المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
صورة تعبيرية: طلاب يصلون إلى مدرسة ثانوية إسرائيلية. (فلاش 90)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 341
  • سليم سلامة

"لا نريد عرباً في المدرسة"- هتاف انطلق من حناجر عشرات الطلاب وصدح في حرم مؤسسة تعليمية رسمية (حكومية) وترددت أصداؤه خارج جدرانها لتملأ فضاء المدينة كلها. وقد حدث هذا قبل نحو أسبوع، لدى عودة الطالبة العربية (13 عاماً) إلى المدرسة التي تتعلم فيها ("المدرسة الشاملة زيلبرمان") في مدينة بئر السبع، بعد أيام الإبعاد عن الدراسة التي فرضتها عليها إدارة المدرسة، عقاباً لها على رأيها الذي عبّرت عنه خلال حصة تدريسية في موضوع الجغرافيا في صفّها التعليميّ وقالت فيه إنه "في غزة أيضاً يُقتَل أناس أبرياء، بينهم أطفال... في غزة يوجد أطفالٌ يُقتَلون ويعانون من الجوع وبيوتهم قد تهدّمت"! وذلك في تعقيبها على ما شرحته المعلّمة أمام طلاب الصف، يوم 19 أيلول الماضي، عن أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023. غير أن المعلّمة اعتبرت رأي الطالبة العربية "تحريضاً على الجنود الإسرائيليين" ثم غادرت الصف تاركة الطالبة إياها وحيدة بين "زملائها" الطلاب اليهود الذين بدأوا بشنّ هجوم واسع ضدّها في المدرسة وهم يرددون هتافات عنصرية، من بينها "لتحترق قريتكم" و"أنت حماس، إرهابية"، إضافة إلى الشتائم الشخصية البذيئة. ثم اتسع الهجوم العنصري الإرهابي ضد الطالبة العربية فانضم إليه عشرات آخرون من طلاب المدرسة، فاق عددهم الـ 13 طالباً.

لكنّ ما أنقذ تلك الطالبة هو تواجد معلمة عربية في المدرسة إياها، إذ اصطحبت الطالبة إلى غرفة الإدارة وأجرت اتصالاً مع عائلتها التي أبلغتها إدارة المدرسة على الفور، هاتفياً، بأن ابنتها "موقوفة عن الدراسة مدة 4 أيام". ولم يتوقف الهجوم التحريضي العنصري ضد الطالبة عند ذلك الحدّ، بل تلقت هي وعائلتها عشرات الاتصالات التهديدية، كما انضم أيضاً عدد من أعضاء بلدية بئر السبع، يتقدمهم نائب رئيس البلدية، المدعو شمعون طوبول، الذي طالب بطرد الطالبة وعائلتها من مدينة بئر السبع، بل وبسحب الجنسية الإسرائيلية منها لأنّ "جيشاً من مخرّبي النخبة الجُدُد يكبرون بين أولادنا ومن واجبنا ردعهم ومعاقبتهم بيد من حديد".  

في أعقاب هذه الحادثة في هذه المدرسة، تغيب عدد كبير من الطلاب العرب الذين يتعلّمون فيها بسبب الجو الإرهابي الذي ساد هناك، لكنهم حين عادوا إلى مدرستهم، واجهوا أجواء قاسية ومشحونة جداً وسط موقف عنصري متواطئ ومشجِّع من جانب إدارة المدرسة، كما من جانب إدارة بلدية بئر السبع التي رفض رئيسها، روبيك دانيلوفيتش، بشكل تظاهريّ، إدانة ما تعرضت له الطالبة وعائلتها، سكان المدينة، من هجوم وحملة تحريض، كما رفض التطرق إلى موقف نائبه، ثم رفض الناطق بلسان البلدية الرد وتفسير سبب صمت رئيس البلدية ورفض أيضاً إعطاء أي معلومات عن عدد الطلاب العرب في مدينة بئر السبع وكم منهم يتعلمون في مدارس يهودية في المدينة.

"بئر السبع ـ إحدى ثلاث مدن مختلطة جديدة في إسرائيل"

أجرى مركز "شومريم"، الذي يعرّف نفسه بأنه "مركز للإعلام والديمقراطية" وبأنه "جسم إعلامي غير سياسي غايته تعزيز أسس الديمقراطية في إسرائيل من خلال المشاريع الإعلامية والتعاون مع وسائل الإعلام الإسرائيلية الأخرى"، تحقيقاً صحافياً حول "الأوضاع بين الطلاب العرب واليهود في المدارس في المدن المختلطة" نشره على موقعه (بتاريخ 10 تشرين الأول) أوضح فيه، بداية، أن التستر على هذه المعطيات حول عدد الطلاب العرب في مدينة بئر السبع وما يخلقه من بلبلة في هذا الشأن "لا يستويان مع الحقيقة التي يعرفها كل من يسكن في هذه المدينة ـ أن غالبية العائلات العربية التي ينخرط أبناؤها وبناتها في جهاز التعليم اليهودي في المدينة هي من شمال البلاد، أصلاً، انتقلت إلى النقب للعمل والتعليم"، لكن التقديرات تشير إلى أن عدد هؤلاء الطلاب يزيد عن 700، وهو ـ في الحد الأدنى ـ يعادل نحو 10 بالمائة من مجمل عدد الطلاب في مدارس المدينة. ويردّ التقرير تهرّب البلدية الفعلي من الكشف عن المعطيات الحقيقية إلى "الخوف من أن يكون ردّ الفعل على التغيرات الديمغرافية الحاصلة في المدينة الجنوبية سلبياً وقاسياً لدى 67 بالمائة من سكان المدينة الذين صوّتوا للأحزاب الشريكة في الائتلاف الحكومي الحالي في إسرائيل"!

وتنقل معدّة التقرير، حين شليطا، عن مدير "مركز أكورد ـ لتعزيز الشراكة المتساوية بين اليهود والعرب"، رون غرليتس، قوله: "إنْ قلتُ هذا لروبيك دانيلوفيتش (رئيس بلدية بئر السبع) فسيطردني من مكتبه، لكنّ الحقيقة هي أن بئر السبع واحدة من ثلاث مدن مختلطة جديدة في إسرائيل، إلى جانب "نوف هجليل" ("نتسيرت عيليت" سابقاً) وكرميئيل". وأضاف: "إذا ما وضعنا المدن المختلطة المعروفة (اللد، الرملة، حيفا، عكا، يافا والقدس) جانباً، فسنرى أن نسبة السكان العرب في المدن الثلاث المذكورة هي الأعلى، الأمر الذي يزيد بطبيعة الحال من عدد الطلاب العرب في المدارس اليهودية في هذه المدن، وهو ما يضع تحدياً كبيراً أمام جهاز التعليم الرسمي، ولا سيما في المناسبات القومية وفي فترات التصعيد.... لكن جهاز التعليم لا يبذل أي جهد، يمكن القول، لمواجهة هذا التحدي ومعالجة آثاره". والسبب، في رأيه؟ ـ أن "وزارة التربية والتعليم والبلدات في هذه المدن لا تريد أن يشكّل أداؤها في هذا المجال حافزاً لعائلات عربية أخرى، عدا تلك التي تنتقل إلى السكن في تلك المدن لاعتبارات العمل وضائقة السكن في البلدات العربية، للانتقال إلى هذه المدن بسبب اعتبارات التعليم أيضاً".

ويبيّن تقرير نشره "مركز الأبحاث والمعلومات" التابع للكنيست الإسرائيلي، في نيسان الأخير، أن 1,3 بالمائة فقط من مجموع الطلاب العرب في البلاد تعلّموا، في العام 2023، في مدارس مختلطة، يهودية ـ عربية. وهذا بعد الزيادة بنسبة 60 بالمائة التي حصلت خلال العقد الأخير في عدد الطلاب العرب الذين يتعلمون في مدارس عبرية، من بين مجمل الطلاب في تلك المدارس: من 3,336 طالباً عربياً في العام 2014 إلى 5,399 طالباً عربياً في العام 2023 في البلاد عامة، نصفهم تقريباً كانوا يتعلمون في المدن المختلطة.

42 مدرسة "مختلطة" ـ 5 بالمائة من طلابها عرب

وفقاً لما تقوله عدي جلبواع، مديرة موضوع التعليم في "معهد مرحَفيم لتعزيز المواطَنة المشتركة"، فإنّ 5 بالمائة من الطلاب الذين يتعلمون في 42 مدرسة رسمية يهودية (مختلطة) هم طلاب عرب، وإن نسبة الطلاب العرب في 21 مدرسة من هذه المدارس تزيد حتى عن 10 بالمائة. وتوضح أن المدارس اليهودية التي يشكل الطلاب العرب 5 بالمائة، على الأقل، من مجموع الطلاب في كل منها تسمى، في الأدبيات البحثية في هذا المجال، "مدارس مختلطة ظَرْفِيّاً"، بمعنى أن "الظروف في المدن المختلطة هي التي قادت إلى هذا الاختلاط في المدارس، خلافاً للمدارس ثنائية اللغة التي كانت الأيديولوجيا هي الدافع والمحرك لإقامتها". وترى د. نتالي ليفي، الأستاذة في قسم السياسة والحُكم في "جامعة بن غوريون" في بئر السبع، والتي أعدّت أطروحتها لنيل الدكتوراه حول المدارس العبرية المختلطة، أن هذه "ظاهرة شاذة"، لأنّ الأهالي اليهود "يشعرون بأن هذا الواقع قد فُرض عليهم، خلافاً لرغبتهم. فهم لم يكونوا يرغبون في مدرسة مختلطة، لكن هذا ما حصلوا عليه في النهاية. أما الأهالي العرب فقد كان هذا خيارهم منذ البداية، لإيمانهم بأن التعليم في المدرسة اليهودية سيكون أفضل لأولادهم، لكن في الحالتين ليس ثمة خطط مدروسة ومنظمة لتحقيق هذه الرغبات، لأن المدارس المختلطة لا تحتل حيزاً جدياً في عمل وزارة التربية والتعليم". وتضيف: "إن الأمر الوحيد الذي يضمن بقاء هذه المدارس وعملها هو أن نسبة الطلاب اليهود فيها مرتفعة جداً. وأستطيع أن أجزم لك بأنّ أي مدرسة مختلطة تبلغ فيها نسبة الطلاب العرب 70 بالمائة من مجموع طلابها سوف يجري إغلاقها على الفور، لأن معنى ذلك هو أن السكان اليهود قد هربوا من هذه المدرسة وسيكون من الصعب جداً ممارسة الرقابة عليها كمدرسة يهودية".

وتزداد حدة الصراعات بين الطلاب العرب واليهود في المدارس المختلطة في المناسبات "القومية" الرسمية بشكل خاص، لا سيما "يوم الذكرى" لقتلى الجيش وقوات الأمن الإسرائيلية، و"يوم استقلال" إسرائيل، وذكرى "يوم الكارثة والبطولة" (الهولوكوست) وغيرها، والتي يُطلب من الطلاب فيها إنشاد "النشيد الوطني" الإسرائيلي، إضافة إلى الحصص التعليمية حول مواضيع تخص قيام دولة إسرائيل والمواطَنة فيها.

تقول إحدى الأمهات العربيات التي تتعلم ابنتها في مدرسة "مختلطة" في إحدى المدن المختلطة: "اختارت ابنتي تعلّم موضوع العربية في المدرسة، لكنها اكتشفت أنهم يتعلّمون لغة عربية استخباراتية فقط، بينما كانت تعتقد أنهم سيتعلمون الأدب والشعر ولم تفهم لماذا يعرضون أمامهم شريط فيديو عن كيف اغتال الموساد الإسرائيلي "أبو جهاد" (خليل الوزير) في تونس. ما علاقة هذا بطلاب في الصف العاشر؟".

وتضيف الأم: "هل سمعتم ببرنامج "الآخر هو أنا"؟ عند تعليم هذا البرنامج والعمل عليه في المدارس المختلطة تبين أن الآخر هو أنا، طالما كان يهودياً... لا وجود ولا مكان لآخر ليس يهودياً. الآخر من ديانة أخرى أو من قومية أخرى هو خط أحمر. الآخر الذي يتحدثون عنه هو الصدع القائم بين المتدينين والعلمانيين، اليهود طبعاً، بينما يبقى الطلاب العرب شفافين غير مرئيين، لا من حيث احتياجاتهم ولا من حيث هويتهم المركّبة كعرب وكمواطنين في الدولة، فكم بالحري في وقت الحرب؟".

المصطلحات المستخدمة:

الموساد, جيشا, اللد

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات