المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1932

بدا رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، عندما عرض حكومته الجديدة على الهيئة العامة للكنيست، في جلسة خاصة عقدت في ساعة متأخرة من مساء يوم الخميس الماضي، أنه يسعى إلى توسيع حكومته الجديدة الضيقة، بدعوة رئيس قائمة "المعسكر الصهيوني"، إسحاق هرتسوغ، للانضمام إلى الحكومة.

من جانبه، رفض هرتسوغ هذه الدعوة في كلمته التي ألقاها بعد كلمة نتنياهو مباشرة. وبرغم ذلك، فإن العديد من المحللين والمراسلين السياسيين في وسائل الإعلام الإسرائيلية، لم يقتنعوا بأن هرتسوغ يرفض بشكل مطلق الانضمام للحكومة وتولي منصب وزير الخارجية، ويقولون إنه قد يوافق على الانضمام في حال وافق نتنياهو على التناوب معه على رئاسة الحكومة.
وأشار كبير المعلقين في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، ناحوم برنياع، أمس الاثنين، إلى أن خطاب هرتسوغ في الكنيست كان أكثر خطاب هجومي ألقاه في حياته. فـ"لقد تعرض لنتنياهو بصورة شخصية، دون رحمة، واتهمه بإقصاء الأقليات، وبالتآمر على المؤسسة القضائية، وبإخفاقات سياسية وعسكرية، وببيع الدولة وقيمها بالمزاد العام، وبالاستسلام للابتزاز. ووصف عملية تشكيل الحكومة بأنها ’سيرك’".

وأضاف أن خطاب هرتسوغ كان شديدا لدرجة أن نتنياهو تعرق وهو يجلس في مقعده وأن الإهانات التي وجهها هرتسوغ إليه جعلته يشعر بمذلة. وعندما صعدت حليفة هرتسوغ في قيادة "المعسكر الصهيوني"، تسيبي ليفني، إلى منصة الكنيست لإلقاء كلمتها، خرج نتنياهو من القاعة.

لكن برنياع لفت إلى تقليد متعارف عليه في الحلبة السياسية الإسرائيلية، وهو اصطفاف أعضاء الكنيست، من الائتلاف والمعارضة، عند منصة الكنيست من أجل مصافحة الوزراء بعد أن أدوا اليمين القانونية. وأضاف أن "أعضاء الكنيست لم يكتفوا بمصافحة زمالة، وإنما اصطفوا كقطيع غنم، وراحوا يتبارون فيما بينهم من سيعانق أولا، ومن سيقبّل أولا حضرة الوزير وسعادة الوزيرة. وكان على رأس أخوة السلاح، المتدافعين من أجل التقبيل، أعضاء الكنيست من حزب الليكود. وليس هم فقط، وإنما اصطف معهم عدد من البارزين من قائمة المعسكر الصهيوني، ومعهم رئيسها. وتباروا على حق القبلة الأولى".

وكتب برنياع أن "من شاهد هذا المشهد لم يكن بإمكانه إلا أن يتساءل: ما هي الحقيقة وما هي المسرحية؟. أين هرتسوغ الحقيقي، هل هو في خطابه الملتهب أم بيديه المفتوحتين للعناق؟". وتابع أنه "بمفاهيم كثيرة، السياسة قريبة من المسرح. وجملة شكسبير الشهيرة، ’العالم مسرح’، تفسر جزءا كبير من السلوك السياسي. لكن يوجد حد. ونحن نتوقع فعلا أنه في نهاية المسرحية، وعلى صوت تصفيق الجمهور، يعانق يوليوس قيصر بروتس، وتقبل الليدي ماكبث ضحاياها. لكننا لا نتوقع سلوكا مشابها في السياسة، وليس فورا. وعندما يحدث أمر كهذا، فإن الشعور هو أن كافة الأقوال الفظيعة التي تقال عن السياسيين، وعن نفاقهم، وتذبذبهم، واستعدادهم لتوجيه صفعة بيد والتربيت بصداقة باليد الأخرى، يوجد فيه أكثر من حقيقة".

"مصيدة نتنياهو"!

يُعيب العديد من المحللين الإسرائيليين على نتنياهو أن الدافع الأساس لأدائه السياسي هو رغبته في البقاء في الحكم والتمتع بنعمه، ويركزون على نقاط ضعفه في هذه الناحية. لكن الوزير وعضو الكنيست السابق حاييم رامون، وهو أحد الدهاة السياسيين الإسرائيليين، يرى في مقال نشره في "يديعوت أحرونوت" يوم الجمعة الماضي، أن التعامل مع نتنياهو بهذا الشكل يجافي الحقيقة.
وكتب رامون، السياسي القديم والقيادي السابق في حزب العمل الإسرائيلي، أن "نتنياهو عقائدي ومستعد لامتصاص ضربات شديدة من أجل أن يبقى مخلصا لمبادئه. إنه مخلص لأرض إسرائيل الكاملة. ونتنياهو كافح طوال السنين من أجل الحفاظ على يهودا والسامرة (الضفة الغربية) تحت السيطرة الإسرائيلية. وهو يعرف جيدا ثمن عزلة إسرائيل الدولية، ولكن من أجل الدفاع عن إيمانه، فإنه لا يرتدع عن مواجهات سياسية مليئة بالمخاطر على إسرائيل وعليه شخصيا".

وأضاف رامون أن "نتنياهو لا يتردد باستخدام تكتيك ماكر من أجل تحقيق غايته الإستراتيجية. وقد نجح حتى الآن في كبح ما يراه أنه الأسوأ – وهو قيام دولة فلسطينية مستقلة وفقدان أرض الآباء. وليس هذا وحسب، فقد ضاعف أيضاً عدد المستوطنين خارج الكتل الاستيطانية بهدف منع احتمال مستقبلي للدولتين".

وأشار رامون إلى أن نتنياهو يتعرض إلى ضغوط كبيرة، ويطالَب بتأييد حل الدولتين وأن يجمد البناء في المستوطنات ويبدي ليونة في المفاوضات مع الفلسطينيين. وإزاء هذه الضغوط، يحاول نتنياهو خلق أجندات جديدة من أجل كسب الوقت. "وهكذا، على سبيل المثال، أنزل على حلبة المفاوضات مطلبه بأن يعترف الفلسطينيون بإسرائيل كدولة يهودية. ورفض أبو مازن يخدم جيدا تكتيك المماطلة الذي يمارسه نتنياهو. ولو رد الفلسطينيون بالإيجاب ’لا سمح الله’، لاضطر نتنياهو إلى صياغة مطلب مبتكر جديد. وكما شهد عليه والده البروفسور بنتسيون نتنياهو: ’هو لا يؤيد حل الدولتين، إنه يؤيد شروطا كتلك التي لن يوافق عليها الفلسطينيون أبدا’".

ولفت رامون إلى أن "نتنياهو ينمي بحرص أسلوب ’ورقة التين’ السياسية. لقد سمح لتسيبي ليفني بأن تقود المفاوضات مع الفلسطينيين، لكنه فرض عليها أيضا حارسا شخصياً بشخص مؤتمنه إسحاق مولخو. وكلف شمعون بيريس ببعثات سياسية، لكنه اهتم بأن يوضح أيضا أن آراء الرئيس لا تلزم رئيس الحكومة".

لقد نجح نتنياهو في إيصال تكتيك "ورقة التين" إلى أرقام قياسية مثيرة للإعجاب، وفقا لرامون. "وبإمكانه أن يصور نفسه أمام زعماء العالم كأنه مستعد حقا وصدقا لتسوية تاريخية مع الفلسطينيين. وهو يستند بذلك إلى حقيقة أن أشخاصا لا أحد يشكك بالتزامهم للسلام عملوا تحت قيادته. وبالطبع، فإن ليفني وبيريس وآخرين لا يتطوعون كي يستخدمهم نتنياهو كورقة تين. إنهم يتجندون لأنهم يقعون في الشبكة (المصيدة) التي نصبها نتنياهو لهم، ومن خلال استغلال أملهم الساذج بأن ’الأمر مختلف هذه المرة، نتنياهو جدي الآن’. ولأسفهم، يكتشفون أن نتنياهو جدي فعلا، جدي جدا بكل ما يتعلق بالدفاع عن أيديولوجيته، وهي الحفاظ على كل مناطق أرض إسرائيل".

وأضاف رامون أن نتنياهو "يخلق الانطباع بأنه معني بضم إسحاق هرتسوغ وحزبه إلى الحكومة. وقد أبقى وزارة الخارجية شاغرة لحين انضمام هرتسوغ إليه. وحتى أنه يحرص على أن تبقى في الاتفاقيات الائتلافية ثغرة تسمح بانضمام المعسكر الصهيوني".

وأردف أنه "الآن، عندما يطالب زعماء أجانب نتنياهو بالتحرك نحو تسوية مع الفلسطينيين، سيسمعون منه الإجابة التالية: ’أنا ملتزم بخطاب بار إيلان ومعني بتسوية تاريخية مع الفلسطينيين، لكن فقط إذا دخل هرتسوغ إلى حكومتي سأتمكن من التقدم نحو تسوية من دون أن ينهار ائتلافي. رجاء، مارسوا ضغوطا عليه وعلى حزبه كي ينضم إليّ’".

ويعني ذلك أن "نتنياهو حوّل هرتسوغ إلى ورقة تين سياسية حتى بدون انضمامه للحكومة". وفي المقابل، أضاف رامون، فإن بإمكان نتنياهو أن يهدد شركاءه في الحكومة بأنه سيضم "المعسكر الصهيوني" وأنه لن يكون متعلقا بهم. ورأى رامون أنه طالما أن هرتسوغ مستمر في إثارة الانطباع بأنه مستعد للانضمام لحكومة نتنياهو، فإنه يخدم الأخير. وطالب رامون، كغيره من أعضاء الكنيست داخل "المعسكر الصهيوني"، هرتسوغ باتخاذ قرار واضح بأن حزبه لن ينضم إلى الحكومة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات