المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1344

تشير تقديرات الجيش الإسرائيلي إلى وجود ثلاث جبهات مرشحة للتصعيد في الفترة المقبلة، خلال ولاية رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجديد، غادي آيزنكوت، وإلى أن تفجر الوضع في اثنتين منها على الأقل متعلق بقرارات إسرائيلية. وهذه الجبهات الثلاث التي تهدد بالانفجار هي الضفة الغربية وقطاع غزة والحدود الشمالية مع سورية ولبنان.

 

ووفقا للمحلل العسكري في صحيفة هآرتس عاموس هارئيل، فإن قيادة الجبهة الوسطى لجيش الاحتلال الإسرائيلي تستعد لتصعيد محتمل في الضفة الغربية بحلول الربيع المقبل، على خلفية الجمود السياسي وعزم السلطة الفلسطينية التوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي في نيسان المقبل. وكان الجيش الإسرائيلي قد استعد في الماضي بشكل سريع لاحتمال حدوث تصعيد في الضفة، ولم يتحقق هذا الاحتمال، لكن "الفرق هذه المرة عن المرات السابقة قد يكون مرتبطا بمساهمة إسرائيلية" في حدوث التصعيد، وهذه المساهمة هي استمرار تجميد أموال الضرائب وعدم تحويلها إلى السلطة الفلسطينية.

ويقول المحللون العسكريون والأمنيون إن جميع رؤساء الأذرع الأمنية الإسرائيلية يعارضون قرار رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، بتجميد تحويل الأموال الفلسطينية، لأن من شأن ذلك أن يدهور الوضع الاقتصادي الفلسطيني ويقوض التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وبين الجيش الإسرائيلي والشاباك. وكان نتنياهو قد قال خلال مراسم تسلم آيزنكوت مهام منصبه، يوم الاثنين من الأسبوع الماضي، إنه "بإمكاني أن أعدك بأمر واحد، وهو أنه لن تكون هناك لحظة راحة واحدة". وعلق هارئيل على ذلك بأن "رئيس الحكومة امتنع عن ذكر بعض المشاكل التي يخلقها هو بنفسه للجيش".

والجبهة الثانية لإسرائيل التي يتهددها انفجار هي الجبهة الجنوبية مع قطاع غزة. وأشار هارئيل إلى أن الجبهة مع قطاع غزة باتت تحتل مكانا مركزيا أكثر في سلم أولويات الاستخبارات، وذلك بعد أن تزايد التفهم لدى جهاز الأمن الإسرائيلي بأن الدمج بين تجميد عمليات إعمار غزة واستمرار الانقسام بين حركتي حماس وفتح وتشديد "الحصار المصري" على قطاع غزة، كل هذه الأمور "عادت لتدفع حماس إلى الحائط" بحيث لن يكون أمامها خيار سوى التصعيد. ولفت المحلل إلى أن إسرائيل تعتمد على الردع والثمن الذي سيدفعونه في غزة، لكنه رأى أن "ثمة شكا فيما إذا كان هذا  الأمر كافياً هذه المرة، إذ أنه بنظر الغزيين لم يعد هناك الكثير مما يمكن أن يخسروه".

وفيما يتعلق بالجبهة الثالثة، أشار هارئيل إلى إعلان حماس عن أنها في حروب مقبلة مع إسرائيل ستستخدم الأراضي اللبنانية لإطلاق صواريخ منها باتجاه شمال إسرائيل. كذلك أشار في السياق نفسه إلى تصريحات أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، مؤخرا، حول جبهة مقاومة واحدة.

وأضاف المحلل في سياق الجبهة الشمالية أن إيران تبني ذراعا لها في الجانب غير المحتل من مرتفعات الجولان السورية، كما أن لحزب الله قرابة ألفي مقاتل في هذه المنطقة، وأن النظرة في الغرب، وخصوصا في الولايات المتحدة، إلى الرئيس السوري بشار الأسد، تتغير ولم يعد منبوذا بالكامل كما كان في السنوات الفائتة. ويضاف إلى ذلك وجود المنظمات الإرهابية، مثل "جبهة النصرة"، على مقربة من خط وقف إطلاق النار في الجولان، وأنها قد تعمل على تسخين الوضع مع إسرائيل هناك.

وفي موازاة ذلك، ألمح هارئيل إلى أن ردعا متبادلا قائما بين إسرائيل وبين محور إيران – سورية – حزب الله، بحيث أن إسرائيل قد تتردد في قصف شحنات أسلحة لدى نقلها من سورية إلى حزب الله في لبنان، كما فعلت في الماضي. ورغم أن التقديرات في إسرائيل تعتبر أن لا مصلحة لدى هذا المحور بدخول حرب معها الآن، إلا أن هارئيل شدد على أنه "ليس مؤكدا أن الاستخبارات (الإسرائيلية) تقرأ بشكل صحيح بالضرورة نوايا العدو".

 

سلاح البرية "معاق"!

 

بمعنى معين، فإن آيزنكوت يرث الجيش الإسرائيلي بقدراته وإشكالياته والرؤية العسكرية من سلفه في المنصب، بيني غانتس. ويبدو، وفقا للمحللين، أن غانتس كان رئيس أركان لجيش وجه ضربات عسكرية من بعيد وأخفق في توجيه ضربات عن قرب، بعد أن طوّر سلاحي الجو والاستخبارات وأهمل سلاح البرية. وينظر الإسرائيليون في هذا السياق إلى المستقبل وسط توقع بنشوب حرب جديدة مع حزب الله الذي يعتبر أقوى بأضعاف مضاعفة من حماس.

وتميز عهد غانتس باعتماد الجيش الإسرائيلي على الغارات الجوية. فبعد عام من توليه منصبه، قاد عدوان "عمود السحاب" على قطاع غزة، الذي بدأ باغتيال قائد كتائب القسام، أحمد الجعبري. وأنهى غانتس ولايته بالغارة في مدينة القنيطرة، ومقتل ستة مقاتلين من حزب الله وجنرال إيراني، ليفتح بذلك حسابا جديدا مع حزب الله بعد الحساب المفتوح منذ اغتيال القيادي العسكري للحزب، عماد مغنية، في العام 2008.

لكن فيما يتعلق بتحسين قدرات الاستخبارات العسكرية فإن نقاشا صاخبا يدور في الجيش وخارجه في إسرائيل. وهذا ليس بالأمر المؤكد، خصوصا إذا تم التدقيق في الروايات الإسرائيلية أن حركة حماس خططت للحرب في الصيف الماضي، والإخفاق في مواجهة الأنفاق وتحويل تدميرها إلى هدف إسرائيل من العدوان.

ومن حظ غانتس السيئ أنه تسلم مهام منصبه، في شباط العام 2011، وسط "رياح" شديدة نشبت من جهتي المؤسستين السياسية والعسكرية، وهزت أركان الجيش على خلفية "قضية هارباز"، التي برزت فيها الخلافات والاصطفافات إلى جانب وضد رئيس أركان الجيش الأسبق، غابي أشكنازي، ووزير الدفاع السابق، ايهود باراك، في أعقاب قرار الأخير بتعيين الجنرال يوءاف غالانت رئيسا لأركان الجيش. ورغم مصادقة باراك ونتنياهو على تعيين غالانت، إلا أن هذا القرار لم يخرج إلى حيز التنفيذ. وعلى أثر ذلك تم استدعاء غانتس، الذي كان قد تسرح من الخدمة العسكرية، للعودة إلى صفوف الجيش وتعيينه رئيسا لأركانه.

الأمر الثاني الذي يدل على سوء حظ غانتس، هو أنه تعين في المنصب في العام الذي هز العالم العربي، واندلاع "الربيع العربي" الذي أسس، من الناحية العسكرية بالنسبة لإسرائيل، لحالة فوضى عارمة بشكل خاص عند حدودها مع مصر وسورية.

واعتبر المحلل العسكري في موقع "واللا" الالكتروني، أمير بوحبوط، أن "الطلقة الأولى" التي أطلقها غانتس كانت بعد شهر من توليه رئاسة أركان الجيش، وتمثلت بعقد اجتماع للهيئة العسكرية للجيش وبمشاركة جميع الضباط من مستوى قائد كتيبة فما فوق ومن كافة الأذرع، البرية والجوية والبحرية. وببعض المبالغة، إذ أن "قضية هارباز" لم تهدأ تماما، اعتبر بوحبوط، أن غانتس "نجح في تهدئتهم، وطلب منهم أن يتحدثوا عن كل شيء، وأن يقولوا أين بالإمكان إجراء تحسينات، وأين يمكن تنجيع الجيش، وأعاد الثقة بالنفس إلى الضباط والتي كانت قد فقدت بعض الشيء. والقرار بالسماح للضباط بأن يفتحوا قلوبهم كان بالنسبة لهم نقطة تحول في طبيعة قيادة الجيش الإسرائيلي". 

وأضاف بوحبوط أن ولاية غانتس تميزت بإدخال تكنولوجيا حديثة مثل منظومة "القبة الحديدية" لاعتراض الصواريخ قصيرة المدى، ومنظومة "معطف الريح" لحماية الدبابات من القذائف المضادة للمدرعات، علما أن تقارير نشرت مؤخرا أشارت إلى أن عددا قليلا فقط من الدبابات تم وضع هذه المنظومة فيه. كذلك أقام فرقة عسكرية جديدة في مرتفعات الجولان، يطلق عليها اسم "الفرقة 210"، لتحل مكان "الفرقة 36" التي ما زالت موجودة كفرقة متنقلة. وقد شاركت "الفرقة 210" في العدوان الأخير على غزة. وأقام غانتس طاقما عملانيا في سلاح الجو مهمته حراسة حقول الغاز قبالة شواطئ إسرائيل.

رغم أن غانتس يعتبر رئيس أركان مريحاً بالمعايير الإسرائيلية، إلا أنه سجل عدة إخفاقات، خاصة فيما يتعلق بفشل الرؤيا العسكرية وعدم نجاحه في وضع خطة للجيش للسنوات المقبلة، وإضعاف سلاح البرية.

وكتب المراسل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوسي يهوشواع، أنه "من الجانب العسكري الحرفي ليس مؤكدا أن غانتس سيحظى بعلامة تفوق. فقد مر الشرق الأوسط، في السنوات الأخيرة، بهزة، وباتت الحدود غير مستقرة، وسيف التقليصات ما زال يخيم فوق الميزانية التي قدمها جهاز الأمن. وإن لم يكن ذلك بذنبه وحده، فإنه خلال ولايته لم ينجح رئيس هيئة الأركان العامة في المصادقة على أية خطة عمل متعددة السنوات تجهز الجيش لمواجهة التحديات المتوقعة".

وأضاف يهوشواع أنه إلى جانب ذلك "بذل غانتس جهودا كثيرة في تعزيز قوة ذراعي الجو والاستخبارات. وفي المقابل فإن جيش البرية، وفقا لمنتقدي غانتس، بات متحجرا وفقد روحه الهجومية. وحتى أن ضابطا كبيرا وصفه بـ’المعاق’".

والادعاء المركزي ضد غانتس، في هذا السياق، هو أنه "لم يحافظ على التوازن في توزيع الموارد، ويكفي للتأكد من ذلك إلقاء نظرة على تقرير مراقب الدولة حول مستوى الجهوزية المتدني لقوات الاحتياط والتدقيق في وقف مشروع تحصين ناقلات الجند المدرعة".

 

سحابة سوداء فوق رأس غانتس

 

ولفت يهوشواع إلى أن "جيش البرية لم يتمكن من ملاءمة نفسه للتغيرات الإقليمية، والدليل على ذلك القفزة الهائلة التي نفذتها حماس في مجال قتال الأنصار في باطن الأرض من المفهوم الدفاعي إلى الهجومي منذ عملية ’الرصاص المصبوب’ العسكرية قبل ست سنوات وحتى عملية ’الجرف الصامد’ العسكرية في الصيف الأخير".

لكن الإخفاق لم يتوقف عند هذا الحد، بحسب يهوشواع، وإنما "بدلا من فهم المشاكل، شهدنا في الشهور الأخيرة في الجيش الإسرائيلي ما يشبه ’مهرجان الجرف الصامد’، وكأن هذه كانت إحدى العمليات العسكرية الناجحة وليست حربا استمرت 50 يوما، أكثر بأضعاف مما خُطط له، وجلس خلالها مواطنو دولة إسرائيل في الملاجئ والجيش الإسرائيلي لم ينجح في الانتصار على العدو".

ويرى العديد من الخبراء والمحللين العسكريين الإسرائيليين، في تلخيصهم لولاية غانتس، أن العدوان الأخير على غزة، في الصيف الماضي، سيظل مثل سحابة سوداء فوق رأسه.

وفي هذا السياق كتب يهوشواع أن نتنياهو وحكومته الأمنية المصغرة يتحملان قسطا من المسؤولية عن فشل إسرائيل في عدوانها الأخير على غزة، لكن الجيش يتحمل مسؤولية أكبر: "كأننا لم ندخل إلى العملية بمدرعات غير محصنة، وكأن وحدة إيغوز لم تحارب من دون دروع واقية لأنها لم تتوفر لديها، وكأنه لم يقتل جنود في مواقع تجمعهم، وكأن وحدات الجيش الإسرائيلي جاءت مستعدة لمعالجة أمر الأنفاق".

ودعا يهوشواع الجيش الإسرائيلي إلى أن "يروي القصة الحقيقية حول ما حدث، تماما مثلما حدث بعد حرب لبنان الثانية في العام 2006، وأن يطأطئ الجيش الإسرائيلي رأسه ويركز على تصحيح الخلل".

ورأى يهوشواع أن مهمة آيزنكوت كبيرة في إعداد الجيش للحروب المقبلة. وأضاف "ليس معقولا ألا تكون لدى الجيش قوة قادرة على تنفيذ اجتياح كبير وحاسم، على الأقل في جبهة واحدة، في المحيط الجيو إستراتيجي الجديد. ويجب بناء هذه القوة بحيث تكون فعالة، مدربة، مزودة بعتاد ومعدات، محوسبة، محصنة وفتاكة، وخصوصا أمام التحدي الذي يضعه لبنان وسورية".

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات