أشار تقرير جديد إلى أنه يجري في إسرائيل، سنوياً، إتلاف 5ر2 مليون طن من المواد الغذائية و64 مليون وجبة غذائية صالحة للأكل، تذهب كلها إلى مكب النفايات. وتأتي هذه المعطيات لتؤكد ما كان قد ورد في تقرير سابق عن أن القيمة الإجمالية للمواد الغذائية، الخام والمصنّعة، التي تلقى للنفايات وهي صالحة للأكل تصل إلى 6ر4 مليار دولار. وكان تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) قد أدرج إسرائيل في المرتبة الأولى بين الدول الأكثر إتلافا للمواد الغذائية.
ويٌعد هذا واحدا من أكثر المواضيع التي تثار لدى الحديث عن المواد الغذائية وأسعارها بشكل عام، مقابل ارتفاع تكلفة المعيشة، فيما يفتقر 18% من المواطنين للأمن الغذائي ويعتمد آلاف المسنين على تبرعات تقدمها جمعيات إغاثة لضمان وجبة ساخنة واحدة على الأقل في اليوم، إذ بينت إحصائية أخيرة في إسرائيل أن 190 جمعية تنشط في هذا المجال.
وكما ذكر، فقد أدرج تقرير منظمة OECD دولة إسرائيل، بالاستناد إلى معطيات العام 2015، في المرتبة الأولى بين الدول الأعضاء في المنظمة، من حيث كمية المواد الغذائية التي يتم إتلافها فيها سنويا. وقال التقرير إن 14% من المواد الغذائية الصالحة في البيوت يتم القاؤها إلى النفايات، بينما ترتفع النسبة بشكل مذهل في معسكرات الجيش الإسرائيلي، إذ تصل إلى 38%.
وكان موضوع إتلاف المواد الغذائية قد أثير في الماضي مراراً، لكن من زاوية أخرى تتعلق بالإتلاف المتعمد لبعض المنتوجات الزراعية بغية الحفاظ على مستوى أسعارها في السوق. وقد أشار تقرير أعدته منظمة زراعية إسرائيلية وشركة استشارات اقتصادية إسرائيلية ونشر في العام الماضي، إلى أنه يتم في إسرائيل إلقاء مواد غذائية بقيمة إجمالية تبلغ 6ر4 مليار دولار إلى النفايات، سنوياً، وأنه بالإمكان إنقاذ نصف هذه المواد، مما كان سيوفر على الاقتصاد نحو 3ر1 مليار دولار.
وحسب التقرير، تشكل قيمة المواد الغذائية التي تلقى للنفايات ما نسبته 6ر1% من حجم الناتج الإجمالي المحلي. وتبين، أيضا، أن ما قيمته 05ر1 مليار دولار من المنتوجات الزراعية يتم اتلافها في الحقول، فيما يتم اتلاف ما قيمته 322 مليون دولار في مرحلة التغليف، وحوالي 340 مليون دولار في مرحلة التصنيع، وما قيمته 552 مليون دولار في مرحلة التوزيع، 730 مليون دولار في مرحلة الاستهلاك، وما قيمته 6ر1 مليار دولار يتم اتلافه في البيوت والمطاعم المختلفة.
ودعا التقرير إلى اتخاذ تدابير عديدة لتقليص حجم المواد الغذائية التي يتم إتلافها. وأشار إلى أن 18% من السكان يفتقرون إلى الأمن الغذائي. كما أشار إلى تفاوت استهلاك المواد الغذائية ونوعيتها. ففي حين يستهلك الفرد في الشريحة الميسورة الأعلى مواد غذائية بما قيمته 360 دولارا في الشهر، يستهلك الفرد في الشريحة الاجتماعية الأضعف اقتصادياً مواد غذائية بما قيمته قرابة 64 دولارا، في الشهر.
وتحدث عمليات الاتلاف الأولى في الحقول، سواء جراء خلل في عمليات القطف وجمع المحاصيل، أو جراء إتلاف المحاصيل في بعض المواسم بهدف الحفاظ على أسعارها في السوق. وإضافة إلى هذا، يتم في الكثير من الحقول الإسرائيلية إهمال الثمار والمحاصيل مرة كل سبع سنوات، وذلك تنفيذاً لأمر ديني، رغم أنه يتم التحايل على هذا الأمر في كثير من الحالات، لمنع المزيد من الخسائر.
وتتحدث التقارير عن عمليات الترزيم والتخزين، لكن المحطة التالية التي يتم فيها إتلاف كميات كبيرة من المواد الغذائية هي البيوت ومرافق العمل والمطاعم. وحسب التقرير الأخير الذي نشرته صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية، وكما ذكر هنا، فإن 14% من الأغذية في البيوت و38% من الأغذية في معسكرات الجيش يتم إلقاؤها في النفايات. كما يتم إتلاف ملايين الوجبات الجاهزة التي توزع في مرافق عمل ضخمة، مثل شركات التقنية العالية. أما في المطاعم الضخمة، وخاصة في قاعات الافراح، تصل نسبة إتلاف الأغذية إلى 50% ـ 60%، حسب تقديرات غير رسمية.
لا يحدث هذا كله بسبب الاهمال، بل هناك دور للأنظمة الصحية التي ازدادت حدتها في السنوات الأخيرة، والتي تفرض معايير وشروط كثيرة لنقل الأطعمة من مكان إلى آخر، ما دفع مرافق الطعام الكبيرة إلى تفضيل التخلص من الوجبات الجاهزة وتوجيهها إلى النفايات بدلا من نقلها المكلف، خاصة وأن القانون يفرض عقوبات صارمة، منها غرامات باهظة ومنها ما يصل إلى المحاكمات الجنائية.
وهذا ما تسعى جمعيات إغاثة إلى تعديله، إذ تطالب بتخفيف هذه الأنظمة لتكون أكثر منطقية، بحيث تسمح لها بجمع الوجبات الجاهزة الفائضة وتوزيعها على المعوزين الذين تؤمن لهم وجبات ساخنة يوميا. وأكبر هذه الجمعيات هي "ليكيت"، التي تعد الجمعية الأكبر في جمع المواد الغذائية. وحسب هذه الجمعية، يتم انقاذ 5ر2 مليون وجبة فقط، من أصل 64 مليون وجبة يتم إتلافها سنويا.
وتقول الجمعية إن الأنظمة من جهة وقلة الموارد من جهة أخرى، تقف عائقا جديا أمام إنقاذ كم أكبر من المواد الأغذية. وحسب أحد المسؤولين فيها، ثمة مشروع عام لإنقاذ المواد الغذائية يحتاج إلى 4 آلاف وظيفة و500 شاحنة ملائمة. وفي حسابات أخرى، يجري الحديث عن ميزانية تبلغ 600 مليون إلى 650 مليون شيكل (164 مليون - 178 مليون دولار)، مقابل تقديرات بنحو 6ر4 مليار دولار، هي قيمة المواد الغذائية المتلفة سنويا.
لكن هذه الميزانيات ليست متوفرة لدى أية جهة. وقد بدأت الحكومة بتمويل جمعية "ليكيت" ببضعة ملايين من الشواقل، وذلك بمبادرة من وزير المالية، الذي دعا كل وزارة "للتبرع" لهذه الجمعية بنصف مليون شيكل، ما يعني حوالي 15 مليون كحدّ أقصى، وهو بعيد جدا عن المبلغ المطلوب.
وأفادت جمعيات إغاثة لتقرير "ذي ماركر" بأنها تجبي من المسنين المعوزين 3 شواكل مقابل الوجبة الساخنة الواحدة (حوالي 85 سنتا). ورغم ذلك، فإن نسبة كبيرة من المسنين ليست قادرة على دفع حتى هذا المبلغ الزهيد جدا، لأنها تعتاش على مخصصات الشيخوخة بقيمة تقل عن 500 دولار شهريا، لا تكفي لسد حاجيات كثيرة، من بينها تكاليف السكن وأثمان الأدوية والاحتياجات المعيشية الأخرى.