أكد الخبير والمحلل الاقتصادي البارز غاي رولنيك، في تحقيق له نشره في صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية، أن "المدخولات المالية الضخمة"، التي وعد بها بنيامين نتنياهو الخزينة العامة، كإيرادات من حقول الغاز، تبين أنها هامشية، مقارنة بحجم موازنة إسرائيل، ومداخيل الضرائب السنوية.
فنتنياهو الذي كان يتحدث عن 450 مليار شيكل (130 مليار دولار) في غضون 17 عاما، تراجع مؤخرا إلى ثلث هذا المبلغ، ولكن الحقيقة تتكشف أكثر فأكثر، وهي أنه حتى هذا الثلث بعيد عن الحقيقة، في حين أن المداخيل الحقيقية ستبقى في جيوب كبار المحتكرين لحقول الغاز، التي تسيطر عليها إسرائيل في البحر الأبيض المتوسط.
ومنذ اكتشاف حجم حقول الغاز في البحر الأبيض، وسيطرة إسرائيل عليها، من خلال شركات احتكارية إسرائيلية وأميركية، انشغل الرأي العام في الشارع الإسرائيلي بمسألة حجم المداخيل للخزينة العامة. وتبين أنه عند ابرام اتفاقيات التنقيب عن الغاز، تم فرض ضرائب وحصة حكومية شحيحة، ما اضطر حكومات نتنياهو إلى تشكيل لجنة مرتين، لوضع مقترحات لتعديل الاتفاقيات، على ضوء كميات الغاز الكبيرة جدا، التي تم العثور عليها في قاع البحر.
واللجنة كانت برئاسة الخبير إيتان شيشنسكي، الذي وضع المقترح الأول، ثم المقترح الثاني الذي أقرته الحكومة في العام 2015، وهو قائم على ضريبة تدريجية، ولكن لا تغير واقع الحال كثيرا. وحسب الخبراء، وبضمنهم الخبير الاقتصادي رولنيك، فإنه في الجوهر تبقى الأرباح الأساسية في جيوب كبار المحتكرين.
وحسب ما ورد في تحقيق رولنيك، فإنه في البداية جرى الحديث عن مداخيل لخزينة الدولة بنحو 450 مليار شيكل (130 مليار دولار) في غضون 17 عاما. وكانت تقديرات بنك إسرائيل تتحدث عن 200 مليار إلى 450 مليار شيكل. ولكن بنيامين نتنياهو في خطاباته الانتخابية الأخيرة، تحدث عن ثلث هذه القيمة، 150 مليار شيكل، من دون أن يفسر هذا التراجع الحاد في تقديراته.
ولكن واقع الحال ليس كذلك، إذ أن مخطط شيشنسكي يقضي بالاستمرار في فرض ضريبة على الأرباح الصافية إلى سقف ما، بنسبة 5ر12%، وفي حال تم تجاوز هذا السقف، ترتفع الضريبة مباشرة إلى 60%. ولكن هذا السقف يتم احتسابه بعد أن تسترجع شركات التنقيب التي سيطرت أيضا على الحقول، 150% من حجم استثماراتها لدى عملية التنقيب، وإقامة الحقول للضخ.
ويقضي مخطط شيشنسكي بأن يتم وضع الأرباح الفائضة في حساب خاص، يطلق عليه اسم "صندوق الثروة"، ليتم احتساب الضريبة عليه، ومن هناك جاءت الأرقام التي تبين أن لا أساس لها. ويقول رولنيك إنه بعد الفحص، تبين أن إجمالي الضريبة التي ستكون من "صندوق الثروة" في كل السنوات الـ 17 لا يتجاوز 10 مليارات شيكل، ما يعني أن الضريبة الزائدة السنوية تتراوح ما بين 700 مليون إلى 800 مليون شيكل، وفي أحسن الأحوال مليار شيكل، في حين أن الضريبة الأساسية 5ر12% قد لا تتجاوز قيمتها السنوية مليار شيكل.
ويستند رولنيك في تحقيقه إلى تقديرات حكومية لم يتم الإفصاح عنها، وهي أن إجمالي الأموال التي من المتوقع أن تتراكم في "صندوق الثروة" بحلول عام 2040، أي بعد مرور 30 عاما على أول اكتشاف للغاز في مياه البحر المتوسط، سيكون 35 مليار شيكل. وهذه أرقام تبقى هامشية جدا، مقارنة بحجم الموازنة العامة التي تتجاوز سنويا 420 مليار شيكل، ومداخيل الضرائب السنوية، التي تتجاوز 360 مليار شيكل، وحجم الناتج العام السنوي- 4ر1 تريليون شيكل، أي ما يزيد عن 410 مليارات دولار. ويقول رولنيك "هذا يعني أن الإيرادات الضريبية السنوية لشيشنسكي من المتوقع أن تصل إلى حوالي 3ر0% من إيرادات الدولة وحوالي 07ر0% من إجمالي النشاط الاقتصادي في الاقتصاد".
وحسب رولنيك، فإن صادرات الغاز من الحقول التي تسيطر عليها إسرائيل، قد لا تبقى على حالها في المستقبل المنظور، خاصة على ضوء اكتشاف حقل غاز قبالة الشواطئ المصرية، يعادل أكثر مما في جميع الحقول التي تسيطر عليها إسرائيل، وهناك ستبدأ منافسة شديدة على أسعار التصدير.
وتابع رولنيك أنه إذا ما تشكّلت حكومة بعد الانتخابات، فمن المتوقع أن تقف أمام "خيبة الأمل الماثلة"، وعليها أن لا تتوقع سد العجز الحاصل في الموازنة العامة، من إيرادات الغاز، بعد أن اتضح أنها شحيحة، وليست بالمستوى الذي يتحدث عنه نتنياهو، وكأن إيرادات الغاز ستأتي بالرفاهية للمواطنين.
وكان تحقيق نشر في الشهر الماضي أكد أنه على الرغم من أن شركة الكهرباء الحكومية بدأت في السنوات الأخيرة تعتمد أساسا على الغاز من الحقول التي تسيطر عليها إسرائيل، إلا أن أسعار الكهرباء للمستهلك لم تتراجع وبقيت على حالها الذي كانت عليه في العام 2016، إذ أنه تم فرض سعر على شركة الكهرباء، أعلى من الأسعار في الأسواق العالمية.
ويختم رولنيك "اليوم، لدى المواطنين الإسرائيليين "مخطط غاز" يحدد أسعار الكهرباء والطاقة بسعر يزيد على 6 دولارات لكل وحدة حرارة، أي ثلاثة أضعاف أسعار الغاز الحالية في العالم. والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن المواطنين الإسرائيليين في الوقت الحالي لديهم رئيس وزراء ووزير للطاقة، هما في كل الأمور المتعلقة باكتشافات الغاز مشعوذان في أفضل الأحوال، وكذابان في أسوئها".