المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1738

كشفت أربع محطات سياسية صدامية شهدها الكنيست في الأسابيع القليلة الماضية عن اتساع الفجوة بين حزب "العمل"، المنخرط ضمن كتلة "المعسكر الصهيوني"، وبين كتلة "ميرتس"، إذ أن الأول عاد ليغيّب الفوارق المفترضة إسرائيليا بينه وبين حزب "الليكود" اليميني المتشدد، في حين أن كتلة "يوجد مستقبل" المحسوبة إسرائيليا على خانة ما يسمى بـ "الوسط"، أسقطها صنّاع الرأي الإسرائيليون من خانة "الاعتدال"، وكل هذا خلق جدلا واسعا في وسائل الإعلام الإسرائيلية خاصة المكتوبة منها.

والمحطات الأربع هي:

أولا، تصريحات متطرفة أطلقتها وزيرة الثقافة الجديدة ميري ريغف من حزب "الليكود" أوضحت من خلالها سياستها واصرارها على أن يكون توزيع الميزانيات بموجب مدى الاقتراب من سياسة اليمين، فمثلا أعلنت حربا على كل من يفكر بمقاطعة المستوطنات من بين الفنانين، كما حدث هذا مرارا مجددا في الاسابيع الأخيرة، اضافة إلى ملاحقتها لمسرح "الميدان" العربي في مدينة حيفا لعرضه مسرحية تروي حكاية السجين السياسي وليد دقة. وفي هذه القضية كان صوت حزب "العمل" خافتا، حسب وصف صنّاع الرأي.

والمحطة الثانية: تصريحات نائب وزير الداخلية يارون مزوز من حزب الليكود في الكنيست، بقوله للنواب العرب إن حصول العرب على الهوية الإسرائيلية هو "مكرمة صهيونية"، وعدم تصدي نواب "المعسكر الصهيوني" له، بخلاف نواب "ميرتس".

والمحطة الثالثة مرتبطة بالثانية، وهي التصويت على مشروع قانون قدمته النائبة عن القائمة المشتركة عايدة توما سليمان لالغاء قانون المواطنة العنصري، الذي يمنع لم شمل العائلات الفلسطينية، إذ خرج نواب "المعسكر الصهيوني" من الهيئة العامة، كي لا يدعموا القانون.

أما المحطة الرابعة، فكانت مشاركة النائب باسل غطاس من القائمة المشتركة، في أسطول الحرية الثالث، وهجمة اليمين المتطرف عليه، وهنا أيضا صمت نواب "المعسكر الصهيوني"، لا بل منهم من شارك في الحملة على غطاس.

وكان رد نواب "المعسكر الصهيوني"، في كل واحدة من هذه المحطات، إن كان التجاهل أو التوافق، يُعد التراجع عدة خطوات إلى الخلف، عن التحول المحدود الذي أظهره في الدورة البرلمانية السابقة، ما منحه زيادة تمثيل برلماني واضحة، بعد سنوات من التراجع المتواصل، إذ أن هذه الزيادة جاءت بفعل نشاط كتلة حزب "العمل" في الدورة السابقة، أكثر من مسألة التحالف مع حزب "الحركة" بزعامة تسيبي ليفني التي تُعد شبه غائبة منذ الانتخابات.

وهذا التراجع الحاصل في أداء نواب حزب "العمل"، يعيدهم إلى نهج الحزب وكتلته البرلمانية، منذ اغتيال إسحاق رابين، ولاحقا خسارة انتخابات العام 1996، فتغييب الفوارق التي كانت ظاهرة إسرائيليا، أمام حزب الليكود، ساهمت بشكل كبير في توجيه ضربات للحزب الذي استبعد من احتمال العودة إلى رأس الحكم في السنوات الـ 15 الأخيرة.

وما زاد الطين بلة من ناحية صنّاع الرأي الإسرائيليين، هو رد فعل عدد من الفنانين المحسوبين على اليسار الصهيوني الذي كان حادا، ولكن جرى اعتباره "استعلاء أشكنازيا"، لما تضمنه من هجوم كاسح على المتدينين المتزمتين، وحتى على اليهود الشرقيين، الذين تنحدر منهم ريغف.

صنّاع الرأي

الكاتب والمحلل السياسي آري شفيط كان غاضبا في مقال له في صحيفة "هآرتس"، على شكل رد فعل الفنانين "الاستعلائي" من وجهة نظره، وعلى تلعثم رد ما أسماه بـ "الوسط- يسار" ويقصد حزب "العمل" و"المعسكر الصهيوني".

وبرأيه باتت الصورة بعد أشهر قليلة على الانتخابات واضحة: "أحزاب الوسط- يسار بصورتها الحالية غير قابلة للإصلاح. فالنخبة الثقافية لا تعرف ما هي الثقافة. والنخبة الديمقراطية لا تعرف ما هي الديمقراطية. ونخبة السلام هي عبارة عن عنف. وبهدوء، فإن المعارضين الكبار للبهيمية الإسرائيلية أصبحوا بهائم. والمناضلون الكبار ضد الفساد (الاحتلال) تم إفسادهم. والحكماء الذين يناضلون منذ جيل ضد السخافة أصبحوا أغبياء".

ويتابع "لقد تبنى أولئك الذين يفترض أن يناضلوا من أجل المساواة، الحرية وحقوق الانسان، مفاهيم متعالية، قمعية ومهينة. فالمتحدثون باسم الحوار، كفوا عن الحوار. ورافعو شعار الاستماع، كفوا عن الاستماع. والذين يصرخون "آخر، آخر"، كفوا عن رؤية الآخرين الذين يحيطون بهم".

مع ذلك، يقول شفيط إن "الوسط- يسار كان وما زال وسيبقى الأمل الوحيد للدولة اليهودية الديمقراطية. وصدق الوسط- يسار حينما عارض الاحتلال وحذر من المستوطنات وتوقع التداعيات القومية الخطيرة التي تحدث هنا. لكن في نقطة معينة في الطريق حدث له أمر سيء جدا: تحول إلى متحجر. وفقد التشكك والتجديد والانفتاح، وانغلق داخل تصديق الذات، الذي يشبه إلى حد كبير تصديق الذات عند اليمين".

وهاجمت صحيفة "هآرتس" تواطؤ نواب "المعسكر الصهيوني"، بمغادرتهم قاعة الكنيست، لدى التصويت على مشروع قانون إلغاء قانون المواطنة.

وكتبت في مقال هيئة التحرير "وقع حدث مخجل خلال بحث في مشروع قانون القائمة المشتركة لإلغاء تعديل مؤقت على قانون المواطنة، يمنع جمع شمل العائلات الفلسطينية في إسرائيل، والذي أقرت الحكومة تمديد مفعوله. ويدور الحديث عن تعديل عنصري، مميز وقومي متطرف، يمنع مواطني الدولة العرب من اقامة عائلة مع أزواجهن وزوجاتهم الفلسطينيين. وهو ساري المفعول في كل مرة لفترة قصيرة، بسبب عدم دستوريته البنيوية، وتم تمديده منذ ان تقرر لأول مرة في العام 2003، ما مجموعه 13 مرة".

وقالت هآرتس "إن "كتلة المعارضة الرئيسة، الممثلة الكبرى لمعسكر اليسار- الوسط، كتلة "المعسكر الصهيوني"، قررت عدم المشاركة في هذا التصويت الهام، وأمرت ممثليها بالخروج من القاعة. من الصعب التفكير بسلوك واهٍ وخاسر وبخيانة أكبر لدورها. منذ ان بات يقودها إسحاق هيرتسوغ، فإنها تتدهور من مستوى إلى مستوى أدنى. مع مثل هذه المعارضة، لا عجب من سلوك الائتلاف".

أما الكاتب التقدمي غدعون ليفي، فقد هاجم "المعسكر الصهيوني" معتبرا إياه جزءا فعليا من ائتلاف بنيامين نتنياهو الحاكم، وحتى من دون مقابل، إذ يقول "تستند الحكومة الحالية إلى أغلبية ساحقة، 85 عضو كنيست. صحيح أنه في الظاهر يوجد فقط 61 نائبا، لكن تجربة الأسابيع الأخيرة تثبت أن لدى نتنياهو من يعتمد عليه. "المعسكر الصهيوني" إلى جانبه في كل اختبار تقريبا. وهو ليس مضطرا لتوزيع الحقائب الوزارية لأنهم مطيعون وخاضعون، ومعظمهم يؤيدون طريقه فيما يتعلق بغزة وايران والمقاطعة".

ويقتبس ليفي رئيس حزب "العمل" هيرتسوغ، حينما قال إنه "لا توجد معارضة أو ائتلاف"، ويضيف ليفي "بكلمات اخرى: لا يوجد معسكر صهيوني، يوجد فقط ليكود. توجد مشاكل مع أورن حزان؟ يستطيع نتنياهو الاعتماد على العم. توجد مقاطعة للفيلم عن يغئال عمير؟ المعسكر الصهيوني يضبط نفسه. الغاء اللجنة البرلمانية لشؤون العمال الاجانب؟ تمديد قانون المواطنة الاكثر قبحا في قوانين إسرائيل؟ المعسكر الصهيوني موجود، كعضو غير محترم في الائتلاف الاكثر يمينية وقومية".

ويقول ليفي إن "اللعنة التي نزلت على السياسة الإسرائيلية منذ أجيال تتسبب حاليا بذروة الاضرار، في الوقت الذي يصل فيه اليمين إلى ذروة جنونه. إن سلوك المعسكر الصهيوني في ما يتعلق بتعديل قانون المواطنة الذي يمنع مواطني الدولة العرب من الزواج من الفلسطينيين في المناطق المحتلة، هو في الدرك الاسفل. وسلوك اعضاء الكنيست الذين خرجوا من القاعة عند التصويت وكأنه احتجاج، بينما هو تغطية لعوراتهم، أظهر أن معظمهم يؤيد استمرار منع لم الشمل، وهذا يجب أن يُسجل كأمر مفصلي، وعلى مصوتي المعسكر الصهيوني نبذ منتخبيهم".

ويضيف ليفي مهاجما النائب البارز من حزب "العمل" ايتسيك شمولي، الذي أظهر في الدورة البرلمانية السابقة انخراطا في هجمات نواب اليمين العنصرية ضد النواب العرب، أنه "أمام هذا الفراغ يحلّق الزعيم الفكري الجديد ايتسيك شمولي، مع نائب وزير الداخلية يارون مزوز. وقد اشتكى شمولي من أن حزبه "لا يستنكر بما يكفي الاسطول المتوجه إلى غزة". هذا ما كان ينقصنا، استنكار آخر لـ "اسطول الارهاب". من اجل ذلك هناك معارضة، ومن اجل ذلك يوجد النائب شمولي، وكأن النائب مزوز لا يكفي".

ويختتم ليفي كاتبا "إن لعنة حزب العمل طويلة ومستمرة. وقد مكّنت الكثير من الإسرائيليين من الشعور بالسعادة بينهم وبين أنفسهم، بالتصويت لليسار الصهيوني والتصرف كيميني قومي مثل اليمين. ومنذ نشوئه عمل هذا الحزب على سد الطريق أمام نشوء البديل".

وينضم الكاتب أوري مسغاف إلى ليفي في هجومه على شمولي ويكتب "في الآونة الاخيرة، على ضوء مكانته مثل نيزك يهوي، تولدت لدى شمولي ثقة متداخلة. فقد قال لأصدقائه في حزب العمل إنه في كل مرة يصمتون في وجه السفينة المتجهة إلى غزة، فإن صورة رابين تكون على وشك أن تسقط من الحائط. ليست القصة هي السفينة إلى غزة، ولا صورة رابين. يجدر القول إن المرة الأخيرة التي سقطت فيها صورة رابين عن الحائط كانت احتفال انطلاق المعسكر الصهيوني، حينما استجاب حزب العمل لطلب تسيبي ليفني إخفاء رابين".

ابتعاد جديد عن الحكم

إذا كان نهج "المعسكر الصهيوني"، وبالذات حزب "العمل" الذي يتمثل بـ 19 نائبا من أصل 24 نائبا في الكتلة، والذي عرضه في الشهرين الأولين للدورة البرلمانية الجديدة، هو النهج الذي سيرافقه حتى الانتخابات المقبلة، فيكون قد أضاع فرصة ذهبية حصل عليها في الانتخابات الأخيرة، حينما حقق قفزة في التمثيل، بعد سنوات طويلة من التراجع المستمر.

فعلى الرغم من أنه من نظرة خارجية من الصعب رؤية فوارق جوهرية كبيرة تاريخيا بين حزبي "العمل" و"الليكود"، إلا أنه بمنظور إسرائيلي داخلي، هناك فوارق واختلاف في التوجهات، فيما يتعلق بالقضايا الداخلية، وأيضا إلى حد ما في شكل التعامل مع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

حتى هذه المرحلة، لا وجود لحزب "الحركة" بزعامة تسيبي ليفني على الأرض، إلا أن ليفني تشكل "حالة إعجاب" إن صح التعبير لدى قطاع من الجمهور ولكن تبقى نجمة عابرة لا تصمد طويلا، طالما أن حركتها لا تتحول إلى حزب ملموس ميدانيا، ما يعني ان حزب "العمل" سيخوض الانتخابات المقبلة بمفرده، أو أنه سيبحث عن تحالفات جديدة، يضمن فيها مثلا جمهور حزب "يوجد مستقبل"، بزعامة يائير لبيد، الذي كان كافيا له 26 شهرا بين جولتي انتخابات برلمانية ليفقد 40% من تمثيله البرلماني. وجلوس هذا الحزب أيضا في الظل يعني انه في الانتخابات المقبلة سيتلقى ضربة أخرى إن لم تكن قاضية كليا، إذا لم يجد خشبة انقاذ تعيده إلى الساحة.

وهذا التبعثر في "المعسكر" البديل افتراضيا لحزب الليكود يثير القلق الشديد لدى الجمهور العلماني المحسوب على "الوسط" وعلى "اليسار الصهيوني"، لأنه يبشر ببقاء اليمين المتطرف في الحكم لسنوات أطول.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات