المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
هجمات 7 أوكتوبر وما تلاها: الحكومة الإسرائيلية ضُبطت غير جاهزة على أكثر من صعيد. (صحف)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 91
  • هشام نفاع

أصدر مراقب الدولة الإسرائيلية تقريراً خاصاً تناول "استعدادات الدولة للعلاج والدعم المطلوبين للسكان بسبب آثار أحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول) وحرب السيوف الحديدية، من أجل ضمان متانة الفئات السكانية المدنية في إسرائيل، بما في ذلك الصحة النفسية، والخطوات التي يتعين على الدولة اتخاذها لضمان حصول المتضررين نفسياً نتيجة الأحداث المؤلمة على العلاج وإعادة التأهيل، المساعدة النفسية الشاملة وطويلة الأمد، ومساعدة في الميزانية التي تتيح لهم العودة، في أسرع وقت ممكن، إلى روتين الحياة الطبيعي"، كما جاء في مقدمة التقرير.

وهو ينوّه إلى أنه "يتناول نشاط نظام الصحة النفسية قرب وقوع أحداث السابع من أكتوبر والأشهر التي تلتها، ويتناول تنظيم نظام الصحة النفسية لمن يحتاجها وسط جميع السكان، وخاصة من تم إجلاؤهم ومن كانوا حاضرين في أحداث السابع من أكتوبر، مع التركيز على نطاق واسع لمن قد تظهر عليهم أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، القلق والاكتئاب".

ويذكّر أن مكتب مراقب الدولة كان عرض في رسالة إلى رئيس الحكومة بتاريخ 13.11.23، "الوضع والإخفاقات والثغرات الرئيسة في التعامل مع الجبهة الداخلية المدنية التي ظهرت في جولاته في بلدات خط الصراع في جنوب البلاد والشمال والأماكن التي تم إجلاء النازحين إليها". وأشار حينذاك إلى أن الجولات التي أجريت في الفنادق التي استضافت النازحين كشفت أن "نظام الصحة النفسية الحكومي العام فشل في علاج النازحين، لأنه اعتمد بالغالبية العظمى على المتطوعين. وقد عمل نظام الصحة النفسية بدون نهج منظم، إلى جانب المبادرات التطوعية المحلية، وبدون الحفاظ على استمرارية العلاج وتوثيقه".

غالبية عظمى لم تتوجه للحصول على علاج نفسي

وتابع أنه أجرى استطلاعاً بعد نحو ستة أشهر من السابع من أكتوبر، بمشاركة 1010 أشخاص، وبلغ نحو ثلثهم عن أعراض اضطراب ما بعد الصدمة أو الاكتئاب (32% و- 34%، بالتلاؤم) بمستوى متوسط أو شديد، ونحو 21% منهم يعانون من أعراض القلق. مع ذلك، فإن الغالبية العظمى (90%) من المشاركين في الاستطلاع لم يتوجهوا للحصول على علاج نفسي، والسبب الأكثر شيوعاً لعدم التوجه للحصول على علاج هو طول مدة الانتظار لتلقي علاج في صناديق المرضى، والذي كان بلغ خلال وقت إجراء الاستطلاع نحو ستة أشهر ونصف الشهر تقريباً.

وينوّه إلى أن الرقابة السابقة التي أجراها مراقب الدولة قبل الحرب كانت كشفت أوقات الانتظار للتشخيص والعلاج طويلة. وبلغت العام 2018 نحو خمسة أشهر. هذا التقرير الذي نُشر قبل أربع سنوات من الحرب، قد أشار بالفعل إلى نقص كبير في المتخصصين بالصحة النفسية، بمن في ذلك المعالجون والأطباء النفسيون. وفيما يتعلق بمدة الانتظار لطبيب نفسي، ذكر تقرير آخر أن مدة الانتظار في العام 2022 وصلت نحو شهر ونصف الشهر. ويؤكد: "من الضروري الآن تكييف الاستجابة في مجال الصحة النفسية مع احتياجات السكان الإسرائيليين، نظراً لشدة الأحداث وعدد المتضررين والعواقب المتوقعة إذا لم تتم معالجة هذه القضية".

وزارة الصحة لم تكن مستعدة مسبقاً لتقديم خدمات صحة نفسية

كشفت الرقابة في التقرير الأخير أن وزارة الصحة لم تكن مستعدة مسبقاً لتقديم خدمات صحة نفسية للفئات السكانية التي تم إجلاؤها أو الذين قرروا الإخلاء بشكل ذاتي، على الرغم من أن مثل هذا السيناريو كان معروفاً. وهكذا، في الأسبوع الأول بعد إجلاء السكان إلى الفنادق، لم تكن وزارة الصحة مستعدة بعد لتقديم خدمات للسكان الذين تم إجلاؤهم، وعملياً قدمها متطوعون لم تعرف الوزارة هويتهم، تدريبهم وخلفيتهم المهنية. لاحقاً قررت وزارة الصحة أن تتولى المستشفيات النفسية إدارة خدمات الصحة النفسية في الفنادق لمدة أربعة أسابيع. إن القرار الذي يقضي بتقديم خدمات الصحة النفسية الطارئة من قبل المستشفيات النفسية وليس صناديق المرضى هو قرار أساس يعني تغيير السياسة المحددة لحالات الطوارئ، وله آثار واسعة النطاق كبيرة، تنبع من حقيقة أن المستشفيات النفسية لم تستعد لتقديم خدمات للنازحين سواء من حيث إجراءات العمل أو من حيث القوى العاملة. على سبيل المثال، طُلب منهم تحويل الأطباء والفرق من واجباتهم المنتظمة في المستشفيات لعلاج النازحين، لكنهم لم يكونوا مستعدين لذلك مسبقاً. لم يتم تحديد أي عمليات منتظمة مسبقاً يتعين عليهم معرفتها والتي من شأنها إتاحة توثيق العلاج، والحفاظ على استمرارية العلاج، والوصول إلى الملف الطبي للنازح؛ أي أنها إجراءات ممكنة بالنسبة إلى صناديق المرضى ولكن ليس بالنسبة إلى المستشفيات النفسية.

بين المعطيات التي يقدمها التقرير: تلقى نحو 11% فقط من جميع النازحين من بلدات الجنوب والشمال أي نحو 23,000 من نحو 210,000 بالغ وطفل تم إجلاؤهم، علاجاً نفسياً من صناديق المرضى ومراكز المتانة. مكتب مراقب الدولة "لفت نظر الهيئة العليا للاستشفاء والصحة في حالة الطوارئ ومدير عام وزارة الصحة الذي يترأسها إلى أنهما لم يتأكدا من عمل النظام الصحي وفق السيناريو الذي توقع إجلاء ما يصل إلى 300,000 نسمة إلى مناطق آمنة نسبياً مثل البحر الميت وإيلات، وأنها مستعدة لتقديم العلاجات النفسية التي تتطلبها الأحداث الطارئة؛ ولعدم صياغة خطة عمل مخصصة للصحة النفسية أثناء الطوارئ بشكل عام وفي حدث يتطلب إخلاء واسع النطاق للسكان بشكل خاص". كما لفت مكتب مراقب الدولة نظر وزير الصحة، وهو المسؤول عما يحدث في وزارته، بأنه "لم يتأكد من استعداد وجاهزية مكتبه فيما يتعلق بنظام الصحة النفسية خلال حالة الطوارئ".

مراكز المتانة: عدم اليقين المالي وقدرة محدودة على الاستجابة

تطرق التقرير أيضاً إلى تشغيل "مراكز متانة" في البلدات الواقعة على طول خطوط الصراع منذ اندلاع الحرب. ويقول: "ألحقت أحداث السابع من أكتوبر والأحداث التي تلتها أضراراً بالغة بشعور المتانة الذاتية والمجتمعية، مما زاد من الحاجة إلى استخدام خدمات مراكز المتانة. مع ذلك، منذ اندلاع حرب السيوف الحديدية وحتى نهاية العام 2023 ، تلقى 15,750 شخصاً، يشكلون 0.16% فقط من إجمالي سكان دولة إسرائيل 50,734 علاجاً من مراكز المتانة. خلال هذه الفترة، صادقت وزارة الصحة على زيادة ميزانية مراكز المتانة بمبلغ 34.66 مليون ش. ج. بالإضافة إلى الميزانية السنوية البالغة 31.87 مليون شيكل التي تمت المصادقة عليها لها في بداية العام، وبلغت العام 2024 ميزانية مراكز المتانة 149.6 مليون شيكل".

ونوّه مراقب الدولة بأنه في رسالته لرئيس الحكومة بتاريخ 13.11.23، ذكر أن مراكز المتانة التي تحاول تقديم استجابة في هذا المجال قليلة ومواردها محدودة للغاية، وأنها تقدم العديد من العلاجات عن بعد - عبر الهاتف أو عبر الإنترنت. وعلى الرغم من أهمية مراكز المتانة في توفير استجابة مركزية وحيوية سواء على مستوى الاستعداد لحالة الطوارئ وتعزيز المرونة الاجتماعية، أو على مستوى علاج ضحايا القلق خلال حالة الطوارئ، وخاصة في منطقة الجنوب والشمال، فإن المراكز واجهت حالة من عدم اليقين المالي ونقص في القوى العاملة - لذا كانت قدرتها على الاستجابة محدودة.

حالة من عدم اليقين في الميزانية ومعالجة المشاكل التشغيلية

كشفت الرقابة عن أن الأموال المخصصة لتمويل تعامل جميع مراكز المتانة مع حالة الطوارئ في الربع الأخير من العام 2023 تم تحويلها من قبل وزارة الصحة إلى مشغلي مراكز المتانة بعد أسابيع قليلة من تنفيذ النشاط، وفي بعض الحالات بعد أشهر، وجزء منها لم يحول بعد إلى المشغلين حتى موعد انهاء الرقابة، في موعد انتهاء الرقابة، نيسان 2024 ، وبعد مرور ما يقرب ثلاث سنوات على نشر توصيات تقرير الرقابة السابق الذي تناول مراكز المتانة، وعلى الرغم من محاولات ترسيخ ميزانيات مراكز المتانة في ميزانية وزارة الصحة، لم يحدد قسم الميزانيات في وزارة المالية إطاراً سنوياً لجميع مراكز المتانة بحيث يتم تثبيتها في قاعدة ميزانية وزارة الصحة ولا في ميزانيات الوزارات الحكومية الأخرى، ويرجع ذلك جزئياً إلى معارضة بعض الوزارات لهذه الخطوة، ولم تحدد، مسبقاً، ميزانية مخصصة لحالات الطوارئ.

وشدد المراقب: يؤدي هذا إلى خلق حالة من عدم اليقين في الميزانية والمشاكل التشغيلية وسط مراكز تتولى اللجنة التوجيهية العليا مسؤولية مرافقة مراكز المتانة ومساعدتها، فضلاً عن تحديد سياسة تشغيلها. يتم تحديد تشكيلة اللجنة من حين لآخر بقرارات حكومية، وتتغير وفقاً للتغيرات في تشكيلة الوزارات الحكومية الشريكة في تمويل مراكز المتانة. وتضم اللجنة، إلى جانب ممثلي الوزارات الحكومية، ممثلين عن مؤسسة التأمين الوطني وقيادة "الجبهة الداخلية".

وتابع: كشفت الرقابة أيضاً أن وزارة الصحة لم تحافظ على إجراءات الرقابة المنتظمة في مراكز المتانة؛ لم تستعد لتحويل المعلومات السرية الخاصة بالمتعالجين بين مختلف الهيئات المعالجة التي تتعامل مع الصحة النفسية؛ لم تحدد لمراكز المتانة توجيهات مناسبة لتقديم خدمات وعلاجات عبر الإنترنت؛ ولم تتم صياغة خطة منهجية لمساعدة ودعم المتعالجين في مراكز المتانة خلال أوقات الطوارئ، وهذا ينطبق بشكل خاص على ضوء الأحداث الصعبة التي تعرض لها المعالجون. على الرغم من أن إجراءات تشغيل مراكز المتانة تنص على أنه خلال فترات الطوارئ أو في حالة خاصة على الجبهة الداخلية، يجب أن يتلقى المتعالجون استجابة بدون انتظار، إلا أنه قد نشأ وضع انتظر فيه مئات المتعالجين في مراكز المتانة في أشكلون في شباط 2024 لإجراء مقابلة أولية لتحديد احتياجاتهم العلاجية؛ وأصبحت أوقات الانتظار في مراكز المتانة في المجتمع البدوي أطول - من 24 ساعة في أول أسبوعين من الحرب ووصلت إلى أسبوع بين تشرين الثاني إلى نهاية كانون الأول 2023.

توصية بوجوب تحويل الميزانيات الأساسية لتشغيلها في حالات الطوارئ

يؤكد تقرير المراقب أنه لغرض ضمان الأداء الأمثل والمتواصل لمراكز المتانة خلال الأوقات الروتينية وحتى خلال حالات الطوارئ، من الضروري أن تعمل وزارة الصحة على ضمان استقرار الميزانية لمراكز المتانة وتحويل الميزانيات الأساسية لتشغيلها في حالات الطوارئ، مع إنشاء آلية رقابة مهنية ومالية على أنشطة المراكز. ويجب على اللجنة التوجيهية العليا ووزارة المالية، بالتعاون مع مكتب رئيس الحكومة، تحديد إطار ميزانية سنوي لجميع مراكز المتانة، ويتم شملها في قاعدة ميزانية وزارة الصحة. نظراً للمكانة المركزية لمراكز المتانة في نظام تعزيز متانة سكان البلاد، فقد قام وزير الصحة، بالتعاون مع وزير المالية ومكتب رئيس الحكومة، والشركاء الآخرين الأعضاء في اللجنة التوجيهية العليا، بالعمل على تعزيز إطار عمل يضمن وجود، تعزيز، توسيع ومهنية مراكز المتانة على مر السنين لصالح جميع مواطني دولة إسرائيل، وبناء آلية ميزانية لمراكز المتانة والتي يتم تنسيقها مع الإجراءات المطلوبة من مراكز المتانة خلال حالات الطوارئ.

ويؤكد أنه على ضوء الأهمية القصوى لإنقاذ الأرواح وحمايتها، يجب على وزارة الصحة واللجنة التوجيهية العليا ومكتب رئيس الحكومة دمج مراكز المتانة في جميع الأنظمة التنظيمية للحكم المحلي وأجهزة الصحة؛ ويهدف هذا إلى إتاحة فرصة لتقديم علاج مهني وفعال لجميع مواطني دولة إسرائيل المتضررين من الحروب، الأعمال العدائية والكوارث الطبيعية. وإن الدمج الكامل بين جميع الجهات المشاركة في هذا المجال وإعطاء مراكز المتانة مكانة مركزية في علاج المتضررين نفسياً وتعزيز المتانة المجتمعية والاستعداد للطوارئ، مع تحديد ميزانيتها ضمن "الأولويات الوطنية العليا للحكومة الإسرائيلية"، من شأنه أن "يضمن متانة وطنية قوية في مواقف مثل تلك التي تتعامل معها دولة إسرائيل منذ اندلاع الحرب وحالات الطوارئ المستقبلية التي قد تحدث في السنوات القادمة".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات