المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
أفيغدور ليبرمان. (صحف)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 375
  • برهوم جرايسي

تواصل استطلاعات الرأي العام الإسرائيلية، منذ قرابة 10 أشهر، منح قوة زائدة جدا لحزب "إسرائيل بيتنا"، بزعامة أفيغدور ليبرمان، من 6 مقاعد حاليا، إلى ما بين 12 وغالبا 14 مقعدا، إلا أن هذه القفزة لهذا الحزب الجالس في صفوف المعارضة البرلمانية، لا يوجد لها ما يبررها، إذ إنه لا يطرح البديل السياسي، بل من حيث الجوهر هو مؤيد لنهج الحكومة الحالية، ويدعو إلى ما هو أشد في الحرب الدائرة، ويتجنب دخول الجدل حول "إبرام صفقة تعيد الرهائن"، إذ يبدو له أنه حقل شوك، قد يصطدم فيه مع توجهاته. وفي المقابل، وعلى الرغم مما يبدو أنه "غليان" في الشارع الإسرائيلي، فإن مجموع مقاعد الائتلاف الحاكم الحالي في ارتفاع بطيء مستمر، وبالذات في قوة الليكود. مع الإشارة مجددا إلى الخلل المستمر في استطلاعات الرأي لانتخابات قد تجري في موعدها بعد نحو عامين من الآن.

فمنذ سنوات اتخذ ليبرمان، المقرر الوحيد لحزبه، خطا معارضا لشخص بنيامين نتنياهو، وحسب تقارير متعددة خلال السنوات الأخيرة، فإن في خلفية الأمر قضايا شخصية، وصلت إلى حد تبادل الاتهامات بمحاولات لحياكة ملفات فساد متبادلة. فعلى الرغم من أن الجانب الشخصي ليس الأساس في السياسات، فإنه في هذه القضية العينية قد يكون الجانب الشخصي لاعبا مركزيا، لأنه لا خلاف سياسيا جوهريا بين ليبرمان وصديقه وزميله الأسبق نتنياهو. وكان ليبرمان قد كرر مرارا أنه ليست لديه مشكلة مع حزب الليكود، بل مع شخص رئيسه.

والحزب الذي يتزعمه ليبرمان هو في قلب اليمين الاستيطاني المتشدد، حتى وإن بدا في فترات سابقة ولمدد قصيرة، يبدي توجهات مختلفة، فإنه لم ينفك في أي يوم عن توجهاته العنصرية ضد العرب، ورفضه لحل القضية الفلسطينية، وهو مؤيد لاستمرار الاحتلال والاستيطان، إذ إنه هو بحدّ ذاته مستوطن (في منطقة بيت لحم)، وحزبه بادر على مر 25 عاما في الكنيست إلى سلسلة من أشد وأخطر القوانين عنصرية، ومنها قوانين باتت فاعلة، خاصة قوانين تتعلق بتقويض حرية التعبير، ووضع قيود على الترشح للانتخابات البرلمانية، وغيرها من القضايا. وفي الولاية البرلمانية السابقة، كان ليبرمان وحزبه مركّبا أساسيا في ما سُميت في حينه "حكومة التغيير"، بقصد تلك التي أبعدت نتنياهو عن كرسي رئاسة الحكومة، وارتكزت في الأغلبية على كتلة "القائمة العربية الموحدة"، الذراع البرلماني للحركة الإسلامية- الجناح الجنوبي؛ ولم يبد ليبرمان أي تحفظ على مشاركة تلك الكتلة العربية، بل امتدح مرارا زعيمها منصور عباس.

ومنذ شن الحرب الدائرة حاليا على الشعب الفلسطيني، أعلن ليبرمان مواقف متشددة تدعم العدوان العسكري، وحرب الإبادة، لكنه رفض أن يكون شريكا في حكومة الحرب، التي استمرت 7 أشهر، وضمت كتلة "المعسكر الرسمي" بقيادة بيني غانتس، رغم أنه كانت هناك محادثات جانبية بين ليبرمان والليكود، فإنها لم تتمخض عن شيء، وهنا يمكن القول إن العامل الشخصي لعب دورا في قرار ليبرمان.

ويواصل ليبرمان دعوته للإطاحة بحكومة بنيامين نتنياهو، لكنه لا يطرح برنامجا بديلا لنهج الحكومة الحالية، وكما أسلفنا هنا فإنه يتجنب الخوض في تفاصيل رؤيته لمطلب قطاعات واسعة في الشارع الإسرائيلي، لإبرام صفقة تبادل أسرى؛ وبالإمكان التقدير أن حذر ليبرمان في هذه القضية يعود إلى احتمال أن يصطدم بموقفه المفهوم ضمنا، باستمرار الحرب، لكنه لا يدعو إلى إعادة احتلال قطاع غزة بمفهوم إعادة الاستيطان، رغم أنه كان في العامين 2004 و2005 من معارضي إخلاء مستوطنات قطاع غزة.

وعدم وجود ما يميز ليبرمان عن الحكومة الحالية، يطرح بقوة سؤال: ما هو سر هذا الارتفاع الحاد في قوة ليبرمان في استطلاعات الرأي العام؟ فغياب الفوارق مع الحكومة الحالية، يعزز الاستنتاج بأن المستطلعين من اليمين المتشدد، المعارض لحكم نتنياهو كشخص، لا يرون حتى الآن، قوة سياسية صاعدة بالإمكان اللجوء لها، ولهذا بالإمكان التقدير، بأنه في حال تبلورت قائمة جديدة في الانتخابات المقبلة، فإن ليبرمان سيخسر من القوة الممنوحة له حاليا في الاستطلاعات، لكنه سيحافظ على تمثيله البرلماني.

الأمر الآخر الذي تجدر الإشارة اليه، هو أن تجارب السنين علّمت أن ليبرمان ليس شريكا ثابتا في الشراكات الانتخابية، ويوجد تحفظ واضح من الشراكة معه، بسبب طبيعة شخصيته المتسلطة، وهو ما يبرز في قيادته لحزبه منذ أن تمثل لأول مرّة في الكنيست في العام 1999، فهو صاحب القرار الوحيد في حزبه، حتى في أدق وأصغر القرارات، وهو يُكثر من تغيير الشخصيات في قائمته الحزبية، فكل شخص لم تدم عضويته البرلمانية لأكثر من 3 دورات، باستثناء عضو الكنيست العربي لديه، حمد عمّار، وهو ضابط جيش احتياط، إذ إنه يشغل عضوية الكنيست في هذا الحزب منذ العام 2009، ويبدو أنه مستمر.

إلا أن استطلاعين منفصلين للرأي نشرتهما القناتان 13 و11 التلفزيونيتان الإسرائيليتان، في الأسبوع الماضي، طرحا فرضية تشكيل قائمة يمينية متشددة، تجمع رئيس الحكومة الأسبق نفتالي بينيت مع أفيغدور ليبرمان، وتبين أنها تحصل على 36 مقعدا، بحسب استطلاع القناة 13، بينما حصلت هذه القائمة الافتراضية على 28 مقعدا في استطلاع القناة 11، وهي تجمع مقاعد ليبرمان الـ 14 بحسب الاستطلاعات، ثم تقتطع مقاعد عديدة خاصة من حزب الليكود وقائمة "المعسكر الرسمي".

قراءة في استطلاعات الرأي العام الأخيرة

تتفق استطلاعات الرأي العام، بغالبيتها الساحقة، وباستثناء استطلاع واحد يظهر باستمرار في القناة 14 التلفزيونية اليمينية المتشددة، على أن الائتلاف الحاكم في مجموع مقاعده، ما زال بعيدا عن الأغلبية المطلقة، بمعنى أنه يخسر من مقاعده الـ 64 الحالية، حتى 11 مقعدا في أحسن استطلاعات له، ولكن أيضا يخسر حتى 14 مقعدا في عدة استطلاعات، مقابل خسارة حتى 20 و22 مقعدا في الأشهر الأولى للحرب.

إلا أنه في المقابل، فإن الأحزاب التواقة لاستبدال حكم بنيامين نتنياهو، لا تحظى حاليا بأغلبية مطلقة، إذ تواصل استطلاعات الرأي منح الكتلتين اللتين تمثلان فلسطينيي الداخل 10 مقاعد، وهي قوة مطابقة للقوة البرلمانية الحالية، وسنأتي على إشكاليتها؛ وفي حين أن واحدة من هاتين الكتلتين، الجبهة الديمقراطية والعربية للتغيير، ترفض الانضمام إلى أي ائتلاف مقبل، فإن الكتلة الثانية "القائمة العربية الموحدة" برئاسة منصور عباس، وهي الذراع البرلماني للحركة الإسلامية- الجناح الجنوبي، لديها استعداد لتكرار تجربة الانضمام للائتلاف الحاكم، لكن جميع "شركائها في الأمس" أعلنوا رفضهم لها، لكن من دونها، في غالب الاستطلاعات، ليس لديهم أغلبية، إذ إن استطلاعات قليلة جدا تمنح أحزاب المعارضة الصهيونية أغلبية طفيفة، من 61 مقعدا. 

المتغير الحاصل، منذ شهر حزيران الماضي، وحتى آخر استطلاعات نشرت في نهاية الأسبوع الماضي، هو ارتفاع زاحف في قوة حزب الليكود، الذي خسر في استطلاعات الرأي، في بداية الحرب وحتى نهاية أيار الماضي، تقريبا نصف مقاعده البرلمانية الحالية (32 مقعدا حاليا) إذ كان يحصل على ما بين 16 وحتى 18 مقعدا. وتمنحه استطلاعات الرأي حتى الآن، ما بين 21 إلى 24 مقعدا، وفي غالب تلك الاستطلاعات، عاد الليكود ليكون القوة الأولى، متقدما على كتلة "المعسكر الرسمي" المعارضة، بزعامة بيني غانتس، التي هي أيضا خسرت أقل من نصف المقاعد التي حصلت عليها في استطلاعات الأشهر الأولى من الحرب.

ويأتي هذا الارتفاع في قوة الليكود، رغم استمرار الحرب وتبعاتها على الحياة العامة، وأيضا الاقتصادية، ورغم حركة الاحتجاجات الشعبية التي هي أيضا تراوح في مكانها، وحتى باتت الآن تتبنى شعارا يتناغم مع توجهات نتنياهو، من حيث الجوهر، "نسترجعهم ونعود"، بقصد إبرام صفقة لاستعادة الرهائن من قطاع غزة، ثم استئناف الحرب.

والقوة البرلمانية الحالية لكتلة "المعسكر الرسمي"، 8 مقاعد، بعد فك شراكة حزب جدعون ساعر؛ ففي حين أن غانتس كان يحصل في الأشهر الأولى للحرب على ما بين 37 وحتى 40 مقعدا، باتت قوته في استطلاعات الرأي الحالية، ما بين 21 إلى 23 مقعدا كأقصى حد، وتتوقع استطلاعات الرأي أن يخسر منها، في حال تشكلت قائمة يمينية جديدة، يتزعمها رئيس الحكومة الأسبق، نفتالي بينيت، اليميني الاستيطاني المتشدد.

والقوة الصاعدة في استطلاعات الرأي الأخيرة هي الحزب الناشئ الجديد (الديمقراطيون) بتحالف حزبي العمل وميرتس، إذ إن غالبية الاستطلاعات باتت تمنحه 11 مقعدا، وهناك من يمنحه أقل، فهذا الحزب برئاسة نائب رئيس هيئة الأركان الأسبق يائير غولان، الذي انضم سابقا لحزب ميرتس، ثم غادره إلى حزب العمل ليترأسه قبل بضعة أشهر، ويموضع نفسه في وسط الخطاب السياسي الإسرائيلي، بمعنى أنه يسعى للابتعاد عن الخانة التي قبع فيها سنوات، وتسمى "اليسار الصهيوني"، كما أن أصوات قادة حزب ميرتس غائبة كليا منذ عام، إذ إن الحزب يبحث عن خشبة انقاذ من ورطته المالية، التي يعجز عن تسديدها، من دون العودة للبرلمان، من خلال انصهاره مع حزب العمل الذي هو أيضا كان بعيدا عن احتمالات العودة إلى الكنيست في الانتخابات المقبلة، حتى جاءت خطوة توحيد الحزبين الضعيفين.

وكما أشرنا في سياق سابق، فإن زيادة قوة حزب "الديمقراطيون" في استطلاعات الرأي، تأتي على حساب حزب "يوجد مستقبل"، بزعامة يائير لبيد، الذي حسب استطلاعات الرأي سيفقد في الانتخابات المقبلة من 10 مقاعد، إلى 12 مقعدا من قوته الحالية- 24 مقعدا.

كنا قد أشرنا هنا، في شهر أيار الماضي، إلى ضُعف واضح، في ثلاثة جوانب مركزية في استطلاعات الرأي: أولا أن الاستطلاعات التي تجري في فترات قلاقل قد تعبّر عن أجواء عامة، لكنها ليست حاسمة لنتائج انتخابات لم يحدد موعدها بعد؛ وحسب تقديرنا الدائم، أنها ستجري أقرب إلى موعدها الرسمي في خريف العام 2026، طالما استمر الوضع القائم حاليا. لكن الجانبين الأهم بشأن توزيع المقاعد الـ 120، يتعلقان بأحزاب الحريديم، وبقدر أكبر بالمجموع الكلي لقوة القوائم التي تمثل فلسطينيي الداخل.

فكل استطلاعات الرأي تُنقص من قوة كتلتي الحريديم مقعدا ومقعدين، ولا تنتبه معاهد الاستطلاعات لحقيقة أن القوة الانتخابية للحريديم تزداد كل أربع سنوات بمقدار مقعد برلماني كامل على الأقل، ولأن 95% من الحريديم يصوتون للقائمتين شاس ويهدوت هتوراه، ونسبة التصويت بين الحريديم دائما أعلى بما بين 18% إلى 20% من نسبة التصويت العامة، فإن الحريديم مرشحون لزيادة قوتهم الانتخابية في كل انتخابات مقبلة بمقعد واحد على الأقل، إذا لم يكن بمقعدين، لقوتهما الإجمالية اليوم، وهي 18 مقعدا: 11 لشاس، و7 مقاعد ليهدوت هتوراه.

الجانب الأكثر في ضُعفه يتعلق بالعرب، وهناك إهمال واضح في استطلاعات الرأي العام، فعلى الأغلب هي تثبت مشهد التمثيل القائم، أو في "أحسن الأحوال" يتم أخذ عينة من العرب، بحوالى 90 مستطلعا على الأكثر، وهي شريحة لا يمكن أن تعبّر عن الواقع. وكل استطلاعات الرأي تمنح كتلة الجبهة الديمقراطية والعربية للتغيير، والقائمة العربية الموحدة ما مجموعه 10 مقاعد، وهي ذات القوة الممثلة حاليا، إلا أن القوة الإجمالية للقوائم الثلاث التي خاضت الانتخابات الأخيرة، كانت 14 مقعدا برلمانيا كاملا، إذ إن قائمة التجمع الوطني الديمقراطي لم تجتز نسبة الحسم.

ليس واضحا كيف سيكون شكل خوض العرب الانتخابات المقبلة، لكن إذا تم تدارك ما جرى في الانتخابات الأخيرة، فإن 14 مقعدا وحتى 15 مقعدا بقائمتين للعرب هو أمر وارد، وهذا من شأنه أن يغيّر بشكل ملحوظ موازين القوى، خاصة أننا نتحدث عن 120 مقعدا.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات