يؤكد بحث جديد، أجري في وزارة الصحة، على النواقص الخطيرة في جهاز الصحة الإسرائيلي، من عدة جوانب، وأبرزها النقص في الأسرّة والعيادات التخصصية، وارتفاع كلفة صرف المواطنين على الصحة، ما يدفع شرائح فقيرة للتنازل عن خدمات وعلاجات صحية. وكل هذه المعطيات، التي تصدر الآن رسميا، تؤكد على ما جاء في سلسلة من التقارير العالمية، ومنها ما صدر قبل بضعة أشهر.
ويعدد البحث، الذي كشفت عنه صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية، سلسلة من المشاكل التي يواجهها الجهاز الصحي الإسرائيلي، إضافة إلى عدم جاهزية الجهاز لمواجهة التحديات المستقبلية، وأبرزها ارتفاع نسبة المتقدمين في السن بين المواطنين، ما يستدعي إقامة بنى تحتية أكثر مما هو قائم، الذي أصلا لا يسد الاحتياجات. وأيضا الحاجة لزيادة ميزانيات الصحة، لتكون قادرة على تلبية احتياجات متقدمي السن.
ويقول البحث إن ميزانيات الصحة تراجعت قيمتها في السنوات القليلة الأخيرة، ولم تعد قادرة على ملاحقة ارتفاع كلفة الأدوية، والتزود بالقدر الكافي من الأجهزة التكنولوجية، التي تتطور باستمرار، فعلى سبيل المثال، كلفة الأدوية لمعالجة مريض بالسرطان ارتفعت حتى العام 2016 بثلاثة أضعاف، عما كانت عليه في العام 2006، من 29 ألف شيكل إلى 100 ألف شيكل.
وكان تقرير لمنظمة التعاون بين الدول المتطورة، OECD، صدر هذا العام، قد أكد أن الصرف في إسرائيل على الصحة، هو من الأدنى من بين الدول الـ 34 الأعضاء في OECD. إذ أن الصرف على الصحة بالمعدل للفرد يبلغ 2822 دولار، مقابل 4 آلاف دولارات بالمعدل في دول المنظمة. كما أن اجمالي الصرف في إسرائيل على الجهاز الصحي يبلغ 4ر7% من اجمالي الناتج العام، بينما معدل النسبة في دول OECD بلغ 11%.
ويؤكد التقرير أن الكثير من العلاجات والخدمات الصحية، تفتقر لها سلة الخدمات الصحية الرسمية، ما يدفع المواطنين من ذوي القدرات المالية للجوء إلى تأمينات صحية إضافية، خارج التأمين الصحي العام، من أجل ضمان صرف مستقبلي أقل على الأدوية، وتقصير الدور للعلاج في عيادات خاصة.
وهذه الظاهرة، التي بدأت منذ العام 1995، أدت إلى ظاهرة "طب للأغنياء وطب للفقراء" في إسرائيل. لأن كلفة التأمينات الصحية الإضافية لدى شركات التأمين عالية، وفيها أيضا مستويات، ما يرفع كلفة التأمينات أكثر.
وانعكست كلفة النفقات على الصحة في إسرائيل في تقرير مركز الأبحاث الاجتماعية "أدفا"، قبل بضعة أشهر، الذي استعرض جوانب للفقر المدقع لدى شرائح في المجتمع ككل، وبالذات في جانب شكل الإدارة المالية للعائلات الأشد فقرا، إذ يقول التقرير إنه في العام 2013 قال قرابة 39% من الفقراء من أبناء 20 عاما وأكثر، إنهم تنازلوا عن وجبات غذائية وأدوية، بسبب صعوبات مالية، وهذه النسبة بقيت شبه ثابتة في السنوات التالية.
ويفند البحث، وفق ما ذكرته "ذي ماركر"، مزاعم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير ماليته موشيه كحلون، بأن الجهاز الصحي قد شهد تحسينات كثيرة في السنوات الأخيرة، وبضمن ذلك تقصير الدور لدى الأطباء والعلاجات التخصصية، بحسب زعم كحلون. وتقول الصحيفة إن الكثير من الجمهور لا يشعرون بما ذكره كحلون. وهذا أيضا ما تؤكده وزارة الصحة، التي أجرت بحثا دقيقا في تفاصيل جهاز الصحة، بهدف وضع خطة تطوير مركزية، إذ حسب ما نشر فإن كل معالجات النواقص من قبل لم تكن وفق مخطط مركزي طويل الأمد، بل طغت عليها العشوائية.
النقص في أسّرة المستشفيات
يقول البحث إن النقص في الأسّرة، هو أحد القضايا الخطيرة التي يواجهها جهاز الصحة، رغم أن هذه قضية مطروحة منذ سنوات طوال، ولم تتم معالجتها بالقدر الكافي، ولذا فهي تستفحل أكثر. وكان تقرير لمنظمة التعاون بين الدول المتطورة OECD صدر في ربيع العام الجاري، قد عرض النقص الخطير في الأسرّة والأقسام في المستشفيات الإسرائيلية.
ويتضح أن عدد الأسرّة في المستشفيات أقل بنسبة 33% من معدل عدد الأسرّة بالنسبة لعدد المواطنين في الدول المتطورة. ومعدلات الاكتظاظ في المستشفيات في إسرائيل لا يمكن تحملها، وتصل إلى 95%، ولذا تحل إسرائيل في المرتبة الثانية، من حيث ارتفاع الاكتظاظ، من بين الدول الـ 34 الأعضاء في منظمة OECD. ويقول التقرير إنه بسبب الاكتظاظ في المستشفيات، فإن الكثير من المرضى ينامون على أسرّة في أروقة المستشفيات، ما يرفع من نسبة التلوث والعدوى بين المرضى. وفي هذا الجانب تحل إسرائيل في المرتبة ما قبل الأخيرة (الأسوأ).
ويتعجب معدو تقرير OECD من "الشروط القاسية في الاكتظاظ الكبير في المستشفيات الإسرائيلية، التي تتسبب في ارتفاع حاد جدا، في موت المرضى بسبب العدوى من التلوث". وحسب المعطيات، فإنه في إسرائيل يموت سنويا من تلوث، على الأغلب ناجم عن الاكتظاظ الشديد في المستشفيات، ما معدله 38 مريضا لكل 100 ألف مواطن، في حين أن المعدل السنوي في دول OECD هو 15 مريضا في السنة، في الظروف ذاتها.
يشار هنا إلى أن أساس النقص في عدد الأسرة والمستشفيات ككل قائم بالأساس في المدن والمناطق البعيدة عن مركز البلاد. ويزداد الوضع سوءا في جانب المستشفيات والعيادات التخصصية، وفق ما تشير له كل التقارير الإسرائيلية.
ويوصي تقرير OECD الحكومة الإسرائيلية برصد ميزانيات أكبر لإقامة مستشفيات جديدة، وتمويل مشاريع لتوسيع مستشفيات قائمة، من خلال زيادة الدين العام، أو برفع بسيط للضرائب. وبحسب محللين فإن هذه التوصية شاذة بالنسبة لخبراء OECD الذين لا يفضلون زيادة الميزانيات العامة، وزيادة الدين العام، لكن كما يبدو فإن سوء الوضع في المستشفيات، بات يتطلب توصية "شاذة" كهذه.
الكلفة ترتفع والميزانيات مجمدة!
تقول "ذي ماركر" إن الصورة التي تعرضها وزارة المالية بائسة للغاية من عدة نواح. فجهاز الصحة الإسرائيلي، كما باقي الدول، يضطر لمواجهة تغيرات ضخمة جدا، ما يزيد من الإثقال على الجهاز. والتغير المركزي هو ارتفاع نسبة من هم في سن الشيخوخة من بين المواطنين.
وكما هو معروف فإن معدل الأعمار في إسرائيل هو من الأعلى في العالم، وتحتل إسرائيل المرتبة الرابعة من بين الدول الأعضاء في OECD، ويبلغ معدل أعمار النساء أكثر بقليل من 84 عاما، والرجال بات يلامس 82 عاما. ولكن هناك فجوة كبيرة، بين العرب واليهود، إذ يقل معدل أعمار النساء العربيات عن معدل أعمار النساء ككل بعامين تقريبا، ما يزيد من معدل أعمار اليهوديات عن المعدل العام. في حين أن معدل أعمار الرجال العرب يبتعد بحوالي أربع سنوات عن معدل أعمار الرجال اليهود. وهذا الارتفاع المتواصل يرفع أعداد المواطنين الذين يحتاجون أكثر من غيرهم لخدمات جهاز الصحة بكل مستوياته، وأيضا لصرف أكثر على الأدوية.
ومن التحديات الأخرى ارتفاع نسبة أبناء الأجيال الشابة الذين يمرضون بأمراض مزمنة، وهي ظاهرة عالمية، وأيضا في الدول المتطورة. ومن مسببات الأمراض المزمنة السمنة الزائدة، ونمط حياة لا يخدم صحة الانسان.
كذلك فإن ما يثقل أيضا على جهاز الصحة هو التطور المستمر بالأجهزة التكنولوجية، والعلاجات التكنولوجية الحديثة، والصرف عليها في ارتفاع مستمر، ما يتطلب رفع ميزانيات دائم، بما يلائم هذه الاحتياجات، في حين أن ميزانية الصحة عليها أيضا أن تزداد لسدّ النقص في البنى التحتية.
وفحص البحث ميزانيات شبكات العيادات شبه الرسمية الأربع، ووجد أن قيمتها تتآكل باستمرار، ما يُدخل هذه الشبكات في عجز مالي، يهدد مستوى الخدمات التي تقدمها، بموجب قانون الصحة العام. وهذا أمر برز في بحث وزارة الصحة، إذ تبين أن شبكات الصحة تقلل من توجيه مرضى إلى علاجات متطورة ذات كلفة عالية، ويحتاج المريض إلى معاناة في الانتظار، أو قبل ذلك في انتظار قرار نهائي لتوجيهه إلى مثل هذه العلاجات.
ويقول البحث إنه لو أن كان الارتفاع السنوي لميزانية الصحة، وبالتالي ميزانية شبكات العيادات، يزداد باستمرار، بذات النسب التي ترتفع فيها في الدول المتطورة، لكان العجز سيتقلص. ويجرى التداول باستمرار في السنوات الأخيرة في إمكانية رفع رسوم الصحة التي يدفعها الجمهور، وتبدأ تدريجيا من نسبة 1ر3% من الراتب غير الصافي، إلى نسبة 5%. لكن في حين أن رسوم الصحة لا تزال كما هي بالنسبة إلى الراتب غير الصافي الذي يقارب 44 ألف شيكل (قرابة 12 ألف دولار)، فإن ربات المنزل اللاتي لا يعملن، وكذا الطلاب في الجامعات والكليات، مفروض عليهم دفع مخصصات شهرية تتراوح ما بين 35 إلى 45 دولارا شهريا. وهذه مبالغ شهرية لا تقوى عليها شرائح فقيرة محرومة من الدخل الشهري المنتظم.