بنك إسرائيل المركزي يضع أمام الحكومة خيارين: إما رفع ضرائب لزيادة المداخيل بأكثر من ملياري دولار سنويا، وإما تقليص مصروفات الحكومة سنويا
شرعت مختلف الأحزاب الإسرائيلية في الأسبوع الماضي في اطلاق برامجها الاقتصادية، التي تنثر الوعود للناخبين، بتخفيف السياسة الاقتصادية عليهم، في حال وصلت تلك الأحزاب إلى الحكم، إلا أن بنك إسرائيل المركزي سارع من جهته هو أيضا إلى تخفيف "صخب الحفلة"، بإصداره تقريراً يقول فيه إنه من دون زيادة الضرائب، فسيكون على الحكومة المقبلة اجراء تقليصات في ميزانيتها، عدا التقليصات التي تضمنها مشروع موازنة 2015، الذي لم تكمل الحكومة المنتهية ولايتها إقراره في الكنيست. وبحسب التوقعات، فإن أي حكومة جديدة ستصل إلى سدة الحكم، ستسحب المشروع لإجراء تعديل عليه، ومن شبه المؤكد أن الحكومة ستطرح معه موازنة العام التالي- 2016.
وكان الكنيست قد أقر في شهر تشرين الثاني الماضي مشروع الموازنة الذي قدمته الحكومة، بالقراءة الأولى، إلا أنه بعد اقرار الميزانية بالقراءة الأولى، توقفت الأبحاث بها في لجان الكنيست، بسبب الخلافات المتشعبة التي تأججت بين أحزاب الائتلاف الحاكم، وقادت إلى حل الكنيست واجراء انتخابات مبكرة، في منتصف آذار المقبل.
وبلغ حجم الميزانية نحو 84 مليار دولار، وفق سعر الصرف الحالي (9ر3 شيكل للدولار)، وبقيت وفق هيكلية ميزانية العام 2014، إذ رفعت الحكومة نسبة العجز، تفاديا لرفع الضرائب، وهذا ما اعترض عليه بنك إسرائيل المركزي. وكان العدوان على غزة المسبب الاساس في تأخير اقرار الموازنة، وتبع العدوان جدل واسع بين الجيش ووزارة المالية حول كلفة الحرب، وفي نهاية المطاف جرى التوصل إلى ما سمُيّ بـ "حل وسط"، بإضافة 6ر1 مليار دولار لميزانية الجيش الأساسية مع وعود بإضافات أخرى خلال هذا العام.
والميزانية الأكبر ستكون كالعادة لوزارة الدفاع التي تتضمن ميزانية الجيش، وتبلغ 7ر16 مليار دولار، وهي الميزانية المباشرة الأعلى في تاريخ إسرائيل، أيضا من حيث قيمتها بالدولار، إذ تلقى الجيش زيادة ثابتة في ميزانياته، بمقدار 3ر1 مليار دولار.
وهذا لا يشمل 3 مليارات دولار، الدعم العسكري الأميركي السنوي لإسرائيل، كما أن الحكومة أقرت أن يكون الاحتياطي العام للموازنة العامة نحو ملياري دولار، على أن يخصص بغالبيته لمصاريف الأمن، وبعد كل هذا، فقد علمت التجربة أن الجيش يحصل سنويا على اضافات مالية بعد اقرار الميزانية، بمقدار ما بين مليار إلى ملياري دولار سنويا، ما يعني أن ميزانية الجيش قد تصل في العام المقبل بالإجمال، إلى ما يزيد عن 21 مليار دولار.
وانتقد بنك إسرائيل المركزي رفع سقف العجز المالي إلى 4ر3% من حجم الناتج العام، وقال البنك إن هذه نسبة أعلى من الهدف السابق بكثير، 5ر2%، وإنه من الناحية الفعلية، فإن العجز سيصل في نهاية العام المقبل إلى 6ر3%، ما سيخل في عملية تخفيض حجم الدين العام، بالمقارنة مع الناتج العام.
وشكك بنك إسرائيل في تقريره، في أن يكون بمقدور النشاط الاقتصادي في العام 2015، أن يضمن مداخيل الضريبة التي يقدرها مشروع الموازنة، إذ يتوقع البنك أن تكون مداخيل الضريبة في العام المقبل أقل بنحو 635 مليون دولار من تقديرات وزارة المالية، التي تتوقع مداخيل بقيمة تقل بقليل عن 66 مليار دولار.
وكما ذكر، فمن المتوقع أن تعمل الحكومة المقبلة، خاصة إذا كانت برئاسة بنيامين نتنياهو حسب ما تشير اليه استطلاعات الرأي، على تعديل قانون نظام اقرار الموازنة العامة، مجددا، بشكل يجيز للحكومة تقديم مشروع الموازنة لعامين في آن واحد، وهو النظام الذي جرى اتباعه من العام 2009 إلى العام الماضي 2014، إلا أنه جرى تعديل القانون في العام الماضي، بشكل يعيد الموازنة إلى عام واحد، بموجب شرط وزير المالية في حينه يائير لبيد، رئيس حزب "يوجد مستقبل"، للانضمام إلى ائتلاف بنيامين نتنياهو، ولا يبدو أن التعديل المتوقع سيلقى معارضة، لأن الحكومة والكنيست لن يكون بإمكانهما الانتهاء من اقرار موازنة العام الجاري قبل نهاية تموز المقبل، وهو موعد بدء اعداد ميزانية العام التالي 2016.
مديح وتحذير
وكان تقرير بنك إسرائيل المركزي، وقبل اطلاق تحذيره بشأن قيود الميزانية المقبلة، قد امتدح الاجراءات التي قامت بها حكومة بنيامين نتنياهو، وأدت إلى لجم العجز في الموازنة العامة، على الرغم من العدوان على قطاع غزة في صيف العام الماضي 2014. وقال البنك إن سيطرة الحكومة على مصاريفها الجارية في العام الماضي، ساهم في امتصاص مصاريف العدوان على غزة، بقيمة 7 مليارات شيكل، ما يعادل حاليا 8ر1 مليار دولار، بما في ذلك تقليص الانعكاسات الاقتصادية للعدوان على خزينة الضرائب وغيرها من القطاعات الاقتصادية.
ويقول البنك إن العجز في الموازنة العامة، للعام الماضي 2014 بلغ 8ر2% من حجم الناتج العام، وهو أقل بقليل من نسبة 3%، التي كانت مخططة ومتوقعة للعام الماضي. ويذكر في هذا المجال أن اجمالي العجز حتى نهاية الشهر ما قبل الأخير من العام الماضي بلغ نسبة 4ر1%، إلا أن الحكومة ضاعفت العجز، من خلال تحويل ميزانيات كانت مخططة وفائض ميزانيات إلى وزارة الدفاع ومصاريف أخرى.
وحسب البنك، فإن الصرف القائم حتى إقرار الموازنة العامة نهائيا للعام الجاري 2015، أي حتى نهاية تموز، سيكون بناء على ميزانية العام الماضي جزئيا، حسب ما ينص عليه القانون، وهذا من شأنه أن يقلص مصاريف الحكومة المدنية، ما سيسمح لها بعدم خرق الميزانية لدى اقرارها، جراء زيادة ميزانية الجيش.
ويدعو بنك إسرائيل مجددا إلى التمسك بنسبة عجز الموازنة التي جرى اقرارها في العام 2013، بنسبة 5ر2%، وليس النسبة التي أقرها مشروع الموازنة الذي أقرته حكومة نتنياهو، وهو 4ر3%. وحسب البنك فإن على الحكومة المقبلة أن تستمر بمخطط تخفيض العجز في الموازنة تدريجيا من 5ر2% في العام 2015، إلى 5ر1% في العام 2019، وهذا بات من الممكن إقراره بسبب التأخر في تطبيق موازنة العام الجاري.
إلا أنه في العام المقبل 2016، سيكون على الحكومة أن ترفع الضرائب بشكل يضمن لها زيادة مداخيل بقيمة 8 مليارات شيكل، أي حوالي 06ر2 مليار دولار. وحذر البنك من أنه من دون رفع الضرائب، أو تقليص المصروفات، وفي نفس الوقت بقي العجز للعام الجاري في حدود 3%، فإن حجم الدين العام، بالمقارنة مع الناتج العام، سيرتفع إلى نسبة 70% مع حلول العام 2020، بعد أن انخفض في العام الماضي 2014 إلى مستوى 67%، وهي النسبة الأدنى منذ سنوات طوال، إذ تهدف إسرائيل للهبوط إلى نسبة 60% من الناتج العام، وهي النسبة القائمة في الدول المتطورة، حتى قبل اندلاع الأزمة الاقتصادية في السنوات الأخيرة.
ويقول محللون إن تقرير بنك إسرائيل المركزي يعني أن على الحكومة المقبلة أن تتبع سياسة تقليصات وتقشف، تقريبا طيلة سنوات ولايتها، إذا بقيت لأربع سنوات وأكثر، لأن ما يطلبه بنك إسرائيل عمليا تقليص مصروفات الحكومة، أو زيادة الضرائب، بما يقارب 1% من اجمالي الناتج العام، وهذا يكون أقرب إلى 10 مليارات شيكل سنويا.