يكتب المؤرخ والصحافي توم سيغف، الذي نشر مؤخراً كتاباً عن حرب عام 1967، أن ما نشهده الآن من مظاهر إخلاء المستوطنين في قطاع غزة، خاصة المؤلمة منها، أمر محير. "فليس دوماً بالوسع معرفة إن كان المستوطنون يبكون مصير الشعب اليهودي أم فقط خسارتهم للجاكوزي... فمعظم البث التلفزيوني وقع أسيراً للاستغلال العاطفي الذي قام به المستوطنون، وتبنى فرضية أن إخلاء قطاع غزة كارثة قومية و"مؤلمة لنا جميعاً". ولم يقم أحد بوصف هذا الإخلاء على أنه خطوة نحو الأمل. وبالمناسبة فإن الإعلام الإسرائيلي ضيع الدراما الحقيقية وهي أن المجتمع الإسرائيلي يحاول الآن تخليص نفسه من خطأ تاريخي اقترفه قبل حوالي أربعين عاماً، وهو يبحث الآن عن طريق العودة إلى تقليد صهيوني آخر".
ما من شك في أن إخلاء وتفكيك المستوطنات اليهودية في قطاع غزة سيسجل في تاريخ الصهيونية الدينية وبالأخص جناحها المركزي الاستيطاني، كانتكاسة شديدة ثانية (خلال عقد واحد) لهذا التيار وما يمثله من فكر أيديولوجي مسيحاني (خلاصي) موغل في التطرف، وذلك بعد انتكاسته الأولى الناجمة عن اتفاقيات أوسلو وملحقاتها ونتائجها، والتي شكلت بكيفية ما إقراراً وتسليماً من جانب إسرائيل الرسمية والتيار المركزي في الحركة الصهيونية برمتها بـ"تقسيم البلاد" ["أرض إسرائيل"/ فلسطين/ التاريخية] إلى كيانين سياسيين سياديين.
ظهرت في الأيام الأخيرة، في اسرائيل، توقعات بأن تجري انتخابات برلمانية مبكرة، في غضون أشهر قليلة جدا، مع أن موعدها الرسمي هو في خريف العام القادم 2006، وهذا على خلفية اخلاء المستوطنين من غزة، واستقالة بنيامين نتنياهو من الحكومة، واحتمال محدود بأن يحذو حذوه وزراء آخرون، وغير ذلك من الاسباب.
سأل مقدم النشرة الإخبارية المركزية لقناة "آي تي في" البريطانية مراسلة القناة المتواجدة في مستوطنات غزة يوم 17/8: كيف استطعتم تصوير هذه التفاصيل الدقيقة للإخلاء؟ هل توافقينني على أن إسرائيل تريد عرض ما يحدث إلى العالم.؟ فرّدت عليه المراسلة: "لا أحد يمنعنا من التصوير، ويبدو لي أن الجيش الإسرائيلي معنيٌ فعلاً"... وهذه ليست مفاجأة، فعندما أعلن الجيش الإسرائيلي عن أنّ قطاع غزة "منطقة عسكرية مغلقة"، شدّد المسؤولون وبحرص على السماح بدخول الصحفيين، ما هو ليس مسبوقًا خاصة في المناطق العسكرية المغلقة.
الصفحة 651 من 1047