المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
تضخُّم "الصهيونية الدينية": هل يتعثر نتنياهو بصنيعته؟    (أ.ف.ب)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1159
  • برهوم جرايسي

أسدلت الانتخابات البرلمانية الخامسة، التي جرت خلال ثلاث سنوات ونصف السنة تقريبا، الستار على حالة عدم استقرار الحكم الإسرائيلي، وأفرزت النتائج تشكيل حكومة خلال وقت قصير نسبيا، برئاسة بنيامين نتنياهو، ترتكز على معسكره الثابت. وبرغم الأغلبية الواضحة لهذه الحكومة، مدعومة من ائتلاف بأغلبية 64 مقعدا، من أصل 120 مقعدا، فإن هذا لا يعني أنها ستكون حكومة من دون صراعات داخلية. وأظهرت الانتخابات الأخيرة انحيازا أشد في الشارع اليهودي الإسرائيلي نحو اليمين الاستيطاني الأكثر تطرفا، وشرعنة وجوده، في مقابل إسدال الستار برلمانيا على آخر حزب من "اليسار الصهيوني".

وفي الجهة الثانية، فإن فلسطينيي الداخل، كسروا مرّة أخرى التوقعات، بارتفاع نسبة التصويت لديهم إلى ما يزيد عن 54%، وتراجع قوة الأحزاب الصهيونية، لكن تمثيلهم البرلماني بقي على حاله من حيث عدد المقاعد البرلمانية.

ومن باب التوثيق، نذكر أن عدد ذوي حق التصويت في الانتخابات للكنيست الـ 25 التي جرت في اليوم الأول من تشرين الثاني 2022، بلغ 6 ملايين و788 ألف و804 أشخاص، من بينهم نحو 590 ألف شخص من المهاجرين أو المقيمين في الخارج بشكل دائم وبحوزتهم الجنسية الإسرائيلية.

وبلغت نسبة التصويت نحو 70.6%، مقابل 67.4% في انتخابات آذار 2021. ومصدر الزيادة العامة، وفق تحليلنا للأرقام، جاء مناصفة بين العرب واليهود، إذ ارتفعت نسبة التصويت بين العرب من أقل من 44% في العام 2021 إلى نحو 54.5% في انتخابات الأسبوع الماضي، كما ارتفعت نسبة التصويت بين اليهود من 71.7% في انتخابات 2021 إلى 73.6%. وهذا يعني أن نحو 57% من العرب الذين تواجدوا في البلاد، شاركوا في الانتخابات، مقابل قرابة 80.5% من اليهود الذين تواجدوا في البلاد، وهذه النسبة الأخيرة قد لا نجد مثيلا لها تقريبا في الغالبية العظمى من دول العالم.

وجاءت توزيعة المقاعد كالآتي، بحسب كمية الأصوات والمقاعد: الليكود 32 مقعدا (مقابل 30 مقعدا في انتخابات 2021)، "يوجد مستقبل" 24 مقعدا (مقابل 17 مقعدا سابقا)، "الصهيونية الدينية" 14 مقعدا (مقابل 6 مقاعد ولكنها ابتلعت أصوات حزب "يمينا" المنحل وكان له 7 مقاعد)، المعسكر الرسمي 12 مقعدا (وهذا تحالف كان له سوية 14 مقعدا)، شاس 11 مقعدا (مقابل 9 مقاعد)، "يهدوت هتوراة" 7 مقاعد (تحالف، حافظ على قوته)، "إسرائيل بيتنا" 6 مقاعد (تراجع بمقعد واحد)، القائمة العربية الموحدة 5 مقاعد (زيادة مقعد)، "الجبهة الديمقراطية والعربية للتغيير" 5 مقاعد (وحافظت القائمة على تمثيل الحزبين)، حزب العمل 4 مقاعد (تراجع بمقعدين).

أظهرت الانتخابات الأخيرة استمرار انزياح الشارع الإسرائيلي نحو اليمين الاستيطاني، وفي هذه الانتخابات نحو اليمين الاستيطاني المتطرف، الذي هو العنوان السياسي للعصابات الاستيطانية، التي ترتكب الجرائم في جميع أنحاء المناطق المحتلة منذ العام 1967. وبحسب النتائج النهائية، فإن 62% من اليهود صوتوا لليمين الاستيطاني، بما في ذلك الأحزاب التي ستشكل حكومة بنيامين نتنياهو، وحزب "إسرائيل بيتنا"، وحزب "البيت اليهودي" الذي ترأست قائمته أييلت شاكيد، وسجلت فشلا ذريعا بحصولها على 1.2% من الأصوات، في حين أن نسبة الحسم للتمثيل البرلماني 3.25%.

كما أن نحو 31% من أصوات اليهود ذهبت إلى قائمتي اليمين "يوجد مستقبل" بزعامة يائير لبيد، و"المعسكر الرسمي" بزعامة بيني غانتس، فهاتان القائمتان، وفق التعريفات الإسرائيلية، هما "وسط" أو "يمين معتدل" ولكن ممارسات هاتين القائمتين، في الحكومة المنتهية ولايتها، لم تحد كثيرا عن نهج اليمين الاستيطاني، خاصة في كل ما يتعلق بالتعامل مع الضفة الغربية والقدس المحتلة وقطاع غزة.

ورغم هذه المعطيات، فإنه في بحث أدق، ومقارنة مع انتخابات العام 2021، وجدنا معطيات لافتة جدا، من حيث نسبة أصوات الأحزاب في طرفي الحلبة البرلمانية. ففي انتخابات العام 2021، حصل الليكود مع قائمتي اليمين الاستيطاني المتطرف، "يمينا" (الحزب المنحل) و"الصهيونية الدينية" على نسبة 35.52% من الأصوات عامة، في حين حصلت القوائم الثلاث في انتخابات 2022 على 35.42%. في المقابل، فإن أحزاب الطرف الثاني: "يوجد مستقبل" و"أزرق أبيض" والعمل وميرتس حصلت على 31.24% من الأصوات في انتخابات العام 2021، مقابل نسبة 33.71% في الانتخابات الأخيرة، مع الإشارة إلى أن حزب "أمل جديد"، المتحالف مع "أزرق أبيض"، في قائمة "المعسكر الرسمي"، وحصل في الانتخابات قبل الأخيرة على نسبة 4.74%، لم يكن ملموسا في هذه الانتخابات، لأن مصوتيه أصلا من معسكر اليمين الاستيطاني. إلا أن ما قلب توزيع المقاعد هو الكم الهائل لأصوات القوائم التي لم تعبر نسبة الحسم، وبلغت نسبتها قرابة 8.8%، مقابل قرابة 1.5% في انتخابات العام 2021، وبحسب قانون توزيع المقاعد الإسرائيلي، الذي قد لا تجد مثيلا له في العالم، فإنه يضيف للقوائم الكبيرة، أكثر من القوائم الصغيرة من حيث عدد الأصوات. وقد كسرت هذه الانتخابات نسبة الذروة في نسبة الأصوات التي لم تعبر نسبة الحسم، التي تسجلت في انتخابات نيسان 2021، وبلغت يومها 8.4%.

 اختفاء ميرتس وحضيض جديد لحزب العمل

أسدلت الانتخابات للكنيست الـ 25، ولو برلمانيا، الستار على أحزاب ما يسمى "اليسار الصهيوني"، وفق التسميات الإسرائيلية، المتمثلة بحزب ميرتس، الذي كان في حالة صراع بقاء منذ انتخابات العام 2006، حينما هبط تمثيله لأول مرة منذ أن تأسس من ثلاثة أحزاب في العام 1992 إلى 3 مقاعد، وكان يواجه في كل الانتخابات الخمس الأخيرة احتمال عدم اجتيازه نسبة الحسم، إلى أن حصل في الانتخابات الأخيرة على قرابة 151 ألف صوت، مبتعدا بأربعة آلاف صوت عن اجتياز نسبة الحسم، وخسر تمثيله البرلماني كله. أما حزب العمل الذي حكم إسرائيل منفرداً على مدى سنواتها الـ 29 الأولى، فقد حصل على قرابة 176 ألف صوت، ليتمثل بأقل تمثيل له منذ أول انتخابات في العام 1949، حيث حصل على 4 مقاعد.

وقد حصل الحزبان على نحو 7.5% من أصوات اليهود، وهذا انعكاس للأجواء العامة في الشارع الإسرائيلي، التي تنزاح بشكل مستمر نحو اليمين الاستيطاني، وأحزاب اليمين ككل، كما سبق أن أسلفنا. ومن الصعب رؤية نهوض قوى ما تسمى "اليسار الصهيوني" في المدى المنظور، فهذا يحتاج إلى تطورات داخلية في الشارع الإسرائيلي، لتصبح فرضية النهوض واقعية لحد ما. وقد ساهم ما يسمى "اليسار الصهيوني" بهذه النتيجة، بسبب خطابه المتلعثم على مدى السنين، وهذا برز أكثر في ممارسة حزب ميرتس في الحكومة المنتهية ولايتها، التي اتبعت كل سياسات اليمين الاستيطاني، وصمت الحزب عليها، وحتى أنه دعمها.

التصويت عند العرب

في يوم الانتخابات قلب فلسطينيو الداخل كل التوقعات السابقة، التي انتشرت على مدى نحو شهرين، بأن نسبة التصويت ستسجل في الانتخابات حضيضا جديدا، بعد أن هبطت في انتخابات آذار 2021 إلى 43.5%. وكانت معاهد استطلاعات تتحدث عن نسبة 39%. لكن كما ذكر هنا قبل أسابيع قليلة، فإن ما كانت تحصل عليه معاهد استطلاعات الرأي في أجوبة المستطلعين، هو أن نسبة التصويت تتراوح ما بين 54% إلى 58%، إلا أن المعاهد بتحليلاتها كانت تخفض نسبة التصويت، كما يبدو، بسبب فشلها في توقع نسبة التصويت في انتخابات 2021، إذ تحدثت توقعاتها في حينه، عما بين 58% إلى 64%، ففاجأت نسبة التصويت لتكون 43.5%، وفي الانتخابات الأخيرة حصل العكس تماما.

وكما ذكر سابقا هنا، فإن معنى نسبة تصويت تزيد عن 54%، هو أن ما يزيد عن 57% من الفلسطينيين المتواجدين في البلاد يوم الانتخابات، أدلوا بأصواتهم، بحساب أن نحو 5% من العرب المسجلين في سجل الناخبين مقيمون بشكل دائم في الخارج، أو مهاجرون ويواصلون حمل الجنسية.

وقد ساهم في رفع نسبة التصويت عدة عوامل، أبرزها التنافس الشديد بين القوائم الثلاث، الجبهة الديمقراطية والعربية للتغيير، والتجمع الوطني الديمقراطي، والقائمة العربية الموحدة، يضاف لهذا وصول تهديدات اليمين الاستيطاني المتطرف بزعامة إيتمار بن غفير إلى المجتمع العربي، وتكشّف مخطط الليكود وزعيمه بنيامين نتنياهو، في برامج تلفزيونية إسرائيلية، لإحباط التصويت عند العرب، وهذا شكّل عامل استفزاز للعرب. والعامل الثالث، كانت حملات جمعيات منظمة لتشجيع التصويت.

وقد حصلت "القائمة العربية الموحدة" برئاسة منصور عباس، على أكبر عدد من الأصوات، قرابة 194 ألف صوت، من بينها 53 ألف صوت من بلدات صحراء النقب، وتمثلت القائمة بـ 5 مقاعد.

قائمة "الجبهة الديمقراطية والعربية للتغيير"، برئاسة أيمن عودة، حصلت على قرابة 179 ألف صوت، وتمثلت بـ 5 مقاعد.

قائمة "التجمع الوطني الديمقراطي" برئاسة سامي أبو شحادة، وحصلت على أكثر بقليل من 138 ألف صوت، لكنها لم تجتز نسبة الحسم، وأصواتها تعادل أكثر من 3 مقاعد.

ونشير هنا، إلى أنه حسب التقديرات الأولية، التي تحتاج لفحص أدق في الأيام المقبلة، فإن الأحزاب الصهيونية تراجعت بشكل ملحوظ في الشارع العربي، وحصلت على ما بين 13% إلى 14%، من مجمل الأصوات، أكثر من نصفها من البلدات العربية الدرزية، التي تشكل نحو 8% من ذوي حق التصويت العرب.  وفي تقديراتنا الأولية فإن الأحزاب الصهيونية حصلت في الانتخابات الأخيرة على أقل من 80 ألف صوت (78 ألف صوت كتقدير أولي)، من بينها نحو 45 ألف صوت من البلدات العربية الدرزية، التي نمطية التصويت فيها معكوسة تماما عن باقي البلدات العربية، وفيها نحو 95% من الأصوات تذهب للأحزاب الصهيونية.

 حكومة قريبة برئاسة نتنياهو

خلال أيام قليلة، سيدعو الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ الكتل البرلمانية للتشاور معها، بشأن تكليف شخص لتشكيل الحكومة، إلا أنه بعد 5 جولات انتخابية، خلال ثلاث سنوات ونصف السنة، فإن هذا الإجراء سيكون شكليا، لأن النتيجة حسمت تشكيل حكومة برئاسة بنيامين نتنياهو ترتكز على 64 مقعدا، وهذه أغلبية ستكون مريحة للحكومة نسبيا، في العمل البرلماني، خاصة مع تطبيق ما يسمى "القانون النرويجي"، الذي يجيز للوزير الاستقالة من عضوية الكنيست ليدخل بديل عنه من قائمته الانتخابية. وستكون هذه الحكومة الأولى منذ العام 1992 التي ترتكز على أقل عدد من الكتل البرلمانية. ففي العام 1992 شكّل إسحق رابين حكومته من ثلاث كتل برلمانية، بما فيها حزبه، العمل. أما حكومة نتنياهو الجديدة فستتشكل من أربع كتل: الليكود وله 32 مقعدا، الصهيونية الدينية- 14 مقعدا، شاس- 11 مقعدا، و"يهدوت هتوراة"- 7 مقاعد.

في النظرة الأولى ستبدو مهمة نتنياهو في تشكيل الحكومة أمرا سهلا، لكنها على أرض الواقع ستكون فيها عقبات جدية بسبب ارتفاع مستوى مطالب "الصهيونية الدينية" بالذات، في الحقائب الوزارية، ثم المطالب السياسية، خاصة المتعلقة بالاستيطان والامتيازات المالية المتعلقة به، والقدس المحتلة واستهداف المسجد الأقصى أكثر، إلى جانب مطالب ذات طابع ديني تتعلق بالحياة العامة الإسرائيلية وغيرها.

وبقدر ما يظهر بنيامين نتنياهو بتطرفه السياسي، إلا أنه قد يواجه حرجا في مستوى المطالب، إن كان في مواجهته لردود الفعل من دول مركزية في العالم، أو تجاه الشارع العلماني الإسرائيلي غيرها من الأمور.

الجانب الآخر، الذي سيبدو أقل صعوبة، كونه الماسك بخيوط حزبه، هو توزيع الحقائب الوزارية على نواب الليكود. ووارد جدا أن يستخدم نتنياهو هذا الأمر، لتحجيم شخصيات استعدّت أو حتى فكّرت في المنافسة على رئاسة الليكود.

بالتزامن مع ظهور النتائج، ظهرت أنباء تتحدث عن اتصالات فريق نتنياهو مع رئيس تحالف "المعسكر الرسمي" بيني غانتس، الذي حصلت قائمته على 12 مقعدا. ومن الصعب في الوضع الناشئ، تخيّل أن نتنياهو سيختار التنازل عن كتلة "الصهيونية الدينية" التي ساهم نتنياهو شخصيا في بناء تحالفها وتعزيزه، ليختار كتلة في حالة صدام معه، على صعيد شكل إدارة الحكم، ولها موقف من قضايا الفساد المتورط بها؛ وأكثر من هذا فإن غانتس شارك في حكومة نتنياهو قبل عامين، وكانت تجربته فاشلة.

على الأغلب فإن نتنياهو يريد من الاتصالات مع غانتس، حتى وإن كانت شكلية، التلويح لكتلة "الصهيونية الدينية" بأن لديه خيارات أخرى لتشكيل الحكومة.

وإحدى العقبات التي ستواجه نتنياهو لاحقا هي مسار محاكمته، فحتى الآن مضى على بدء المحاكمة 19 شهرا، وفي الشهر المقبل، كانون الأول، تكون قد مرّت ست سنوات، على بدء التحقيقات مع نتنياهو، وكان واضحا أن هذه المحاكمة ستمتد فترة زمنية ليست قليلة، لكن من الصعب تصوّر أن المحاكمة ستستمر أربع سنوات أخرى، حتى ينهي نتنياهو الولاية القانونية لهذه الحكومة من أربع سنوات.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات