أقدم أربعة نشطاء من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، في تشرين الأول من العام 2001، على اغتيال وزير السياحة الإسرائيلي، رحبعام زئيفي، انتقاما على اغتيال إسرائيل لأمين عام الجبهة، أبو علي مصطفى. وكان زئيفي، الذي يحمل رتبة لواء من الجيش، رمز اليمين المتطرف ويدعو باستمرار إلى ترحيل الفلسطينيين عن البلاد، واكتسب لذلك لقب "داعية الترانسفير". لكن هذه الحقيقة لم تمنع إسرائيل الرسمية عن إطلاق اسم زئيفي على أطول شوارعها، الذي يبدأ من مدينة إيلات في أقصى الجنوب ويمر عبر غور الأردن وصولا إلى بلدة المطلة في أقصى الشمال. كذلك أطلق اسمه على شوارع في مدن وبلدات. ومن أجل تخليد اسمه قررت إسرائيل تخليد "تراثه" بيوم من كل عام، وتدريس هذا "التراث" في المدارس.
وبثت القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي، ضمن برنامج التحقيقات "عوفدا" (أي الحقيقة)، في نهاية الشهر الفائت، تحقيقا حول علاقة زئيفي مع "عصابة هكيرم"، التي كان يرأسها طوفيا أوشري ورحاميم أهاروني، من حي "كيرم هتيمانيم" (كرم اليمنيين) في تل أبيب. وتعتبر هذه العصابة أول تنظيم إجرامي منظم في إسرائيل.
وبدأ أوشري وأهاروني بارتكاب جرائم سطو وسرقة، وسرعان ما انتقلوا إلى تجارة المخدرات وجرائم النصب والاحتيال في إسرائيل وخارجها وكذلك الابتزاز تحت التهديد والعنف. وبعد تحقيقهما النجاح في هذه الجرائم، انضم إليهما "جنود" كثيرون ليحققوا المزيد من النجاح الإجرامي، وفي أعقاب ذلك أخذا يغسلان الأموال بشراء مصالح تجارية شرعية. وتفككت هذه العصابة في أعقاب محاولة سرقة كبيرة ومقتل حارس شركة على أيدي أحد "جنودهما"، الذي سُجن، وبعد سنوات صدر عفو بحقه ليخرج من السجن عازما على فضح رئيسيه وكشف جرائم قتل ارتكباها وخططا لها.
والأهم من ذلك، هو أن برنامج التحقيقات كشف عن العلاقة بين أوشري وأهاروني وبين زئيفي، الذي كان أكبر سياسي في إسرائيل ساعدهما على الهرب من البلاد واستمر في مساعدتهما بعد هربهما أيضا. وكان الثلاثة قد اتفقوا على اللقاء في مكان ما في جنوب تل أبيب، بعد أن أدرك أوشري وأهاروني أن عليهما الهرب من البلاد بسرعة، وأرادا أن يساعدهما زئيفي بالصعود إلى سفينة شحن، كمسافرين متخفيين، وتهريبهما إلى خارج الحدود.
وكان الصحافي ناحوم برنياع قد كتب في صحيفة "دافار"، في العام 1978، عن علاقات أوشري وأهاروني مع سياسيين وضباط، وأن أقوى العلاقات كانت تربطهما بزئيفي. لكن هذا الأخير لم يكن الوحيد الذي استضافه رئيسا العصابة على موائد الطعام والشراب والنكاح، وكان من بين ضيوفهما سياسيون مثل موشيه دايان وشمعون بيريس وعدد من ضباط الجيش الذي يحملون رتبة لواء.
وأضاف برنياع أن "الضباط المتعطشين للترفيه اعتقدوا أن كل هذه الطيبات تُمنح مجانا. (لكن) وفقا لتقرير اللجنة التي تقصت الحقائق بشأن الجريمة المنظمة أقرت بأن هذه الحفلات لم تكن مجانية وكان هناك مقابل كامل لقاءها...".
ويعني ما كتبه برنياع قبل 37 عاما أن العلاقة بين زئيفي وهذين المجرمين الكبيرين كانت معروفة طوال هذه السنين. وفي حينه، عندما هرب أوشري وأهاروني، استدعت الشرطة زئيفي إلى التحقيق حول شبهات بأنه ساعدهما على الهرب من البلاد. وقال زئيفي أثناء التحقيق أنه اتفق فعلا معهما على اللقاء في مكان ما، لكنه ضل العنوان وعاد إلى بيته. وتمسك المجرمان بهذه الرواية طوال السنوات الماضية وادعيا أنهما لم يلتقيا مع زئيفي قبل هربهما. ولم تنجح الشرطة الإسرائيلية في الحصول على أدلة بأن اللقاء تم فعلا، ولذلك أغلق التحقيق ضد زئيفي.
لكن أوشري كشف خلال مقابلة أجراها معه برنامج "عوفدا"، الذي بُث في نهاية الشهر الفائت، أنه وأهاروني التقيا مع زئيفي في المكان المقرر في جنوب تل أبيب وساعدهما على الهرب من البلاد. وقال أوشري إن "هذه المرة الأولى في حياتي التي أتحدث فيها عن أن زئيفي جاء إلى اللقاء". وكشف المجرمان أيضا، عن أن الاتصال بينهما وبين زئيفي لم ينتهِ عند ذلك اللقاء قبيل هربهما. وقالا إنه فيما كانت الشرطة الإسرائيلية والانتربول يلاحقانهما، كانا يمولان سفر زئيفي من إسرائيل إلى أمستردام، حيث كانا يختبئان، وهناك كان زئيفي يطلعهما على تفاصيل من داخل التحقيق الذي تجريه الشرطة ضدهما.
"هالة بعد حرب حزيران"
كتب الوزير وعضو الكنيست الأسبق، يوسي سريد، في مقاله الأسبوعي في صحيفة "هآرتس" يوم 30 كانون الثاني الفائت، أنه "في حينه، قبل 35 عاما، كنا نعرف أن رحبعام زئيفي ينتمي إلى ’عصابة هكيرم’. وكنا نعرف أن الثلاثة هم أخوة في المسدس، وكيف سقط كاتم صوت – وهو شيء نادر في تلك الأيام، - بأيديهم. وعلمنا بما قيل في المحادثة التي تم تسجيلها بعد اكتشاف الجثث في الرمال (لضحايا العصابة)".
وأشار سريد إلى محاولات سياسيين منع دخول زئيفي بماضيه الإجرامي إلى الحلبة السياسية. وكتب "ما الذي لم نفعله لدى تسرحه من الجيش كي نمنعه من دخول السباق إلى القمة المدنية، وفشلنا كعادتنا. وعندما وجد وزير الداخلية والشرطة أن من الصواب تعيينه هو بالذات مستشارا خاصا، اعتقدنا أن هذه فكرة مجرمة، لأنه بذلك يجعلون المجرمين يحرسون الشرطة". وأضاف أن وزير الداخلية في حينه، يوسف بورغ، رفض عريضة وجهها إليه 12 عضو كنيست وطالبوا فيها بعدم تعيين زئيفي مستشارا.
وأكد سريد أن زئيفي لم يكن الضابط الوحيد الذي تورط مع مجرمين "بعد تلك الحرب التي خدرته" في إشارة إلى حرب حزيران العام 1967. وأضاف "لكن الأخوة غطّت على كافة الجرائم" وتعاملوا مع الضباط ومع زئيفي "بحذر بالغ" بسبب الهالة التي أحاطت بهم.
من جانبه، كتب برنياع في "يديعوت أحرونوت"، الأسبوع الماضي، أن "المشكلة ليست زئيفي، وإنما مشروع التخليد الذي أقامته الدولة من أجله. وبسبب هذا التخليد، ومن أجله فقط، يستوجب إجراء تحقيق حول ما فعله زئيفي حينذاك وما لم يفعله. وإذا اتضح أن كل شيء كان حقيقة، سيدرك الجميع أن التخليد زائد، وليرتاح رحبعام زئيفي في مرقده بسلام، من دون مراسم رسمية ومن دون دروس تخليد في المدارس. وإذا ما اتضح أن زئيفي ناصع كالثلج، بإمكاننا مواصلة الإعجاب فيه بقلب هادئ، كنموذج للتقليد، وشخصية فذة"!!