المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

رئيس "سلطة أراضي إسرائيل" مشتبه به باستغلال منصبه لوضع "أراضي الدولة" في خدمة مآرب ومصالح شخصية له ولمقربيه!

تشكل الانتخابات الإسرائيلية العامة، عادة، "فرصة" للكشف عن فضائح مختلفة في مؤسسات الدولة الرسمية نظرا لما تمليه مصالح أطراف مختلفة معنية بالانتخابات وما ستؤول إليه من نتائج، من جهة، لكنها تشكل، في المقابل ومن جهة أخرى، "دافعا" قويا لدى أطراف أخرى للتستر على هذه الفضائح وبذل محاولات مستميتة لإبقائها طي الكتمان، ولو مؤقتا، نظرا لما قد تحمله من تأثيرات قد تكون وخيمة عليها انتخابيا.

غير أن الأهم، في سياق الكشف عن الفضائح في خضم معركة انتخابية، يتمثل في الحيز الذي تختار وسائل الإعلام المختلفة إفراده لها بينما "عامة الناس" مشغولة بالتجاذبات والمنافسات الانتخابية المختلفة وفي مدى التأثير الذي يمكن أن تمارسه مثل هذه الأخبار (حول الفضائح) على مواقف جمهور المصوتين وميولهم الانتخابية.

وأيا تكن الإجابة عن هذه التساؤلات، تبقى حقيقة استشراء الفساد وتغلغله في مختلف شرايين ومستويات المؤسسات الرسمية في إسرائيل وما لها من مفاعيل مستقبلية محتملة هي الأساس، خاصة وأن مظاهر الفساد هذه لا تتوقف عند حد ويبدو أن ما يتم الكشف عنه من هذه المظاهر إنما يخضع، في واقع الأمر، إلى اعتبارات مصلحية محدودة، وليس محكوما بقرار رسمي ناجز وسياسة رسمية مبلورة ومتكاملة لمحاربة الفساد سعيا إلى اجتثاثه من جذوره، وهو ما يشي ـ مما يتم الكشف عنه تباعا ـ بأن ""المخفي (ما زال) أعظم"، على الرغم من تأكيدات تكررت على ألسنة مسؤولين كبار في الساحة الإسرائيلية، سياسيا وبرلمانيا وقضائيا وشـُرطيّا وإعلاميا، بأن "الفساد هو الخطر الأكثر جدية وجسامة على وجود دولة إسرائيل، أكبر بكثير وبما لا يُقاس من أي خطر خارجي، أمنيا كان أو سياسيا"!

"أراضي إسرائيل" في مرمى "القنص"!


وإحدى فضائح الفساد الجديدة، ومن بين الأكثر خطورة، التي تم كشف النقاب عنها مؤخرا فقط، هي تلك التي تتعلق بمؤسسة رسمية هي من أهم المؤسسات الرسمية في إسرائيل وأكثرها حساسية، ويكفي اسمها للدلالة على مدى أهميتها وخطورتها: "سلطة أراضي إسرائيل"!
وهذا الاسم هو الاسم الجديد ـ ابتداء من مطلع آذار 2013 ـ لإحدى المؤسسات الأهم في مجال الأراضي في إسرائيل، السيطرة عليها وإدارتها، وهي: "مديرية أراضي إسرائيل". وهذا هو الجسم الرسمي الذي "يدير أراضي الدولة في إسرائيل"، بموجب قانون خاص سنه الكنيست الإسرائيلي في العام 1960، أقرّ إنشاءه وحدد مهامه، سلطاته وصلاحياته.
وطبقا لهذا القانون، تتولى "مديرية أراضي إسرائيل" مهمة "إدارة" جميع الأراضي التي تعود ملكيتها، وفقا للتسجيلات الرسمية في سجلات "الطابو"، إلى ثلاثة أجسام / أطراف هي: 1. دولة إسرائيل ـ وهي التي تعود إليها ملكية جميع الأراضي التي كانت تحت ملكية المندوب السامي البريطاني في فلسطين عشية إقامة دولة إسرائيل، إلى جانب الأراضي التي تم "امتلاكها" أو مصادرتها لصالح الدولة في أعقاب قيامها؛ 2. "الصندوق القومي اليهودي" ("كيرن كييمت ليسرائيل")، وهي منظمة صهيونية تم تأسيسها في العام 1901 كوسيلة لجمع الأموال من اليهود في العالم بغية شراء واستملاك الأراضي في فلسطين ("أرض إسرائيل") وتهيئتها للاستيطان اليهودي ـ وهذا تعود إليه ملكية جميع الأراضي التي تم شراؤها واستملاكها بواسطة "الصندوق" نفسه منذ تأسيسه (في العام 1901)؛ 3. "سلطة التطوير"، وهي هيئة حكومية أقيمت في العام 1951 بموجب قانون خاص سنه الكنيست في آب 1950 ("قانون أملاك الغائبين")، بغية "إدارة الأراضي" التي وضعها القانون إياه تحت تصرف "الوصي على أملاك الغائبين" في أعقاب النكبة الفلسطينية، إلى جانب الأراضي التي تمت مصادرتها بموجب "قانون تملك الأراضي" من العام 1953.
وفي المجمل، تتولى "سلطة أراضي إسرائيل" (وهي هيئة حكومية) المسؤولية المباشرة عن "إدارة" ما تصل نسبته إلى 93% من مجموع مساحات الأراضي الواقعة "ضمن حدود دولة إسرائيل". وينص "قانون أساس: أراضي إسرائيل" على منع نقل الملكية على أي من مساحات "أراضي إسرائيل" إلى ملكية خصوصية، ما يعني أن "سلطة أراضي إسرائيل" هي الجسم الأساس في دولة إسرائيل الذي يتولى مسؤولية ومهام "إدارة" الأراضي في الدولة والتصرف بها.
ويتضح، مما سُمح بالنشر عنه حتى الآن، أن تحقيقات الشرطة في هذه القضية بدأت منذ أكثر من ستة أشهر، في أعقاب شكوى قدمت إليها، وأن هذه التحقيقات لا تزال متواصلة، ما يعني أن فضيحة الفساد هذه في "سلطة أراضي إسرائيل" تتشعب يوما بعد يوم لتمتد خيوطها وتتطاول وقد توقع في شباكها رسميين مسؤولين كبارا، حاليين وسابقين، تحوم حولهم شبهات قوية جدا بأنهم تصرفوا بمساحات واسعة من "أراضي الدولة" لخدمة مصالح ومآرب شخصية، لهم ولمقربين منهم. فقد علم أن الشبهات المركزية في هذه القضية تتمثل في قيام المحامي ناحوم لينغنطال، عضو الكنيست السابق عن حزب "المفدال" (المركّب المركزي في حزب "البيت اليهودي" الحالي) باستغلال علاقاته الشخصية الوثيقة مع رئيس "سلطة أراضي إسرائيل"، بنتسي (باروخ تسفي) ليبرمان، لتمرير ما أطلق عليه اسم "قضية أراضي شركة الصناعات الملحية"، وفي مركزها إقرار "سلطة أراضي إسرائيل" بأن مساحات واسعة من "أراضي الدولة" في مدينتي عتليت وإيلات هي أراض مخصصة للبناء السكني، وليست أراضي للأغراض الصناعية ـ الزراعية، الأمر الذي يؤدي إلى جني الشركة المذكورة أرباحا طائلة جدا تقدّر بمئات ملايين الشواكل. وهذا، فضلا عن قضايا أخرى تتعلق بمشاريع بناء سكني تولتها ونفذتها شركات أخرى للينغنطال وليبرمان علاقة مباشرة بها، سواء بالملكية أو بالعمل أو بالمصالح.

ليبرمان ولينغنطال ـ مسيرة طويلة من الصداقة والمصالح المشتركة!

بنتسي (باروخ تسفي) ليبرمان وناحوم لينغنطال هما صديقان شخصيان حميمان، ترعرعا في صفوف "حزب المتدينين الوطنيين" (المفدال)، ثم أصبحا عضوين في لجنته المركزية، بينما كانا من العاملين البارزين في قطاع العقارات في الدولة.

وكان ليبرمان قد بدأ نشاطه السياسي نائبا لرئيس بلدية مدينة الخضيرة، مسقط رأسه، ثم كان المبادر المركزي إلى إقامة مستوطنة "بيدوال" في الضفة الغربية، ومنها تسلم منصب رئيس "مجلس المستوطنات"، ثم رئيس المجلس الإقليمي "شومرون". وبعد ذلك، في العام 2009، أوكل إليه منصب مدير مديرية "تفنيت" في ديوان رئيس الحكومة الإسرائيلية المسؤولة عن "معالجة وتأهيل" المستوطنين الذين تم إخلاؤهم من مستوطنات "غوش قطيف" في قطاع غزة، ولهذا يطلق عليها أيضا اسم "مديرية الانفصال". وفي أيلول من العام 2011، أقر رئيس الحكومة (بنيامين نتنياهو) ووزير المالية (يوفال شتاينيتس) ووزير البناء والإسكان (أريئيل أطياس) تعيين بنتسي ليبرمان مديرا عاما لـ"مديرية أراضي إسرائيل"، التي تغير اسمها إلى "سلطة أراضي إسرائيل" ابتداء من مطلع آذار 2013.

أما ناحوم لينغنطال فكان ناشطا مركزيا في حزب "المفدال" حيث تولى فيه منصب "السكرتير السياسي"، ثم تولى، في العام 1996، منصب المدير العام لوزارة المواصلات، ثم انتخب لعضوية الكنيست ضمن قائمة "المفدال" في انتخابات الكنيست الـ 15، لكنه عاد إلى "أعماله الخاصة" بعد دورة واحدة فقط.

وفي العام 2011، كان ليبرمان ولينغنطال من بين المرشحين لتولي منصب المدير العام لديوان رئاسة الحكومة، غير أن أيا منهما لم يفز بالمنصب وتم "تعويض" ليبرمان بتعيينه مديرا عاما لـ"سلطة أراضي إسرائيل".

وتعود الشراكة في مجال المصالح الاقتصادية بين ليبرمان ولينغنطال إلى سنوات عديدة خلت، إذ كانا شريكين في مكتب للمحاماة، ومن خلاله قاما بشراء وتملك مساحات واسعة من الأراضي. وفي وقت لاحق، وبعد انشغال كل منهما في مناصب رسمية وحزبية مختلفة لبضع سنوات، عادت هذه المصالح لتلتقي من جديد حينما اشترى لينغنطال حصة من شركة "أل هار للهندسة والبناء" ـ وهي شركة فرعية تمتلكها شركة "كردان"، إذ أصبحت "أل هار"، بعد دخول لينغنطال شريكا أساسيا في ملكيتها، الذراع التنفيذية المركزية في مشروع "إخلاء وبناء" في أحد الأحياء الكبيرة في مدينة اللد وكان مخصصا لجمهور المواطنين المتدينين، وذلك في أعقاب مناقصة أصدرتها "سلطة أراضي إسرائيل" في العام 2009. وقبل ذلك بوقت قصير، تم تعيين ليبرمان مستشارا في شركة "كردان" وكان أحد المقررين المركزيين في هذا المشروع.

{مصطلح "إخلاء وبناء" يصف سياسة الحكومة والسلطات المحلية في إسرائيل في "تجديد مناطق مهملة" في المدن والبلدات المختلفة. وفقا للقانون، تعلن وزارة البناء والإسكان ضرورة إخلاء منطقة معينة أو حي معين من البيوت القديمة، وبناء بيوت جديدة مكانها وبدلا منها، غالبا ما تكون أبراجا سكنية. يتلقى سكان البيوت القديمة تعويضاً مقابل إخلائهم منها، وعادة ما يحصلون على شقّة في المباني الجديدة، أو في مكان آخر. هذه البيوت الجديدة يتولى مهمة إنشائها وتجهيزها، عادة، مبادرون ومقاولون (وشركات) من القطاع الخاصّ يحصلون على امتيازات وتسهيلات ضريبية واسعة ومختلفة، بينما تقوم البلدية (السلطة المحلية) بتطوير البنية التحتية في الموقع}.

الشبهات العينية: علاقات تُخضع المواقع الرسمية للمصالح الشخصية!

وفي نهاية الأسبوع قبل الماضي، أجرى محققو "الوحدة القطرية للتحقيق في قضايا الغش والاحتيال" في شرطة إسرائيل، نهاية الأسبوع قبل الماضي، تحقيقا استمر أكثر من عشر ساعات مع بنتسي ليبرمان أخضع في نهايته للاعتقال المنزلي لبضعة أيام، وذلك بشبهة ارتكاب مخالفات الغش وخرق الأمانة، وبضمنها المساعدة في تمديد حقوق الاستئجار لشركة "كردان" في منطقة تعرف باسم "بيت كردان" في تل أبيب، تقديم الدعم والتسهيلات لمشروع بناء سكني تنفذه الشركة نفسها في مدينة اللد، فضلا عن تقديم المساعدة والتسهيلات لشركة "الصناعات الملحية" التي تمتلكها شيري أريسون، مالكة "بنك هبوعليم" ("بنك العمال") الإسرائيلي.

كما أجرى محققو الوحدة ذاتها تحقيقا مطولا مع المحامي لينغنطال، أخضع في نهايته، هو الآخر، للاعتقال المنزلي لبضعة أيام، علما بأن لينغنطال يشغل اليوم عضوية إدارة شركة "كردان"، بينما أشغل ليبرمان في السابق منصب "مستشار" لها، وهي شركة تعمل في مجال المبادرة والتخطيط والتنفيذ لمشاريع بناء سكني في مناطق مختلفة من البلاد، بما في ذلك بواسطة شركة فرعية تدعى "أل هار للهندسة والبناء"، التي يشغل ليبرمان فيها منصب عضو في مجلس الإدارة!

كما حققت الشرطة مع عدد كبير من الموظفين الرسميين ومع أشخاص من خارج "سلطة أراضي إسرائيل" بشبهة الضلوع في هذه الفضيحة وأصدرت الشرطة أوامرها إلى كل من ليبرمان ولينغنطال بعدم الدخول إلى مكاتب "سلطة أراضي إسرائيل"، وهو ما دفع ليبرمان إلى تقديم استقالته من منصبه.

وتشتبه الشرطة بأن ليبرمان خرق، بضع مرات في بضع مناسبات، أنظمة "تضارب المصالح" التي وقع عليها وتعهد بها لدى تعيينه رئيسا لـ"سلطة أراضي إسرائيل"، إلى جانب استغلال منصبه في هذه السلطة لدفع وتسهيل عقد وتنفيذ صفقات عديدة لصالح شركة "كردان". وتتمثل الشبهة المركزية، في هذا السياق، بقيام ليبرمان بدفع وتسهيل تخطيط وتنفيذ مشروع بناء سكني في مدينة اللد ("مشروع رمات أليشيف") لصالح شركة "أل هار للهندسة والبناء"، من خلال موقعه في رئاسة "سلطة أراضي إسرائيل"، وذلك على الرغم من علاقاته الوثيقة مع لينغنطال وعلى الرغم من إشغاله عضوية مجلس إدارتها ومنصب مستشار سابق في شركة "كردان" المالكة لها. وتؤكد الشرطة، في معرض الشبهات، أن ليبرمان صادق لشركة "كردان" على بيع مساحة من الأراضي لشركة أخرى تدعى "روتشتاين" لتنفيذ مشروع البناء السكني في مدينة اللد وأن هذا المشروع لم يكن من الممكن تنفيذه لولا مصادقة ليبرمان ("سلطة أراضي إسرائيل") المذكورة وأن شركة "كردان" حققت من وراء هذه الصفقة ربحا صافيا زاد عن خمسة ملايين شيكل.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات