى 56% من اليهود أن ثمة تناقضا بين انتماء العرب مواطني إسرائيل إلى الشعب الفلسطيني وبين ولائهم لدولة إسرائيل كمواطنين فيها، بينما يرى 76% من العرب أن لا تناقض إطلاقا بين الأمرين. ويرى 42% من اليهود أن المواطنين العرب "لم يصلوا بعد إلى مرحلة قبول دولة إسرائيل والإقرار بوجودها"!

الزواج المختلط ـ لاقت فكرة الزواج المختلط بين اليهود والعرب معارضة شديدة بين الجانبين على حد سواء، وتبين أن هذا الموضوع يشكل "قاسما مشتركا أكثر من أي جانب آخر من الجوانب التي فحصناها في سياق العلاقات بين اليهود والعرب"، حتى أن نسبة غير قليلة بين الجمهورين تؤيد نشاطات منظمات مثل "لهافاه" التي تستخدم القوة والعنف، غير القانونية أحيانا، لمنع مثل هذا الزواج: 37% من اليهود و 39% من العرب يؤيدونها!

وبشأن موقف الجمهور الإسرائيلي من تعريف الدولة وطابعها بكونها "يهودية ديمقراطية"، أظهر الاستطلاع "شبه تعادل" بين من يعتبرون المركّب اليهودي في هذا التعريف هو الأهمّ (37%) وبين مَن يعتبرون المركّب الديمقراطي هو الأهمّ (35%).

ولفت معدو الاستطلاع إلى أنه "حتى قبل سنوات قليلة، كانت أغلبية الإسرائيليين تعتقد بأن المركّبين هامّان بالدرجة نفسها، أي أنها فضلت التعريف الذي يدمج بين الديمقراطية واليهودية"، بينما انخفضت نسبة هؤلاء في الاستطلاع الحالي إلى 27% فقط. وأضافوا: "وفي هذا العام أيضا، يبدو تفضيل المركّب اليهودي أقوى لدى اليهود المتدينين، الحريديم، اليمينيين والشباب، بينما تفضيل المركب الديمقراطي أقوى بين اليساريين، العلمانيين وكبار السن".

الدولة ومؤسسات الحكم ـ الموقف السائد تجاه أداء مؤسسات الحكم وأجهزته المختلفة يتميز بعدم الرضى والنقد الشديد: غالبية الجمهور الإسرائيلي تعتقد بأن الفساد السلطوي في إسرائيل متفشٍّ بدرجة كبيرة. وتعتقد الأغلبية (54% من مجمل المشاركين في الاستطلاع) أن أعضاء الكنيست "لا يبذلون جهدا كبيرا ولا يقومون بواجباتهم على النحو الأفضل".

لكن الأبرز في النتائج هنا هو أن أغلبية كبيرة جدا، نسبيا، ترى أنها عاجزة عن التأثير الجدي والحقيقي على سياسة الحكومة وعلى أدائها (78% من مجمل المشاركين في الاستطلاع)، إلى جانب عدم الثقة بالحكومة، بالأحزاب وبالمؤسسات الرسمية المركزية: الحكومة (36%)، الشرطة (42%)، الكنيست (35%)، الأحزاب (19%). وفي المقابل، احتل الجيش الإسرائيلي، مرة أخرى، المرتبة الأولى في ثقة الجمهور الإسرائيلي (5ر84% من مجمل المشاركين في الاستطلاع و93% من المشاركين اليهود)، يليه رئيس الدولة (حظي بثقة 70% من الجمهور)، ثم المحكمة العليا (62%).

حرية التعبير والاعتبارات الأمنية ـ تعارض أغلبية الجمهور في إسرائيل (69% من اليهود و76% من العرب) فرض أية حدود أو محظورات قانونية على حرية التعبير وعلى إمكانية توجيه النقد، وحتى الحاد والعلني منه، ضد الدولة ومؤسساتها. لكن، حينما تدخل الاعتبارات الأمنية في الحسبان، يتراجع التأييد لحرية التعبير، بل ينقلب الحال رأسا على عقب بين الجمهور اليهودي: 59% من اليهود يؤيدون السماح للدولة وأجهزتها المختلفة بتعقّب المواطنين ومراقبتهم، بما في ذلك ما يكتبونه وينشرونه على شبكة الانترنت والمواقع المختلفة وذلك "من أجل الحفاظ على أمن الدولة"!

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات