دلّت بيانات رسمية جديدة على أن 70% من الشباب في إسرائيل غير قادرين اقتصادياً على شراء شقة سكنية، في حين يكلف هذه الشريحة السكانية استئجار الشقق ما يفوق الـ 40% من دخلها الشهري.
جاءت هذه المعطيات التي تعكس تعمّق أزمة السكن خلال جلسة أخيرة في الكنيست للجنة تسمى اللجنة الخاصة لشؤون الشباب، وكان على جدول أعمالها موضوع الأزمة في سوق إيجار الشقق السكنية في شتى المناطق. وتؤكد اللجنة على أن "أحد أصعب التحديات في إسرائيل اليوم للشباب والشابات، وللعائلات الشابة، هو دفع تكاليف استئجار الدور، لأن ارتفاع أسعار البيوت يجعل من الصعب على الكثيرين تحقيق حلم شراء الشقة، كما أن نسبة من يسكنون بالإيجار آخذة في التزايد. وتشير المعطيات إلى أن مؤشر الإيجارات ارتفع خلال العقد الماضي بـ 61%، مع إنفاق الشباب في المتوسط 42% من دخلهم على دفع الإيجار – وهو واقع اقتصادي معقد ومركب يجعل من الصعب عليهم خلق الاستقرار المالي والشعور بالأمان".
خلال العقدين الأخيرين ارتفع الإنفاق الشهري على السكن
بموجب ما قدمه ممثل قسم مراقبة الميزانية في مركز الأبحاث والمعلومات التابع للكنيست، فإن 65% من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 25-34 عاماً يسكنون اليوم مع عائلاتهم، و25% يسكنون مع والديهم، و9% يسكنون في بيوت معيلة من غير العائلة (كشركاء). هذا بينما يمتلك 15% فقط من الشباب شققاً خاصة بهم. وينوّه إلى أنه يتم اليوم تقديم مساعدة في دفع أجر الشقق السكنية من قبل الدولة بالأساس للمهاجرين الجدد ولغير المتمكنين اقتصاديا مثل ذوي الدخل المنخفض عن متوسط الأجور.
ووفقاً لمعطيات قسم مؤشرات الإسكان في مكتب الإحصاء المركزي، فإن 27% من سوق الشقق المخصصة للإيجار في إسرائيل مستأجرة من قبل شباب حتى جيل 34 عاما. ويشكل السكان الشباب الفئة الأكبر بين الفئات العمرية الأخرى، ومع ذلك فإن حصتهم في سوق الإيجارات أقل من حصتهم بين السكان البالغين، والتي تبلغ 31.8%.
كذلك فخلال العقدين الأخيرين طرأ ارتفاع في الإنفاق الشهري على السكن بالنسبة للأسر التي تسكن في شقق مستأجرة. لكن ما زال هناك استقرار نسبي في نسبة الإنفاق على السكن (35%) من إجمالي دخل العائلات، خلافاً للشباب كالمذكور أعلاه. قبل حوالي عشرين عاما كان متوسط إيجار الشقة 3،500 شيكل، أما اليوم فهو أكثر من 5،500 شيكل. وفحص نسبة الإنفاق على الإيجار مقارنة بصافي الدخل يظهر تباينات كبيرة بين الأسر الشابة وغير الشابة. كما أن هناك تفاوتات في نسبة الإنفاق بين الألوية، حيث أن نسبة إنفاق الشباب في لواء القدس هي الأعلى.
سياسة الإسكان انتقلت من الحكومة إلى القطاع الخاص...
يقدّم مركز "أدفا" تحليلاً مفاده أن سياسة الإسكان انتقلت من الحكومة إلى القطاع الخاص. وهذا بسبب الانخفاض المستمر في ميزانيات وزارة البناء والإسكان، والانخفاض الحاد في الميزانيات المخصصة للقروض السكنية (المشكنتا) المدعومة من خزينة الدولة، وتآكل المساعدات في دفع إيجار الشقق، واستمرار سياسة الحد من السكن الشعبي العام وإهماله.
ويقول المركز إن هذا الواقع القاسي بالنسبة للمستأجرين وعموم الجمهور، يقابله وضع تتمتع الدولة فيه بزيادة في الدخل الضريبي بسبب ارتفاع أسعار العقارات، وهذه السياسة من القطاع الخاص تتسبب في تفاقم الفوارق الاجتماعية، لتبقى الفئة السكانية التي تعاني من هذه المشكلة بشكل حاد هي الأزواج الشابة التي تضطر إلى البقاء في سوق الإيجار من دون قدرة على شراء بيت بملكيتها.
وفقاً لـ "أدفا"، هناك فروق تفصيلية من حيث مواقع الشقق، إذ أنه بالنسبة لهذه الفئة الاجتماعية – الشباب - يأخذ الإيجار حوالي 27.3% من صافي الدخل كل شهر على العموم، بينما في تل أبيب ترتفع الحصة إلى 39.8% من الدخل، فيما في بئر السبع 17% فقط من الدخل.
وهو يدعو إلى تعزيز انخراط الدولة في دعم الإيجارات الخاصة، وإدخال آليات مختلفة لزيادة استقرار الإيجارات الخاصة، وفرض حظر على التمييز في استئجار شقة، والحد من إمكانية الزيادات التعسفية في بدائل الإيجار ضمن الإيجارات الخاصة – مثلما هو متبع في معظم الدول الأوروبية. وإضافة إلى ذلك، دعا إلى زيادة المبالغ المخصصة للقروض السكنية المدعومة من خزينة الدولة، وتحديث مبالغ المساعدات في بدائل الإيجار على أساس أسعار الإيجارات.
"أبناء جيلي يتنقلون من شقة إلى شقة بينما زيادة الأسعار تلاحقنا"!
أعلِن في جلسة اللجنة البرلمانية أن وزارة البناء والإسكان تجري مداولات حول تشكيل هيئة تتولى مهمة جمع معلومات من المبادرين، النزلاء والمنظمات الاجتماعية، بما يخص أزمة السكن، وبالتالي صياغة حلول حكومية ممكنة، مع التنسيق مع باقي الوزارات الحكومية وادعت ممثلة الوزارة أن هناك 3 مليارات شيكل يتم تخصيصها في كل عام من أجل المساعدة في دفع الإيجار.
"دائرة أراضي إسرائيل" تقول إنه يتم حالياً تسويق 7000 مناقصة أراض لبناء شقق للإيجار في مراكز المدن الكبرى، وبعضها مخصص لمجموعة سكانية محددة. وقال عضو شاب في مجلس مدينة تل أبيب، في مداخلته، إن أزمة الإيجارات جديّة جداً، وكاشف بأن أكثر من 40% من دخله مخصص لدفع الإيجار، مضيفاً أن "أبناء جيلي يتنقلون باستمرار من حي إلى حي ومن شقة إلى شقة، ونبتعد عن أماكن العمل بينما زيادة الأسعار تلاحقنا". أما سلطة الإسكان في بلدية تل أبيب فتتحدث عن التزام البلدية بتوفير السكن الميسّر، وعن سياسة الإسكان البلدية التي نصت على أن أي خطة سكنية جديدة في المدينة ستشمل مساكن ميسورة التكلفة، بسعر مخفض قدره 10%-15% بالحد الأقصى لنسبة الخصم المقررة بموجب القانون (40% خصم من سعر السوق). وعليه، تتوقع أن يرتفع مخزون المساكن المتوفرة في المدينة من 650 شقة إلى 10 آلاف شقة سيتم تأجيرها على المدى الطويل بسعر مخفض، وذلك خلال عقد من الزمان تقريباً.
سلطة الإسكان في تل أبيب أكدت الحاجة إلى مشاركة حكومية كبيرة في سوق الإيجار الخاص، مثل إقرار عقد سكني وفقاً لقانون الإيجار والإقراض، الأمر الذي من شأنه تشجيع الاستقرار في سوق الإيجار الخاص. ومن بين الاقتراحات: إقرار أن اتفاقية الإيجار في القطاع الخاص تكون سارية مدة 4 سنوات، على أن يتم تحديد مبلغ الإيجار مسبقاً بين الطرفين، المؤجّر والمستأجر، بما في ذلك معدل زيادة الإيجار من سنة إلى أخرى، ومنح الحوافز الحكومية لأصحاب الشقق الخاصة الذين سيؤجرون شققهم على المدى الطويل، وسن القوانين التي تحظر التمييز في سوق الإيجار الخاص.
النزوح بسبب الحرب ونقص عمال البناء فاقما الأزمة
بطبيعة الحال تركت الحرب المتواصلة منذ ما يزيد عن سنة آثارها القاسية، وهو ما لم يتم التوقف عنده باستفاضة في جلسة اللجنة. فالمعطيات من مصادر مختلفة، ومنها اتحاد المقاولين في إسرائيل، تتحدث عن زيادة حثيثة في أسعار الشقق السكنية التي زادت بنسبة 0.9 بالمئة على أساس شهري في مؤشر التضخم لشهر آب الماضي، مع التنويه إلى أن تلك كانت الزيادة الثامنة على التوالي في أسعار السكن، حيث بلغت الزيادة 5.8 بالمائة بقياس سنوي.
ويشير المصدر إلى أن أسعار المساكن والإيجارات ارتفعت في عديد المناطق خاصة وسط البلاد، لأسباب عدة أبرزها عمليات النزوح من بلدات الشمال الحدودية مع لبنان، والنزوح من بلدات الجنوب المحاذية لقطاع غزة منذ تشرين الأول 2023.
وفقاً لبحث معهد أبحاث ومعلومات الكنيست، فمع اندلاع الحرب "قررت الحكومة إخلاء السكان من بلدات الخط الأمامي في الشمال والجنوب. والسكان الذين تم إخلاؤهم يقيمون في فنادق، وفي ترتيبات سكنية خاصة، وفي مساكن مجتمعية، والتي تشمل بشكل رئيس شققا مستأجرة. حتى نهاية آب 2024، كان أكثر من 50,000 منهم يقيمون في البلدات أو لم يُعرف مكانهم، وبعضهم يقيمون في شقق مستأجرة. يُزيد هذا الوضع من الطلب على الشقق المستأجرة وقد يؤدي إلى زيادة في إيجارات السكن".
ويتابع البحث أنه "كلما زادت نسبة النازحين من إجمالي سكان المدينة، كل مدينة، يزاد تأثيرهم المتوقع على إيجارات السكن. من الممكن أن يؤدي وقف تمويل الإقامة في الفنادق والحلول المؤقتة الأخرى، إلى جانب استمرار العوائق الأمنية أو إعادة التأهيل التي تحول دون عودة الذين تم إخلاؤهم إلى مستوطناتهم، إلى زيادة الطلب على الشقق المستأجرة من قِبَل السكان النازحين".
في أواخر العام الماضي استجاب وزير البناء والإسكان إلى مطلب إعفاء مستأجري الشقق في الإسكان الشعبي والإيواء لكبار السن الذين تركوا منازلهم في البلدات التي تم إخلاؤها، من دفع الإيجار خلال الحرب. هذا المطلب الذي قدمته جمعية حقوق المواطن شمل أيضاً تجميد كامل لإجراءات الإخلاء لمدة شهرين على الأقل بعد عودة الاقتصاد إلى طبيعته وعودة المستأجرين إلى منازلهم سالمين. وتم في حينه الإعفاء من الدفع في الحالات المذكورة عن الفترة من تشرين الأول 2023 إلى نهاية كانون الأول 2023.
تراجع الاستثمار في الشقق بسبب عدم اليقين الاقتصادي
رافق ذلك النزوح من الشمال والجنوب وأثره السلبي الثقيل على أسعار البيوت السكنية والإيجارات، غياب أكثر من 90 ألف عامل فلسطيني في قطاع البناء منذ سنة. ووفقاً لتقديرات اتحاد المقاولين، فإن سوق العقارات كانت تعاني قبل الحرب نقصا بـ 40 ألف عامل، بينما اليوم باتت تعاني نقصاً بـ 130 ألف عامل، بسبب غياب العمال الفلسطينيين.
وفقاً لصحيفة "غلوبس" الاقتصادية فإن مستثمري الشقق المتعددة يغادرون سوق الإسكان كما بيّن استطلاع في شهر آب 2024، وكان هناك انخفاض كبير (بحوالي 16%) في عدد المعاملات المنفذة، مقارنة بالأشهر السابقة، تم شراء 7514 شقة في هذا الشهر، منها 6811 في السوق الحرة والبقية للإيجار؛ وتمت 60% من المعاملات من قبل الأزواج الشباب، و24% من قبل مطوري الإسكان، و16% فقط من قبل المستثمرين.
وعلى الرغم من أن المستثمرين العقاريين اشتروا خلال أشهر الحرب ما متوسطه حوالي 1200 شقة، وهو رقم أعلى من المعدل الشهري للمشتريات في العام 2022، لكنه أقل من نصف مشتريات في العام 2021. وفسرت "غلوبس" هذا التغيير بأن المستثمرين الكبار يبحثون عن استثمارات بديلة بسبب حالة عدم اليقين التي تحيط بالاقتصاد الإسرائيلي.
دراسة معهد الأبحاث والمعلومات التابع للكنيست المشار إليها أعلاه تفيد أنه في شهر آب 2024، تم اتخاذ قرار حكومي يقضي بتكليف المدير العام لوزارة البناء والإسكان بوضع خطة استراتيجية لسوق الإيجارات، وتقديمها للموافقة من قِبل الحكومة خلال 120 يوماً. ووفقاً للتفسيرات المرفقة بالقرار، فإن تنظيم هذا المجال لم يكن مركزاً بيد جهة حكومية معينة، وبالتالي لم يحظَ موضوع الإيجارات بالاهتمام الكافي من قِبل الحكومة، وذلك على عكس ما يحدث في دول أخرى. نتيجة لذلك، تؤكد الدراسة، فإن إسرائيل تحتل المرتبة الأدنى من بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) فيما يتعلق بتنظيم سوق الإيجارات.