المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 800
  • هشام نفاع

كتبت المحامية هداس تغاري، الناشطة في "مجموعة مكافحة حوادث البناء والصناعة"، يوم الجمعة الأخير: أصيب عامل (28 عاما) بجروح بالغة جداً إثر سقوطه من ارتفاع 4 طوابق في موقع بناء في كريات موتسكين (قرب حيفا). تمت معالجته بشكل أوّلي وإخلاؤه في حالة خطيرة وهو يعاني من إصابات متعددة، حيث تم تخديره وربطه بالتنفس الاصطناعي؛ في صورة الموقع، يمكنكم رؤية أن السقالات تفتقر إلى الدرابزين الأساسي ومساند القدم. لقد زاد عدد الوفيات في حوادث العمل في مواقع البناء بشكل دراماتيكي منذ بداية العام الجاري 2023، بينما انخفض نطاق إجراءات الإنفاذ بشكل كبير. وللعام الثالث على التوالي لم يتم تعديل الأنظمة الضرورية. ومنذ إقامة وزارة العمل الحالية في بداية هذا العام لم يتم اتخاذ أية خطوة أساسية مطلوبة لزيادة الأمان وظروف سلامة العمال.

 "مجموعة مكافحة حوادث البناء والصناعة" التي تعمل على تعزيز السلامة والصحة المهنية، والوقاية من حوادث العمل وتعزيز حقوق العمال، تفيد بأن أربعة عمال قد قتلوا في حوادث عمل خلال ثاني أسابيع شهر حزيران الجاري وحده، ثلاثة منهم قُتلوا في مواقع بناء، وعامل آخر قتل في انفجار أسطوانة غاز في مخبر بمدينة عسقلان (أشكلون). ومنذ بداية العام الجاري، لقي 39 عاملاً مصرعهم في حوادث عمل، 21 منهم في قطاع البناء، وهو ما يشكل زيادة قدرها 50% في عدد القتلى جرّاء حوادث العمل في هذا القطاع وحده. فقد قُتل في الفترة نفسها من العام الماضي 14 عاملاً. وعموماً، ارتفع عدد الوفيات في حوادث العمل في القطاعات الاقتصادية الأخرى بنسبة 26%.  ومع ذلك، فخلال نصف العام الذي انقضى منذ إنشاء وزارة العمل بقيادة الوزير يوآف بن تسور (من حزب شاس)، لم يتم القيام بأية إجراءات للسلامة.

3 جلسات استماع فقط لمقاولين وقعت حوادث عمل قاتلة تحت مسؤوليتهم! 

في التفاصيل التي تعددها المجموعة الناشطة: انخفض نطاق إجراءات إنفاذ القانون والأنظمة بنسبة عشرات في المئة، لم يتم اعتماد لوائح لتوسيع نطاق مسؤولية السلامة في مواقع البناء، ولم يتم اعتماد أنظمة - ما زالت مسوداتها الجاهزة عالقة دوت قرار فيها منذ لفترة طويلة – هدفها تنظيم إجراءات العمل وتأهيل مشغّلي الرافعات والمجارف. وقد قُتل عاملان اثنان في هذه الوظائف خلال هذا الشهر في أثناء تشغيل الرافعات المتنقلة. كذلك، لم يتم المضيّ قدماً في نشاطات التأهيل والتدريب على السلامة لعمال البناء ولم يتم صياغة أو نشر سياسة إشراف ورقابة وإنفاذ.

كذلك، لقد توقف مسجل المقاولين في وزارة البناء والإسكان عن اتخاذ إجراءات ضد شركات المقاولات التي تتقاعس في مسائل الحفاظ على سلامة عمالها، وتم عقد 3 جلسات استماع فقط لهذه الشركات في النصف الأول من العام، مقارنة بـ 24 جلسة استماع تم إجراؤها في فترة ولاية الوزارة السابقة خلال نفس الفترة من العام الماضي 2022. وللتذكير: 3 جلسات استماع مقابل 39 حادث عمل قاتل إضافة إلى العديد من الحوادث التي انتهت بعمّال مصابين، بعضهم بشكل خطير ومع إصاباتهم سترافقهم نتائجها المأساوية كل حياتهم.

المحامية تغاري خلصت إلى أن وزارة العمل الجديدة فشلت فشلاً ذريعاً في تعزيز سلامة العمال. ولا يبدو أن هذا الوضع يزعج الوزير بن تسور الذي يتولى الوزارة ولا الحكومة والكنيست الجديد، فهي تُبدي عدم اكتراث غير مسبوق بسلامة العمال، مما أدى إلى نتائج قاتلة.

عدد أوامر السلامة الصادرة عن مفتشي مواقع البناء في انخفاض مستمر

وفقاً لتقرير في جريدة "هآرتس" أعدّه كاتبه بار بيلغ اعتماداً على المعطيات أعلاه، فقد تم في كانون الثاني الماضي، فصل "فرع العمل"، وهو الجسم الحكومي المسؤول عن قضية حوادث العمل، ونقله من وزارة الاقتصاد إلى وزارة العمل. وعلى الرغم من أن لجنة العمل والرفاه في الكنيست برئاسة عضو الكنيست يسرائيل أيخلر (من حزب يهدوت هتوراه) قد أجرت عدة مناقشات حول هذا الموضوع، فقد انتهت دون قرارات عملية ودون ممارسة ضغوط كبيرة على الوزارات الحكومية لدفع القضايا والمجالات الواقعة تحت مسؤوليتها. وتقول الجريدة: يؤمل بأن يعودوا إلى رشدهم من هذه اللامبالاة والبدء في التحرّك قبل أن يرتفع عدد القتلى والجرحى أكثر.

ويتابع التقرير: على الرغم من الزيادة الحادة في عدد الجرحى والقتلى، فإن عدد أوامر السلامة الصادرة عن المفتشين في وزارة العمل لمواقع البناء، في انخفاض مستمر. وبين شهري كانون الثاني وأيار من هذا العام، تم إصدار 876 أمراً - أقل بنسبة 23% عن الفترة المماثلة من العام الماضي وأقل بنسبة 52% من الطلبات الصادرة في الفترة المماثلة من العام 2021. بالإضافة إلى ذلك، انخفض عدد المفتشين من 90 مفتشاً قبل عامين إلى 70 هذا العام.

ومن جهتها تدّعي وزارة العمل أنه تم تلقي ميزانية مخصصة لهذا المجال قدرها ستة ملايين شيكل لزيادة عدد المفتشين وأنه حسب معطيات الوزارة تمت منذ بداية العام حوالي 6000 زيارة تفتيشية لمواقع البناء وشملت 608 مواقع تم إغلاقها. وتضيف الوزارة أن أوامر التفتيش تصدر وفق النتائج الميدانية وأنها ليست هدفاً بل أداة. وعن عقد ثلاث جلسات استماع فقط لمقاولين يشتبه بهم بأنهم تقاعسوا، مقارنة بـ 30 جلسة في نفس الفترة من العام الماضي، قالت الوزارة إنه من المقرر عقد 11 جلسة استماع أخرى حتى آب، وأوضحت أن الجلسات تجري "وفقاً لبيانات وزارة العمل، إن مسجل المقاولين يدعو إلى جلسة استماع لكل ملف يرسله مدير السلامة وفقاً لـ السياسة المتبعة". بالطبع، لا توضّح ادعاءات الوزارة الوضع المتردّي، بل إنها تعقّد تفسير عدد الضحايا المتزايد.

وزير العمل يسعى لإلقاء قسم من المسؤولية على المجالس المحلية والبلديات!

يجدر مراجعة مكامن الخلل السابقة في عمل الهيئات الرسمية المسؤولة عن تنظيم ظروف الأمان والسلامة في مواقع وورشات البناء. فبالإضافة إلى عدم الإيفاء بتعهدات نصّت على زيادة وتعميق جودة الأداء الحكومي بشأن هذه القضية، قضيّة حياة أو موت حرفياً، جرت غير مرة محاولات لتقديم تفاصيل غير دقيقة لخلق صورة مغايرة لواقع الأحداث القاتم جداً. 

فإدارة السلامة والصحة المهنية التي ذكرتها الوزارة، مثلاً، شطبتْ خلال تقرير لها أصدرته مطلع العام الجاري تلخص فيه نشاطها للعام 2022، العديد من الحوادث التي انتهت بمقتل عمّال في مواقع العمل، مما أدّى عملياً إلى تغيير صورة الوضع وعرضها بكلمات واضحة بحروف إيجابيّة. فقد أوردت معطيات عن 50 قتيلاً فقط من العمل في حوادث العمل، وهذا مقارنة بـ 74 عاملاً قتلوا وفقاً لفحص الهستدروت. والسبب أن هذه الهيئة الحكومية لم تدرج في التقرير القتلى من العمال "وراء الخط الأخضر" ولا العمال الذين قُتلوا من جراء اصطدامهم نتيجة إصابتهم بسيارات ومركبات، بمن في ذلك العمال الذين قُتلوا بحوادث سيّارات ومركبات في أماكن العمل.

لقد عارضت جهات كثيرة ناشطة في مكافحة حوادث العمل صورة الواقع المنقوصة هذه. فكتب موقع "دفار" التابع لنقابة العمال العامة (الهستدروت) أنه وفقاً لبيانات تقرير إدارة السلامة والصحة المهنية، معدل قتلى حوادث العمل في قطاع البناء في إسرائيل في العام 2022 بلغ 7 قتلى لكل 100 ألف عامل، بينما وفقاً لإحصاء وضعته منظمة "صوت العامل" كان معدل القتلى العمال في هذا القطاع 12 ضحية لكل 100.000 عامل بناء. وفيما يتعلق بالمقارنات التي تجريها إدارة السلامة والصحة المهنية بين إسرائيل والعالم، لاحظ الموقع أن المعدل المتوسط ​​في دول الاتحاد الأوروبي يبلغ حوالي 5 قتلى في الحوادث لكل 100 ألف عامل في قطاع البناء.

في جلسة للجنة الرفاه والعمل أواسط أيار الفائت، بحثت موضوع حوادث العمل، اعترف رئيس اللجنة أيخلر بأن "الأنظمة التي من المفروض أن تنظم المسؤولية في حالات حوادث العمل قد تأخرت لفترة طويلة". وبعد اعتباره أن "وزير العمل يوآف بن تسور هو الرجل المناسب في المكان المناسب من أجل النهوض بهذا الموضوع"، تابع بأنه "تم تداول هذه اللوائح خلال السنوات الثلاث الماضية ولم يتم حسم موضوع المسؤولية الجنائية. سيكون هذا الأمر ضمن مهامك كوزير وأن تقرر من هو المسؤول، وكم هو عدد مراقبي العمل الذين سيتجولون بين مواقع البناء وما هي الأدوات المتاحة لهم. نحن نتوقع أن نسمع عن الخطوات العملية التي ستقوم بها في هذا المجال".

أما الوزير فتحدث بكلمات عمومية قائلاً إنه "لدى الجميع يوجد هدف مشترك وهو كيف نقوم بالحد الأقصى من الأنشطة من أجل عودة كل من يتوجه إلى العمل لبيته بسلام. قمنا هذا العام بزيادة عدد المراقبين بعشرة مراقبين آخرين، هذا الرقم ليس مثاليا ولكنه خطوة في الطريق الصحيح، وسنعمل من أجل الحصول على ملاكات إضافية". وعلى الرغم من أن هذه الخطوات تقع تحت صلاحيته المباشرة، سعى إلى وضع قسم من المسؤولية على المجالس المحلية والبلديات من خلال اقتراحه "دمج مراقبي السلطات المحلية ومضاعفة عدد مراقبي السلامة والأمان. المراقبون البلديون يتواجدون في الميدان ويمكنهم أن يفحصوا كل ما يخص سيرورة وإدارة العمل في مواقع العمل المؤهلة، والتأكد من وجود رخصة بحوزة مشغل الرافعة ومدى قربها من خطوط الضغط العالي للكهرباء. هذه أمور يمكن لمراقب البلدية القيام بها بعدة دقائق ومن شأن ذلك أن يساعد"!

يجب ربط مفتاح عدد المراقبين بعدد العمال وليس وفقاً لأهواء الحكومة

يدّعي حيزي شفارتسمان، مراقب العمل الرئيسي ورئيس إدارة السلامة والصحة المهنية في وزارة العمل: "المراقبون يتواجدون في الميدان. نحن نقوم بكل ما يمكن للقوى البشرية أن تقوم به ويثمر ويسعدنا أن يكون لدينا المزيد من المراقبين. قمنا خلال السنوات الأخيرة بإغلاق 3000 موقع عمل بمتوسط 6 أيام لكل موقع، بسبب الإخلال بتعليمات السلامة والأمان. نعمل بالتنسيق مع جهات كثيرة ونطلب المساعدة من السلطات المحلية من خلال المراقبين الذين يتواجدون في الميدان. إلى جانب ذلك، قمنا بإقامة وحدتين مركزيتين الأولى للتحقيقات وتتضمن 10 ملاكات لمحققين بوظيفة كاملة ووحدة ثانية بمجال الغرامات وتتضمن أربعة مسؤولين بهدف زيادة عملية الجباية".

لكن المحامية هداس تغاري قدّمت بناء على متابعة "مجموعة مكافحة حوادث البناء والصناعة" صورة أقلّ ورديّة بكثير للواقع الراهن اليوم، وقالت في الجلسة البرلمانية نفسها: "انخفض عدد المراقبين في السنوات الأخيرة من 90 إلى 70 مراقباً. ومن أجل العمل وفق معايير الـ OCED يجب زيادة عدد المراقبين بصورة درامية لنحو 350 مراقباً، ويجب أن يكون المفتاح لعدد المراقبين مرتبطاً بعدد العمال، ليس من المعقول أن يتم تحديد ذلك وفق أهواء الحكومة".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات