المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
"بقاء" نتنياهو .. تعبير عن بنية يمينية عميقة.  (أ.ف.ب)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1373
  • ياسر عاصي

كتاب "بيبي: قصة حياتي" الصادر حديثا في إسرائيل هو سيرة ذاتية خطها بنيامين نتنياهو في 600 صفحة عن حياته وعن المحطة المفصلية بعد مقتل شقيقه "يونتان" في عملية نفذتها وحدة هيئة الأركان العامة الإسرائيلية عام 1976 في أوغندا.

يقسم نتنياهو سيرته الذاتية إلى ثلاثة أجزاء؛ في الجزء الأول يسرد تفاصيل عن طفولته وعائلته حتى انتسابه إلى الجيش الإسرائيلي، والتحول لاحقا لاهتمامه في الحرب ضد "الإرهاب العالمي" على حد تعبيره، ومواجهة هذا "الإرهاب" بعد مقتل شقيقه في عملية إنقاذ طائرة إسرائيلية مختطفة على يد فلسطينيين وألمان. ثم يروي عن تنقله بين الوظائف الحكومية المختلفة حتى وصوله إلى رئيس المعارضة العام 1993. في الجزء الثاني يسلط الضوء على فترته الأولى كرئيس حكومة، يروي عن التحديات الخارجية التي واجهها من قبل الولايات المتحدة ورئيسها بيل كلينتون في ما يخص المفاوضات مع الفلسطينيين. والتحديات الداخلية التي واجهها من قبل الأحزاب اليسارية والإعلام الإسرائيلي اليساري، على حدّ تعبيره. أما في الجزء الثالث، والذي يبدأ منذ رجوعه إلى منصب رئيس الحكومة العام 2009 حتى نهاية فترة حكمه العام 2021، فيستعرض ما حققه من إنجازات في تحقيق رؤيته حول مكانة "إسرائيل بين الأمم". وتبرز في هذه المرحلة علاقته مع رؤساء الولايات المتحدة، بدايةً من باراك أوباما، والتوجهات المختلفة لدى الشخصيتين في ما يخص "حل" القضية الفلسطينية والتي يرى نتنياهو أن الحكومات المتعاقبة في الولايات المتحدة تقع في فخ الرواية الفلسطينية في المستوى الأول. أمّا المستوى الثاني، فيتعلق بالمشروع النووي الإيراني. كما نرى الاختلاف الكبير في العلاقة بين نتنياهو ورئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب عن سابقه أوباما، حيث أنه في فترة ترامب كرئيس للولايات المتحدة تقدمت رؤيا نتنياهو في القضيتين الفلسطينية والمشروع الإيراني. بالإضافة إلى ذلك، يدعي نتنياهو أن التوجه المشترك العربي- الإسرائيلي في مواجهة مشروع إيران النووي، أدى في نهاية المطاف إلى "اتفاقيات أبراهام" والتطبيع بين دول عربية وإسرائيل.

 تجنيد "العالم الحر" لمحاربة "الإرهاب العالمي"

يضع نتنياهو لنفسه مهمة رئيسة من بين المهام التي وضعها لتحقيق رؤياه، وهي تخليص العالم من الخطر المحدق به من "الإرهاب" الذي بدأت تظهر علاماته في سنوات الـ70، والتي كان للفلسطينيين حصة الأسد منها وفقاً لادعائه. وعند الحديث عن "الحرب ضد الإرهاب"، فإن مقتل شقيقه، كما يشير، كان له وقع كبير على نتنياهو وسائر العائلة. إلا أن نتنياهو لم يفوت الفرصة من أجل تسليط الضوء ليس فقط على شجاعة "يونتان" في الحرب العسكرية ضد "الإرهاب العالمي"، بل أيضا على أفكاره ورؤيته لمحاربة هذا الإرهاب. إذ يذكر نتنياهو في كتابه أنه على الرغم من مقتل شقيقه في عملية عسكرية ضد الإرهاب، فإن هذا الأخير لطالما رأى أن الحرب ضد الإرهاب لا تتوقف عند المستوى العسكري. بل تمتد هذه الحرب أيضا إلى الجانب السياسي والأخلاقي، وهي حرب بين الثقافة والبربرية، على حد تعبيره. ووضع نتنياهو نفسه في مكان المخلص للعالم من "الإرهاب العالمي" الذي يجتاحه، خاصةً وأن دول الغرب غير قادرة على التصدي له. هذا المخلص يرى أن من واجبه أن يشعل حرب أفكار من أجل محاربة الإرهاب، وانطلق من فكرة أنه يريد تثقيف العالم حول ماهية الإرهاب، ودوافعه وطرق التصدي له. في النهاية ومن أجل تحقيق مبتغاه قرر نتنياهو بمساعدة والده إنشاء "معهد يونتان" لدراسة الارهاب تيمنا باسم شقيقه العام 1977. وفي هذه الفترة تكثف عمله في هذه الدائرة واستمر في ذلك عبر وجوده في وظائف دبلوماسية مختلفة، كنائب سفير إسرائيل في الأمم المتحدة ثم السفير لاحقا في سنوات الـ80 حتى أوائل الـ90.

ترعرع نتنياهو في بيت مع توجهات يمينية، بيت يرى بشخصيات كزئيف جابوتنسكي، مؤسس حركة الصهيونية التصحيحية وصاحب فكرة "الجدار الحديدي"، قد تم اضطهادها من قبل اليسار الصهيوني، وأنها كانت الأجدر بأن تقود اسرائيل. ويصف اليسار الصهيوني في أحيان كثيرة كالراضخ للرواية الفلسطينية. ويرى أن اليمين بقيادته، بل وإسرائيل بقيادته فقط، سوف تحافظ على وجودها. عدا ذلك، سيكون مصير إسرائيل الدمار والهلاك.

يقدم نتنياهو وصفاً تاريخياً للشعب اليهودي من أيام إبراهيم وسارة، مروراً بالمجاعة في مصر، ودخول يشوع للأرض، والاحتلال الروماني، وولادة المسيح، وتمرد بار كوخبا والعديد من هذه الروايات الأخرى، كل هذا لشرح سبب عدم وجود "شعب فلسطيني".

تبرز أفكار نتنياهو اليمينية بصورة خاصة في الشروط التي يضعها أمام رؤساء الولايات المتحدة على طاولة المفاوضات مع الفلسطينيين. وواجهت المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين مع تواجد نتنياهو كرئيس حكومة إسرائيل طريقاً مسدودةً، ودائماً ما واجه نتنياهو الاتهامات من قِبل الحكومات الأميركية بأن ما يعيق تقدم المفاوضات هو شخصية نتنياهو نفسه. إلا أنه ما انفك يدعي أن الفلسطينيين هم السبب في عدم التقدم في المفاوضات، وذلك لأنهم يطلبون كل شيء ولا يقدمون شيئا متفاخراً بمقولته التي كررها مراراً في كتابه، والتي اعتبرها تكثيفاً لسياسته في التفاوض: "أعطوا- تأخذون، لا تعطون- لا تأخذون".

بدأت فترة نتنياهو الأولى كرئيس حكومة إسرائيل (1996-1999) بالتعامل مع اتفاق أوسلو المبرم بين السلطة الفلسطينية وحكومة إسرائيل السابقة بقيادة إسحق رابين. عارض نتنياهو الذي كان رئيس المعارضة في تلك الفترة اتفاق أوسلو، وجاهر بمعارضته للاتفاق حتى أنه اتهم بالتحريض على رابين مما أدى إلى اغتياله. إلا أن نتنياهو يرفض هذا الاتهام وهذا الهجوم الشخصي الذي يوجه ضده من قِبل الأحزاب اليسارية والإعلام اليساري في إسرائيل المستمر منذ عودته إلى إسرائيل عام 1993 حتى يومنا هذا، معتبراً أن هذه الاتهامات توجه لقادة اليمين، لكونهم يمينيين.

تناقض موقف نتنياهو من اتفاقية أوسلو مع موقف رئيس الولايات المتحدة في حينه بيل كلينتون. فنتنياهو يرى أن ادعاءات ورواية الفلسطينيين حول أحقيتهم في دولة فلسطينية ما هي إلا محض ترهات، وأن النوايا الحسنة لدى الجانب الإسرائيلي في هذه الاتفاقية يجب أن تتوقف، لأن محصلة هذه الاتفاقية هي المزيد من التنازلات الإسرائيلية في مقابل المزيد من عمليات التفجير والإرهاب من قِبل الفلسطينيين. وفي تلك المرحلة وضع نتنياهو شروطا من أجل استمرار المفاوضات وفقا لروح أوسلو على حد تعبيره، وهي أن تقوم السلطة الفلسطينية بمحاربة "حماس" والزج بنشطائها في السجون الفلسطينية، والتخلي عن عقيدة إبادة إسرائيل. كما رأى أن على السلطة الفلسطينية التوقف عن إدخال مواد معادية للسامية في مدارسها ولطلابها الفلسطينيين. واعتبر أن عدم تحقيق هذه الشروط هو السبب في استمرار "الصراع" الفلسطيني- الإسرائيلي، كما أنه يرى أن إدارة الولايات المتحدة لم تعر شروطه اهتماما بل أصرت عليه بأن يجلس على طاولة المفاوضات مع ياسر عرفات.

يدعي نتنياهو بأن حل الصراعات في الشرق الأوسط، على عكس ما تتبناه الولايات المتحدة من ادعاءات فلسطينية، لا يكمن في حل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، إذ أنه لا علاقة نهائيا بين صراعات الشرق الأوسط وإسرائيل من منظوره. ويرى أن البيت الأبيض غير مدرك بأن السلام لن يحصل إذا انسحبت إسرائيل من الأراضي المحتلة عام 67، وذلك لأن الفلسطينيين صراعهم ليس على الأرض، فالأرض كانت بحوزتهم قبل عام 67 إلا أنهم مع ذلك شنوا الحرب على إسرائيل. السبب الرئيس لعدم حصول السلام هو لأن الفلسطينيين يرفضون الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية ذات سيادة، على حد تعبيره.

منذ فترته الأولى كرئيس حكومة رأى نتنياهو أن هناك هوة واسعة من الاختلافات بينه وبين الإدارة في الولايات المتحدة، إذ أن هذه الهوة جعلت منه "العدو" للسلام بنظر الإدارات الأميركية المتعاقبة وبنظر اليسار الصهيوني على حد وصفه. ويرى نتنياهو بأن الإدارة الأميركية لا زالت ترفض أن ترى أن الفلسطيني هو السبب "للمشكلة الفلسطينية"، إذ أن رفض الفلسطينيين المستمر تقبل دولة يهودية لا يزال وسيبقى هو قلب الصراع.

في فترته الثانية كرئيس للحكومة، واجه نتنياهو رئيساً مختلفاً عنه كليا في الولايات المتحدة، باراك أوباما، ولاحظ نتنياهو الاختلاف الكبير في التوجهات بينه وبين الرئيس الجديد. ففي حين يستخدم أوباما القوة الناعمة والتفاهم مع الأمم، يرى نتنياهو أنه لا بد من القوة بكل أشكالها (العسكرية والسياسية وغيرها)، ويقول إن "القوة الناعمة جيدة، لكن القوة الصلبة أفضل". ومرة أخرى يُنظر لنتنياهو كالعثرة أمام السلام، بل إن نتنياهو يدعي بأن أوباما غير مدرك للوقائع التاريخية في ما يخص الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين، بحيث يرى نتنياهو أن أوباما، صاحب الفكر المناهض للاستعمار، لا يدرك أن العرب هم المستعمرون في حالة فلسطين، والذي بدأ منذ الاحتلال الإسلامي وفقا لنتنياهو، مما أدى إلى تفريغ فلسطين من اليهود.

 يرى نتنياهو أن تركيز الإدارة الجديدة في واشنطن انصبّ على مسألة وقف البناء في المستوطنات في الضفة الغربية وفي القدس، وطالب أوباما نظيره نتنياهو بإيقاف البناء في المستوطنات والعودة إلى المفاوضات. مرة أخرى، يواجه نتنياهو هذه المطالب، بادعاءات أن الكثير من المستوطنين تم تهجيرهم من أراضيهم في العام 48 وقد استعادوها بعد حرب حزيران 1967. كما رأى أن وقف بناء المستوطنات سوف يؤدي إلى نتائج عكسية، بحيث يدعي أن الفلسطينيين سيستمرون بالمطالبة بالمزيد خاصة إذا استمرت إسرائيل بالخضوع لمطالبهم وهم في المقابل لا يقدمون شيئاً. أما القدس، فهي عاصمة اليهود الأبدية والتي لا يمكن التفاوض عليها أساساً وفقا لنتنياهو. لم تتقدم المفاوضات في هذه الفترة بل توقفت نهائيا، لأن نتنياهو كان واضحا بأن إسرائيل لن تعود إلى حدود عام 67، وكل اتفاقية سلام يجب أن تنص أن لإسرائيل السلطة والسيطرة الأمنية الكاملة على الضفة الغربية. وأوضح أن الشرق الأوسط غير مستقر وأن الضفة الغربية هي الحامي من جهة الشرق.

مع إصرار الإدارة الأميركية على التحيز للفلسطينيين، وفقا لنتنياهو، سعى هو مستغلا الربيع العربي لإقناع رئيس الولايات المتحدة بنظريته حول عدم استقرار الشرق الأوسط مستغلا ثورات الربيع العربي، لكي يعزز ادعاءه أن الشرق الأوسط غير مستقر، والدولة اليهودية ممكن أن تواجه إسلاما متطرفا على حدودها إذا ما قامت بالانسحاب من الضفة الغربية والجولان. إلا أن محاولات نتنياهو لم تفلح، وفي نهاية حقبة أوباما رئيسا للولايات المتحدة ودع أوباما نظيره نتنياهو بقرار 2334 في مجلس الأمن، حيث نص "أن على اسرائيل الوقف الفوري والكامل لجميع الأنشطة الاستيطانية في الأراضي المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية". ويدعي نتنياهو أن الرئيس أوباما حاول تمرير قرار آخر عبر مجلس الأمن، ينص على إلزام إسرائيل بالعودة إلى حدود 67 وإقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية. لم يمرر هذا القرار بعد محادثة قام بها نتنياهو مع نظرائه في موسكو، مبينا خيبة أمله من دعمهم للقرار الأول، وكان الرد: "وصلت رسالتك". وهكذا يدعي نتنياهو بأن القرار الثاني لم يمرر.

يلخص نتنياهو علاقته مع أوباما قائلا: "لو أنه اعترف بسيادتنا على الجولان والقدس، وتعامل مع المسألة الفلسطينية بصورة واقعية، لم أكن لأتوانى في مديحه. ولكن وبسبب مواقفه المعاكسة، والتي هددت مستقبل إسرائيل، لم يترك لي الخيار سوى لمواجهته ومواجهة سياساته. ولم أقف في حياتي أمام تحدٍ أكبر من ذلك".

مع رحيل أوباما وانتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة تغيرت المعادلة. يعنون نتنياهو فصله عن استلام ترامب الحكم بـ"الصفقة الجديدة". وكان من السهل إقناع ترامب أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس لا يرغب بالسلام، على الرغم من أن ترامب الطامح لتحقيق صفقة سلام كان يرى بنتنياهو المعيق للسلام، وفقا للأخير. ففي زيارة ترامب لإسرائيل قام نتنياهو بعرض مقطع فيديو للرئيس أبو مازن وهو يتحدث على منبر الأمم المتحدة، وبين له الاختلاف بين أقوال أبو مازن باللغة الإنكليزية وأقواله بالعربية الداعمة "للمخربين". يروي نتنياهو المفاجأة التي ظهرت على الرئيس الأميركي، وكيف كان هذا المقطع سببا في تحييده عن أفكار سابقيه المناصرين للفلسطينيين، بل كشف الوجه الحقيقي للفلسطينيين الداعمين للإرهاب! وكان رد ترامب "واو، هل هذا هو الشخص نفسه الذي قابلته في واشنطن؟ كان يبدو لي كشخصية لطيفة ومسالمة".

في عهد ترامب حقق نتنياهو كل أهدافه؛ الاعتراف الاميركي بالقدس كعاصمة إسرائيل الأبدية، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس، والاعتراف الأميركي بسيادة إسرائيل على أراضي الجولان، والعدول عن الاتفاق الذي وقعه أوباما مع إيران. والأهم من كل ذلك "صفقة القرن" التي طرحها ترامب للسلام والتي تضمنت تعديلات وإضافات لنتنياهو عليها، والتي كانت قريبة من أن تكون سببا في الضم الرسمي للضفة الغربية إلى إسرائيل. ويصف نتنياهو قرب تحقيق هذه الصفقة بالحلم الذي دائما ما تطلع له الشعب اليهودي والصهيونية لتعود سيادته إلى "يهودا والسامرة" حيث تعود جذورهم العتيقة، على حد تعبيره. إلا أن الضم لم يتم، وإحدى الفرضيات التي يطرحها نتنياهو، هي أن بيني غانتس، رئيس أركان الجيش سابقا، ونائب رئيس الحكومة في تلك الفترة، هو من أقنع ترامب بالعدول عن الموافقة على ضم الضفة إلى إسرائيل. ويلخص نتنياهو علاقته واختلاف الآراء بينه وبين رؤساء الولايات المتحدة المختلفين على السياسات الخارجية في الشرق الأوسط، بأنها ما هي إلا جدالات بين أفراد العائلة، وكما هو معروف، يضيف نتنياهو، العائلة لا نقوم بتغييرها.

إسرائيل أمام "التهديدات الدولية والعسكرية"

يستعرض نتنياهو على امتداد سيرته الذاتية قلقه المستمر حول مستقبل شعبه ومستقبل دولته اليهودية. يصور نفسه بالشخص الذي دافع عن إسرائيل بكل الطرق الممكنة. فرغم إمكانية حصوله على الجنسية الأميركية إلا أنه رفضها لكي يمثل إسرائيل خير تمثيل في الأمم المتحدة، بل ومنذ نعومة أظافره أثناء تواجده في أميركا في رحلات عمل والده، لم يكن يشارك بالنشيد الوطني الأميركي مع زملائه وذلك لشعوره العميق بانتسابه للنشيد الوطني الإسرائيلي ولشعبه، على حد تعبيره.

كما يبين نتنياهو دوره ودور شقيقه في الجيش الإسرائيلي والمشاركة بالعمليات الخاصة المختلفة والاستعداد للموت والتعرض لأصعب الظروف من أجل دولة اليهود. بالإضافة إلى ذلك، يرى نتنياهو نفسه منقذ إسرائيل من اليسار المتخاذل الذي تبنى الرواية الفلسطينية، إذ وضع نفسه في مواجهة الحكومات اليسارية، واليمينيين المنقلبين عليه والمنقلبين على مبادئهم، وأمام الإعلام الإسرائيلي المنحاز لليسار، فيسرد نتنياهو في إحدى مقابلاته مع رئيس وزراء إيطاليا، سيلفيو برلسكوني، حين سأله الأخير عن عدد وسائل الإعلام التي بحوزة نتنياهو، أنه أجابه قائلا: "لا يوجد، بل كلهم يعملون ضدي"، ويصف نتنياهو دهشة برلسكوني وتعجبه كيف أنه رغم ذلك ينجح بالفوز بالانتخابات، فيجيبه نتنياهو: "بالطريقة الصعبة".

إلا أن الهاجس الأكبر لدى نتنياهو كان دائما "الإرهاب العالمي" عامة، والمشروع النووي الإيراني خاصة، والذي برأيه لا يهدد إسرائيل فقط بل ويهدد الشرق الأوسط بل والعالم ككل حيث يرى أن امتلاك دولة إسلامية كإيران الداعمة لحماس سلاحا نوويا هو تحول كبير في شكل "الإرهاب"، ليكون "إرهابا دولياً" ولا يقتصر على مجموعات محددة.

أن أبرز مراحل دفاع نتنياهو عن إسرائيل في ما يخص المشروع النووي الإيراني، تمثلت في مواجهة رؤية الرئيس الأميركي باراك أوباما. ففي حين أراد أوباما إبرام اتفاقية مع إيران، طالب نتنياهو بشن غارة عسكرية تدمر البنى التحتية لمصانع تخصيب اليورانيوم في إيران، وعارض بشدة الاتفاق النووي معها. وأدى موقف نتنياهو المضاد لرؤية أوباما إلى وجود صراعات مستمرة بين الشخصيتين، وكانت ذروة هذا الصراع حين قرر نتنياهو أن يلقي خطابا في الكونغرس الأميركي يبين فيه معارضته للاتفاق النووي الذي سوف يبرمه رئيسهم. ويذكر نتنياهو أن هذا الخطاب كان الأهم في مسيرته، بل ويؤكد أن هذا الخطاب كانت له أبعاد على المستقبل القريب على الرأي العام الأميركي، وعلى الرئيس القادم للولايات المتحدة. فرغم نجاح أوباما في إتمام الاتفاقية مع إيران، إلا أن نتنياهو كان يرى أن خطابه قد جهز الأرضية ليطالب الرئيس الأميركي القادم بالعدول عن هذا الاتفاق. ويبين نتنياهو نجاح خطته عند استلام دونالد ترامب مقاليد الحكم في الولايات المتحدة وانسحابه من الاتفاق النووي مع إيران. ويمكن القول إن نتنياهو أحب العمل مع ترامب، على عكس العمل مع أوباما وكلينتون، وهو متأكد من أن إيران ستدمر إسرائيل ولا أحد في العالم يأخذها على محمل الجد إلا هو!

 التطبيع مع الدول العربية

يرى نتنياهو أن دول الشرق الأوسط تحترم القوي، ومع القوي فقط تعقد السلام، وأن المعركة ضد إيران ومشروعها النووي كانت البوابة للتطبيع مع بعض الدول العربية، مثل الإمارات العربية المتحدة والبحرين، في ما سمُّي بـ"اتفاقيات أبراهام". يدعي نتنياهو أن مشاهدة الدول العربية لإسرائيل تواجه إيران عسكريا في سورية عززت من تقارب الأفكار لدى الدول العربية وإسرائيل في مواجهة الخطر الإيراني الذي يهدد الشرق الأوسط. بالإضافة إلى ذلك، فقد ادعت الإمارات أن هذا الاتفاق أبرم لمنع ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل، أي السلام مع الدول العربية مقابل عدم الضم، إلا أن نتنياهو يذكر أن هذه ذريعة واهية.

إن التطبيع مع الدول العربية يلائم رؤية نتنياهو التي دائما ما كررها، وهي أن السلام مع الفلسطينيين لا يجب أن يمر من رام الله والقدس، بل من الممكن أن يكون مع الدول العربية أولا ثم لاحقا مع الفلسطينيين.

ختاماً، ركزت هذه المراجعة على رؤيا نتنياهو حول إسرائيل وانقاذها من "الإرهاب" المحيط بها في الشرق الأوسط، بل وحتى انقاذ العالم من "الإرهاب العالمي" ومن "الإرهاب" الذي تقوده إيران بمشروعها النووي. إلا أن العديد من الجوانب لم يتم التطرق إليها وذكرها في سيرته الذاتية وقد تهم القارئ، من إصلاحات اقتصادية بادر لها نتنياهو وهو وزير للمالية في إسرائيل، والتي بدورها كانت سببا من أسباب خروج إسرائيل إلى السوق الحرة، كما أدت إلى جذب الاستثمارات ورجال الأعمال إلى إسرائيل على حد تعبير نتنياهو. بالإضافة إلى ذلك، يستعرض نتنياهو الحروب المختلفة على غزة منذ العام 2008، ويبين الدوافع من وراء كل عدوان، والضغوط الأميركية التي واجهها رغم أن الولايات المتحدة دائما ما وقفت مع حق دفاع إسرائيل عن نفسها. كما تقدم لها المنح العسكرية، وقد قامت الولايات المتحدة بتمويل إسرائيل لمنظومتها الدفاعية "القبة الحديدية" بعد كل عدوان رغم وجهات النظر المختلفة التي تحيط مسألة المفاوضات مع الفلسطينيين. كذلك، يستعرض نتنياهو الملفات القضائية والتي توجه له العديد من الاتهامات، إلا أنه يمر عليها سريعا، ناسبا لها صفة المؤامرة المحاكة ضده وضد عائلته من قِبل اليساريين والإعلام الإسرائيلي التابع لهم.

من اللافت في سيرة نتنياهو الذاتية أنه لا يذكر الفلسطينيين العرب في داخل إسرائيل، إلا في مواقع يرى فيها نفسه مانح الحياة والحقوق لهم والساعي إلى جلب الاستقرار إلى بلدانهم وقراهم عبر إدخال عشرات محطات الشرطة إلى قراهم، وتخليصهم من آفة الجريمة والعنف التي لا زالت تفتك بالمجتمع العربي. غير أنه لا يذكر الفلسطينيين في الساحة السياسية، ولا حتى كأحزاب تسعى إلى طرح قضايا شعبها. كما أنه يصف القائمة العربية الموحدة بأنها الحركة الإسلامية التي تهدد أمن إسرائيل، برغم أنه هو من حاول أن يضمها إلى ائتلافه الحكومي.

ويؤكد نتنياهو أنه لو لم يجبر على قضاء فترة قصيرة في المعارضة (9 شهور)، لما وجد الوقت لكتابة الكتاب. ولكنها ليست النهاية، فصاحب الـ73 عاماً لا يزال يخوض المعترك السياسي في إسرائيل، وهو الأقرب الآن لتشكيل ائتلاف حكومي. والملاحظ أنه لا يوجد مكان في الكتاب يعين فيه نتنياهو ورثته، أو يقدم نصائح لمن سيأتي بعده.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات