من المعروف أن السياسيين يقدمون وعودا عشية الانتخابات لمجرد نسيانها في اليوم التالي. لقد حان هذا اليوم، ورغم أنه من غير المعروف حتى الآن ما إذا كان بنيامين نتنياهو سينجح في تشكيل حكومة يمينية ضيقة، أو أننا نتجه نحو حكومة وحدة أو انتخابات رابعة، فمن الواضح أن تصريحات كل من الكتلتين بالشأن الاقتصادي ليست جادة فيما يخص وعودهما بعدم رفع الضرائب.
قبل أيام، نشر كبير الاقتصاديين في وزارة المالية توقعات بشأن تأثير فيروس كورونا على الاقتصاد الإسرائيلي. ويفترض السيناريو الأكثر تفاؤلا، تلاشي وباء كورونا مثل الإنفلونزا بحلول الصيف، وأن الأضرار التي ستلحق بالاقتصاد المحلي ستبلغ من مليارين إلى 3 مليارات شيكل، أي 2ر0% من الناتج المحلي الإجمالي. في السيناريو المرحلي، سيواصل كورونا مرافقتنا، مما يؤثر على الاقتصاد العالمي لمدة عام وأكثر، ولكن دون انتشار كبير في إسرائيل. وستكون النتيجة ضرراً يلحق بالتجارة العالمية، وتراجع أسواق رأس المال، وانخفاض الاستثمارات وتباطؤ الهايتك. في هذه الحالة، وفقا لتوقعات وزارة المالية، سيصل الضرر بالفعل إلى 1% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يقارب 15 مليار شيكل (36ر4 مليار دولار).
إن حالة عدم اليقين بشأن انتشار كورونا والأضرار الاقتصادية التي سيحدثها الفيروس هائلة، لكن ما هو مؤكد هو أن إسرائيل معرّضة بشكل خاص للفيروس الجديد، ولسنا مستعدين للتعامل معه ماليا. ولأجل التعامل مع الأزمة الاقتصادية العالمية، تحتاج إسرائيل إلى موارد في الميزانية، تهدرها حكومة نتنياهو المؤقتة على الاقتصاد الانتخابي، القائم هنا منذ عام 2015. والنتيجة هي وجود عجز كبير في الميزانية لا يسمح لإسرائيل بامتصاص الصدمات. وكان العجز في عام 2019 نحو 7ر3% من الناتج المحلي الإجمالي. ووفقا للتوقعات قبل هستيريا الكورونا، سيكون العجز في عام 2020 بنسبة 8ر3%، وبحلول عام 2021 سيرتفع عجز الميزانية إلى 2ر4% من الناتج المحلي الإجمالي.
لتقييم مدى خطورة هذا العجز نعود إلى الأزمة العالمية الأخيرة. فقد دخلت إسرائيل أزمة العام 2008 بعجز صفري، وفي غضون عام قفز العجز الحكومي إلى 8ر4% من الناتج المحلي الإجمالي. بعبارة أخرى، أدى التأقلم مع أزمة العام 2008 إلى زيادة العجز في إسرائيل بنسبة 5%، وهو الوقت الذي تم فيه انتخاب حكومة قوية (حكومة نتنياهو الثانية).
وفقا للسابقة ذاتها، إذا وقع الاقتصاد العالمي الآن في أزمة عميقة، وهو ما قد يحدث، فمن المتوقع أن يرتفع العجز إلى حوالي 9% أو أكثر. إنه عجز في بلد يسير نحو الموت. وعلى الرغم من تباهي النائب نير بركات، المرشح لمنصب وزير المالية، بأن "وضعنا الاقتصادي ممتاز"، فإن مثل هذا السيناريو سيجلب إسرائيل إلى حافة الانهيار.
إن عدم المسؤولية المالية لحكومة نتنياهو المنتهية ولايتها، يمكن أن يفرض علينا ثمنا باهظا. إلا أن الليكود ينكر وجود المشكلة، وأيضا تحالف "أزرق الأبيض" ينضم لليكود في ذر الرمال في العيون.
كلا الطرفين على خطأ وتضليل، مع وعود غامضة لتجنب رفع الضرائب. لكن إسرائيل تسير بالفعل على طريق عجز بنسبة 4%، وذلك قبل فيروس كورونا، فكيف سيديرون بالضبط ميزانية الدولة هنا من دون رفع الضرائب؟ الوعد بأن النمو سيكون الحل هو النظر في عصفورين على الشجرة في وضع عالمي طبيعي، لكن في عالم يخضع لخطر تبعات كورونا، لن تكون طيور. والادعاء بوجود الطيور هناك، هو كذب فظ على الجمهور.
الفرق الكبير بين وعود المرشحين لحقيبة المالية هو في تعاملهما مع المتدينين المتزمتين الحريديم. بين الحريديم، الحكاية هي الانخراط في سوق العمل، ولكن ليس بالإكراه وحجب الميزانيات، وإنما مع التوجيه المناسب. ينبغي مساعدتهم في التدريب المهني والدراسات ذات الصلة، مثل اللغة الإنكليزية والرياضيات، ولكن ليس بالضرورة في المعاهد الدينية وإنما في المعاهد التعليمية ومراكز التدريب المهينة. وهناك من يرى أن حل هذا الأمر بسيط، عبر الدراسات الأساسية التي ستمكن الرجال الحريديم من دخول سوق العمل، الدراسات الأساسية من جيل الطفولة المبكرة، وهذا يتعلق بثورة التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة التي نسعى إلى غرسها، والتي تشمل التعليم المجاني من الصفر.
في حالة الحريديم، اعتاد بركات، رئيس بلدية القدس السابق، على التعامل مع الحريديم، بإطلاق شعارات فضفاضة، دون معالجة أساسية، لكافة القضايا التي تتسبب بوضعيتهم الاقتصادية الاجتماعية، وهو مستمر بذات الطريقة، كمرشح لحقيبة المالية، وأيضا فيما يتعلق بزيادة ميزانية المعاهد الدينية، بادعاء أن الأمور ستصل تلقائيا، وهذا تحريف في أحسن الأحوال، وكذب بشكل صارخ ومتعمد في أسوأ الأحوال.
منافسه على المنصب إياه من تحالف "أزرق أبيض"، عوفر شيلح، أكثر صدقا وجرأة في مواجهة مشكلة الحريديم، ووعد بمعالجة ذلك جنبا إلى جنب مع توفير التعليم المجاني في مرحلة الطفولة المبكرة. إلا أنه يعطي شعارات خاطئة بطريقته الخاصة، فمن أين تأتي الميزانية للوفاء بكل هذه الوعود؟
بعد الانتخابات، سننتظر أياما كثيرة من الكد والعرق والدموع. وقد حان الوقت للتنبه وتذكر أن هنا دولة تحتاج لإدارة، ووقف المتاعب التي لا معنى لها.
إسرائيل تعاني من ضائقة حقيقية في الميزانية وفي ظروف سيئة لأزمة عالمية محتملة. يجب أن نضيف إلى هذا الإهمال الإجرامي لحكومة نتنياهو منذ عام 2009 في مجال الإصلاحات الهيكلية، التي كثفت بعض مشاكلنا الاقتصادية الحادة، والحريديم.
وجاء يوم الحساب والتسديد، في اليوم التالي لمخلفات كبيرة بعد الانتخابات. ولا يهم على الإطلاق من سيحتفظ بالسلطة في أي حال، فإن المشاكل الاقتصادية تنتظره.
__________________________
(*) محللة اقتصادية. عن "ذي ماركر"