المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
رفع الضرائب لتمويل الحرب: عبء إضافي على الشرائح الضعيفة. (فلاش 90)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 109
  • برهوم جرايسي

سجل التضخم المالي في إسرائيل في الشهر الأول من العام الجاري، كانون الثاني 2025، ارتفاعا بنسبة 0.6%، بحسب ما أعلنه مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، في نهاية الأسبوع الماضي، وكانت هذه النسبة ضمن التوقعات المسبقة. وبهذا يكون الاقتصاد الإسرائيلي قد افتتح العام الجديد بموجة غلاء وأعباء ضريبية غير مسبوقة بحجمها كدفعة واحدة، تسقط على عاتق الجمهور. وفي المقابل أعلنت وزارة المالية الإسرائيلية أن شهر كانون الثاني سجل ذروة غير مسبوقة إطلاقا، في حجم جباية الضرائب في شهر واحد، بواقع 62 مليار شيكل (17.2 مليار دولار)، ومن ضمن مسببات هذا الارتفاع زيادة الضرائب المتنوعة على الجمهور، والاقتصاد ككل.

وكان التضخم المالي في العام الماضي 2024، قد فاجأ جميع الأوساط الرسمية والاقتصادية الخاصة، بأن جاء أقل من جميع التوقعات، وبلغ نسبة 3.2%، في حين أن آخر تقدير لبنك إسرائيل المركزي كان يتحدث عن نسبة 3.8%، وتقريبا مثلها أو أقل بقليل بتقديرات وزارة المالية الإسرائيلية، ومن خلفهما تقديرات مؤسسات مالية واقتصادية عالمية. ورغم ذلك، فقد بقي التضخم فوق السقف الذي حدده بنك إسرائيل المركزي، وهو 3%.

وكانت الأسواق الإسرائيلية قد شهدت في الشهر الأول من هذا العام، ارتفاعات أسعار في قطاعات مختلفة، فإلى جانب ارتفاع ضريبة المشتريات (ضريبة القيمة المضافة) بنسبة 1%، كان هناك ارتفاع أسعار الكهرباء بنسبة 3.4%، والمياه بنسبة 2%، وبالنسبة للكهرباء والمياه فإن الارتفاع عدا 1% أخرى من ضريبة المشتريات. كما ارتفع سعر الوقود بنسبة تجاوزت 1%، وسلسلة كبيرة من أصناف المواد الغذائية، التي ارتفعت بمعدل 5%، وكان ارتفاع الأسعار الأكبر، في المواد الغذائية، مثل القهوة على أشكالها، والمنتجات التي تدخل فيها القهوة، إذ وصل الارتفاع في عدد من الأصناف إلى نسبة 15%.

وعوامل الغلاء متعددة، لكن تقريبا لا يوجد أي جانب فيها إلا وساهمت الحرب فيها كمسبب، حتى وإن كان بكلفة النقل من الخارج، التي ارتفعت بسبب تبعات الحرب خاصة. إلا أن ما زاد الطين بلة هو ارتفاع أسعار في الأسواق العالمية، خاصة في المواد الخام لصناعة الأغذية. لكن ساهم في الغلاء أيضا استغلال كبار المنتجين والمستوردين والمسوّقين حالة عدم الاستقرار الاقتصادي، لرفع أسعار في الأسواق بنسب تفوق ارتفاع كلفة الإنتاج والاستيراد والتوزيع.

وأمام هذه الحالة، تعددت التقارير الاقتصادية في الصحافة التي تحدثت عن تراجع ملموس في مشتريات الجمهور في الشهر الأول من العام الجاري، إذ بحسب أحد التقارير فإن شبكات التسوق الكبرى تحدثت عن تراجع بنسبة 8% في مبيعاتها، وهي شبكات تسوق البضائع الغذائية والاحتياجات الحياتية الأساسية. وقال تقرير آخر، إن مبيعات الملبوسات تراجعت هي الأخرى بنسبة 5%، رغم أنه في الشهر الأول من كل عام، عادة ترتفع مشتريات الملبوسات، للاستفادة من تخفيضات نهاية الموسم.

وقال تقرير في صحيفة "يديعوت أحرونوت" إن الضربات الاقتصادية التي وجهتها الحكومة، مثل تجميد غالبية المخصصات الاجتماعية، وعدم رفعها بنسبة الغلاء في العام الماضي، وأيضا عدم تعديل تدريج ضريبة الدخل (الرواتب)، أيضا بنسبة غلاء العام الماضي، إضافة إلى موجة الغلاء في أصناف غذائية كثيرة، أدت إلى جعل المستهلكين يلجمون مشترياتهم في شبكات التسوق، ولهذا فإن شبكات التسوق هذه بدأت تستعد لسنة لن تكون سهلة عليها، بحسب ما ورد.

ونشير هنا إلى أنه في سلسلة تقارير سابقة، في نهايات العام الماضي، تبين أن أرباح شبكات التسوق كانت عالية بشكل استثنائي، وأن قسما كبيرا منها رفع الأسعار بأكثر من النسب التي طرحها المنتجون والمسوّقون.

ونقلت الصحيفة عن أحد المسؤولين في إحدى شبكات التسوق، دون ذكر اسمه، قوله إن حركة السوق في الشهر الأول من هذا العام هي مؤشر واضح لحركة السوق في العام الجديد كله، بمعنى تراجع المبيعات، إلا أنه أشار إلى أن ارتفاع الأسعار سيعوّض المنتجين والمسوّقين عن تراجع المبيعات، من حيث المداخيل الاجمالية.

وتابع المسؤول نفسه قائلا إن ارتفاع الأسعار أدى بشكل واضح إلى تراجع المبيعات من حيث الكميات، بمعنى أن المستهلكين إذا لم يتجنبوا شراء بعض الأصناف، فإنهم قلصوا الكميات التي اعتادوا عليها.

ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه، أمام هذه التقارير والتصريحات، ما إذا كانت شبكات التسوق ستستأنف وبدعم من المنتجين وكبار المسوّقين المستوردين، حملات تخفيض الأسعار التي توقفت بنسبة عالية جدا، خاصة في النصف الثاني من العام الماضي؟

احتمالات الفائدة البنكية

وبعد الإعلان عن أول نسبة تضخم في العام الجاري، فإن الأنظار تتجه إلى بنك إسرائيل المركزي، الذي من المفترض أن يعلن يوم 24 شباط الجاري عن قراره بشأن الفائدة الأساسية، وفي حين تميل غالبية التقديرات إلى إبقاء البنك على الفائدة الأساسية الحالية وهي 6%، منها 1.5% ثابتة، فإن هناك تقديرات أخرى تقول إن البنك قد يفاجئ بخفض طفيف للفائدة، ربع نقطة (0.25%)، ردا على سلسلة متغيرات.

ومن هذه المتغيرات، أن التضخم في الشهر الأول من العام الجاري يحمل معه ارتفاعات كلفة المعيشة المتعددة، وأولها رفع ضريبة القيمة المضافة (ضريبة المشتريات) بنسبة 1%، وارتفاع أسعار المياه والكهرباء، وحتى رسوم الضمان الاجتماعي والصحة، إضافة إلى ارتفاع سلسلة من البضائع الغذائية ومنها الأساسية، لكن لا تلوح في الأفق القريب موجة غلاء كبيرة أخرى، ما يمكن أن يكون مؤشرا للجم التضخم في الفترة القريبة.

كذلك فإن الفائدة في البنك الإسرائيلي باتت بعيدة بفجوة كبيرة عن الفائدة في الاتحاد الأوروبي (2.7%)، ويضاف إلى هذا مؤشرات تراجع حركة السوق في الشهر الأول من العام الجاري، ولذا فإن خفضا طفيفا للفائدة، في حال حصل، قد يحرر أموالا ليست قليلة، إذ بحسب تقديرات اقتصادية سابقة، فإن كل 1% فائدة بنكية، تعادل مداخيل للبنوك بقيمة 5.2 مليار شيكل سنويا؛ وهذا يفسر الارتفاع الحاد في أرباح البنوك التجارية في العامين الأخيرين، على وجه الخصوص.

ذروة غير مسبوقة في جباية الضرائب

أعلنت وزارة المالية الإسرائيلية، في الأسبوع الماضي، أن جباية الضرائب في شهر كانون الثاني الماضي بلغت حجما غير مسبوق في شهر واحد، في تاريخ الاقتصاد الإسرائيلي، إذ تجاوز 62 مليار شيكل (17.2 مليار دولار). وآخر مرة سجلت فيها الضرائب ذروة غير مسبوقة، كانت في الشهر الأول من العام 2022 (كانون الثاني)، حينما تجاوزت الضرائب بقليل 48 مليار شيكل.

وقد ساهم في هذه الذروة سلسلة قنوات ضريبية تم تطبيقها في الشهر الأول من هذا العام، من أبرزها زيادة ضريبة المشتريات (ضريبة القيمة المضافة) بنسبة 1%، لتصبح 18%، ما سيضيف إلى خزينة الضرائب ما يقارب 7.5 مليار شيكل في العام كله، بعد احتساب توقعات الغلاء وزيادة الاستهلاك بفعل زادة السكان.

لكن الزيادة من هذه الضريبة ستكون ملموسة أكثر مع نهاية العام الماضي، وما ساهم أكثر هو رفع الضريبة على الثراء الكبير، من 3% إلى 5%، كضريبة زائدة مؤقتة، وهذا يشمل أيضا الضريبة على أرباح اليانصيب الكبيرة، التي وصلت إلى 40%.

كذلك تم فرض ضريبة على ما تسمى "الأرباح المحتجزة". وهذه قضية تحاول كل الحكومات في السنوات العشر الأخيرة على وجه الخصوص معالجتها، ويجري الحديث عن أرباح احتجزتها الشركات ولم توزعها على المساهمين والمالكين، كي لا يتم فرض ضريبة عليها، وقبل عامين أو ثلاثة، كان يجري الحديث عن أرباح تفوق 120 مليار شيكل، لم يتم توزيعها، إلا أن وزارة المالية فرضت عليها نسبة ضريبة ضئيلة، 2.7%، كمرحلة أولى.

وينضم إلى مسببات ارتفاع الضرائب عدم تعديل تدريج ضريبة الدخل بنسبة 3.4%، التي كان من المفروض تعديلها لصالح الأجيرين. كذلك تحدثت التقارير الاقتصادية عن أن الكثير ممن أبرموا صفقات تجارية، على مستوى الشركات أو الأفراد، قد سارعوا لإبرامها في الشهر الأخير من العام الماضي، لتجنب ارتفاع ضريبة المشتريات وضرائب أخرى، وتم دفع الضريبة عن هذه الصفقات في الشهر الأول من هذا العام. وهو ما يعني بحسب استنتاجات خبراء الاقتصاد، أن الارتفاع الحاد في جباية الضرائب ليس مؤشرا لانتعاش ما في حركة السوق، بل هو نتيجة لتحركات اقتصادية مؤقتة، وستتضح الصورة أكثر في الأشهر اللاحقة.

وقد أدى الارتفاع الحاد في جباية الضرائب في شهر كانون الثاني الماضي، إلى هبوط حاد نسبيا في نسبة العجز في الميزانية العامة، في حسابات الأشهر الـ 12 الأخيرة، إذ هبط العجز إلى نسبة 5.8% من حجم الناتج العام، بعد أن بلغ في الشهر الذي سبقه 6.9%، وهي نسبة العجز في العام الماضي 2024.

وكانت نسبة العجز في العام 2024، وهي كما ذكر 6.9%، النسبة الأعلى منذ 25 عاما، وهذا عجز تراكمه الحرب واستمرارها، باستثناء عام الكورونا في 2020، حينما ارتفع العجز إلى نسبة 11.3%، لكنه كان عجزا عابرا، وتم لجمه في السنوات التالية.

ونذكر أن نسبة العجز في العام الماضي جاءت أقل من مخطط الحكومة المعدّل، بنسبة 7.7%. وفي العام 2023، بلغت نسبة العجز 4.1%، بعد أن كان سقف العجز الذي حددته ميزانية ذلك العام 0.9%، وكادت هذه النسبة أن تتحقق تقريبا لولا الحرب التي شنتها إسرائيل في الأشهر الثلاثة الأخيرة من ذلك العام.

المصطلحات المستخدمة:

يديعوت أحرونوت

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات