يرى خبراء اقتصاد إسرائيليون أن المشكلة الأكبر الماثلة الآن أمام الاقتصاد الإسرائيلي، هي مسألة عدم وضوح الروية المستقبلية. وهذا ينعكس كثيرا في تضارب التقديرات، حتى بين المؤسسات المالية الرسمية، مثل ما يصدر عن بنك إسرائيل المركزي من تقديرات تعد "تفاؤلية" مقارنة مع ما يصدر عن وزارة المالية، وهي تقديرات أشد سوداوية.
ويقول الخبراء في أحاديث لصحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية، إنه ليس واضحا حتى الآن، كيف سيكون تفاعل السوق، مع بدء رفع القيود، وما إذا كانت الحياة ستعود إلى طبيعتها، وإذا نحن أمام جولة واحدة عابرة، أم ستطبق التوقعات بمداهمة البلاد والعالم موجة جديدة من فيروس الكورونا، قبل التوصل إلى لقاح علاجي وآخر تحصين ضده.
فالاقتصاد بدأ بفتح أبوابه، ولكن الكثير من المصالح الاقتصادية على مختلف المستويات، من أصغرها حتى أضخمها تعاني من أزمة اقتصادية، تهدد بقاء بعضها، إذ قالت آخر التقديرات إن عدد المصالح الاقتصادية في إسرائيل سيتقلص هذا العام بنحو 30 ألف مصلحة، رغم أن المعدل السنوي في العقد الأخير يشير الى زيادة سنوية شبه ثابتة بـ 10 آلاف مصلحة. وحسب تلك التقديرات، فإن هذا العام سيشهد إفلاس 70 ألف مصلحة، وسيتم فتح 40 ألف مصلحة جديدة.
ويقول أستاذ الاقتصاد شموئيل هاوزر، نائب رئيس البحوث في الكلية الأكاديمية "أونو"، والرئيس السابق لسلطة الأوراق المالية والبورصات، إن عدم اليقين هو المشكلة الأصعب، في سوق العمل، وتمويل الشركات بشكل عام، والشركات الصغيرة والمتوسطة بشكل خاص. ولظاهرة عدم اليقين عدة مصادر، أبرزها المسائل الصحية، مثل المدة التي سينتشر فيها الفيروس، وما إذا كانت هناك موجة ثانية، لكن الحكومة تساهم أيضا في عدم اليقين، فقد وعدت بالمساعدة، ولم يتلقاها جزء كبير من المشغلين والقطاع الخاص.
ويقول هاوزر: "تعمل العديد من الشركات بهوامش صغيرة، وستجد صعوبة بالغة في التعافي. مؤشر مخاطر الإعسار أعلى بعشر مرات تقريبا مما كان عليه قبل أزمة كورونا. هناك شركات تجد صعوبة في تمويل عملياتها الجارية. الحكومة مطالبة بخلق اليقين من خلال سياسات منظمة ومخططة وتجنب الوعود التي لا يمكن الوفاء بها. كما أن تقديم ضمان 15% للقروض المصرفية ليس كافيا، وهناك حاجة إلى المزيد".
وقال يوري كيرين، الشريك وكبير مسؤولي الاستثمار في شركة "مور غيميل"، إن إدارة الخروج من الأزمة في إسرائيل تتميز "بانعدام الشفافية، ونثر الوعود التي لا يمكن الوفاء بها بسبب الصعوبات البيروقراطية أو الإدارية". وتابع: "لقد أضاعت إسرائيل فرصة لخلق تميز على العالم. لقد تمكنا من أن نكون أول الدول التي تغادر الحجر الصحي، ثم بدأت فوضى وفشل، في إدارة شكل عودة جهاز التعليم". كذلك فإن فروع الاقتصاد القوية تشد نحو قرارات لصالحها، وأولئك الذين ليسوا أقوياء بما فيه الكفاية يفشلون في ذلك، حسب كيرين، الذي قال أيضا: "ليس لدى أصحاب الأعمال الرغبة في المخاطرة، مثل عودة العمال إلى العمل، لأنهم لا يعرفون الآثار المترتبة على ذلك. إن انعدام الثقة من أصحاب الأعمال الحرة وأصحاب الأعمال وغياب الشفافية، هو أخطر مشكلة في الخروج من الأزمة".
وقال ران غولدشتاين، نائب الرئيس ومدير العقارات في شركة "مدرلاوغ"، إن الحكومة الإسرائيلية متخلفة في مساعدة أولئك الذين يحتاجون إليها. وقال: "في شركة فنادق في الولايات المتحدة، قيل لي إنهم تلقوا قبل شهر مبلغا كبيرا من الأموال النقدية من الحكومة، من أجل إبقاء العمل جاريا. في المستقبل، يمكنهم تحويل بعض الأموال إلى منحة. في هولندا، يتم دفع 90% من أجور عمال الفنادق من خلال الشركات نفسها، وليس من خلال الدولة. تشهد العديد من البلدان الأخرى دعما قويا وتحويلات مالية. في إسرائيل، من ناحية أخرى، يريدون البكاء عندما يرون أخبار أصحاب الأعمال كل مساء، الذين فقدوا الثقة بالحكومة، وحتى بعد تلقي المنح، إذ لا يمكنهم الاحتفاظ بأعمالهم".
وبشأن الصناعات التي ستظل تعاني بشكل خاص من الأزمة لفترة طويلة، وتلك التي ستتمكن من العودة إلى وضعها الطبيعي بشكل أسرع، يقول إيلان أراد كيشت، الرئيس التنفيذي لشركة "الاستثمار الإبداعي"، إن صناعة التكنولوجيا أظهرت مرونة في التعامل مع الأزمة، وإن بعض الشركات ستستفيد أيضا من الانتقال إلى العمل عن بُعد، الأمر الذي أدى إلى تسريع الأزمة- على سبيل المثال في الحوسبة وأشباه الموصلات والتجارة عبر الإنترنت. وقال إنه ينبغي على المستثمرين زيادة مستوى المخاطر الحالية، وأن تكون مهتما، على سبيل المثال، بالاستثمارات في اتصالات الهاتف المحمول من الجيل الخامس- البنية التحتية والأجهزة والخدمات الالكترونية.
وقال كيشت "اضطر العديد من أصحاب العمل لتوظيف موظفين عن بعد، ورأوا أن هذا جيد. إن العمل عن بعد هو عملية تطورية تلقت الآن دفعة. ولكن لن أحاول المراهنة على أي شركة التي ستكون رابحة، والتي ستكون قادرة على التعافي، من أصل عشرات الشركات في الصناعة المتضررة".
وقال كورين: "في مجال الاستثمار، نتجنب القطاعات المتضررة، مثل الطيران والسياحة، والتي من المحتمل أن تظل متضررة في المستقبل المنظور، ونركز على القطاعات ذات التوجهات الخدماتية، مثل التكنولوجيا والصحة. وتبدو البنوك في إسرائيل جذابة أيضا، وهي أكثر استقرارا اليوم مما كانت عليه في عام 2008".
ويقول غولدشتاين إنه بالإضافة إلى القطاعات الأولى المتضررة، مثل الطيران والفنادق، تعرضت شبكات الأزياء وصالات الألعاب الرياضية، على سبيل المثال، لضربة مالية، وهذا يمكن أن يؤثر سلبا أيضا على صناعة العقارات التجارية. وفي تقديره، سترتفع حالات الإفلاس في قطاعات التجارة والمطاعم، وهذه أزمة سيمتد تأثيرها لسنوات.
في قطاع التمويل، يميز غولدشتاين بين البنوك، لأنها ذات تجربة في مواجهة الأزمات، وتقديم الاعتمادات المالية. أما قطاع شركات التمويل الأخرى، بمعنى ليس البنوك، فهو قطاع جديد، وما زال عديم تجربة جدية كالتي نواجهها، ولهذا قد يتعرض لضرر شديد، على ضوء عدم قدرة المقترضين تسديد التزاماتهم.
وفي مجال الطاقة، فقد انخفضت الأسعار خلال الأزمة، على ضوء تراجع أسعار النفط. ووفقا لغولدشتاين، تأثرت الشركات المنتجة للنفط والغاز بشكل خاص، في حين تأثرت شركات النقل والتخزين بدرجة أقل. وقال: "فيما يتعلق بقطاع المشاريع والبنية التحتية، فقد أظهر حصانة نسبية خلال الأزمة، واستمر في العمل، وحتى واجه تسارعا في بعض الحالات. وفي تقديري، سيظل قويا في المستقبل القريب".
ويعتقد غولدشتاين أن الخروج من الأزمة سيشمل كفاءة القوى العاملة في العديد من الصناعات، حتى أولئك الذين هم في وضع أفضل الآن، وبالطبع أولئك الذين سيستغرق تعافيهم سنوات.
ويقدّر هاوزر أن "إعادة تنشيط السياحة والترفيه ستكون صعبة، وأخشى أن يستغرق الأمر وقتا أطول من المتوقع". وعلى الرغم من أن تسريح العمال يشكل خطرا على الاقتصاد الكلي على المدى القصير، قال هاوزر إنه مع مرور الوقت، قد تتكيف الشركات وتتعلم كيفية العمل بشكل أكثر كفاءة، مع زيادة الإنتاجية.
ويرى الخبراء أن على الحكومة التعامل بحذر مع الأزمة وكيفية الخروج منها، وأن تعرف كيف توجه الموارد، بشكل يضمن إعادة أقصى ما يمكن من أماكن عمل، واستعادة الإنتاجية، إلى أقصى ما يمكن، مع الأخذ بالحسبان قدرة الاستهلاك، خاصة وأن قطاع الصادرات ما زال في حالة عدم يقين أكبر، على ضوء الأزمة الاقتصادية العالمية الناجمة عن الأزمة الصحية.