المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • المشهد الاقتصادي
  • 1634
  • برهوم جرايسي

ضربت عاصفة كبيرة إدارة بنك مزراحي طفاحوت حينما علم في الأيام الأخيرة أن السلطات الأميركية تطالبه بدفع غرامة مالية بقيمة 342 مليون دولار، بدلا من التوجه إلى المحاكم، كعقاب له، على فتحه حسابات بنكية لأثرياء أميركان (يهود)، نجحوا من خلال هذه الحسابات بالتهرب الضريبي من السلطات الأميركية، كما فعل مثله بنكان إسرائيليان آخران، بنك ليئومي، الذي دفع غرامة 270 مليون دولار، وبنك هبوعليم، الذي ما زال ينتظر التوصل إلى اتفاق مع السلطات الأميركية، ولكنه خصص ميزانية احتياطية بلغت 365 مليون دولار حتى الآن.

 

ويجري الحديث عن تعديل لقانون الضرائب الإسرائيلي، تم اقراره في العام 2003، بمبادرة وزير المالية في حينه، بنيامين نتنياهو؛ وكان ساريا لمدة خمس سنوات، ثم جرى تمديده في العام 2008 إلى عشر سنوات أخرى. ويمنح المهاجرين اليهود إلى إسرائيل، وحتى الإسرائيليين الذين هاجروا قبل سنوات وعادوا إلى إسرائيل، إعفاء من دفع الضرائب على كل نشاطهم الاقتصادي في الخارج لمدة عشر سنوات، حتى وإن كان الأمر متعلقا ببيع عقارات وأعمال في الخارج، وما شابه. وهذا أحد الأنظمة التي سنتها إسرائيل في السنوات الأخيرة، بحثا عما يسمى "الهجرة النوعية"، بمعنى استقدام مهاجرين يهود من ذوي الامكانيات المالية والعلمية.

وقد ظهر ذلك القانون في حينه على أنه يهدف إلى تحفيز الهجرة إلى إسرائيل، التي بدأت في تلك المرحلة بالتراجع بنسبة حادة، مقارنة مع معدلاتها التي كانت قائمة في سنوات التسعين من القرن الماضي. وكان هدف المُشرّع المُعلن هو ضمان تأقلم المهاجرين اقتصاديا في إسرائيل، في سنوات هجرتهم الأولى، إلا أن هذا التعديل جعل كثيرين من كبار المستثمرين من يهود العالم يرون بإسرائيل "دفيئة" للتهرب من دفع الضرائب. ومع مرور السنين تبين أن من وراء المبادرة وقف حيتان مال كبار، وبضمنهم أرنون ميلتشين، أكبر المستفيدين من هذا القانون.

وأكدت سلسلة من التقارير الصحافية، وحتى شبه رسمية إسرائيلية، صدرت تباعا، على مدى السنوات الماضية، أن إسرائيل باتت "دفيئة لمتهربي دفع الضرائب" من يهود العالم، الذين يستفيدون من قانون الاعفاء الضريبي المذكور. وتأجج الجدل الإسرائيلي حول هذا القانون، الذي لا يستفيد منه سوى بعض الأفراد مع عائلاتهم، على ضوء تقارير ومطالبات دولية من إسرائيل بوقف العمل بهذا القانون، الذي يقف حاجزا أمام تبادل المعلومات المالية لمحاصرة متهربي الضرائب في العالم.

وكانت القضية تفجرت أمام السلطات الأميركية في نهايات العام 2014، حينما تبين للسلطات الأميركية أن بنك ليئومي وبنوكا إسرائيلية أخرى قد تسترت على متهربي ضرائب أميركان، بين العامين 2002 وحتى 2010، ويبدو أن جميعهم من الأميركان اليهود، بفعل القانون إياه. وأول البنوك الذي تعرض للملاحقة الأميركية، كان البنك الثاني من حيث الحجم، بنك ليئومي، الذي توصل إلى اتفاق مع السلطات الأميركية بدفع غرامة بقيمة 270 مليون دولار، بدلا من 400 مليون دولار، طلبتها السلطات الأميركية بداية.

وما تزال المفاوضات جارية مع البنك الإسرائيلي الأكبر هبوعليم، إلا أن البنك خصص ميزانية بقيمة 365 مليون دولار، على مدى السنوات الثلاث الأخيرة، وقد يرفعها هذا العام بمبلغ إضافي، كي يكون مستعدا لدفع غرامة يتم التوصل إلى اتفاق بشأنها مع السلطات الأميركية.

وكانت المفاوضات قد جرت أيضا مع مزراحي طفاحوت، وهو بنك صغير نسبيا مقارنة مع حجم بنكي ليئومي وهبوعليم، وقد خصص ميزانية 45 مليون دولار لا أكثر، لاحتمال أن يدفع غرامة، إلا أنه مطالب الآن بدفع غرامة أكبر بحوالي 8 أضعاف من تلك التي خصص لها احتياطيا، ولا يبدو أن البنك قادر على دفع غرامة بهذا القدر، إذ من شأنها أن توجه ضربة قاصمة لقدرات البنك.

ويقول تقرير لصحيفة "كالكاليست" إن إدارة مزراحي طفاحوت عقدت جلسة طارئة، استدعت لها كبار المحامين في إسرائيل من ذوي الاختصاص بالقضايا المالية العالمية، وأيضا المدير العام السابق لمجلس الإدارة، وبعد جلسة امتدت لساعات طوال، تقرر تكليف أحد المحامين البارزين بإبلاغ السلطات الأميركية رسميا برفض البنك دفع غرامة بهذا القدر.

ونقلت الصحيفة عن أحد الخبراء قوله إن التفاوت في حجم الغرامات ناجم عن حسابات أميركية، لكل واحدة من الحالات التي اصطدمت بها بشأن التهرب الضريبي، ما يعني أنها تطالب البنوك بتعويضها عن خسائر تكبدتها خزينة الضرائب الأميركية. لكن السؤال الذي لم يجد مزراحي طفاحوت الجواب عليه حتى الآن هو: لماذا هو مطالب بدفع غرامة أعلى بنسبة 30% من تلك التي دفعها ليئومي، رغم أن هذا الأخير اعترف بحجم حسابات أميركية أكبر بأربعة أضعاف من تلك التي كانت في مزراحي طفاحوت؟.

وحسب تقديرات، فإن المفاوضات ستبدأ من جديد بين السلطات الأميركية وبنك مزراحي، إلا أنه في كل هذه القضايا، لم يظهر أن الحكومة الإسرائيلية، أو البنك المركزي الإسرائيلي، قد حاولا التدخل لصالح البنوك الإسرائيلية.

 

المصطلحات المستخدمة:

بنيامين نتنياهو

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات