تتوالى في الأيام الأخيرة التقارير، التي تعرض الأعباء الاقتصادية للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والجديد الآن هو الميزانية الضخمة التي يحتاجها علاج وإعادة تأهيل آلاف الجنود المصابين جسديا ونفسانيا، وبحسب أحد التقارير فإن عددهم تجاوز حتى قبل أيام 5600 مصاب، لكن الجيش يتوقع تلقي 20 ألف طلب علاج جسدي ونفسي هذا العام؛ لهذا فإن ميزانية هذه العلاجات ستتجاوز ملياري دولار هذا العام، هذا عدا المخصصات الاجتماعية المالية، التي يتلقاها المصابون، ومنهم من يتلقاها طوال حياتهم. في الوقت نفسه يطلب الجيش ميزانية خاصة تتجاوز 27 مليار دولار لسد النقص في الأسلحة والعتاد. إلا أن تقديرات باحثين مختصين تشير إلى حاجة الجيش إلى 150 مليار دولار خلال 4 أعوام. وبالتوازي، وكأحد أبرز مخلّفات الحرب، فإن السوق الإسرائيلية بدأت تغوص في موجة غلاء جديدة، قد تقلب التقديرات السابقة بشأن التضخم في العام الجاري.
ميزانيات ضخمة لعلاج الجنود المتضررين جسدياً ونفسانياً
كما ذكر، وبحسب تقرير في صحيفة "كالكاليست" الاقتصادية الإسرائيلية، فإن عدد الجنود الذين أصيبوا بمستويات إصابات مختلفة، خلال العدوان المستمر على قطاع غزة، بلغ حتى أوائل الثلث الأخير من كانون الثاني الماضي، أكثر من 4600 جندي، ويضاف لهم ألف جندي ما زالوا يتعالجون لدى مؤسسات الجيش الطبية، واستنادا لما ورد في التقرير، فإنه حتى نشر هذا التقرير من الممكن أن يكون العدد قد قارب 6 آلاف جندي، من بينهم 20% أبلغوا بأنهم تضرروا نفسانيا، وبحاجة لعلاج نفسي، وإن الزيادة الأكثر في الأيام الأخيرة هي في جانب الضرر النفسي.
وحسب ما نشرته الصحيفة، في كل يوم هناك 60 جنديا مصابا بالمعدل، وكل هؤلاء سيضافون إلى 62 ألف جندي (سابقين) يُعدّون معاقين أصيبوا خلال كل حروب إسرائيل، وحسب التقديرات المنشورة، فإن هذا العدد سيصل إلى 100 ألف حتى العام 2030.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي يستند إلى منظمة "معاقي الجيش الإسرائيلي"، إنه إذا كان الجيش يتلقى سنويا حتى الآن بالمعدل 5 آلاف طلب للاعتراف بأصحابها بأنهم معاقون بسبب الخدمة في الجيش، فمن المتوقع أن يصل عدد طلبات العام الجاري 2024، إلى 20 ألف طلب، بمن فيهم المتضررون نفسانيا، خاصة ما يسمى المصابون بالصدمة النفسية بدرجات عالية. وأضاف التقرير أنه من الصعب جدا تحديد عدد الذين سيعلنون لاحقا أنهم مصابون نفسانيا.
وعلى مدى السنين، وحسب تقارير إسرائيلية، فإن الجيش الإسرائيلي يضع قيودا مشددة كي يعترف بالشخص مصابا نفسانيا، جراء مشاركته في حرب أو عملية عسكرية، وحصل في العديد من الحالات أن أشخاصا كهؤلاء انتحروا، واتهمت عائلاتهم الجيش بأن سبب الانتحار هو عدم الاعتراف بإصابتهم نفسانيا، وعدم منحهم العلاج المناسب.
وبلغت ميزانية قسم علاج وإعادة تأهيل الجنود المصابين في العام الماضي 2023، بمن فيهم المصابون من قبل الحرب الحالية، 5.5 مليار شيكل (حوالى 1.5 مليار دولار)، ومن المتوقع زيادة هذا المبلغ في العام الجاري، بما بين 1.5 مليار إلى ملياري شيكل، إلا أن رئيس منظمة معاقي الجيش الإسرائيلي، عيدان كلايمان، قال للصحيفة ذاتها إن إضافة ملياري شيكل هذا العام (لتصبح الميزانية الإجمالية ما يعادل ملياري دولار) لن تكفي لسد الحاجة المتزايدة.
وقالت رئيسة قسم إعادة تأهيل الجنود المعاقين، ليمور لوريا، في الأسبوع الماضي، أمام لجنة الخارجية والأمن البرلمانية، إن القسم الذي تترأسه تنقصه ما بين 150 إلى 200 وظيفة لسد الحاجة، في حين أن وزارة المالية خصصت ميزانية لـ 100 وظيفة فقط.
وكما ذكر هنا، وبحسب بيانات الجيش الإسرائيلي، فإن حوالى 20% من إجمالي جرحى الحرب حتى الآن يعانون من أضرار نفسية، مصحوبة بأعراض متلازمة الإجهاد اللاحق للصدمة، وكثير منها مصحوب بالإصابات الجسدية. وبحسب كلايمان، فإن هذه البيانات لا تمثل الصورة الحقيقية على الأرض، وهي مجرد قطرة في محيط. وقال: "ستأتي آلاف حالات الصدمة النفسية في الأسابيع والأشهر والسنوات المقبلة".
وقال تقرير الصحيفة إنه سيكون هناك تحد معقّد بالقدر نفسه، يتمثل في تكييف أنظمة الصحة النفسية، التي ستوفر العلاج لهؤلاء الضحايا والدعم اللازم لمساعدتهم على الوقوف على أقدامهم والعودة إلى الحياة، في مواجهة الطلب الهائل المتوقع على هذه الخدمات، بسبب العدد الكبير من المصابين.
150 مليار دولار للجيش خلال 4 أعوام
قالت تقارير إسرائيلية إن جدلا صاخبا يدور في هذه الأيام بين الجيش ووزيره من جهة، ووزارة المالية، حول طلبات الجيش للميزانيات الاستثنائية، فعدا الميزانية الخاصة الموعود بها الجيش هذا العام، بنحو 125 مليار شيكل (أكثر من 34 مليار دولار)، فإن الجيش يطالب بميزانية 100 مليار شيكل (حوالى 27 مليار دولار)، توزع على أربعة أعوام، بدءا من العام الجاري وحتى العام 2027، لملء مخازن الأسلحة، وتجديد العتاد الذي تم تدميره في الحرب الدائرة على قطاع غزة. وهذا في حين أن وزارة المالية تعرض لا أكثر من 40 مليار شيكل، توزّع على أربعة أعوام. وانتهى اجتماع في منتصف الأسبوع الماضي بقرار من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، يقضي بتشكيل لجنة فحص لاحتياجات الجيش. ونقلت مصادر في الجيش لصحيفة "ذي ماركر" أن احتياجات الجيش لا يمكنها أن تنتظر عمل لجنة فحص، وهناك احتياجات ملحة يحب القيام بها فورا.
وكان الجيش قد حصل في العام الماضي 2023 على ميزانية إضافية بقيمة 37 مليار شيكل لتمويل الحرب، وبحسب مخطط ميزانية العام الجاري المعدّلة، سيحصل الجيش على 55 مليار شيكل كميزانية إضافية، وحوالى 70 مليار شيكل من الولايات المتحدة، تدمج بين الدعم العسكري السنوي الأميركي، والميزانية الاستثنائية التي وعد بها الرئيس جو بايدن بقيمة 14.3 مليار دولار.
وحسب تقارير سابقة، فإن أولى مهمات الجيش ملء المخازن بالذخيرة، وليس فقط بالمستوى الذي كان، بل أكبر، وتعويض النقص بمئات الآليات التي إما دمرت أو خرجت من الخدمة، والعمل على زيادة عدد أفراد الجيش النظامي، وإلغاء المخطط السابق لتقليص جيش الاحتياط على مستويين: خفض جيل الحد الأقصى لخدمة الاحتياط، وتقليص عدد أيام الاحتياط السنوية.
إلا أن تقديرات لمجموعة من الباحثين، صدرت في نهاية الأسبوع الماضي، تقول إن الجيش الإسرائيلي بحاجة لـ 550 مليار شيكل، ما يعادل 150 مليار دولار، خلال الأعوام الأربعة القريبة، بما فيها الحالية. وهؤلاء الباحثون هم طاقم مشترك من معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، في جامعة تل أبيب، ومعهد الديمقراطية الإسرائيلي، الذي تترأسه محافظة بنك إسرائيل المركزي السابقة، كارنيت فلوغ.
وقال البروفسور مانويل تراختنبرغ، رئيس معهد أبحاث الأمن القومي، في مقابلة مع صحيفة "يديعوت أحرونوت"، إن الطاقم المشترك مع معهد الديمقراطية، ضم مختصين بارزين، من ذوي الخبرات، وأن استنتاجاتهم وتوصياتهم عرضت صورة صعبة للميزانية. ففي غياب جبهات (حرب) إضافية، فإن إجمالي نفقات الجيش الإسرائيلي خلال أربعة أعوام، بما في ذلك الميزانيات الحالية والمساعدات الأميركية والمشتريات والأسلحة التكنولوجية المتقدمة، وزيادة كبيرة في تعداد أفراد الجيش البري، وتوسيع التجنيد في الجيش الدائم، وإنشاء قوات عسكرية جديدة، مثل وحدة خاصة للتدخل السريع، من المتوقع أن يصل حجمها إلى أكثر من 550 مليار شيكل، أكثر من نصف تريليون شيكل (وهو ما يعادل 151 مليار دولار تقريبا).
وحسب تراختنبرغ، فإن ميزانية الجيش هذا العام وحده، ستعادل ما بين 6% إلى 6.5% من حجم الناتج العام (130 مليار شيكل تقريبا)، وهذا ضعف ميزانية الجيش في العام قبل الماضي 2022. وحذّر من أن زيادة هذه النفقات إلى ما بعد العام المقبل 2025، ستؤدي إلى وقف النمو الاقتصادي، لأن على الحكومة أن تبدأ في العام 2026 بتحويل ميزانيات من الجيش إلى الصرف المدني العام، الذي يدفع بالنمو الاقتصادي، وإلا فإن هذا العبء المالي ستتحمله الأجيال الشابة لأعوام.
ويتوقع تراختنبرغ أن يتجاوز العجز في الميزانية العامة في العام الجاري ما خططت له الحكومة- 6.5% من حجم الناتج العام (130 مليار شيكل)، وقال إن العجز سيتجاوز نسبة 7.5%، متهما الحكومة بإدارة ليست سليمة للميزانية العامة، بانفاقها مليارات الشواكل على قطاعات سكانية محددة؛ ويقصد تراختنبرغ بهذا الميزانيات الخاصة التي طلبت وحصلت عليها كتل الائتلاف الحاكم لصرفها على جمهورها، مثل المتدينين المتزمتين (الحريديم)، والتيار الديني الصهيوني، العصب السياسي الأساس في المستوطنات، وأيضا الصرف الكبير على المستوطنات والمستوطنين.
وقال تراختنبرغ في المقابلة الصحافية ذاتها: "إن هذه الحكومة لن تكون قادرة على زيادة العبء الضريبي لأن الجمهور لا يمنحها ذرة من الثقة. عندما لا تكون هناك ثقة بالوزراء، وخاصة برئيس الحكومة والخزينة العامة، وعندما تُصرف مليارات الشواكل على فئات معينة وجمهور ناخبين محدد، وليس على احتياجات البلاد برمتها، فإن الزيادات الضريبية ستواجه احتجاجا اجتماعيا عاصفا قد يصل إلى رفض دفعها".
وحذر تراختنبرغ، الذي سبق أن ترأس اللجنة الحكومية العامة لصياغة السياسة الاقتصادية خلال فترة الاحتجاجات الاجتماعية الشعبية في صيف العام 2011، من أن "الطبقة العاملة سترفض أن تتحمل عبء صرف ميزانيات القطاعات التي لا تعمل"، ويقصد بشكل خاص الحريديم.
موجة غلاء جديدة
يحذر خبراء الاقتصاد والمحللون الإسرائيليون من أن السوق الإسرائيلية بدأت منذ اليوم الأول من العام الجاري تغرق في موجة غلاء جديدة، افتتحتها أسعار الوقود بنسبة تقارب 6.5% حتى الآن، ثم ارتفعت أسعار الكهرباء في مطلع شباط الجاري بنسبة 2.6%، وقريبا سترتفع أسعار المياه.
كما ارتفعت منذ مطلع الشهر الماضي وفي الأيام الأخيرة، سلسلة من أسعار المواد الغذائية. وقالت تقارير اقتصادية في صحيفتي "كالكاليست" و"ذي ماركر" الاقتصاديتين، إن الشبهات تتزايد حول قيام توافق بين الشركات المنتجة والمستوردة، وبين كبار المسوّقين، ومعهم شبكات التسوق الكبرى، على تنسيق رفع أسعار المواد الغذائية. وقالت توقعات إن هذا سيتأكد في الأسابيع المقبلة، حينما ستعلن كبرى شركات الأغذية والتسوّق عن حجم أرباحها في العام الماضي، بمعنى أن رفع الأسعار ليس فقط بسبب زيادة الكلفة، بل إن الاحتكاريين في السوق يستغلون الأوضاع القائمة لزيادة أرباحهم هم أيضاً.
وكان التضخم المالي قد سجل في العام الماضي 2023 ارتفاعا بنسبة 3%، وفي ظروف عادية، كان من المفترض أن تحتفل الحكومة الإسرائيلية، وخاصة وزير ماليتها ورئيسها، بما كان يمكن تسميته "إنجازاً"، كون هذه النسبة هي السقف الأعلى الذي وضعته السياسة الاقتصادية، منذ مطلع سنوات الألفين، لكن هذا الاحتفال لم يكن، لأن تراجع التضخم السريع في الشهرين الأخيرين من العام الماضي، كان ناجما عن تباطؤ في حركة السوق الإسرائيلية، إذ تراجع التضخم في شهر تشرين الثاني بنسبة 0.3%، وفي الشهر الأخير، كانون الأول، تراجع بنسبة 0.1%.
وبالرغم من ذلك، فإن التضخم الحقيقي، بالنسبة للشرائح الوسطى الدنيا والشرائح الفقيرة، كان أكثر من ضعفي هذه النسبة، لدى النظر للغلاء الكبير في المواد الغذائية على أنواعها، والصرف الحياتي الأساس. وعلى سبيل المثال، فإن إجمالي أسعار المواد الغذائية ارتفع بنسبة 4.6%، وارتفعت أسعار الفواكه والخضراوات بنسبة 13.5%، وهناك أصناف خضراوات أساسية كان ارتفاعها بنسبة أكبر بكثير. ومن مسببات هذا الارتفاع في الأسعار كان نقص الأيدي العاملة في الزراعة، في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي.
وما لجم التضخم كان هبوط أسعار وكلفة خدمات ونفقات تُعد ثانوية بالنسبة للشرائح الفقيرة، والشرائح الوسطى الدنيا، مثل قطاع النقاهة والمطاعم والسياحة الداخلية والخارجية، وأيضا أسعار الملبوسات والأحذية، فهذه تعد أساسية، لكنها متنوعة، والشرائح الضعيفة تقيّد مصروفاتها في هذا الجانب.
المصطلحات المستخدمة:
يديعوت أحرونوت, لجنة الخارجية والأمن, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو