المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

 قال التقرير السنوي حول قائمة الأثرياء الـ 500 الكبار في إسرائيل، التي تصدرها سنويا المجلة الشهرية لصحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية، التابعة لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، إن الثروة الاجمالية لهم ارتفعت بنسبة 2% "فقط"، بعد ارتفاع بنسبة 23% في العام 2017 عن العام الذي سبقه.

 وبلغ حجم الثروة الاجمالية لهؤلاء الأثرياء 172 مليار دولار، وهذا يشكل ارتفاعا بنسبة 465% عن العام 2003، مقابل نمو اقتصادي اجمالي، خلال كل تلك السنوات، في حدود 65%. لكن في قراءة أخرى، فإن ثروة العام ارتفعت بنسبة 7%، إلا أن اثنين من كبار الأثرياء خسرا بالمجمل 9 مليارات دولار.

وتضمنت القائمة هذا العام 245 مرتبة لأسماء أفراد وعائلات ومجموعات استثمارية، تضم 500 ثري من بينهم 137 ثريا مستقلا، و363 ثريا ضمن 108 عائلات ومجموعات استثمارية. في حين أنه في العام الماضي، كان 143 ثريا، مقابل 357 ثريا ضمن 98 عائلة ومجموعة استثمارية، وهذا يدل على أن أثرياء كبار إما أنهم رحلوا وتم توزيع ثرواتهم على ورثتهم الشرعيين، أو أن منهم من قام بتقسيم ثروته على أبنائه.

ويقول التقرير إن احتساب الأثرياء الـ 500 الكبار، أفرادا مستقلين، أو أفرادا ضمن عائلات ثرية، ارتكز على الأسهم في الشركات، إن كانت عامة أو خاصة، ومشاريع اقتصادية، وعلى أسهم في أسواق المال، وعقارات، وأموال سيولة نقدية، وهذا بموجب ما كانت عليه الحال يوم الأول من نيسان 2018، واستنادا إلى سعر صرف الدولار بـ 5ر3 شيكل. ومن أجل جمع كل هذه المعطيات، تمت الاستعانة بعدة قنوات، منها مخزون معلومات صحيفة "ذي ماركر"، وما هو معلن للجمهور، والمعلومات في البورصات، كذلك مسجل الشركات، ومكاتب علاقات عامة، ومصادر أخرى مختلفة.

إلا أن هذه الثروات لا تشمل الاستثمارات غير الخاضعة للسجلات الإسرائيلية الرسمية، بمعنى أنها كلها خارج البلاد. كما أنها لا تشمل أثرياء كبارا يلعبون في الساحة الإسرائيلية، لكنهم لا يخضعون للسجلات الإسرائيلية، مثل الثري الأميركي اليهودي، شلدون إدلسون، صاحب صحيفة "يسرائيل هيوم" اليومية المجانية، الداعمة بالمطلق لشخص بنيامين نتنياهو.

وكان التأثير السلبي الأكبر على الثروة الاجمالية هو انهيار ثروة من كان يحتل المرتبة الأولى في الثراء خلال العامين الماضيين، الثري الفرنسي باتريك ديرهي، الذي كانت ثروته في العام الماضي 14 مليار دولار، وخسر هذا العام 5ر7 مليار، لتحط عند 5ر6 مليار دولار، محتلا المرتبة الثالثة.

وقد هاجر ديرهي إلى إسرائيل في العام 2015، حاملا معه ثروة بلغ مقدارها في ذلك العام 5ر16 مليار دولار. وخسر منها في العام 2016، ما يعادل 6ر7 مليار دولار، بينما في العام الماضي 2017 عاد ليحتل المرتبة الاولى بعد أن حقق أرباحا عن العام الماضي بقيمة 4ر6 مليار دولار، لتصل ثروته هذا العام إلى 14 مليار دولار. وهذه التأرجحات مصدرها في البورصات العالمية.

وديرهي (54 عاما) هو يهودي ولد في المغرب العربي، وكان والداه من اليساريين، وهاجرت العائلة في نهاية سنوات السبعين إلى فرنسا. وبدأ حياته العملية، التي قادته إلى الثراء، في سنوات التسعين الأولى بشركة صغيرة، كانت تعرض على الفرنسيين الاشتراك في شبكة كوابل تلفزيونية بأسعار أقل من غيرها. وسرعان ما توسعت الشركة، وسجلت نجاحات، لتبدأ في عملية شراء شركات أخرى.

وبدأ ديرهي في إسرائيل مساهما في شركة الكوابل "هوت"، التي جمعت شركات صغيرة سابقة، ودأب في كل مرّة على شراء أسهم مساهمين آخرين، إلى أن اصطدم بالقانون الذي يلزم بأن تكون أسهم 5%، على الأقل، في شركات الاتصالات بيد حامل جنسية إسرائيلية، فاختار ديرهي في العام 2015 الحصول على الجنسية الإسرائيلية ليطبق السيطرة الكلية على "هوت"، وبات قسم من شركاته مسجلا في إسرائيل.

والثري الثاني، الذي خسر كثيرا هو أرنون ميلتشين، ذائع الصيت في العامين الأخيرين، على ضوء قضية الفساد الكبرى التي يواجهها نتنياهو، وفي صلبها تلقي هذا الأخير هدايا ثمينة وأكثر، ما يعد رشوات من ميلتشين، الذي كان يسعى إلى تمديد قانون الامتيازات الضريبية، التي يحظى بها الأثرياء المهاجرون إلى إسرائيل. وقد هبطت ثروته من 1ر5 مليار دولار في العام 2017، إلى 5ر3 مليار دولار في العام الجاري، وهذه أيضا خسائر في البورصات العالمية. وقد هبط من التدريج الرابع في العالم الماضي، إلى التدريج التاسع هذا العام.

ويُعد ميلتشين الصديق الخاص لبنيامين نتنياهو، والمتورط بقضية تقديم هدايا لنتنياهو وزوجته بما قيمته مئات آلاف الدولارات على مدى سنوات، وهي قضية الفساد التي تسمى "الملف 1000". وقد أوصت الشرطة، في شهر شباط من العام الجاري، بتقديم لائحة اتهام ضد نتنياهو في هذه القضية، بشبهة أنه تلقى رشى وخان الأمانة. وانتقل الملف لقرار نهائي في النيابة العامة، لم يصدر حتى إعداد هذا التقرير.

ثروات وفجوات

 وكما ذكر، فإن الثروة الاجمالية للأثرياء الـ 500 بلغت هذا العام 172 مليار دولار، مقابل 168 مليار دولار في العام 2017 الماضي، و137 مليار دولار في العام 2016. ومصدر هذه التأرجحات أرباح وخسائر في البورصة، وأيضا هجرة أثرياء يهود من العالم إلى إسرائيل، أو الحصول على جنسيتها إلى جانب الجنسيات الأخرى التي بحوزتهم. فمثلا بعد صدور تقرير "ذي ماركر" هذا العام، حصل الثري الروسي اليهود رومان أبراموفيتش على الجنسية الإسرائيلية، إضافة إلى الجنسية الروسية، ويبلغ حجم ثروته الإجمالي هذا العام 4ر11 مليار دولار، وهو سيقلب قائمة الأثرياء في العام المقبل، في حال بقي مع الجنسية الإسرائيلية (اقرأ عنه في مكان آخر من هذه الصفحة).

ويقول التقرير إن عدد الأثرياء الذين بحوزة كل واحد منهم مليار شيكل وأكثر، بمعنى 288 مليون دولار وأكثر، بلغ هذا العام 106 أثرياء، مقابل 116 ثريا في العام الماضي، وهذا بسبب تقاسم الثروات داخل عدد من العائلات. لكن بموجب الجدول، الذي يعرض إجمالي الثراء من العام 2003 وحتى العام الجاري، فإن عدد الذين كانت ثروتهم في العام 2003 من مليار شيكل وصاعدا 8 أشخاص، وبقي العدد ذاته في العام التالي، واستمر بالصعود بوتيرة محدودة، إلى أن بدأت القفزات من العام 2008، في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية، وهجرة عدد من الأثرياء اليهود من العالم إلى إسرائيل.

وكما ذكر في المقدمة، فإن حجم الثروة الاجمالية ارتفع منذ العام 2003 إلى العام الجاري 2018 بنسبة 465%، إذ كان حجم الثروة في ذلك العام 37 مليار دولار، مقابل 172 مليارا حاليا. ونرى أنه في حين كان معدل الفرد الواحد من الأثرياء الـ 500 من اجمالي الثروة في العام 2003 حوالي 74 مليون دولار، فإنه قفز هذا العام إلى 344 مليون دولار. ورأينا في مراجعة للقائمة أن ثروة أكبر 40 ثريا ضمن 19 عائلة ومجموعة أو افراد، بلغت تقريبا 77 مليار دولار، من أصل الثروة الإجمالي- 172 مليار دولار.

وقد عدنا في "المشهد الإسرائيلي" إلى بعض المعطيات الاقتصادية الأساسية خلال هذه السنين، لنرى أن الاقتصاد الإسرائيلي سجل منذ العام 2003 وحتى العام الماضي نموا اقتصاديا اجماليا بنسبة حوالي 65%، وقد تصل مع هذا العام إلى 69%، ما يعني أن وتيرة الثراء أسرع بحوالي 7ر6 ضعف. وليس هذا وحده، بل إن معدل الرواتب العام الرسمي ارتفع منذ العام 2003 وحتى العام الجاري، بنسبة 54% فقط، في حين أن الحد الأدنى من الأجر ارتفع بنسبة تقل عن 40%. وهذا يعكس حجم الفجوات الضخمة بين كبار الأثرياء وأكثر من 99% من الجمهور.

وكذلك هي الفجوات بين الأثرياء أنفسهم، ففي حين بلغت ثروة الشخص الأول هذا العام 3ر9 مليار دولار، فإن ثروة آخر ثري في القائمة هي أقل من 92 مليون دولار.

المرتبات العشر الأولى

 احتل المرتبة الأولى هذا العام الثري إيال عوفر، بثروة بلغ حجمها الإجمالي 3ر9 مليار دولار، وهو نجل الثري الراحل سامي عوفر، وقد تقاسم ثروة والده مع شقيقه عيدان، في العام 2011، وكان لكل واحد منهما 6 مليارات دولار، وفي حين نجح إيال في القفز بثروته إلى 3ر9 مليار، بمعنى أكثر من 50%، فإن شقيقه عيدان هبط بثروته هذا العام إلى 25ر2 مليار دولار. والقسم الأكبر من نجاحات إيال عوفر كانت في استثماراته في العقارات في الخارج.

واحتل المرتبة الثانية الملياردير الإسرائيلي القديم ستيف فيرتهايمر وعائلته، التي تضم زوجته وأبناءهما الثلاثة، إذ بلغت ثروتهم مجتمعين 9 مليارات دولار، زيادة بـ 300 مليون دولار عن العام 2017. وتبرز العائلة أساسا في شركات التقنيات التكنولوجية في إسرائيل وخارجها.

واحتل المرتبة الثالثة باتريك ديرهي، سابق الذكر هنا، بثروة إجمالية هي 5ر6 مليار دولار.

واحتلت الثرية الإسرائيلية القديمة شيري أريسون المرتبة الرابعة في القائمة، بعد أن كانت في سنوات خلت تتربع على رأس القائمة، كصاحبة الأسهم الأكبر في بنك "هبوعليم"، أكبر البنوك الإسرائيلية. وبلغت ثروة أريسون هذا العام 5ر5 مليار دولار، بزيادة 300 مليون دولار عن العام الماضي، وقد ارتفعت ثروتها خلال عامين بنسبة 10%. وبعد نشر قائمة "ذي ماركر"، تم الإعلان عن أن أريسون ستبيع شركة البناء والإسكان التي تسيطر على غالبية أسهمها.

وجاءت في المرتبة الخامسة عائلة عزريئيلي، وهي العائلة التي تشتهر ببناء المجمعات التجارية الضخمة، والأبراح السكنية- التجارية، وبلغ حجم ثروتها التي يشارك فيها أربعة من أبناء العائلة، 4ر4 مليار دولار، بتراجع 100 مليون دولار عن العام الماضي.

وفي المرتبة السادسة حلّ غيل سويد، بثروة إجمالية بلغت 2ر4 مليار دولار، وهي ذات الثروة في العام الماضي، والاستثمارات الأكبر له هي في قطاع الهايتك.

أما المحتكر الأكبر لقطاع الغاز الإسرائيلي، إسحاق تشوفا، فقد حلّ في المرتبة السابعة، بثروة إجمالية تشاركه فيها زوجته قيمتها 15ر4 مليار دولار، بزيادة 150 مليون دولار عن العام الماضي.

ويحل الثري الأميركي الإسرائيلي حاييم تسبّان في المرتبة الثامنة، بثروة إجمالية 55ر3 مليار دولار، زيادة بنسبة 350 مليون دولار. وليس واضحا ما إذا كان هذا يشمل أيضا كل استثماراته في الولايات المتحدة الأميركية.

وجاء في المرتبة التاسعة الثري أرنون ميلتشين السابق ذكره، وثروته 5ر3 مليار دولار، وقد فقد هذا العام 6ر1 مليار دولار من ثروته في العام الماضي.

وجاء في المرتبة العاشرة الثري شاؤول شيني بثروة إجمالية 5ر3 مليار دولار، بعد أن حقق أرباحا بقيمة 200 مليون دولار عما كان في الماضي.

العربي الوحيد

 تبقى هذه الخانة ثابتة في مثل هذه التقارير السنوية منذ 13 عاما، فمن أصل 500 ثري في القائمة هناك عربي واحد، وفي هذا العام يجري الحديث عن عائلة العربي الوحيد في القائمة، بديع بشارة طنوس من مدينة الناصرة، الذي رحل في أوائل هذا العام، في إثر مرض، وانتقلت ملكية المشاريع إلى أبنائه الثلاثة، وأكبرهم الياس طنوس. والعائلة هي صاحبة واحدة من أكبر شركات البناء في البلاد، وهي تنشط أيضا في دول في شرق أوروبا وفي كندا، وقد أسس طنوس الشركة في سنوات السبعين الأولى.

وسجلت ثروة عائلة طنوس في العام الجاري ارتفاعا طفيفا من 145 مليون دولار، في العام 2017، إلى 147 مليون دولار، لكن هذه الثروة كانت قد سجلت في العام الماضي ارتفاعا حادا من حيث النسبة المئوية، إذ ارتفعت بنحو 15 مليون دولار عن العام 2016. وفي السنوات الخمس الأخيرة، ارتفعت ثروة العائلة بنسبة 6ر33%، إذ كانت في العام 2013 حوالي 110 ملايين دولار.

وقبل سنين عديدة، كانت في القائمة من بين الأثرياء الـ 500 عائلة شقحة العربية، التي تملك واحدة من أكبر شركات استيراد المواد الغذائية في البلاد، إلا أن الشركاء انفصلوا عن بعضهم، وشكلوا شركتين أو أكثر، مما أخرجهم من قائمة الـ 500. وسبق هذا خروج عائلتين عربيتين، بعد تدهور أوضاعهما الاقتصادية.

 نحو 14 ألف دولار- أرباح يومية لكل ثريّ!

 يقول رئيس تحرير المجلة الشهرية لصحيفة "ذي ماركر"، إيتان أفريئيل، إنه في الأسابيع الأولى لعمل هذا التحقيق، وما رافقه من تعديلات على قائمة الأثرياء الـ 500، التي يتم إعدادها ونشرها منذ 18 عاما، تبين أن الثروة الاجمالية لجميع الأثرياء في القائمة تراوح مكانها تقريبا، إلا أنه ليس هذا هو الحال الدقيق. فمنذ الأول من نيسان 2017، وحتى الأول من نيسان من العام الجاري، سجلت البورصة الإسرائيلية ارتفاعا محدودا، وأسعار العقارات في البلاد كانت أقل استقرارا، ويبدو أن الأثرياء زاد ثراؤهم لكن بوتيرة أقل، مما كانت عليه الزيادة السنوية في السنوات الأخيرة، وكذلك فإن الفجوات بينهم وبين باقي الجمهور استمرت في الاتساع.

وحسب أفريئيل، فبالنسبة للأثرياء في إسرائيل حتى وإن كانت الزيادة الاجمالية هي بنسبة 2%، ومعدل الربح في السنة، بعد خصم الخسائر، كان فقط 5 ملايين دولار للثري الواحد بالمعدل، فإن هذا يعني بالعملة المحلية- الشيكل- ربحا بمعدل 50 ألف شيكل يوميا، وهو ما يعادل 8ر13 ألف دولار يوميا. ومن المؤكد أن أرباحا بمعدل كهذا هي أبعد ما تكون عن 99% من الجمهور وأكثر.

وأحد الأمور اللافتة، التي يستعرضها أفريئيل في مقاله التحليلي لهذا العام، هو مصير حجم الثروات الكبرى مستقبلا، حينما يأتي وقت كل واحدة من الثروات لتقسيمها على الأولاد والورثة الشرعيين، ومن بين الأثرياء الذين لا ينتظرون ويعملون على تقسيم ثروتهم على أبنائهم. ويقول الكاتب إن معدل الأعمار بين أكبر 500 ثري في العالم بحسب تدريج بلومبيرغ بلغ 67 عاما، بينما معدل الأعمار لدى أكبر 50 ثريا في إسرائيل، من أصل الأثرياء الـ 500 الكبار، تجاوز 70 عاما. ويضيف أفريئيل أن توزيع الثروة على الجيل التالي لا يقلص من حجم الفجوات الاجتماعية. وهو يشير أيضا إلى أن معدل الفرد الواحد من الأثرياء الـ 500 من إجمالي ثروتهم ارتفع من العام 2003 وحتى العام الجاري بنسبة 470%، ما يعني أن الثروات تستمر في الارتفاع أيضا مع الأجيال التالية.

رومان أبراموفيتش الثري الروسي المهاجر الجديد يقلب قائمة كبار الأثرياء!
احتفت أوساط إسرائيلية، في مطلع الشهر الجاري حزيران، بحصول الثري الروسي اليهودي رومان أبراموفيتش على الجنسية الإسرائيلية "بسرعة الضوء". ورغم جنسيته الروسية إلا أنه يقيم بشكل دائم في بريطانيا، غير أن تأشيرة بقائه انتهى مفعولها، رغم استثماراته في ذلك البلد، ولسبب ما قفز إلى إسرائيل بين ليلة وضحاها، على متن طائرته الخاصة، وليحصل على الفور على الجنسية الإسرائيلية الكاملة، حاملا معه ثروة تقدر بـ 4ر11 مليار دولار، ستضاف لقائمة كبار الأثرياء الإسرائيليين، رغم أنه يحمل جنسيتين أخريين، وأن الغالبية الساحقة من استثماراته خارج إسرائيل.

وأبراموفيتش (52 عاما) روسي الأصل، وهو من حيتان المال الذين جمعوا ثراء فاحشا في روسيا، بعيْد تفكك الاتحاد السوفييتي، وهو مقرّب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلا أنه لأسباب لم توضحها سلسلة التقارير الإسرائيلية في الأيام الأخيرة، يختار البقاء خارج روسيا. وفي الآونة الأخيرة كان مكوثه شبه الدائم في بريطانيا، وهو مالك لفريق كرة القدم تشيلسي، إلا أن تأشيرة مكوثه في بريطانيا انتهت، ورفضت السلطات تجديدها على الفور، خاصة بعد اتهام بريطانيا لروسيا بأنها سممت أحد العملاء الروس في لندن قبل حوالي شهرين.

وكل التقارير الإسرائيلية وصفت وصول أبراموفيتش إلى إسرائيل بأنه مفاجئ، رغم أنه يتردد كثيرا على إسرائيل، واشترى في منطقة تل أبيب الكبرى قبل نحو ثلاث سنوات قصرا داخل عزبة، ويقدر ثمن العقار ككل بأكثر من 28 مليون دولار. وهو يستثمر في عدد من شركات الهايتك الصغيرة بشكل خاص، أو تلك المسماة "في "الشركات الناشئة"، وقال أحد التقارير في الصحافة الاقتصادية إن أبراموفيتش يستثمر في 12 شركة كهذه.

وحسب تقارير عالمية، فإن ثروة أبراموفيتش تتراوح ما بين 9 مليارات إلى 13 مليار دولار، لكن الرقم الأكثر تداولا هو 5ر11 مليار دولار. واستثماراته الأضخم في العالم في قطاع النفط، وقبل سنوات، حينما اشترى فريق تشيلسي البريطاني لكرة القدم، سدد له ديونا بنحو 6ر1 مليار دولار.

وهناك سلسلة من التفسيرات لهذا الانتقال السريع لأبراموفيتش، أولها كما يبدو أنه لا يشعر بأمان شخصي في روسيا، رغم علاقته الخاصة بالرئيس بوتين، واختار إسرائيل لكونه يهوديا، وله فيها بيت خاص به، كما أن جنسيتها وجواز سفرها سيجعله يتنقل في جميع أنحاء دول الاتحاد الأوروبي من دون تأشيرة، خلافا لجواز السفر الروسي، الذي يحتاج لتأشيرة كي يدخل إلى المملكة البريطانية المتحدة.

يضاف إلى هذا أن أبراموفيتش استفاد فور وصوله إلى إسرائيل من قانون الإعفاء الضريبي، الذي يمنح المهاجرين اليهود إلى إسرائيل إعفاء على نشاطهم الاقتصادي خارج إسرائيل لمدة 10 سنوات، رغم أن مفعول القانون ينتهي في هذا العام.

ويجري الحديث عن تعديل لقانون الضرائب، تم اقراره في العام 2003، بمبادرة وزير المالية في حينه، بنيامين نتنياهو؛ وكان ساريا لمدة خمس سنوات، ثم جرى تمديده في العام 2008 إلى عشر سنوات أخرى بعد اضافات. ويمنح المهاجرين اليهود إلى إسرائيل، وحتى الإسرائيليين الذين هاجروا قبل سنوات وعادوا إلى إسرائيل، إعفاء من دفع الضرائب على كل نشاطهم الاقتصادي في الخارج لمدة عشر سنوات، حتى وإن كان الأمر متعلقا ببيع عقارات وأعمال في الخارج، وما شابه. وهذا أحد الأنظمة التي سنتها إسرائيل في السنوات الأخيرة، بحثا عما يسمى "الهجرة النوعية"، بمعنى استقدام مهاجرين يهود من ذوي الامكانيات المالية والعلمية.

وقد ظهر ذلك القانون في حينه على أنه يهدف إلى تحفيز الهجرة إلى إسرائيل، التي بدأت في تلك المرحلة بالتراجع بنسبة حادة، مقارنة مع معدلاتها التي كانت قائمة في سنوات التسعين من القرن الماضي. وكان هدف المُشرّع المُعلن هو ضمان تأقلم المهاجرين اقتصاديا في إسرائيل، في سنوات هجرتهم الأولى، إلا أن هذا التعديل جعل كثيرين من كبار المستثمرين من يهود العالم يرون بإسرائيل "دفيئة" للتهرب من دفع الضرائب. ومع مرور السنين تبين أن من وراء المبادرة وقف حيتان مال كبار، وبضمنهم أرنون ميلتشين، أكبر المستفيدين من هذا القانون.

وأكدت سلسلة من التقارير الصحافية، وحتى تقارير شبه رسمية إسرائيلية صدرت بشكل دائم على مدى السنوات الماضية، أن إسرائيل باتت "دفيئة لمتهربي دفع الضرائب" من يهود العالم، الذين يستفيدون من قانون الإعفاء الضريبي المذكور. وتأجج الجدل الإسرائيلي حول هذا القانون، الذي لا يستفيد منه سوى بعض الأفراد مع عائلاتهم، على ضوء تقارير ومطالبات دولية من إسرائيل بوقف العمل بهذا القانون، الذي يقف حاجزا أمام تبادل المعلومات المالية لمحاصرة متهربي الضرائب في العالم.

كما أن هذا القانون كان سببا في تورط بنوك إسرائيلية أمام السلطات الأميركية، إذ كان بنك ليئومي أول المتورطين، وتكبد غرامة بـ 400 مليون دولار. بينما جرت مفاوضات مع بنك "هبوعليم"، أكبر البنوك الإسرائيلية، وبنك "مزراحي طفاحوت" الذي يحل رابعا من بين البنوك الخمسة الكبار. أما البنك الأخير، فهو "هبينلئيومي هريشون"، إلا أن قضيته لم تثر في الفترة الأخيرة، وليس واضحا إلى أي نقطة وصلت.

وقد وصل أبراموفيتش في الأيام، التي صدر فيها التقرير السنوي للمجلة الشهرية لصحيفة "ذي ماركر"، حول تدريج الأثرياء الـ 500 الكبار في إسرائيل، ولذا لم يتم ادراجه ضمن القائمة، وحسب تلك القائمة فإن أكبر ثروة في هذا العام بلغت 3ر9 مليار دولار، ما يعني أنه في حال بقي أبراموفيتش في إسرائيل حتى منتصف العام المقبل، وحافظ على حجم ثروته المعلن، فإنه سيتحول فورا إلى الثري الأكبر في إسرائيل، رغم أنه روسي الجنسية أيضا، ولم يتنازل عنها.

ويمثل أبراموفيتش ظاهرة من عشرات الأثرياء اليهود الذين هاجروا إلى إسرائيل في السنوات الأخيرة للاستفادة من قانون الإعفاء الضريبي، ولكن هذا لا يعني ورقة رابحة بيد إسرائيل، لأن هذه حركة أموال واستثمارات ضخمة، لا يوجد ما يربطها ويبقيها، فهي كالطيور المهاجرة تبحث عمن "يغذيها"، فمنها من لجأ إلى إسرائيل، للاستفادة من شروط وامتيازات ضريبية، للاستثمارات المالية الكبرى، وخاصة المهاجرة اليها، ما يعني أنها على استعداد للقيام بالهجرة العكسية، في حال تبدلت الظروف، أو وجدت ظروفا أفضل في أي مكان آخر في العالم.

والسؤال الأبرز الذي انشغلت فيه الصحافة الاقتصادية الإسرائيلية هو كيف حصل أبراموفيتش بهذه السرعة على الجنسية الإسرائيلية؟، وكان شبه اجماع في التقارير على أن "جهات عليا" في سدة الحكم تدخلت من أجل تأمين الجنسية على الفور، لأنه حسب الأنظمة هناك فترة تمهيد، خلالها يتم فتح ملف خاص به في وزارة الداخلية، حتى يتم ترتيب الهجرة والحصول على الجنسية. وفي حالات أخرى، ومن أجل تسريع الحصول على الجنسية، على طالب الجنسية أن يتبرع بما لا يقل عن مليون دولار لإحدى المؤسسات الإسرائيلية والصهيونية، لكن حتى هذا يحتاج إلى فترة ما.

وكما يبدو فقد تم إيجاد مبررات لحصول أبراموفيتش على الجنسية، منها أنه متبرع دائم للمؤسسات الإسرائيلية والصهيونية، وأنه على سبيل المثال تبرع بـ 70 مليون دولار للمركز الطبي شيبا في وسط البلاد.

على أي حال، فإن أبراموفيتش سيتحول في المستقبل القريب إلى الشخصية المركزية الأكثر إثارة في الساحة الإسرائيلية، في حال قرر البقاء هنا ولم يغادر كغيره من الأثرياء الكثر.

 

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات